fbpx

26 :مقصد الطالبين – الحلقة

شارك هذا الدرس مع أحبائك

مقصد الطالبين لله تعالى الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين. وبعد، [169] س: اذكر بعضَ معجزاتِ سيدِنا محمد صلى الله عليه وسلم. ج: أمّا سيدنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فمِن معجزاتِهِ صلى الله عليه وعلى جميعِ إخوانِه الأنبياءِ: 1 – حنِيْنُ الجِذْعِ، وَذَلِكَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَسْتَنِدُ حينَ يَخطُبُ إلى جِذْعِ نَخْلٍ في مسجِده قبلَ أن يُعمَلَ له المنبرُ، فلمَّا عُمِلَ له المِنْبَرُ صَعِدَ صلى الله عليه وسلم عليه فبدأَ بالخُطبَةِ وهو قائمٌ على المنبرِ فحَنَّ الجِذْعُ حتّى سمِعَ حنِينَه مَنْ في المسجد، فنزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فالتزَمَهُ – أي ضَمَّه واعتنقَه – فسَكَتَ. هذا الجذع جذع يبيس كان وُضع في المسجد يستند عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين يخطب لما أقترح بعض الصحابة على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعمل له المنبر وعُمل له ارتقاه الرسول وبدأ بالخطبة حن الجذع إلى رسول الله صار يطلع منه صوت كصوت الطفل الذي يحن إلى أمه فالرسول عليه الصلاة والسلام ألتزمه اعتنقه فسكت هذه معجزة باهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الله تعالى خلق في هذا الجذع حياة بلا روح وأحساسًا وشعورًا وحنينًا لرسول الله عليه الصلاة والسلام الله قادر على كل شىء صار في الجذع إحساس وحنين لرسول دون أن يكون فيه روح. 2- ومن معجزاتِهِ صلى الله عليه وسلم إنطَاقُ العَجْماءِ أي البهيمةِ. روى الإمامُ أحمدُ والبيهقيُّ بإسنادٍ صحيحٍ من حديثِ يَعْلَى بنِ مُرَّةَ الثَّقَفيّ أنه قال: بينما نسيرُ معَ النبي صلى الله عليه وسلم إذ مرَّ بنا بعيرٌ يُسْنَى عليه (أي يُحمل عليه الماء) فلمَّا رءاهُ البعيرُ جَرْجَرَ أي أصدر صوتًا من حلقه فوضَعَ جِرانَهُ أي وضع مقدم عنقه فوقَفَ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «أينَ صاحبُ هذا البعيرِ»؟ فجاءَهُ فقالَ: «بعنِيْهِ» ، فقال: بل نَهبُهُ لكَ يا رسولَ الله وإنَّه لأهلِ بيتٍ ما لَهُمْ مَعِيشةٌ غيرُه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “أمّا ما ذكرتَ من أمرِه فإنّه شكَا كثرةَ العملِ وقِلَّة العَلفِ فأحْسِنُوا إليه” 3 – ومنها (أي من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم) تفجُّرُ الماءِ من بينِ أصابعِهِ بالمشاهدةِ في عدَّةِ مواطِنَ في مشاهِدَ عظيمةٍ وَرَدَتْ من طرُقٍ كثيرةٍ يُفيدُ مجموعُها العِلْمَ القطعيَّ المستفادَ من التَّواترِ المعنويّ (يعني الرواة لم يتفقوا على واحد لكن اتفقوا على المعنى فكان جمع كثير من الصحابة رأوا ذلك نقلوا إلى جمع كثير وهكذا بحيث يستحيل عادة أن يتواطئوا على الكذب أن يجتمعوا على الكذب فكان تواترًا معناويًا وهذا التواتر المعنوي يفيد العلم القطعي الإنسان كيف يعلم بالمشاهدة إذا شاهد الشىء أو بالخبر المتواتر الذي يبلغه إذا كان لم يشاهد مثلا هو بعينه) ولم يَحصُلْ لغيرِ نبيّنا صلى الله عليه وسلم حيثُ نبعَ من عَظْمِهِ وعصَبِهِ ولَحمِهِ ودَمِهِ وهو أبْلَغُ من تفجُّرِ المياهِ من الحجرِ الذي ضرَبَهُ موسَى لأنّ خروجَ الماءِ من الحجارةِ معهودٌ بخلافِهِ من بين اللحمِ والدَّمِ. رواهُ جابرٌ وأنسٌ وابنُ مسعودٍ وابنُ عبّاسٍ وأبو ليلى الأنصاريُّ وأبو رافعٍ. وقَد أخْرجَ الشَّيخانِ من حديث أنسٍ بِلَفْظِ: «رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقد حانَتْ صَلاةُ العَصْرِ والتمَسَ الوَضُوءَ (أي طلب ماء الوضوء) فلَم يَجِدُوهُ فأُتِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوَضُوءٍ فَوَضَعَ يدَهُ في ذلكَ الإناءِ فأمَرَ النَّاسَ أن يتوضَّأوا فرأيتُ الماءَ يَنْبُعُ من بَيْنِ أصَابعِهِ فَتوضَّأَ النَّاسُ حتَّى توضَّأوا منْ عِنْدِ ءاخِرِهم». وفي روايةٍ للبُخاريّ قالَ الرَّاوِي لأَنَسٍ: كَم كُنْتُم؟ قَالَ: ثلاثَمِائةٍ. كلهم توضأوا من هذا الماء الذي خرج من بين أصابع النبي عليه الصلاة والسلام. 4 – ومن مُعجزاتِه: ردُّ عَينِ قتادَةَ بعدَ انقِلاعِهَا: فقَد روى البَيهقيُّ في الدّلائلِ عن قَتادَةَ بنِ النُّعمانِ أنّه أُصيبَت عَيْنُه يَومَ بَدرٍ فسَالَت حَدَقَتُه على وجْنَتِه فأرادُوا أنْ يقْطَعُوها فسَألُوا رسُول الله فَقالَ: «لا» ، فدَعَا بهِ فغَمزَ حدَقَتَهُ براحَتِه (الرسول عليه الصلاة والسلام)، فكَانَ لا يَدْرِي أيَّ عيْنَيهِ أُصِيْبَت. اهـ. قتادة بن النعمان رضي الله عنه. 5 – ومن مُعْجزاتِه تَسْبيحُ الطَّعَامِ في يَده أخْرجَ البُخاريُّ من حَديثِ ابنِ مَسْعُودٍ قالَ:«كنَّا نأكلُ معَ النّبي صلى الله عليه وسلم الطَّعامَ ونَحنُ نَسْمعُ تَسْبيحَ الطَّعام». وهَذه المعجزاتُ أعجَبُ من إحْياءِ الموتَى الذي هو أحَدُ مُعْجِزاتِ المسِيحِ. [170] س: اذكر الدليلَ على ثبوتِ معجزةِ الإسراءِ للرسول صلى الله عليه وسلم. ج: الإسْراءُ ثَبتَ بنَصّ القُرءانِ والحديثِ الصَّحيح فيَجبُ الإيمانُ بأنَّه صلى الله عليه وسلم أسْرَى الله به ليلاً من مكةَ إلى المسجدِ الأقصى. فالإسْراءُ قَد جاءَ فيه قَولُه تَعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} (سورة الإسراء). [171] س: اذكر الدليلَ على ثبوت المعراج للرسول صلى الله عليه وسلم. ج: أمَّا المعْراجُ فقدْ ثبتَ بنَصّ الأحَاديثِ. وأمَّا القرءانُ فلم ينُصَّ عليهِ نصًّا صَريحًا لا يَحتمِلُ تأويْلاً لكنَّهُ وردَ فيه مَا يَكَادُ يَكُونُ نَصًّا صَرِيحًا. [172] س: ما الرد على من قال: قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (سورة النجم) يحتمل أن يكون رؤية منامية؟ ج: قلْنَا: هذَا تأويلٌ ولا يَسُوغُ تأْويلُ النَّصّ أي إخراجُهُ عن ظَاهرِهِ لغيرِ دليلٍ عَقليّ قاطِعٍ أو سَمْعِيّ ثابتٍ كما قالَهُ الرَّازِيُّ في «المحْصُولِ» وغيرُهُ من الأصوليينَ. ولَيْسَ هنَا دليلٌ على ذلكَ. وقَد روى مُسْلمٌ عن أنس بن مَالكٍ رضيَ الله عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُتِيتُ بالبُراقِ (وهو من دواب الجنة) وهوَ دابَّةٌ أبيَضُ طَويلٌ فَوقَ الحمارِ ودُوْنَ البَغْلِ يضَعُ حافِرَهُ عندَ منتَهَى طرْفِهِ (أي حيث يصل نظره يضع رجله كل خطوة من خطواته تسع إلى مد البصر هذا أمر البراق من العجائب المخالفة للعادة )، قالَ: فركِبْتُه حتّى أتيتُ بيتَ المقْدِسِ فَربَطتُهُ بالحلَقَةِ التي يَربِطُ بها الأنبياءُ، قال: ثم دخَلْتُ المسجِدَ فَصلَّيتُ فيه ركْعتينِ، ثمَّ خَرجْتُ فجاءَني جبريلُ عليه السلام بإناءٍ من خَمرٍ (أي من خمر الجنة الذي هو لذيذ لا يسكر ولا يصدع الرأس) وإنَاءٍ منْ لَبَنٍ (أي حليب) فاختَرتُ اللّبَنَ، فقالَ جبريلُ عليه السلامُ: «اختَرْتَ الفِطْرَةَ (أي اخترت ما هو خير لك اخترت الدين تمسكت بالدين) قال: ثمّ عَرَجَ بنَا إلى السَّماءِ» ، إلى ءاخِرِ الحديثِ. وفي الحديثِ دَليلٌ على أنَّ الإسْراءَ والمعْراجَ كانَا في ليلةٍ واحدةٍ برُوْحِهِ وجَسَدِهِ يقَظَةً إذْ لم يَقلْ أحَدٌ إنَّهُ وَصَلَ إلى بَيْتِ المقْدِسِ ثُمَّ نَامَ. فالمقصود أيها الأحبة من الإسراء والمعراج تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمقصود أن الرسول عليه الصلاة والسلام له جاه عند ربّ العالمين لأنه أطلع على عجائب في العالم العلوي عليه الصلاة والسلام وليس معناه أنه ذهب للقاء رب العالمين لمقابلة الله الله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين شىء من خلقه مقابلة أو مناسبة أو مماثلة. الرسول عُرج به إلى السموات السبع صلى إمامًا بالأنبياء في المسجد الأقصى وأستقبله ثمانية من الأنبياء في السموات كلٌّ يقول مرحبا بالنبي الصالح إلا آدم عليه السلام فقال له مرحبًا بالابن الصالح وإبراهيم قال مرحبًا بالابن الصالح لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والسموات مشحونة بالملائكة ليس كما يقول المجسمة المشبهة إن الله يسكن السماء أو يسكن فوق العرش هذا لا يجوز على الله تبارك وتعالى. نعم الرسول في ليلة المعراج الله تعالى أعطاه قوة البصر بقلبه فرأى الله الذي ليس كمثله شىء سبحانه وتعالى أما أن يكون بين الله وبين شىء من الخلق لقاء مناسبة مشابهة هذا مستحيل لا يجوز على تبارك وتعالى. [173] س: تكلَّم عن رؤيةِ الرسولِ ربه ليلة المعراج. ج: رُؤْيةُ النبي لرَبّه ليلة المعراج فقد رَوَى الطَّبرانيُّ في المُعْجَمِ الأَوْسطِ بإسْنادٍ قَويّ كما قالَ الحافظُ ابن حجر عن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنْهما: “رأَى محمَّدٌ ربَّهُ مَرّتينِ“ (لم يره بعيني رأسه الله تعالى جعل له قوة البصر بفؤاده فرأى الله بفؤاده ليس الله حلّ في فؤاده سبحانه وتعالى) وروى ابنُ خُزَيْمةَ بإسْنادٍ قَوِيّ: «رأَى محمَّدٌ رَبَّهُ” وَالمرادُ أنَّه رءاهُ بقَلْبِهِ بدَليلِ حَديثِ مُسْلمٍ من طَريقِ أبي العاليةِ عن ابنِ عَبَّاسٍ في قولِهِ تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى *أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى *وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (سورة النجم)، قال: “رَأَى رَبَّهُ بفؤادِه مرَّتينِ”. تَنْبِيهٌ: قالَ الغَزاليُّ في إحياءِ علومِ الدّينِ: «الصَّحيحُ أنَّ النّبيَّ لم يرَ ربَّهُ لَيلَةَ المعْراجِ»، ومرادُه أنه لم يرَهُ بِعَيْنِه إذْ لم يَثبُتْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ رأيْتُه بعَيْني ولا أنَّ أحدًا من الصَّحابةِ أو التّابعينَ أو أتْباعِهم قال: رءاهُ بعَيْنَي رأسِه. والله تعالى أعلم وأحكم. هللوا وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفروا للمؤمنين والمؤمنات