fbpx

جامع الخيرات – الدرس 4

شارك هذا الدرس مع أحبائك

الْحَثُّ عَلَى طَلَبِ عِلْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَصَلَوَاتُ اللَّهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ وَالْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ وَعَلَى ءَالِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَغَّبَ عِبَادَهُ بِالْعِلْمِ. أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِى الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ فِى سُورَةِ طَهَ ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا﴾ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ. الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَالْعِلْمُ بِرَسُولِ اللَّهِ وَالْعِلْمُ بِأُمُورِ دِينِهِ هَذَا أَفْضَلُ الْعِلْمِ. الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ هُوَ أَسَاسُ الدِّينِ، الإِسْلامُ لا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَمَا يَجِبُ فَهُوَ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ، يُقَالُ لَهُ مُسْلِمٌ وَيُقَالُ لَهُ مُؤْمِنٌ ثُمَّ إِنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ فَلا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَمَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى الِاعْتِقَادُ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ لَهُ بِشَىْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَرَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْجُودٌ لا يُشْبِهُ الْخَلْقِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. كُلُّ شَىْءٍ نَرَاهُ حَجْمٌ إِمَّا حَجْمٌ كَبِيرٌ وَإِمَّا حَجْمٌ صَغِيرٌ وَإِمَّا حَجْمٌ وَسَطٌ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. الإِنْسَانُ لَهُ حَجْمٌ وَحَبَّةُ الْخَرْدَلِ لَهَا حَجْمٌ وَالْجِبَالُ لَهَا حَجْمٌ وَالشَّمْسُ لَهَا حَجْمٌ وَالْقَمَرُ كَذَلِكَ وَالنُّجُومُ لَهَا أَحْجَامٌ خَاصَّةٌ، كُلُّ نَجْمٍ لَهُ حَجْمٌ، وَالسَّمَاوَاتُ لَهَا حَجْمٌ وَالْعَرْشُ لَهُ حَجْمٌ وَهُوَ أَكْبَرُ حَجْمٍ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَى حَجْمًا أَكْبَرَ مِنْهُ وَلَوْ شَاءَ لَخَلَقَ حَجْمًا أَكْبَرَ مِنْهُ لَكِنْ مَا شَاءَ أَنْ يَخْلُقَ حَجْمًا أَكْبَرَ مِنَ الْعَرْشِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ حَجْمًا صَغِيرًا وَلا حَجْمًا كَبِيرًا وَلا حَجْمًا وَسَطًا بَيْنَ الْحَجْمِ الصَّغِيرِ وَالْحَجْمِ الْكَبِيرِ. ثُمَّ إِنَّ الْحَجْمَ إِمَّا حَجْمٌ كَثِيفٌ وَإِمَّا حَجْمٌ لَطِيفٌ. الْحَجْمُ الْكَثِيفُ الشَّىْءُ الَّذِى يُجَسُّ بِالْيَدِ وَالْحَجْمُ اللَّطِيفُ هُوَ مَا لا يُجَسُّ بِالْيَدِ كَالضَّوْءِ وَالظَّلامِ وَالرِّيحِ. اللَّهُ تَعَالَى لا يُشْبِهُ الْحَجْمَ الْكَثِيفَ وَلا الْحَجْمَ اللَّطِيفَ. الْحَجْمُ الْكَثِيفُ وَالْحَجْمُ اللَّطِيفُ لَمْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمَا اللَّهُ وَأَمَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَمَوْجُودٌ لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ، فِى الأَزَلِ لَمْ يَكُنْ شَىْءٌ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْجِهَاتِ السِّتِّ فَوْقٍ وَتَحْتٍ وَأَمَامٍ وَخَلْفٍ وَيَمِينٍ وَشِمَالٍ وَقَبْلَ النُّورِ وَالظَّلامِ، كَانَ مَوْجُودًا بِلا مَكَانٍ. قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَكَانَ مَا كَانَ الْمَكَانُ مَوْجُودًا، كَذَلِكَ الْجِهَاتُ السِّتُّ مَا كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا اللَّهُ، لِذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ لا يَتَغَيَّرُ. اللَّهُ لَيْسَ مُتَحَيِّزًا فِى الْعَرْشِ الَّذِى هُوَ فِى الْجِهَةِ الْعُلْيَا جِهَةِ فَوْقٍ وَلا فِى الأَرْضِ السَّابِعَةِ الَّتِى هِىَ فِى جِهَةِ تَحْتٍ، لَيْسَ اللَّهُ مُتَحَيِّزًا فِى ذَلِكَ. الْعَرْشُ كَعْبَةُ الْمَلائِكَةِ. تُوجَدُ مَلائِكَةٌ لا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ حَوْلَ الْعَرْشِ يَطُوفُونَ بِهِ كَمَا يَطُوفُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْبَشَرِ وَالْجِنِّ بِالْكَعْبَةِ الَّتِى فِى مَكَّةَ الَّتِى هِىَ قِبْلَةُ الْمُسْلِمِينَ، كَذَلِكَ أُولَئِكَ الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ فَوْقُ عِنْدَ الْعَرْشِ الْعَرْشُ قِبْلَتُهُمْ. اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ سَاكِنًا الْعَرْشَ وَلا الْكَعْبَةَ وَمَنْ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ مُتَحَيِّزٌ فِى جِهَةِ فَوْقٍ أَىْ عَلَى الْعَرْشِ أَىْ أَنَّهُ سَاكِنٌ فِيهِ جَالِسٌ عَلَيْهِ فَهُوَ جَاهِلٌ كَافِرٌ مَا عَرَفَ اللَّهَ، فَلا يَجُوزُ اعْتِقَادُ وَتَصَوُّرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَاكِنٌ الْعَرْشَ كَمَا تَقُولُ الْوَهَّابِيَّةُ. ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى لا يُشْبِهُ الْخَلْقَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، الْخَلْقُ إِمَّا مُتَحَرِّكٌ وَإِمَّا سَاكِنٌ وَإِمَّا مُتَحَرِّكٌ بَعْضَ الأَوْقَاتِ وَسَاكِنٌ بَعْضَ الأَوْقَاتِ فَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَذَلِكَ لا يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ مُتَحَرِّكٌ وَلا يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ سَاكِنٌ. هَذَا الِاعْتِقَادُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا خَالَفَهُ فَهُوَ ضَلالٌ. فِى الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ ءَايَةٌ وَهِىَ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سُورَةَ الشُّورَى/11] مَعْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ لا يُشْبِهُ شَيْئًا. الَّذِى يَتَعَلَّمُ عِلْمَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَعَلَّمَ هَذَا الْعِلْمَ وَتَعَلَّمَ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ وَعَمِلَ بِذَلِكَ وَكَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فِى شَبَابِهِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُكْرِمُهُ فِى الآخِرَةِ يَحْمِيهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ، الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَدِيدَةٌ، الْيَوْمَ الشَّمْسُ بَعِيدَةٌ مِنْ رُؤُوسِ النَّاسِ بُعْدًا كَبِيرًا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَكُونُ قَرِيبَةً مِنْ رُؤُوسِ النَّاسِ بِقَدْرِ مِيلٍ أَىْ قَدْرِ مَسَافَةِ نِصْفِ سَاعَةٍ تَقْرِيبًا. هَذَا الشَّابُّ الْمُسْلِمُ الَّذِى نَشَأَ فِى طَاعَةِ اللَّهِ يَحْمِيهِ اللَّهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَكُونُ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ لا يُصِيبُهُ تَعَبٌ وَلا مَشَقَّةٌ، أَمَّا النَّاسُ الآخَرُونَ يُقَاسُونَ حَرَّ الشَّمْسِ. الْوَاحِدُ مِنَ الْكُفَّارِ عَرَقُهُ يَتَصَبَّبُ مِنْ جِسْمِهِ وَيَسِيلُ حَوْلَ جِسْمِهِ، الْكُفَّارُ يَصِلُ عَرَقُهُمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ مِنَ الْقَدَمِ إِلَى الْفَمِ، وَعَرَقُ كُلِّ شَخْصٍ لا يَتَجَاوَزُهُ إِلَى غَيْرِهِ. اللَّهُ تَعَالَى يَحْمِى الشَّابَّ الَّذِى نَشَأَ عَلَى طَاعَتِهِ عَلَى عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الْيَوْمِ. الْكَافِرُ مِنْ شِدَّةِ تَأَذِّيهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ لَوْ كَانَ يُوجَدُ مَوْتٌ فِى الآخِرَةِ لَمَاتَ لَكِنْ لا يَمُوتُ. احْمَدُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَسَرَّ لَكُمْ مَنْ يُعَلِّمُكُمْ عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِى هَذَا الْوَقْتِ الَّذِى يُوجَدُ فِيهِ فِى هَذَا الْبَلَدِ مَنْ يُعَلِّمُونَ عَكْسَهَا. فِى مَدَارِسَ تَدَّعِى أَنَّهَا مَدَارِسُ إِسْلامِيَّةٌ يُعَلِّمُونَ خِلافَ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِينَ. فِى بَعْضِهَا يُصَوِّرُونَ اللَّهَ لَهُمْ كَأَنَّهُ جِسْمٌ يُغَنِّى عَلَى الشَّجَرِ وَيَتَثَنَّى عَلَى الأَغْصَانِ، هَكَذَا يُعَلِّمُونَهُمْ. الَّذِى يَنْشَأُ عَلَى هَذَا وَيَمُوتُ عَلَى هَذَا يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْكُفَّارِ لا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَيُدْخَلُ مَدْخَلَ الْكُفَّارِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ لِأَنَّهُ مَا عَرَفَ اللَّهَ. الَّذِينَ يَنْشَأُونَ فِى مِثْلِ هَذِهِ الْمَدَارِسِ يَتَخَرَّجُونَ وَهُمْ لا يَعْرِفُونَ اللَّهَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ، يَطْلُعُونَ جَاهِلِينَ بِاللَّهِ لا يَعْرِفُونَ خَالِقَهُمْ، يَتَصَوَّرُونَ خَالِقَهُمْ جِسْمًا بِشَكْلِ إِنْسَانٍ يَتَنَقَّلُ فِى الأَشْجَارِ. وَفِى تَعَالِيمِهِمْ كُفْرٌ زَائِدٌ عَلَى هَذَا، يَقُولُونَ اللَّهُ ذَاكَ الْبُسْتَانِىُّ الْجَالِسُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَذَاكَ الشُّرْطِىُّ فِى شَوَارِعِ بَيْرُوتَ، هَؤُلاءِ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْكُفَّارِ لَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. أَنْتُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْقَذَكُمْ، يَسَرَّ لَكُمْ مَنْ يُعَلِّمُكُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يُشْبِهُ شَيْئًا فَاحْمَدُوا اللَّهَ تَعَالَى.