16 :مقصد الطالبين – الحلقة

شارك هذا الدرس مع أحبائك

مقصد الطالبين الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين. وبعد، لله تعالى [99] س: تكلَّم عن صفةِ القيامِ بالنفسِ لله. ج: اعلَم أَنَّ مَعْنَى قِيَامِه بنَفسِه هُوَ اسْتِغنَاؤُهُ عَن كُلّ مَا سِوَاهُ فَلا يَحتَاجُ إِلى مُخَصّصٍ لَهُ بالوُجُودِ لأَنَّ الاحتِيَاجَ إِلى الغَيرِ يُنَافِي قِدَمَهُ وَقَد ثَبَتَ وُجُوبُ قِدَمِهِ وبَقَائِهِ. الله سبحانه وتعالى موجود لا ابتداء لوجوده ولا انتهاء لوجوده فبما أن الله سبحانه وتعالى موجود لا بداية له يفهم من ذلك أنه مستغن عن كل شىء لأنه كان موجودًا قبل كل شىء فلا يحتاج للإنسان ولا للملك ولا للنبات ولا للشمس ولا للقمر ولا للملائكة ولا للمكان ولا للعرش ولا للسماء الله تعالى غني عن العالمين. [100] س: تكلَّمْ عن صفةِ المخالفةِ للحوادثِ لله. ج: يَجِبُ لله تَعالى أنْ يكونَ مُخَالِفًا للحَوادِثِ بِمَعْنى أَنَّهُ لا يُشبِهُ شَيئًا من خَلقِه فلَيسَ هُوَ بِجَوهَرٍ يَشغَلُ حَيّزًا ولا عَرَض (الجوهر ما له قيام بذاته والجوهر الفرد هو أصغر الأحجام أصغر الأجرام هذه الأجسام تنقسم تقبل القسمة إلى حد أن تصل إلى ما يسميه العلماء الجوهر الفرد وهو الجزء الذي لا يتجزأ فهذا الجسم مركب الله سبحانه وتعالى هو خالق الأجسام فإذًا ليس جسمًا لذلك قال الإمام الشافعي:”المجسم كافر” كما روى ذلك عنه الحافظ السيوطي في الأشباه والنظائر وقال الإمام أحمد رضي الله عنه وعن الإمام الشافعي من قال الله جسم لا كالأجسام كفر يعني لو قال لا كالأجسام لا ينفعه لأنه أثبت الجسمية لله فانتبهوا من قال إن الله جالس على العرش أو قال قاعد أو مستقر أو يحاذي العرش أو قال الله يسكن السماء هذا جعل الله جسمًا جعل الله جوهرًا جعل الله حجمًا والإمام الطحاوي رضي الله عنه يقول عن الله سبحانه وتعالى:” تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات” قال عن الله تعالى يعني تنزه عن الحدود والغايات الله منزه عن يكون له كمية المحدود ما له كمية الذرو محدودة والعرش محدود والسماء محدودة والنور محدود والظلام محدود أي كل له كمية الله الذي خلق ذلك لا يجوز أن تكون له كمية فإذًا هو موجود بلا جهة ولا مكان ولا يقال قاعد على العرش ولا مستقر ولا يقال يحاذي العرش ولا يقال موجود في مكان فوق العرش كل هذا لا يليق في حق الله الله موجود قديم أزلي لا ابتداء لوجوده ليس حجمًا بالمرة لا هو حجم صغير ولا هو حجم كبير فهو مستغن عن المكان عن العرش عن السموات الفضاء عن الخلاء عن الملاء عن النور عن الظلام سبحانه وتعالى فليس هو بجوهر يشغل حيزًا ولا عرض. العرض هو صفة الجوهر الأعراض التي يذكرها العلماء هي نحو أربعين اللون والشكل والهيئة والصورة والحلاوة والمرارة والعفوصة والحركة والسكون هذه كلها تسمى أعراضًا الله خلق الأجرام خلق الحادثات خلق الأجسام اللطيفة والكثيفة وجعل لها أعراضًا جعل لها صفات هو ليس مثلها وصفاته ليست كصفات خلقه) ، والعَرَضُ مَا لا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وإِنَّما يَقُومُ بِغَيْرِهِ كالحَرَكَةِ والسُّكُونِ والاجْتِمَاع والافْتِرَاقِ والألْوَانِ والطُّعُوْمِ والرَّوَائِح، ولِذَلِكَ قَالَ الإمَامُ أبُو حَنِيفَةَ وهو من السلف الصالح في رسائلِهِ في علمِ الكلامِ: «أَنَّى يُشْبِهُ الخَالِقُ مَخْلُوقَهُ» مَعناهُ لا يصحُّ عقلاً ولا نقلاً أن يُشْبِهَ الخَالِقُ مَخْلُوقَه، وقال أبو سُلَيمَانَ الخَطَّابِيُّ: «إِنَّ الذي يَجبُ عَلَيْنَا وعلَى كُلّ مُسْلِم أَنْ يَعْلَمَهُ أَنَّ رَبَّنَا لَيْسَ بِذِي صُوْرَةٍ وَلا هَيْئَةٍ فإنَّ الصُّوْرَةَ تَقْتضي الكَيْفِيَّةَ وهي عن الله وعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفيَّةٌ». يعني الله لا يقال له صورة كما تقول المشبه المجسمة الرسول لما قال عليه الصلاة والسلام:”إذا ضرب أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته“. أي خلق آدم على صورة المضروب هذه الهيئة هيئة الآدميين ليس معناه أن الله تعالى له صورة كما تقول المشبهة الله تعالى من أسمائه المصور كما جاء في القرءان والحديث المصور معناه خالق الصور فكيف يقال عن الله له صورة أو يقال عن الله شخص والعياذ بالله كما تقول المشبهة المجسمة. رَواهُ عنه البَيْهَقِيُّ في الأَسْماءِ والصّفَاتِ. [101] س: اذكر قول الطحاوي في تنزيه الله عن مشابهة خلقه وعن المكان وفي أي قرن كان؟ ج: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ وهو الإمام السلفي المشهور أحمد بن سلامة توفي سنة ثلاثمائة وإحدى وعشرين أدرك سنوات من القرن الثالث وأدرك سنوات من القرن الرابع فهو من السلف الصالح:«وَمَنْ وَصَفَ الله بِمَعنًى مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ».يعني من يصف الله بصفة من صفات المخلوقين بصفة من صفات البشر فهذا كافر وهوَ مِن أَهْلِ القَرنِ الثَّالِثِ، فَهُوَ دَاخِلٌ في حَدِيثِ:«خَيرُ القُرُونِ قَرْني ثُمَّ الذيْنَ يَلُونَهُم ثُمَّ الذيْنَ يَلُونَهُم» رواهُ الترمذيُّ، والقرنُ المرادُ به مائة سنة كما قالَ ذلكَ الحافظُ أبو القاسِمِ بنُ عساكرَ في كتابهِ تَبيين كذبِ المفتري الذي ألَّفهُ في التنويهِ أي في رفع ذكر في التنويه بأبي الحسنِ الأشعري رضي الله عنه الذي هو إمام أهل السنة والجماعة هو والإمام أبو منصور الماتوردي رحمهما الله ورضي الله عنهما وجزاهما عن المسلمين خير الجزاء وهذه الجملة احفظوها وحفظوها الصغار والكبار ومن وصف الله بمعان من معاني البشر فقد كفر يعني الذي يصف الله بصفة من صفات الإنسان فهذا كافر وصفات البشر كثيرة الطول والعرض والشكل والحجم واللون والذوق والانفعال والحركة والسكون والقعود والجلوس والاستقرار والنزول الحقيقي والصعود كل هذا من صفات البشر والكلام الذي هو حرف وصوت ولغة ومبتدأ ومختتم ويدخله اللحن هذا من صفات البشر لا يجوز على خالق البشر مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك. [102] س: ما الدليلُ على أَن صفاتِ الله كُلَّها كامِلَةٌ؟ ج: صِفَاتُ الله تَعَالَى كُلُّها كاملةٌ قَالَ تَعَالَ: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (سورة الأعراف) أي لله الأسماء التي تدل على الكمال تدل على أن الله لا يجوز عليه النقص قال تعالى:{فَادْعُوهُ بِهَا} فادعوه بأسمائه الحسنى التي هي تدل على الصفات أسماء الله سبحانه وتعالى صفاته ما عدا لفظ الجلالة الله فهذا علم لذات المقدس الواجب الوجود فادعوه بها ليس كما يقول جهلة العوام يقول اللـ ويقول الرزاء بدل الرزاق بدل الله تعودوا على ذلك وسار فيهم وصار كأنه الأصل والعياذ بالله بل إذا قلت عبد الله بعضهم يسخر منك يستهزأ بك صدق رسول الله “بدأ هذا الدين غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء” خير كثير للغرباء قيل ومن الغرباء يا رسول الله قال الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي أي من شريعتي وهي العقيدة والأحكام وما أكثر ما يفسد في هذا العصر لذلك كونوا من المصلحين تمسكوا بعقيدة أهل السنة والجماعة وبالأحكام الصحيحة تمسكوا بها واعملوا بشرع الله ولا تبالوا بالمخالفين بل وحذروا وجوبًا من المفسدين من المبطلين من الذين يفسدون عقائد الناس باسم الدين باسم أنهم دعاة باسم أنه يدعون إلى الله يحرفون دين الله يغيرون أحكام الشريعة مع علمهم بأنهم يغيرون أحكام الشريعة أحيانًا للجاه أحيانًا للسلطة أحيانًا للمال أحيانًا للهوى لمجرد الهوى والعياذ بالله. وقالَ تَعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} (سورة النحل) أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره. فَيَسْتَحِيلُ في حَقّهِ تَعالى أيُّ نَقْصٍ. فصفات الله أزليةٌ أبديةٌ لأن الذاتَ أزليٌّ فلا تحصُلُ لهُ صفةٌ لم تكن في الأزلِ، أما صفاتُ الخَلقِ فهي حادثةٌ تقبلُ التطور من كمال إلى أكملَ فلا يتجددُ على علم الله تعالى شىءٌ. [103] س: ما معنى قولِهِ تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}؟ ج: قولُهُ تَعَالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} (سورة محمد) لَيسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّه سَوْفَ يَعْلَمُ المُجَاهِدِينَ بَعْدَ أَنْ لَم يَكُنْ عَالِمًا بِهِم بِالامْتِحَانِ والاخْتِبَارِ وَهَذَا يَسْتَحِيلُ عَلَى الله تَعَالَى، بَلْ مَعْنَى الآيَةِ حَتَّى نُمَيّزَ أي حَتَّى نُظْهِرَ لِلْعِبَادِ المُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِيْنَ مِنْ غَيْرِهِم. ويَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الله تَعَالى يَكْتَسِبُ عِلْمًا جَدِيدًا. لماذا لأنه جعل الله متغيرًا والمتغير حادث والحادث مخلوق والمخلوق لا يكون ءالها. [104] ما معنى الآية: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}؟ ج: قَولُه تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (سورة آل عمران) المَكْرُ مِنَ الخَلقِ خُبثٌ وخِدَاعٌ لإِيصَالِ الضَّرَرِ إلى الغَيْرِ باسْتِعْمَالِ حِيلَةٍ، وَأَمَّا مِنَ الله تَعالى فَهُو مُجَازَاةُ المَاكِرينَ بالعُقُوبَةِ مِن حَيثُ لا يَدرُونَ. وبِعبَارَةٍ أُخْرَى إِنَّ الله أَقْوَى في إيصَالِ الضَّرَرِ إلى الماكرِينَ من كُلّ مَاكِرٍ جَزَاءً لهُم علَى مَكرِهم، فَالمَكْرُ بِمَعْنى الاحْتِيَالِ مُسْتَحِيلٌ علَى الله. يعني لا يقال يا ماكر ارحمني ومكروا ومكر الله الكفار عملوا مكرًا خبثًا وخداعًا لإيصال الضرر إلى المسلمين بطريقة خفية ومكر الله أي عاقبهم على مكرهم والله خير الماكرين أقوى في إيصال الضرر إلى الماكرين من حيث لا يشعرون من مكرهم الذي مَكروه. وكَذَلِكَ قولُه تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} (سورة البقرة) أَي يُجَازِيهِم عَلى اسْتِهزَائِهِم. [105] س: ماذا قالَ العلماءُ في إطلاق الوجه واليد والعين والرضا والغضب في القرءان على الله تعالى؟ ليس معناه أن الله له جارحة أو جزء أو عضو ليس معناه أن الله ينفعل ليس معناه أن الله يتغير الله ليس كمثله شىء. ج: العُلمَاءُ يقولونَ: نؤمِنُ بإثباتِ ما وَردَ في القرءانِ والحديثِ الصحيحِ كالوَجهِ واليَدِ والعَينِ والرّضَا والغَضَبِ وغَيرِه علَى أنّها صِفَاتٌ يَعلَمُها الله لا علَى أنَّها جَوارِحُ وانفِعالاتٌ كأَيدِينا وَوجوهِنَا وعيونِنَا وغَضَبِنا. فَإِنَّ الجَوَارِحَ مُسْتَحِيْلَةٌ علَى الله لِقَوْلِه تَعَالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (سورة الشورى) ، وقولِهِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (سورة الإخلاص). أي ليس لله مثيل أي ليس لله نظير. قَالُوا أي العلماء لَو كَانَ لله عَيْنٌ بِمَعْنَى الجَارِحَةِ والجِسْمِ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ لو كان له عين بمعنى الجارحة والجسم لكان له أمثال فَضْلاً عَنْ مِثْلٍ وَاحِدٍ ولَجَازَ عَلَيه ما يَجُوزُ على المُحْدَثَاتِ مِنَ المَوْتِ والفَناءِ والتَّغَيُّرِ والتَّطَور، ولَكَانَ ذَلِكَ خُرُوْجًا مِنْ مُقْتَضَى البُرْهَانِ العَقْلِيّ علَى اسْتِحَالَةِ التَّغَيُّرِ والتَّحوُّلِ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ علَى الله. فإذًا كل ما ورد في القرءان وكذلك في الحديث الصحيح مما ظاهره يوهم معنى لا يليق بالله فذلك الظاهر المتوهم ليس المقصود لأن الله لا يوصف بأوصاف المخلوقين لذلك قال الإمام الطحاوي رضي الله عنه في عقيدته العقيدة الطحاوية التي تدرس في الشرق والغرب قال عن الله سبحانه تعالى:” تعالى عن الحدود والغايات (أي النهايات) والأركان (أي الجوانب) والأعضاء والأدوات“. (الأعضاء الأجزاء الكبيرة كاليد الجارحة والرأس والرجل الجارحة هذا لا يجوز على الله والأدوات الأجزاء الصغيرة كاللسان واللهاة والأسنان والأضراس الله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك فلا يقال الله له رجل بمعنى الجارحة ويد بمعنى الجارحة مثلا {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} معناه عهد الله ثبت عليهم الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ليس معناه أن الله له جارحتين هذا لا يجوز على الله ليس معناه أن الله له جارحة هذا لا يجوز على الله تبارك وتعالى بل معناه الله واسع الكرم هذا معنى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} في الرد على اليهود {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}كانوا يقولون الله فقير {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} معناه الله واسع الكرم سبحانه وتعالى. هللوا وصلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم واستغفروا للمؤمنين والمؤمنات.