إياك وتتبع عورات الناس
الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد
أما بعد:
من حُسن الخلق وحُسن المعاملة مع الناس ألا يتتبع الواحد منا عَوْرات الناس فإن الناس ينفرون مِمن هذه خصلته، وقد رُوِيَ عن الإمام الشافعي رضي الله عنه:
إذا شِئت أن تحيا سليمًا من الأذى وحظُك مَوْفورٌ وعِرضك صَيِّنُ
لسانك لا تذكر به عَوْرةَ امرئٍ فكُلُّك عَوْراتٌ وللناس ألسُنُ
وعَيْنُك إن أبدَت إليك معايِبًا فصُنها وقُل يا عيْن للناس أعْيُنُ
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ
لا يجوز ذِكرُ عَوْرات الناس إذا لم يكن بسببٍ شرعيٍّ كالتحذير الواجب، ومن مِنّا لا يخلو من العيوب، نسأل الله السلامة، قال رسول الله ﷺ: “من سَتَرَ على مسلمٍ عَوْرةً فكأنما أحيا مَوْءُودَة” يا سلام، انظروا إلى هذا الثواب الكبير “من ستر على مسلم عَوْرةً فكأنما أحيا مَوْءُودَة” معناه أن الذي يستر على مسلم، الذي يستر عورة مسلم له ثواب عظيم كأنه أحيا مَوْءُودةً أي البنت التي قُتِلَت وهي صغيرة بدَفنِها حية، كأنه أنقذها قبل أن تموت، فالذي يستر على المسلم مُستقبحًا أن يطَّلع عليه الناس فكأنما خلَّص هذه الموْءُودة من الوَأْدِ من الدفن، كان أحد الصحابة اسمه مَسلَمة رضي الله عنه كان من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وكان واليًا على مصر، جاءه ذات يوم الحاجب فقال له:” إن بالباب رجلًا بدوِيًّا يستأذن” فقال:” من أنت” فأجاب البدوي:” جابر بن عبد الله”، الأنصاري رضي الله عنه، فأشرف عليه وقال:” أنزل إليك أم تصعدُ إليَّ” قال جابر:” لا تنزل إليّ ولا أصعد إليك، بلغني أنك رويت الحديث” الذي ذكرناه، فأجاب بأنه صحيح، هنا عندنا أمران سنتكلم فيهما إن شاء الله تعالى، الأمر الأول؛ جابر بن عبد الله الأنصاري كان من أهل المدينة، ترك المدينة المنَوَّرة وذهب إلى مصر ليسمع من هذا الراوي من هذا الصحابي أنه هل سمع هذا الحديث من الرسول عليه الصلاة والسلام، ترك المدينة إلى مصر مسيرة شهر، انظروا أحبابنا إلى اهتمامهم بعلم الدين بطلب علم الدين، أما اليوم الأمور اختلفت في الماضي كانوا يسافرون في طلب علم الدين إلى مسافات بعيدة ويتحمَّلون المشاق لطلب علم الدين لأن العلم غالٍ، علم الدين غالٍ فأنا أُذَكِّر نفسي وأُذَكِّرُكُم بأن العلم بحر زاخر، قدِّم الأهم فالأهم، علم الدين بحر زاخر، قدِّم الأهم فالأهم، ما الذي نحتاج إليه أولا، الإنسان أولا يحتاج إلى ضروريات علم الدين قبل أن نصرف الأوقات لسماع قصص الأولياء والصالحين أولًا يُصرف الوقت لتعلم ضروريات علم الدين، ما يتعلق بالعقيدة، كيف تصح الصلاة، كيف يصح الصيام، ما يحتاجه الإنسان من علم الدين هذا يُقَدَّم على غيره، حتى لو كان في بلدك لا يوجد من يُعَلِّم ضروريات علم الدين، يجب عليك أن تسافر إلى غير هذا البلد، وُجوبًا، لتتعلَّم ما فرض الله من علم الدين حتى لا يعيش الإنسان جاهلًا.
قال ابن رسلان: “من لم يكن يعلمُ ذا فليسألِ من لم يجد معلمًا فليرحلِ”
“من لم يكن يعلمُ ذا فليسألِ”: يجب على من يجهل أن يتعلم.
“من لم يجد معلمًا فليرحلِ”: إذا كان في بلده لم يجِد من يتعلم منه أمور دينه فليرحل إلى غير بلده وُجوبًا عليه.
فهذا جابر رضي الله عنه، انظروا إلى اهتمامهم بسماع حديث رسول الله ﷺ، حيث سافر من المدينة المنورة إلى مصر ليتأكد من هذا الصحابي أنه سمع الحديث من رسول الله ﷺ.
الأمر الثاني ما هو، الستر على المسلم كم نحتاج اليوم إلى التذكير بالستر على المسلم، أن يستر الواحد منا على أخيه، الواحد منا إذا هَفا هفوةً، كيف يحب أن يعامله الناس، أليس بالستر؟
بلى والله، يُحب الواحد منا إذا هَفا هفوةً، أن يُعامله الناس بالستر والنصيحة، فلنعامل غيرنا كذلك، تعالَوْا فلنعمل بذلك، فإذا الواحد منا أخطأ فلا نُسارع إلى تهشيمه وإلى نشره، إلى نشر سُمعته والكلام فيه بين الناس، لا إنما الواحد منا دائمًا يحب إذا هَفا هَفْوَةً أن يستر الناس عليه، فلنعامل غيرنا كذلك، طيب هذا الستر على المسلم ماذا فيه في دين الله تعالى، الستر على المسلم مطلوب فيه حسنةٌ كبيرة، وهذا العبد الذي ستر عبدًا آخر له أن يستره الله يوم القيامة، لأن الفضيحة يوم القيامة أشد من الفضيحة في الدنيا، الفضيحة يوم القيامة أشد من الفضيحة في الدنيا، لفَضوح الدنيا أهْوَنُ عند الله من فَضوح الآخرة، لأن الفضيحة في الدنيا، يجتمع عددٌ قليل من الناس فيعلمون بهذه الفضيحة، أما في يوم الجمع يجتمع الأوَّلون والآخرون، فعن النبي ﷺ أنه قال: “لا يستُرُ عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة” نسأل الله لنا الستر في الدنيا والآخرة والله تعالى أعلم وأحكم.