مقصد الطالبين
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين
وبعد،
لله تعالى
[111] س: كيف يُرَدُّ على من نَفَى التأويلَ التفصيليَّ عن السلف؟
لأن المشبهة المجسمة ينفون التأويل التفصيلي عن السلف يقولون السلف الصالح لم يؤولوا تأويلا تفصيليًا وهم بذلك كاذبون نفيُ التأويلِ التفصيلي عن السلفِ كما زعمَ بعضٌ وهم الوهابية المشبهة المجسمة مَردُودٌ بما في صَحيحِ البُخَاريّ في كِتابِ تَفْسير القُرءانِ وعِبارتُه هُناكَ: «سورةُ القصَص» {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} «إلا مُلْكَهُ فهذا تأويل تفصيلي أي إلا سلطانه الله تعالى له سلطان على هذا العالم العالم يهلك وسلطان الله لايهلك لأن صفات الله أزلية أبدية ويقال ما يتقرب به إليه» اهـ، فملكُ الله صفةٌ من صفاتِهِ الأزليةِ ليس كالملكِ الذي يُعطيهِ للمَخلوقينَ.
وَفيهِ غَيرُ هَذَا المَوْضِعِ كتَأْوِيلِ الضَّحِكِ الوَارِدِ في الحَدِيثِ بالرَّحْمَةِ.
يضحك الله معناه يرحم الله عن الرجلين الذين قتل أحدهما الآخر ثم تاب هذا الشخص الذي قتل تاب إلى الله فهذا يدخل الجنة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له والمقتول ظلمًا شهيد يدخل الجنة بلا عذاب فهنا معناه الرحمة.
وصَحَّ أَيْضًا التَّأْويلُ التَّفصيليُّ عَن الإمام أحمَدَ وهُوَ منَ السَّلَفِ فَقد ثبَتَ عنْه أنَّه قالَ في قَولِهِ تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} (سورة الفجر) إنما جَاءَتْ قُدْرتُه أي تظهر يوم القيامة أهوال عظيمة هي آثار قدرة الله.
الإمام أحمد قال {وَجَاءَ رَبُّكَ} قال إنما جاءت قدرته أي تظهر أهوال عظيمة في ذلك اليوم هي آثار قدرة الله لأنه في يوم القيامة تدنو الشمس من رؤوس العباد قدر ميل واحد قدر ألفي ذراع فيعرق الناس إلا من حفظهم الله الأنبياء والصالحون والأولياء والأطفال والشهداء محفظون من حفظهم الله يكونون في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله كذلك الملائكة تأتي في سبعة صفوف يحيطون ببني آدم يحيطون بالإنس والجن في يوم القيامة هذه أيضًا من الأهوال العظيمة التي تظهر في ذلك اليوم ويأتي الملائكة بعنق من جهنم بعنق بجزء من النار إلى ناحية الموقف فيراه الكفار فيرتعون سبعون ألف ملك يمسكون بسلاسل بهذا العنق يجرون هذا العنق من جهنم إلى ناحية الموقف يراه الكفار فيرتعون أما الأتقياء فمحفظون الأنبياء الأولياء محفظون هذه الأهوال عن هذه الأهوال جاءت الآية {وَجَاءَ رَبُّكَ} أي تظهر أثار قدرة الله تعالى بظهور الأهوال العظيمة في ذلك اليوم)، صَحَّحَ سَنَدَهُ الحافِظُ البَيْهقيُّ الذي قالَ فِيهِ الحافِظُ صَلاحُ الدّينِ العَلائيُّ: «لَم يَأْتِ بَعْدَ البَيْهقِيّ والدَّارَقُطنِيّ مِثْلُهمَا ولا من يُقارِبُهُما».
وأمَّا قَولُ الحافِظِ أبي سَعيدٍ العَلائيّ في البَيهقيّ والدّارَقُطنيّ فذلكَ في كِتَابِه «الوَشْيُ المُعْلَمُ»، وأَمَّا الحَافِظُ أَبو سَعِيدٍ فَهُو الذي يَقُولُ فِيه الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: «شَيْخُ مَشَايخِنا» وَكَانَ مِنْ أَهْلِ القَرْنِ السَّابِعِ الهِجْرِي. وهُنَاكَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ العُلَماءِ ذَكَرُوا في تآلِيْفِهم أنَّ أحمدَ أوَّلَ مِنْهُمُ الحافِظُ عبدُ الرحمـنِ بنُ الجَوزِيّ الذي هُو أحَدُ أسَاطِينِ المَذْهَبِ الحنبليّ لكَثْرةِ اطّلاعِهِ عَلى نُصُوصِ المذهَبِ وأحوالِ أحمدَ.
وَقَد بَيَّنَ أَبُو نَصْرٍ القُشَيْريُّ رَحمَهُ الله الشَّنَاعَةَ التي تَلْزَمُ نُفَاةَ التّأوِيلِ، وأَبُو نَصْرٍ القُشَيْرِيُّ هُوَ الذي وصَفَهُ الحَافِظُ عَبدُ الرّزاقِ الطَّبْسِيُّ بإمَامِ الأَئِمَّةِ كَمَا نَقلَ ذَلِكَ الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرَ في كِتَابِه «تَبْيِينُ كَذِبِ المفْتَري”.
[112] س: ما هو مَسلكُ الخَلَفِ في تأويلِ الآيات المتشابهة؟
ج: مَسْلَكُ الخَلَفِ: أن يُؤَوّلُوا الآيات المتشابه تَفْصِيلاً بتَعْيِينِ مَعَانٍ لَهَا مِمّا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ العَرَبِ وَلا يَحْمِلُونَها علَى ظَوَاهِرِها أيْضًا كَالسَّلَفِ (هنا انتبهوا إذًا السلف والخلف بالنسبة للآيات المتشابهة متفقون على عدم حملها على الظاهر لأن حمل الآيات المتشابهة على الظاهر يؤدي إلى التناقض والتناقض مستحيل أن يكون في القرءان الكريم لا تعارض ولا تناقض فلو واحد حمل كل الآيات المتشابه على ظواهرها جعل القرءان متناقضًا قلنا لأن بعض الآيات ظواهرها يوهم أن الله في جهة فوق كقوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {ءًأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} وبعض الآيات يوهم ظاهرها أن الله في جهة الأرض {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} {وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ} يوهم ظواهرها أن الله في جهة تحت فأتفق السلف والخلف على أن الآيات المتشابه لا تحمل على الظاهر وترك الحمل على الظاهر هذا التأويل الإجمالي يعني حين يقول السلف استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر حين يقول السلف في الايات المتشابه على ما يليق بالله تعالى هذا ترك الحمل على الظاهر هذا تأويل إجمالي فإذا السلف والخلف متفقون عن تنزيه الله عن مشابهة الخلق ومتفقون على ترك حمل الآيات المتشابهة على الظاهر إنما كثر في الخلف أنهم يؤولون تأويلا تفصيلا بتعيين معنى حفظًا للعقائد من التزلل والوقوع في التشبيه في حق الله في تمثيل الله في تشبيه الله لأن من شبه الله كفر.
بتعيين معان لها مما تقتضيه لغة العرب ولا يحملونها على ظواهرها أيضًا كالسلف، ولا بَأْسَ بسُلُوكِهِ ولا سِيَّمَا عنْدَ الخَوفِ مِنْ تَزَلزُلِ العَقِيْدةِ حِفْظًا منَ التّشبِيهِ مثْلُ قَولِه تَعالى في تَوبيخِ إبْليسَ {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (سورة ص).
فَيَجوزُ أن يُقَالَ المُرادُ باليَدَيْنِ العِنَايةُ والحِفْظُ.
[113] س: ما معنى قولِهِ تَعَالى: {مِنْ رُوحِنَا} وقولِه: {مِنْ رُوحِي}؟
ج: لِيُعْلَمْ أنَّ الله تَعالى خَالِقُ الرُّوح والجَسَدِ فَلَيسَ رُوحًا ولا جَسَدًا (الجسد مخلوق والروح أين يكون في الجسد وما كان في المخلوق فهو مخلوق)، ومَعَ ذلِكَ أضَافَ الله تَعَالى رُوحَ عِيسَى صلى الله عليه وسلم إلى نَفْسِه على مَعْنى المِلْكِ والتَّشْريفِ لا للجُزْئِيَّةِ في قَولِه تَعالى {مِنْ رُوحِنَا}{وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} (سورة الأنبياء)، مريم عليها السلام الولية الصالحة الصديقة الطاهرة العفيفة أم النبي عيسى عليه الصلاة والسلام كانت حفظت فرجها صانت فرجها فنفخنا أي أمرنا الملك جبريل أن ينفخ فَنَفَخْنَا فيه هنا رجع الضمير على الفرج بمعنى فتحة القميص هنا فتحة بأعلى القميص تسمى الفرج فوجه الملك فوجه النفخ بروح عيسى إلى فرجها إلى فتحة قميصها فدخل الروح من فمها إلى الرحم عيسى عليه السلام خلق خلقًا في جوف مريم قال تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} خلق من غير نطفة لا نطفة رجل ولا نطفة إمرأة لكن مريم حملت به وولدته فأمه مريم عليها السلام لكن عيسى المسيح بشر يأكل ويشرب {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الله تعالى قال: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ (مريم الصديقة رضي الله عنها) كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} عيسى كان يأكل الطعام ومن يأكل الطعام يأكل ويشرب يبول ويتغوط وينام عيسى عليه السلام فهو بشر والخالق لا يجوز أن يكون كشىء من خلقه.
وكذلكَ في حَقّ ءادَمَ قولُهُ تعَالى: {مِنْ رُوحِي} [سورة ص] فَمعنَى قَولِهِ تَعَالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [سورة التحريم] أَمَرْنَا جِبْرِيلَ عليهِ السّلامُ أنْ يَنفُخَ في مَرْيمَ الرّوحَ التي هِي مِلْكٌ لَنا ومُشَرَّفَةٌ عِنْدَنَا.
لأَنَّ الأَرْواحَ قِسْمَانِ: أَرْوَاحٌ مُشَرَّفَةٌ، وَأَرْوَاحٌ خَبِيثَةٌ.
وَأرْوَاحُ الأنْبِيَاءِ منَ القِسْمِ الأوَّلِ، فَإِضَافَةُ رُوحِ عِيسَى ورُوح ءادَمَ إلى نَفْسِه إضَافَةُ مِلكٍ وتَشْريفٍ.
ويَكفُر من يَعتَقدُ أنَّ الله تعالى روحٌ، فالرّوحُ مخلوقةٌ تَنزَّهَ الله عن ذلِكَ.
[114] س: ما معنى قولِهِ تعالى في الكعبةِ {بَيْتِيَ}؟
ج: قَولُه تَعَالى في الكَعْبةِ {بَيْتِيَ} [سورة الحج] فَهِيَ إضَافَةُ مِلكٍ للتشريفِ لا إضَافَةُ صِفَةٍ أو مُلابَسَةٍ لاسْتِحَالَةِ المُلامَسَةِ أو المُماسَّةِ بَيْنَ الله والكَعْبَةِ.
الله تعالى ليس جسمًا ليس روحًا ليس حجمًا ليس ذا كمية الله تعالى لا يشبه شيئًا من خلقه فهنا في هذه الآية { أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} بيتي هذه إضافة تشريف إضافة ملك وتشريف فبيت الله الكعبة المشرفة المسجد الحرام ملك لله تعالى ومكان يُعبد فيه الله فهو مشرف عند الله تبارك وتعالى فقط روى المحدث الفقيه خاتمة اللغويين محمد مرتضى الزبيدي بالإسناد إلى زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم وكان أفضل قرشي في زمانه زين العابدين أنه قال:”سبحانك أنت الله لا يحويك مكان (قال سبحانك أي ننزهك معناه الله موجود بلا جهة ولا مكان) قال: لا تمس ولا تُمس ولا تحس ولا تجس“. هذا التفصيل قاله زين العابدين رضي الله عنه في ذلك الوقت رأى حاجة أن يقال هذا زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم قال هذه الكلمة عن الله “لا تحس ولا تمس ولا تجس” يعني أن الله سبحانه وتعالى ليس جسمًا ليس مادة ليس صورة سبحانه وتعالى قال لست بمحدود فتحد أي أن الله لا كمية له لأنه ليس جسمًا قال لست بمحدود فتحد يعني يا الله أنت الموجود الذي ليس جسمًا ليس حجمًا بالمرة لا هو حجم لطيف ولا هو حجم كثيف هكذا يقول الإمام الصالح الولي الطاهر الذي هو من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قولُ الله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ} (سورة المؤمنون) ليسَ إلا للدلالةِ على أن الله خالقُ العرشِ الذي هو أعظمُ المخلوقاتِ ليسَ لأن العرشَ له ملابَسَةٌ لله بالجلوسِ عليهِ أو بمحاذاتِهِ من غيرِ جلوسٍ، ليس المعنى أن الله جالسٌ على عرشِهِ باتصالٍ وليس المعنى أن الله محاذٍ للعرشِ بوجودِ فراغٍ بينَ الله وبينَ العَرشِ إن قُدّرَ ذلكَ الفراغُ واسعًا أو قصيرًا كلُّ ذلكَ مستحيلٌ على الله، وإنما مزيةُ العرشِ أنه كعبةُ الملائِكَةِ الحافينَ من حولِهِ كمَا أن الكعبةَ شُرفَت بطوافِ المؤمنينَ بها. ومن خواصّ العرشِ أنه لم يُعصَ الله تعالى فيهِ، لأنَّ مَن حولَهُ كُلُّهم عبادٌ مكرمونَ لا يَعصونَ الله طرفةَ عينٍ، ومن اعتقدَ أن الله خلقَ العرشَ ليجلِسَ عليهِ فقد شَبَّهَ الله بالملوكِ الذين يعملونَ الأسِرةَ الكبارَ ليجلسوا عليها ومن اعتقدَ هذا لم يَعرِف الله. ومن لم يعرف خالقه لا تصح عبادته.
ويَكفُرُ من يَعتَقِدُ المُمَاسَّةَ لاسْتِحالتِها في حَقِّ الله تَعَالى.
[115] س: ما تفسيرُ قولِهِ تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؟
ج: تَفْسِيرُ الآيَةِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه] يَجِبُ أن يكونَ تفسيرُ هذه الآية بغيرِ الاستِقْرارِ والجلُوسِ ونحوِ ذلكَ ويَكْفُر منْ يعتَقِدُ ذَلِكَ، فَيَجِبُ تَركُ الحَمْلِ علَى الظّاهِر بَلْ يُحمَلُ على مَحْمِلٍ مُسْتَقِيمٍ في العُقُولِ فتُحمَلُ لفْظَةُ الاسْتِواءِ علَى القَهْرِ ففي لُغَةِ العَرَبِ يُقَالُ اسْتَوى فُلانٌ على المَمَالِكِ إذَا احْتَوَى علَى مَقَالِيدِ الملْكِ واسْتَعْلَى علَى الرّقَابِ.
كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَد اسْتَوَى بِشْرٌ علَى العِراقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراقِ
[116] س: ما فائدةُ تخصيصِ العرشِ بالذّكْرِ؟
لأن بعض الناس يقول الله قاهر كل شىء لِمَ خص العرش بالذكر دون سواه من أجناس العالم
ج: فَائِدَةُ تَخْصِيص العَرْشِ بالذّكْرِ أنَّهُ أعْظَمُ مَخلُوقَاتِ الله تَعَالى حجمًا فيُعْلَمُ شُمُولُ ما دُوْنَه مِنْ بَابِ الأَوْلَى قَالَ الإمَامُ عَلِيٌّ: «إنَّ الله تَعَالى خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لقُدْرَتِهِ ولمْ يَتّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ» رواهُ الإمامُ المحدثُ الفقيهُ اللغويُّ أبو منصورٍ التميميُّ في كتابهِ التبصرة.
[117] س: ما هو التأويل الإجمالي لقوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؟
ج: يُقَالُ: اسْتَوَى اسْتِوَاءً يَعْلَمُهُ هُوَ مَع تَنزِيْهِهِ عن اسْتِواءِ المخْلُوقِيْنَ كَالجُلوسِ والاسْتِقرارِ.
لأن الجلوس من صفات المحدثين البقر يجلسون سائر البهائم تجلس الإنس يجلسون الملائكة يجلسون الجن يجلسون والله ليس كمثله شىء فلو كان جالسًا لكان له أمثال لا تحصى وهذا ضد القرءان الكريم كذلك الاستقرار السكون السكون هو ثبوت الجرم في مكان الحركة هي انتقال الجرم من مكان إلى آخر فالمتصف بالحركة حادث لأنه حجم والمتصف بالسكون حادث لأنه حجم الله تبارك وتعالى جعل بعض المخلوقات ساكن على الدوام كالعرش والسموات والأراضين وبعض المخلوقات متحركة دائمًا كالنجوم وبعض المخلوقات ساكنات أحيانًا متحركات أحيانًا كالجن والإنس والملائكة الله الذي خلق هذه المخلوقات على هذه الصفة لا يجوز أن يكون مثلها فلا يوصف بالحركة ولا يوصف بالسكون.
[118] س: ما معنى قول السلف «استوى بلا كيف»؟
ج: اعْلَم أَنَّه يَجِبُ الحَذَرُ مِنْ هؤلاءِ الذينَ يُجِيزُوْنَ علَى الله القُعُودَ علَى العَرْشِ والاسْتِقْرارَ عليه مُفَسّرينَ لِقَوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} بالجُلُوسِ أو المحاذاةِ من فوق، ومُدَّعِينَ أَنَّه لا يُعْقَلُ مَوْجُودٌ إلا في مَكَانٍ على زعمهم، وحُجَّتُهم دَاحِضَةٌ، ومُدَّعِيْنَ أيضًا أنَّ قَوْلَ السَّلَفِ اسْتَوى بلا كَيْفٍ مُوافِقٌ لذَلِكَ وَلم يَدْرُوا أنَّ الكَيْفَ الذي نَفاهُ السَّلَفُ هُوَ الجُلُوسُ والاسْتِقْرارُ والتّحَيُّزُ إلى المَكَانِ والمُحَاذاةُ وكلُّ الهيئاتِ من حركةٍ وسكونٍ وانفعَالٍ.
وهنا تنبيه الذي ثبت عن الإمام مالك حين سأله سائل يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟
فأطرق مالك رأسه وعلته الرحضاء وقال:”الإستواء معلوم أي معلوم وروده في القرءان وفي رواية عن بعضهم الاستواء مذكور أي مذكور في النص الشرعي في القرءان الكريم قال الاستواء معلوم ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وفي رواية أنه قال: الاستواء معلوم والكيف غير معقول ولا يقال كيف والكيف غير معقول مستحيل على الله الكيف لأن الكيف من صفات المخلوقين صفة المخلوق كيف ولم يقل مالك كما تدعي الوهابية المشبهة والآستواء معلوم والكيف مجهول هذا ما صح عن مالك ولا يصح عن مالك ولا عن أحد من السلف يريدون بذلك المشبهة المجسمة أن مالكًا أثبت الكيف لكن نفى علمنا بهذا الكيف وهذا الكلام غير صحيح نحن نعتقد كالسلف الصالح وكالخلف الصالح أن الله لا كيف له كما قال الإمام أحمد الرفاعي:”غاية المعرفة بالله الإيقان بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان“. الله تعالى لا يحتاج إلى المكان لأنه ليس جسمًا ليس حجمًا ولا يتصف بصفة من صفات المخلوقين هو خالقها كيف تكون صفته كصفة خلقه سبحانه وتعالى المشبهة المجسمة يقولون لا نعقل موجودًا لا مكان له.
أليس الله يقول:{هُوَ الأَوَّلُ} عن نفسه أي موجود لا ابتداء له كان موجودًا قبل كل شىء في الأزل كان موجودًا لم يكن جهة ولا مكان ولا عرش ولا سموات ولا خلاء ولا ملاء ولا فضاء كان موجودًا بلا مكان كما عُقل كما علمن أن الله أن الله كان موجودًا قبل وجود المخلوقات بلا مكان ولا جهة يُعقل ويحكم بأن الله موجود بعد خلق الأماكن والجهات بلا مكان ولا جهة لأن الله لا يتغير والرسول يقول:”كان الله أي في الأزل ولم يكن شىء غيره” لا عرش ولا سموات ولا هواء ولا فضاء ولا نور ولا ظلام وهذا شىء في المخلوقات نحن لا نستطيع أن نتصوره وجود وقت ليس فيه نور ولا ظلام كما قال الله تعالى:{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} جعل أي خلق يعني كان وقت ليس فيه ظلام ولا نور وكل مؤمن يصدق بذلك من غير أن يتصوره ونحن نصدق ونعتقد أن الله موجود بلا جهة ولا مكان من غير أن نتصور ذلك لأنه ليس من شرط الاعتقاد التصور الله ليس شيئًا يُتصور الله تعالى ليس شيئًا يُتمثل في القلب سبحانه وتعالى.
[119] س: كيفَ يُردّ على المشبّهِ الذي يقولُ إذا قلتم الله موجودٌ بلا مكان تكونونَ نفيتم وجودَه؟
ج: نَردُّ عليه بما قالَهُ القُشَيْرِيُّ: «والذي يَدْحَضُ شُبهَهُم أَنْ يُقالَ لَهُم: قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ العَالَمَ أو المَكَانَ هَلْ كَانَ موجودًا أمْ لا؟ فَمِنْ ضَرُورَةِ العَقْلِ أنْ يَقُولُوا بَلَى فَيَلْزَمُه لَوْ صَحَّ قَولُه لا يُعْلَمُ مَوجُودٌ إلا في مَكَانٍ أحَدُ أمْرَينِ:
إمَّا أنْ يَقُولَ: المكانُ والعَرْشُ والعَالَمُ قَدِيمٌ، وإمَّا أَنْ يَقُولَ: الرَّبُّ مُحْدَثٌ والعياذ بالله، وهذا مآلُ الجَهَلةِ الحشوِيّةِ أي المشبهة، لَيْسَ القَدِيمُ بالمُحْدَثِ والمُحْدَثُ بالقَدِيمِ» اهـ.
[120] س: كيف ترد على المشبه في حمله ءاية الاستواء على ظاهرها؟
ج: قَالَ القشيريّ في التَّذكِرَةِ الشَّرقِيَّةِ:”فَإنْ قِيلَ ألَيْسَ الله يَقُولُ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (سورة طه) فَيَجبُ الأَخْذُ بظَاهِرهِ، قُلْنَا: الله يَقُولُ أَيْضًا {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [سورة الحديد] ، ويقولُ {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} (سورة فصلت) فَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ نَأْخُذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الآياتِ أي على زعمكم حَتَّى يَكُونَ عَلى العَرْشِ وعِنْدَنا ومَعَنا ومُحِيطًا بالعَالَمِ مُحْدقًا بهِ بالذَّاتِ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.
والوَاحِدُ يَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ بذَاتِهِ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِكُلّ مَكَانٍ.
وقال رحمه الله: قَالُوا: قَولُه: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } يَعْني بالعِلْم، و{ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} إحَاطَةَ العِلْمِ، قُلْنَا: وقَوْلُه {…عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} قَهَرَ وحَفِظَ وأَبْقَى»، انتهى.
يعني أَنَّهُم قَد أَوَّلُوا هَذِهِ الآيَاتِ وَلَمْ يَحْمِلُوها علَى ظَواهِرِهَا فَكَيفَ يَعِيْبونَ علَى غَيْرِهم تَأْوِيلَ ءايةِ الاستِواءِ بالقَهْرِ، فَما هَذا التّحَكُّمُ؟!
يعني كلامكم أيها المشبهة المجسمة لا دليل لكم عليه بل هو تحكم قول بالرأي والهوى دون الرجوع إلى الشريعة ودون أن يكون هذا الكلام موافق للعقل السليم والقاعدة أن الشرع لا يأتي إلا بمجوزات العقول وأن العقل السليم شاهد للشرع.
والله سبحانه وتعالى أعلم واحكم هللوا وصلو على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفروا للمؤمنين والمؤمنات.