مقصد الطالبين
لله تعالى
فصل في النبوة
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
وبعد،
ويتضمنُ ثلاثة عَشَرَ سؤالا [163] س: ما معنى النبوة؟
ج: اشتِقاقُها من النّبَإ أي الخبَرِ لأنّ النُّبُوّةَ إخْبارٌ عن الله، أو من النَّبْوَةِ وهي الرّفْعَةُ، فالنَّبيُّ على الأوّلِ فعِيلٌ بمعنى فاعلٍ لأنَّهُ يُخبِرُ عن الله بما يُوْحَى إليه، أو فعِيلٌ بمعنى مفعولٍ أي مُخْبَرٌ عن الله أي يُخبِرُهُ المَلَكُ عن الله، فالنبوَّةُ جائزةٌ عقلاً ليست مستحيلةً.
وإنَّ الله تعالى بعثَ الأنبياءَ رحمةً للعبادِ إذْ ليسَ في العقلِ ما يُستَغْنَى به عنهم لأنّ العقلَ لا يَسْتَقِلُّ بمعرفةِ الأشْياءِ المنْجِيَةِ في الآخرةِ.
يعني الإنسان بمجرد العقل لا يستطيع أن يتوصل إلى أن الصلاة فرض أن الصوم فرض أن الزكاة واجبة لا يستطيع أن يتوصل إلى أن هذا حرام وهذا حلال فرحمة هذا رحمة من الله أنه أرسل الأنبياء وكل الأنبياء جاءوا بدين واحد هو الإسلام وهؤلاء الأنبياء علموا الناس ماذا افترض الله عليهم ماذا حرم الله عليهم.
[164] س: ما الفرقُ بين النبيّ والرسول؟ هنا مسئلة مهمة كل من النبي والرسول يوحى إليه وكل من النبي والرسول مأمور بالتبليغ غلط ما انتشر في كثير من الكتب أن النبي ليس مأمورًا بالتبليغ إذًا ما هي وظيفته هل هو نبي نفسه فقط لا.
النبي نبي نفسه ونبي من أرسل إليهم.
ج: إعلم أن النبيَّ والرَّسولَ يشتركانِ في الوَحي، فكلٌّ قد أوْحَى الله إليه بشرعٍ يَعْمَلُ به لتبليغِه للنّاسِ.
غيرَ أنّ الرسولَ يأتي بنسخِ بعضِ شرعِ مَن قبلَه أو بِشَرْعٍ جديدٍ.
والنَّبيُّ غيرُ الرّسولِ يُوحَى إليه ليتّبعَ شرعَ رسولٍ قبلَهُ ليُبلّغَهُ.
إذًا هذا هو الفرق الرسول يأتي بشرع جديد النبي يوحى إليه بشرع من قبله حتى يبلغه هذا الفرق بينهما كل من النبي والرسول من الذكور كل من النبي والرسول يوحى إليه كل جاء بدين الإسلام كل من النبي والرسول معصوم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة والدناءة قبل النبوة وبعد النبوة.
فلذلكَ قالَ العلماء: “كلُّ رسولٍ نبيٌّ وليس كلُّ نبيٍّ رسولا“.
ثمّ أيضًا يفترقان في أنّ الرّسالةَ يوصَفُ بها الملَكُ والبشرُ، فالنبوةَ لا تكونُ إلا في البشرِ. وَلا يَصِحُّ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ النَّبِيَّ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّبْلِيغِ. هذا غير صحيح.
[165] س: اذكر الصفاتِ الواجبةَ للأنبياءِ والمستحيلةَ عليهم.
ج: يجبُ للأنبياءِ الصّدْقُ ويستحيلُ عليهم الكَذبُ انتبهوا هذه قواعد احفظوها وعلموها أولادكم وعلموها أهاليكم حتى إذا ما قرأتم أو سمعتم شىيئًا يخالف ذلك تعرفون أن هذا ليس صحيحًا.
يجبُ للأنبياءِ الصّدْقُ ويستحيلُ عليهم الكَذبُ (لا يحصل منهم أي نوع من أنواع الكذب)، وتجِبُ لهمُ الفَطَانَةُ (كلهم أزكياء كلهم عندهم إنتباه قوي وذهن حاضر وقوي) ويستحيلُ عليهمُ البَلادَةُ والغَباوةُ (بعض الناس عندهم بلادة لا يفهمون الكلام من المرة الأولى بعض الناس عندهم غباوة الأنبياء مستحيل عليهم ذلك)، فتجبُ لهم الأمَانَةُ. كلهم أُمناء لا يخونون لا في القول ولا في الفعل ولا في التصرفات ولا في الأحوال.
فالأنبياءُ سالمونَ من الكفرِ والكبائرِ (كل قصة فيها أن نبيًا كان على غير الإسلام فهي غير صحيحة إبراهيم لم يعبد الشمس لم يعبد القمر لم يعبد الكوكب ما جاء في القرءان من أنه {قَالَ هَذَا رَبِّي} هذا للإنكار لما ظهر الكوكب لما ظهر النجم أراد أن يفهم قومه أنه لا يستحق العبادة فلما أفل {قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} هذا يظهر ثم يغيب هذا متغير المتغير حادث الحادث لا يكون إلهًا كأنه يقول كيف تعبدون شيئًا له حجم له شكل له صورة له هيئة مؤلف مركب وهذا الشىء يتغير يظهر ويغيب لا يستحق العبادة كيف تعبدونه كذلك قال في القمر كذلك قال في الشمس وإلا إبراهيم من الأول كان عارفًا بربه لم يعبد شمسًا ولا قمرًا ولا نجمًا قال تعالى:{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ} قبل نزول الوحي كان على الإيمان وكذلك كل الأنبياء.
وتجِبُ لهمُ الفَطَانة ويستحيلُ عليهمُ البَلادَةُ والغَباوةُ وتجب لهم الأمانة فالأنبياء سالمون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة وهذه هي العِصْمَةُ الواجبةُ لهم، ويستحيلُ عليهم الخيانةُ، ويجبُ لهم الصّيانةُ فيستحيلُ عليهم الرَّذالَةُ والسَّفاهةُ والجُبنُ (كلهم لا يفعلون أفاعيل قبيحة لا يشتمون يمينًا وشمالا عليهم الصلاة والسلام لا يقعون في رذيلة من الرذائل لا يفعلون شيئًا يدل على السفاهة لا يقولون كلامًا يُعتبر من الكلام السفيه كما نسب بعض الناس لعيسى عليه السلام أنه كان مع قوم يشربون الخمر وهذا لا يجوز على الأنبياء يقولون فلما نفد الخمر قال لأمه أيتها المرأة إيتينا بالخمر النبي لا يخاطب أمه بهذه العبارات هذه سفاهة لا تليق بالأنبياء وشرب الخمر لا يليق بالأنبياء لماذا لأن الخمر قليله يدعو إلى كثيره ومن شرب كثير الخمر من شأنه يسكر يضيع يغيب فيتكلم بكلام لا خير فيه قد يتكلم بكلام فيه سب فيه شتم فيه رذالة هذا لا يجوز على الأنبياء لذلك الأنبياء ما شربوا الخمر ولا دعوا الناس إلى شرب الخمر ولا شجعوا الناس على شرب الخمر.
وكل ما ينفر عن قبول الدعوة منهم وَكَذلكَ يَستحيلُ عَلَيْهِم كلُّ مرَضٍ مُنَفّرٍ.
المرض الذي ينفر منه أصحاب الطباع السليمة كالجرب والبرص والجذام كل هذا لا يحصل لنبي من الأنبياء.
الجرب مرض حكاك مزعج معروف والجذام مرض تسود منه الأطراف وتتساقط والبرص مرض يبيض تذهب دموية الجلد تبيض مواضع من الجلد منفر وكذلك خروج الدود من الجسم مستحيل على الأنبياء أيوب عليه السلام مرض كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “ثمانية عشرة عامًا” لكن مرضه لم يكن منفرًا لم يخرج منه الدود كما يقول بعض الجهال.
فمن نسبَ إليهِمُ الكذبَ أو الخيانةَ أو الرَّذالةَ أو السَّفاهةَ أو الجُبْنَ وهو ضعف القلب أو نحوَ ذلك فقد كَفَرَ.
[166] س: ما تعريفُ المعجزة؟
ج: اعلم أنَّ السَّبيلَ إلى معرفةِ النَّبي المُعجزةُ ( كل نبي معه معجزة )، وهي أمرٌ خارِقٌ للعادةِ (فما هو ليس خارقًا للعادة لا يسمىى معجزة ولو كان غريبًا) يأتي على وَفْقِ دَعْوَى من ادَّعَوا النُّبوة (كما يقول النبي كما يدعي يأتي هذا الأمر الذي هو خارق للعادة على وفق ما قاله ما ادعاه)، سَالِمٌ مِنَ المُعَارَضَةِ بالمِثلِ.
لا يستطيع واحد من المعارضين أن يأتي بمثل ما أتى به النبي لذلك كل نبي حصلت منه معجزة لم يأت واحد من المعارضين قال له تدعي أنك نبي تعمل معجزة ها أنا ذا أفعل مثلك ما حصل هذا بالمرة لأن المعارضين لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك، أما السحر فيعارض بسحر ويغلب ساحر ساحرًا.
وكذلكَ ما كانَ خارقًا لكنّه لم يقترن بدعوَى النّبوةِ كالخوارقِ التي تظهرُ على أيدي الأولياءِ أتباعِ الأنبياءِ فإنَّهُ ليسَ بمعجزةٍ بل يُسَمَّى كرامةً.
تأتي أمور خارقة للعادة على يدي الولي وهو المؤمن المستقيم بطاعة الله فالأولياء كانوا في أمم الأنبياء قبل محمد لكن أكثر الأولياء في أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
مريم ابنة عمران كانت ولية صالحة {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآء بِغَيْرِ حِسَابٍ} كذلك سيدنا سليمان كان له كرسي يقعد عليه للحكم فيقعد الإنس ويقعد الجن وكانت ملكة اليمن ملكة سبأ في اليمن بلقيس عندها عرش كبير من ذهب مرصع بالجواهر أراد سيدنا سليمان أن يقهرها لتُسلم فسأل في مجلسه {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} أي بعريش بقليس ملكة سبأ في اليمن فقَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ جني قوي أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ هذا قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ آصف بن برخيا من الأولياء من أتباع سيدنا سليمان على دين الإسلام أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ هكذا تطرف تنظر تطرف ثم تنظر ففي لحظة قصيرة جاءه به بعرش بلقيس هذه كرامة لولي مسلم من أتباع سليمان عليه السلام.
ومريم كانت على شرع زكريا عليه السلام وحصلت لها كرامة وهكذا في أمم الأنبياء يكون أولياء ولهم كرامات في أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أكثر وأكثر وأكثر. سيدنا عمر كان على المنبر في المدينة المنورة وكان أرسل جيشًا إلى نهاوند أرض بعيدة من المدينة فأراد الكفار أن يأتوا إلى المسلمين من جهة الجبل هم ما انتبهوا لذلك وهو على المنبر سيدنا عمر الله كشف له حال جيش المسلمين وأن الكفار يريدون أن يُغِيروا عليهم من ناحية لم ينتبهوا لها فسيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم كان قال:”قد كان فيما قبلكم أناس محدَّثون أي ملهمون وأن يكن في أمتي واحد منهم فإنه عمر“. اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله يعني بالكشف سيد أهل الكشف في أمة سيدنا محمد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال نادى يا سارية سارية بن زنيم هو قائد الجيش قال عمر:”يا سارية الجبل الجبل” فالتفتوا إلى الجبل وصدوا الكفار المسلمون سمعوا عمر يقول يا سارية الجبل الجبل فلما جاء الجيش كانوا قبل ذلك سألوا عمر بعد أن نزل عن المنبر لمَ قلت يا سارية الجبل الجبل متواضع رضي الله عنه قال: كلام ألقي في بالي لما جاء الجيش أخبروهم سارية بن زنيم قال سمعت عمر يقول يا سارية الجبل الجبل فهذا يسمى كرامة وليس معجزة.
وكذلك ليسَ من المعجزةِ ما يُستَطاعُ معارضَتُهُ بالمثلِ كالسّحرِ فإنّهُ يُعارَضُ بسِحْرٍ مثلِه.
[167] س: اذكر قسمَي المعجزة.
ج: المعجزةُ قِسْمَانِ:
قسمٌ يقعُ بعدَ اقتراحٍ مِنَ الناسِ على الذي ادَّعَى النّبوةَ.
وقسمٌ يقعُ مِن غيرِ اقتراحٍ.
فالأَوّلُ نحوُ ناقةِ صالحٍ التي خَرَجَت من الصَّخرةِ. اقترحَ قومُه عليهِ ذلكَ بقولِهم: إن كنتَ نبيًّا مبعُوثًا إلينا لِنُؤمِنَ بكَ فأخرجْ لنا من هذه الصَّخرةِ ناقةً وفصيلَها فأخرجَ لهم ناقةً معَها فصِيلُها (أي ولدها أنثى الجمل يعني ومعها ولدها) فاندهَشُوا فآمنوا به.
لأنّهُ لو كَانَ كاذبًا في قولِهِ إنَّ الله أرسلَهُ لم يأتِ بهذا الأمرِ العجيبِ الخارقِ للعادةِ الذي لم يَستطع أحدٌ من النَّاسِ أن يعارضَهُ بمثلِ ما أتى به، فَثَبَتَت الحُجَّةُ علَيْهِم.
ولا يَسَعُهُم إلا الإذعانُ والتَّصديقُ لأنَّ العقلَ يُوجبُ تصدِيقَ من أتَى بمثلِ هذا الأمرِ الذي لا يُسْتَطاعُ معارضَتُهُ بالمثل مِن قِبَلِ المعارضينَ.
فمن لم يُذعِنْ وعاندَ يُعَدُّ مُهْدِرًا لقِيمةِ البُرهانِ العقليّ.
يعني الذي لم يُذعن لم يصدق بالنبي الذي جاء بالمعجزة يكون أهدر قيمة البرهان العقلي فلا يلومن إلا نفسه.
والله تعالى أعلم وأحكم هللوا وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفروا للمؤمنين والمؤمنات.