fbpx

جامع الخيرات – الدرس 6

شارك هذا الدرس مع أحبائك

فَالْوَلِىُّ هُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِى ءَامَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعَلَّمَ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ مَا هُوَ فَرْضٌ ضَرُورِىٌّ وَلَوْ بِالتَّلَقِّى الشَّفَوِىِّ بِحُضُورِ مَجَالِسِ أَهْلِ الْعِلْمِ، حَصَّلَ الْقَدْرَ الَّذِى لا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ الْعَقِيدَةِ وَلِتَصْحِيحِ الأَعْمَالِ مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَعَرَفَ مَعَاصِىَ الْقَلْبِ كَالرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ وَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَعَرَفَ مَعَاصِىَ السَّمْعِ كَالِاسْتِمَاعِ إِلَى الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ عَمْدًا وَعَرَفَ مَعَاصِىَ الْيَدِ كَضَرْبِ الْمُؤْمِنِ ظُلْمًا وَعَرَفَ مَعَاصِىَ اللِّسَانِ كَالشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ وَالْكُفْرِ اللَّفْظِىِّ وَعَرَفَ مَعَاصِىَ الرِّجْلِ كَالْمَشْىِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَعَرَفَ مَعَاصِىَ الْفَرْجِ كَالزِّنَى وَعَرَفَ مَعَاصِىَ الْبَطْنِ كَأَكْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلَّمُهُ ثُمَّ طَبَّقَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ تَخَلَّى عَنِ الْمَعَاصِى الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَتَحَلَّى بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَأَفْضَلُهَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ الصَّلاةُ ثُمَّ أَكْثَرَ مِنَ النَّوَافِلِ لَكِنْ لَيْسَ شَرْطًا لِلْوِلايَةِ أَنْ يَأْتِىَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّوَافِلِ بَلْ إِذَا أَكْثَرَ مِنْ نَوْعٍ أَوْ نَوْعَيْنِ مِنَ النَّوَافِلِ يَكْفِى ذَلِكَ لِثُبُوتِ الْوِلايَةِ. وَالنَّوَافِلُ الَّتِى يَكُونُ مِنْ شَأْنِ الْوَلِىِّ أَنْ يَكُونَ مُكْثِرًا مِنْهَا التَّهَجُّدُ بِاللَّيْلِ وَمِنْهَا كَثْرَةُ الذِّكْرِ اللِّسَانِىِّ وَالتَّهْلِيلُ أَفْضَلُهُ وَمِنْهَا التَّسْبِيحُ وَهُوَ بَعْدَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِالْفَضْلِ. كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ الْمُكْثِرِينَ مِنْ رِوَايَةِ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَهُ وِرْدٌ يَفْعَلُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ كُلَّ يَوْمٍ [ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِى تَارِيخِ دِمَشْقَ]. هَذَا شَرْطُ الْوِلايَةِ. ثُمَّ الْوَلِىُّ لا يَشْتَغِلُ بِمَا تَفْعَلُهُ السَّحَرَةُ وَأَصْحَابُ الْعَزَائِمِ مِنْ ضَرْبِ الْمَنْدَلِ وَقِرَاءَةِ الْكَفِّ وَأَىُّ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ هُوَ فَاسِقٌ لَيْسَ بِوَلِىٍّ. وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى نَوَّرَ اللَّهُ بَصَائِرَهُمْ وَمَكَّنَهُمْ تَمْكِينًا فِى تَقْوَاهُمْ فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَيْضًا الِاشْتِغَالُ بِكِتَابَةِ الطَّلاسِمِ وَقَدْ تَكُونُ فِى الْوَاقِعِ أَسْمَاءً وَرُمُوزًا لِعُظَمَاءِ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يُقَدِّسُونَهُمْ فَإِذَا كُتِبَتْ هَذِهِ الطَّلاسِمُ وَطُبِّقَتْ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِى يَشْتَرِطُونَهُ يَحْصُلُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ الأَثَرُ الَّذِى يُرَادُ مِنْ أَجْلِهِ كِتَابَةُ هَذِهِ الطَّلاسِمِ أَحْيَانًا. وَلَيْسَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْتَغِلُونَ بِطَرِيقِ صُحْبَةِ الْجِنِّ عَلَى حَسَبِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِى يَشْتَرِطُهَا هَؤُلاءِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ أَصْحَابٌ مِنَ الْجِنِّ مُؤْمِنُونَ يَطْلُبُونَ صُحْبَةَ هَؤُلاءِ الْبَشَرِ الصُّلَحَاءِ لِيَسْتَفِيدُوا مِنْ صُحْبَتِهِمْ فِى الدِّينِ، وَلا يَتَعَارَضُ كَوْنُهُ بَشَرًا وَلِيًّا مَعَ تَرَدُّدِ جِنِّىٍّ إِلَيْهِ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ فِى الدِّينِ لَكِنَّ الَّذِى يَتَعَارَضُ مَعَ الشَّرْعِ فِعْلُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ نَحْنُ مُؤَاخُونَ لِلرُّوحَانِىِّ ثُمَّ مِنْ شَأْنِ هَذَا الَّذِى يُسَمُّونَهُ رُوحًا أَوْ رُوحَانِيًّا أَنْ يَدْخُلَ فِى الرَّجُلِ أَوْ فِى الأُنْثَى ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِمْ فَهَؤُلاءِ لَيْسُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْجِنِّىُّ الَّذِى مَعَهُمْ فَاسِقٌ مَعَ فَاسِقٍ، وَلا يَسْتَطِيعُ هَؤُلاءِ أَنْ يُحْضِرُوا رُوحَ إِنْسَانٍ بَشَرٍ مَيِّتٍ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا. وَوَلِىُّ اللَّهِ لا يَطْلُبُ الْجِنَّ لِيَدْخُلَ فِيهِ وَيَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ وَلَوْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ وَلَوْ زَعَمَ هَذَا الْجِنِّىُّ أَنَّهُ رُوحُ الشَّيْخِ الرِّفَاعِىِّ أَوْ الْجِيلانِىِّ فَإِنَّ هَذَا جِنِّىٌّ خَبِيثٌ، وَمَنْ يَدْخُلُ جِنِّىٌّ فِيهِ بِرِضَاهُ خَبِيثٌ بَعِيدٌ مِنَ الْوِلايَةِ بُعْدَ السَّمَاءِ مِنَ الأَرْضِ لِأَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُوجَدُ جِنٌّ أَوْلِيَاءُ كَمَا يُوجَدُ إِنْسٌ أَوْلِيَاءُ. وَالْمُبْتَلَى بِالْعَارِضِ إِنْ تَحَصَّنَ بِآيَاتِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقِيهِ ذَلِكَ أَذَىَ الْجِنِّ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَعَوَّذُ بِأَشْيَاءَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ثُمَّ لَمَّا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الْمُعَوِّذَتَانِ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِمَا، لِذَلِكَ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأُمَّتِهِ قِرَاءَةَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مَعَ سُورَةِ الإِخْلاصِ مَعَ تَصْحِيحِ الْحُرُوفِ مَسَاءً ثَلاثًا وَصَبَاحًا ثَلاثًا، صَبَاحًا أَىْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِنَحْوِ سَاعَتَيْنِ وَمَسَاءً مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى نَحْوِ ثَلاثِ سَاعَاتٍ فَمَنْ حَافَظَ عَلَى هَذَا فَقَدْ تَحَصَّنَ بِحِصْنٍ عَظِيمٍ مِنْ ضَرَرِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالسِّحْرِ. كَذَلِكَ عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا يَدْفَعُ بِهِ ضَرَرَ الْوَسْوَسَةِ بِأَنْ يَتْفِلَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ عَنْ يَسَارِهِ إِذَا أَحَسَّ بِهَا وَيَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ فَيَقُولَ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَفِتْنَتِهِ اهـ وَلا يَتَمَادَى فِيهَا وَيَصْرِفُ فِكْرَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ أَنْ يُعَكِّرَ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَيُضَايِقَهُ فَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الْوَسْوَسَةِ حَتَّى يَحْزَنَ وَيَنْشَغِلَ عَنِ الأُمُورِ الْمُهِمَّةِ. وَهُنَاكَ أَمْرٌ أَخَفُّ مِنْ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَاتِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ صَبَاحًا وَمَسَاءً وَهُوَ أَنْ يَقُولَ حَسْبِىَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْغُرُوبِ فَمَنْ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَهَالِكِ كَإِصَابَةِ الْعَيْنِ أَوِ السِّحْرِ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ [انْظُرْ سُنَنَ أَبِى دَاوُدَ بَابٌ فِى الْمُعَوِّذَتَيْنِ] وَهُوَ أَطْهَرُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَنْوَرُهُمْ بَصِيرَةً فَكَيْفَ لا يَحْتَاجُ غَيْرُهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ. لَمْ يَقُلْ أَنَا نَبِىُّ اللَّهِ يَنْزِلُ عَلَىَّ الْوَحْىُ صَبَاحَ مَسَاء وَالْمَلائِكَةُ أَحْبَابِى وَأَنْصَارِى فَلا أَسْتَفِيدُ مِنَ التَّعَوُّذِ، فَمَنْ تَعَوَّدَ عَلَى التَّحَصُّنِ بِهَذَا الْحِصْنِ فِى حَالِ صِحَّتِهِ كَانَ ذَلِكَ أَحْفَظَ لَهُ عِنْدَ التَّعَرُّضِ لِأَذَى الْجِنِّ أَوِ الإِنْسِ، وَلَوْلا أَنَّ اللَّهَ لَهُ عِنَايَةٌ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَأَمَتِهِ الْمُؤْمِنَةِ كَانَ لِلشَّيَاطِينِ شَأْنٌ أَشَدُّ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ فَلَوْلا حِفْظُ اللَّهِ لَتَخَطَّفُونَا مِنَ الأَرْضِ. وَالْمُؤْمِنُونَ أَعْدَاءُ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ لَمْ يَتْرُكُوا مُحَاوَلَةَ إِيذَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَدْ كَانَ إِبْلِيسُ عَلَى جَبَلٍ مَرَّةً قُبَالَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ سَاجِدٌ فِى الْكَعْبَةِ فَحَلَفَ إِبْلِيسُ لَيَطَأَنَّ مُحَمَّدًا ﷺفَرَكَضَ جِبْرِيلُ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً طَيَّرَتْهُ إِلَى الْعِرَاقِ، وَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ جُنُودٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَحْمِلُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ لِيَرْمِيَهَا فِى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَعْطَى اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ مَقْدِرَةً عَلَى أَنْ أَمْسَكَ أَحَدَهُمْ وَخَنَقَهُ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ جَاءَ إِبْلِيسُ مَرَّةً إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِصُورَةِ إِنْسَانٍ مِنْ نَجْدٍ وَكَانُوا يَتَآمَرُونَ عَلَى الرَّسُولِ ﷺ إِمَّا لِقَتْلِهِ وَإِمَّا لِحَبْسِهِ وَإِمَّا لِنَفْيِهِ مِنْ مَكَّةَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ إِبْلِيسُ فِى الْمُؤَامَرَةِ وَفَضَّلَ رَأْىَ الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الآرَاءِ لَكِنَّ اللَّهَ رَدَّ كَيْدَهُمْ وَمَكْرَهُمْ وَأَخْبَرَ نَبِيَّهُ بِالْوَحْىِ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ بَيْتِهِ وَغَادَرَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا عَلِىَّ ابْنَ أَبِى طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ مَكْرِهِمُ الَّذِى كَانَ إِبْلِيسُ مَعَهُمْ فِيهِ. وَاللَّهُ تَعَالَى كَلَّفَ بِنَا مَلائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ لَيْلَ نَهَارَ يَحْفَظُونَنَا مِمَّا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَنَا وَمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لا يَحْفَظُونَنَا مِنْهُ.