مقصد الطالبين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطاهرين.
وبعد،
لله تعالى
[89] س: تكلمْ عنِ الإرادة لله.
ج: اعْلَم أنَّ الإرادَةَ وهي المشِيْئَةُ واجبةٌ لله تَعالَى، وهي صِفَةٌ أَزلِيَّةٌ أبَديَّةٌ يُخَصّصُ الله بهَا الجَائِزَ العَقْليَّ بالوجُودِ بدَلَ العدَمِ، وبِصفَةٍ دُوْنَ صفة أُخرَى وبِوَقتٍ دُوْنَ ءاخرَ هذا معنى المشيئة تخصيص الممكن العقلي ببعض ما يجوز عليه دون بعض.
وبُرْهَانُ وُجُوبِ الإرَادَةِ لله أَنَّه لَوْ لَم يَكُن مُرِيدًا لَم يُوْجَدْ شَىءٌ مِنْ هَذَا العَالَمِ، لأَنَّ العَالَم مُمْكنُ الوُجُودِ فَوُجُودُهُ لَيْسَ وَاجِبًا لِذَاتِه عَقْلاً والعَالَمُ مَوْجُودٌ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَا وُجِدَ إِلا بتَخْصِيصِ مُخصِّصٍ لوُجُودِهِ وتَرْجِيحه لَهُ على عَدَمِه، فثَبتَ أَنَّ الله مُرِيْدٌ شَاءٍ.
كل ما يدخل في الوجود بإرادة الله أي بمشيئة الله مستحيل أن يوجد شىء ليس بمشيئة الله كل ما يدخل في الوجود إن كان جسمًا إن كان عملا إن خيرًا إن كان شرًا إن كان كفرًا إن كان إيمانًا كل ذلك بمشيئة الله سبحانه وتعالى فمشيئة الله شاملة عامة شاملة إذا إنسان فعل شيئًا هذا الشىء بمشيئة الله إذا إنسان قال شيئًا هذا القول بمشيئة الله سبحانه وتعالى وقال تعالى:{وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ} وقال تعالى:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ} فالإنسان إذا سئلت هل هو مسير أم مخير؟
فالجواب الإنسان مختار تحت مشيئة الله {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ} مذهب أهل السنة والجماعة هو المذهب الحق هو المذهب الوسط لا جبر ولا تفويض كما قال الإمام علي رضي الله عنه قال: لا جبر ولا تفويض الإنسان ليس مجبورًا على ما يحصل منه بإرادته والإنسان ليس مستقلا عن مشيئة الله الإنسان له اختيار له مشيئة لكن تحت مشيئة الله عزّ وجلّ.
ثُمَّ الإِرَادَةُ بِمَعْنَى المَشِيْئَةِ عِنْدَ أَهْلِ الحَقّ شَامِلَةٌ لأَعْمالِ العِبَادِ جَمِيعِها الخَيْرِ مِنْها والشَّرّ، فَكُلُّ مَا دَخَل في الوُجُود منْ أَعْمَالِ الشَّرّ والخَيْرِ ومِنْ كُفْرٍ أَو مَعَاصٍ أوْ طَاعَةٍ فَبمشِيئَةِ الله وقَعَ وحَصَلَ، وهَذا كَمالٌ في حَقّ الله تَعَالَى لأَنَّ شُمُولَ القُدْرَةِ والمَشِيئَةِ لائِقٌ بجَلالِ الله، لأَنَّهُ لَو كانَ يَقَعُ في مُلْكِهِ مَا لا يَشَاءُ لَكانَ ذَلِكَ دَلِيلَ العَجْزِ يعني يكون مغلوبًا والعَجْزُ مُسْتَحِيلٌ علَى الله.
والمَشِيئَةُ تَابِعَةٌ للعِلْم أَي أَنَّهُ مَا عَلِمَ حُدُوْثَهُ فَقَدْ شَاءَ حُدُوْثَهُ وَمَا عَلِمَ أنَّه لا يكُونُ لَم يَشَأْ أنْ يكُونَ.
الله تعالى عالم بكل شىء وعلمه واحد أزلي أبدي شامل لكل معلوم فالعلماء يقولون كما يقول الشافعي: “القدري إذا سلم العلم خُصم القدري” يعني المعتزلي الذي يقول الله لم يشأ حصول الشر ويقول الإنسان يخلق أعماله الإختيارية وحتى البهائم المعتزلة يقولون هم يخلقون أعمالهم وهذا شرك والعياذ بالله يقول الشافعي القدري أي المعتزلي إذا سلم العلم خصم أنكسر وانقطع فيقال له الله يعلم كل شىء؟ فيقول نعم الله يعلم كل شىء فيقال له هل يكون خلاف ما علم الله؟ فإن قال يكون معناه وصف الله بالجهل لأن العلم معرفة الشىء بما هو عليه وإن قال لا يكون إلا ما علم الله الله تعالى علم أن الشر سيكون من هؤلاء العباد يعني شاء أن الشر يكون من هؤلاء العباد فإذا سلم العلم خُصم لأنه إذا قال لا يعلم وصف الله بالجهل والجهل نقص والنقص مستحيل على الله فإن قال يعلم خُصم كُسر انقطع وغلب وأفحم علم الله أنه يكون كذا إذًا شاء الله أن يكون كذا لأنه مستحيل أن يدخل شىء في الوجود إلا بمشيئة وعلم وتقدير الله وخلق الله سبحانه وتعالى.
[90] س: ما الدليلُ على أن المشيئةَ ليستْ تابعةً للأمر؟
ج: الله أمر بأشياء وشاء خلافها أمر الكل بالطاعة هل الكل يطيعون الله لا أمر الكل بالإيمان هل الكل يؤمنون بالله لا.
لَيْسَت المَشِيْئَةُ تَابِعَةً للأَمْرِ بِدَليْل أنَّ الله تَعَالى أمَرَ إبراهِيْمَ بذَبْحِ ولَدِهِ إسْماعيلَ ولَمْ يَشَأ لهُ ذَلِكَ لأن إسماعيل لما أخبره أبوه إبراهيم عليه السلام {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} قال إسماعيل: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ. معناه أُمر بذلك هل حصل الذبح لا لماذا لأن الله لم يشاءه فإذًا أمر الله بشىء ولم يشأ حصول ذلك الشىء.
فإِنْ قِيْلَ: كَيْفَ يأمُرُ بما لَم يَشَأْ وقُوْعَهُ؟ فَالجَوابُ: أَنَّهُ قَدْ يأمُرُ بِمَا لم يَشَأْ، كَمَا أَنَّهُ عَلِمَ بوقُوْعِ شَىءٍ مِنَ العَبْدِ ونَهَاهُ عنْ فِعْلِهِ.
الله نهى العباد عن معصيته وعلم بعلمه الأزلي أن بعض العباد عصاة
[91] س: تكلمْ عن صفةِ القدرة لله.
ج: يَجبُ لله تعالى القُدرَةُ عَلى كُلّ شَىءٍ والمُرَادُ بالشَّىءِ هُنَا الجَائِزُ العَقْلِيُّ فَخَرجَ بذَلِكَ المُستَحِيلُ العَقْلِيُّ لأنّه غَيْرُ قَابِلٍ للوُجُودِ فَلَمْ يَصلُحْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِتَعَلُّقِ القُدْرَةِ.
من فهم هذا يعرف الجواب على الملاحدة القائلين هل يقدر الله يخلق مثله
الله سبحانه وتعالى لا يقال عنه في الجواب على هذا يقدر على ذلك لأن هذا كفر ولا يقال لا يقدر لأن وصف الله بالعجز كفر ماذا يقال وجود مثيل لله مستحيل عقلا محال عقلي والقدرة متعلاقتها الحوادث لأن الممكنات العقلية متعلقها الممكن العقلي الذي يدخل في الوجود يقبل الدخول في الوجود ويقبل العدم هذا الممكن العقلي يقبل الوجود والعدم هذه وظيفة القدرة الممكنات العقلية المحال العقلي المستحيل العقلي لا يدخل تحت ذلك لأنه ممتنع الوجود العقل لا يقبل وجوده كوجود مثيل لله شريك لله هذا مستحيل عقلا ولا يدخل تحت ذلك.
واجب الوجود وهو الله وصفاته سبحانه وتعالى لأن الله وجوده أزلي لا يقال عن الله دخل في الوجود يقال عن الله موجود أي متصف بصفة الوجود ووجود الله أزلي أبدي ليس بحادث من فهم هذا يعرف الرد على هؤلاء كما شرحت قبل هذا من عرف المستحيل العقلي والواجب العقلي والممكن العقلي يعرف الرد على القائلين من خلق الله هذا السؤال كفري إذا خطر لك تقول للعالم أجبني رد مثلا على من يقول من خلق الله المتعلم يعرف أن الله ليس مخلوقًا الله موجود لا ابتداء لوجوده كلمة من خلق تستعمل في حق الذي خُلق أي وجد بعد عدم لو عرفوا لفهموا هذا بسهولة ولما حصل عندهم إرتباك وقلق لأنهم يعلمون أن الله خالق كل شىء موجود بلا بداية لا ابتداء لوجوده لا يتصف بصفات المخلوقين فلا يقال من خلقه لماذا يكفر من قال من خلق الله لأنه أثبت لله البداية فوصف الله بصفة المخلوق الحدوث الحدوث مستحيل على الله تبارك وتعالى فإن سألك صغير أو كبير تقول المخلوق نقول من خلقه الإنسان الملك الجن السماء الأرض العرش المكان الجهة صفات المخلوقين الانفعال الشكل اللون التغير الله لا يقال من خلقه خالق وليس بمخلوق موجود لا ابتداء لوجوده فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق السماء من خلق الأرض فيقول الله المؤمن يقول الله فيقول من خلق الله الشيطان الذي يقول ذلك هو عدونا الله قال:{فاتخذوه عدوًا} لا تبالوا به لا تقفوا عند كلامه هو يريد أن يقلقكم يريد أن يبعدكم من العبادة قال عليه الصلاة والسلام من وجد شيئًا من ذلك فليقل أمنت بالله ورسوله ولينتهي ليثبت على الإيمان بأن الله موجود لا ابتداء لوجوده ليثبت على الإيمان بالله والرسول ولا يتزحزح ولا يقلق ولينتهي يعني معناه لا يقف عنده إياك أن تقف مع الخاطر وأن تمشي معه وتسايره وتخرج منه بالأسئلة اثبت على الإيمان بالله والرسول اشتغل بالطاعة اقرأ المعوذتين قال عليه الصلاة والسلام:”ما تعوذ المتعوذون بمثلهما“.
[92] س: تكلمْ عن مخالفةِ ابنِ حزمٍ أهلَ الحقّ في مسئلةِ قُدرة الله.
ج: خَالَفَ في ذَلك ابنُ حَزمٍ فقالَ: «إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قادِرٌ أنْ يَتّخِذَ ولَدًا إِذ لَو لم يَقْدِر عَلَيه لكَانَ عَاجِزًا»، وهَذَا الذي قَالَهُ غَيرُ لازِم لأَنَّ اتّخَاذَ الوَلَدِ مُحَالٌ عَلى الله والمُحَالُ العَقْلِيُّ لا يَدْخُلُ تَحتَ القُدرةِ ما الذي يدخل تحت القدرة الممكن العقلي، وعَدَمُ تَعَلُّقِ القُدرةِ بالشَّىءِ تَارَةً يَكُونُ لِقُصُورهَا عَنْهُ وذَلِكَ في المَخلُوقِ أنا لا أقدر أن أحمل هذا البناء لا أقدر أن أصل إلى الشمس فأحمل الشمس لا أقدر أن أصل إلى القمر فأحمل القمر لقصور قدرتي عن ذلك، وتارَةً يَكونُ لِعَدَم قَبُولِ ذلكَ الشىءِ الدّخولَ في الوُجُودِ أي حُدوث الوجود لِكَوْنِهِ مُستَحيلاً عَقلِيًّا وتارةً يكون لعدَم قبُولِ ذلك الشّىء العدَمَ لكونه واجبًا عقليًّا الواجدب العقلي الله وصفاته.
أما المستحيلُ العقليُّ فعدمُ قَبولِهِ الدخولَ في الوجودِ ظاهرٌ وَأَمَّا الواجبُ العقليُّ فَلا يقبلُ حدوثَ الوجودِ لأنَّ وجودَهُ أَزليٌّ لا ابتداء له، فرقٌ بينَ الوجودِ وبينَ الدخولِ في الوجود، فالوجودُ يشمَلُ الوجودَ الأزليَّ والوجودَ الحادثَ وكلٌّ منهما يُسمّى وجودًا، أما الدخولُ في الوجودِ فَهو الوجودُ الحادثُ. فالواجبُ العقليُّ الله وصفاتُه، فالله واجبٌ عقليٌّ وجودُه أزليٌّ وصفاتُه أزليّةٌ ولا يُقال لله ولا لصفاتِهِ داخلٌ في الوجودِ لأنَّ وجودَهما أزليٌّ، فقولُنا إنَّ الواجبَ العقليَّ لا يقبلُ الدخولَ في الوجودِ صحيحٌ لكن يقصُر عنه أفهامُ المُبتدئينَ في العقيدةِ، أَمّا عِندَ مَن مَارسَ فَهي واضحةُ المُرادِ.
فرق بين الدخول في الوجود هذا يقال في الحوادث الحادث دخل في الوجود وبين الوجود فالوجود يشمل الوجود الحادث وهو وجود المخلوقين ويشمل الوجود الأزلي وهو وجود الله وصفاته سبحانه وتعالى
والعَجزُ هُوَ الأَوَّلُ المَنفِيُّ عَنِ قُدرَتِهِ تَعَالى لا الثّانِي، فَلا يَجُوزُ أنْ يُقَالَ إنَّ الله قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ ولا عَاجِزٌ وهذا كافر الذي يقول الله قادر على هذا الشىء الذي هو محال عقلي أو عاجز هذا كفر وهذا كفر، قَالَ بَعضُهُم: كَما لا يُقَالُ عن الحَجَر عَالِمٌ ولا جَاهِلٌ.
[93] س: بماذا يجاب على قول بعض الملحدين هل الله قادر على أن يخلق مثله؟
ج: يُجَابُ علَى قَولِ بَعْض المُلحدينَ: «هل الله قَادِرٌ علَى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَه» بأن هَذا فِيهِ تجوِيزُ المُحَالِ العَقلِيّ لأن وجود مثيل لله محال عقلا وجود شريكًا لله مستحيل عقلا، وبَيانُ ذَلِكَ أنَّ الله أزَلِيٌّ ولَو كان له مِثلٌ لَكانَ أزَلِيًّا، والأَزَلِيُّ لا يُخلَقُ لأنه موجودٌ فكيف يُخلَقُ الموجود. فَلاَ يَجُوزُ هذا السُّؤَال أَيْ قَول هَل الله قَادِرٌ على أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُ وَمَن أَرادَ تَعَلُّمَ الجَوَاب يَقول مَا الجَوَاب عَلَى مَن يَسأَل هَذَا السُّؤَال أَو مَا الرَّد وَنَحو ذَلِكَ.
والله تعالى أعلم وأحكم هللوا وصلوا على رسول صلى الله عليه وسلم واستغفروا للمؤمنين والمؤمنات.