الشيخ: عبد الرحمن عماش
الحلقة: 18
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المُقربين على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الميامين، ما زلنا في واحات القرآن الكريم في رياضه وفي بساتينه في أنواره وخيره، نتكلم اليوم بإذن الله تبارك وتعالى عن أوائل ما نزل من القرآن، بعض الناس يظنون أنه على حسب ترتيب السور في القرآن هكذا كانت أوائل ما نزل لا، يعني بعضهم يقول مثلا أن البقرة أوائل ما نزل من القرآن وليس كذلك، البقرة نزلت في المدينة، بعض القرآن نزل في مكة وبعضه نزل في المدينة وبعضه نزل في الطريق بين مكة والمدينة وغير ذلك فلذلك ليس ينبغي أن نعتبر أن القرآن بحسب ترتيبه في المصحف هكذا أُنزل لا، ولا أن ترتيبه بحسب أي سورة هي أطول أو أقصر لا، كما ذكرنا سابقا إنما ترتيبه كان بوحي من الله سبحانه وتعالى، كان سيدنا جبريل عليه السلام هو يُعلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أين توضع هذه السّورة وأين توضع هذه الآية، فإذًا أول ما نزل من القرآن وإن لم يكن سورة كاملة نزل:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} هذه أول خمس آيات نزلت من القرآن ولم تنزل السورة كاملة، روى البخاري ومسلم رحمهما الله وغيرهما عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: “أول ما بُدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤية الصادقة في النوم” يعني يرى مناما يرى فيه رؤية صادقة، ورؤيا الأنبياء وحي ليس كرؤيا غير الأنبياء، رؤيا غير الأنبياء قد تكون رؤيا صادقة لكن لا يُبنى عليها أحكام، أما رؤيا الأنبياء يُبنى عليها أحكام فالرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان لا يرى رؤية إلا جاءت مثل فلق الصبح واضحة ثم حُبّب إليه النبي عليه الصّلاة والسّلام الخلاء يعني أن يخلو بنفسه ليتفرغ لعبادة ربه وهذا قبل أن ينزل عليه الوحي بالنبوة والرسالة، كان النبي عليه الصّلاة والسّلام حُبّب إليه أن يختلي أن يخلو عن الناس فيشتغل بعبادة ربّه فكان يشتغل بالعبادة يتحنّث فيه في هذا الغار غار حراء الليالي ذوات العدد كان يأتي إلى غار اسمه غار حراء، فكان يبقى ليالي أياما وليالي وهو يعبد الله سبحانه وتعالى، ويتزود يأخذ طعامه يبقى معه حتى إذا احتاج للطعام يأكل ويتفرغ يخلو عن الناس متفرغا لعبادة الله سبحانه، ثم كان يرجع إلى السيدة خديجة رضي الله عنها بعد مرور أيام وليالٍ فتزوّده لليالي مثلها، حتى جاء الوقت الذي ينزل عليه فيه الوحي وهو كان في غار حراء فجاءه الملك فقال له الملك: وهو سيدنا جبريل عليه السلام، وهذا الحديث الذي ترويه السيد عائشة رضي الله عنها فيما رواه عنها الإمام البخاري والإمام مسلم وغيرهم من حُفاظ الحديث فقال له سيدنا جبريل {اقْرَأْ} فقال الرسول عليه الصّلاة والسّلام فقلت: “ما أنا بقارىء” الرسول ما كان يقرأ المكتوب فقال: “ما أنا بقارئ” فأخذني فغطني” يعني ضمّه ضمّ النبي عليه الصلاة والسلام إليه قال حتى بلغ مني الجهد ثمّ أرسلني تركني فقال {اقْرَأْ} فقلت ما أنا بقارئ كذلك غطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد التعب ثم أرسلني فقال {اقْرَأْ} فقلت: “ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد” وهذا كله حين يضمّه ملك من الملائكة تحصل له البركة ويحصل له الخير العظيم لأن جبريل عليه السلام كان رئيس الملائكة وبهذا يحصل خير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له بعد الثالثة قال له سيدنا جبريل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتى بلغ ما لم يعلم، يعني {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} فرجع النبي عليه الصّلاة والسّلام و قد حصل له تهيّب عظيم من هذا الموقف فرجع ترجف بوادره عليه الصّلاة والسّلام من هيبة هذا الموقف الذي كان فيه حتى دخل على السّيدة خديجة رضي الله عنها، فقال: “زملوني” أي غطوني فغطوه فقال: “زملوني زملوني” فزمّلوه حتى ذهب عنه الروْع هذا التهيب الذي كان عنده فقال للسّيدة خديجة: “أي خديجة مالي قد خشيت على نفسي” فأخبرها الخبر بما جرى له عليه الصّلاة والسّلام فقالت السيدة خديجة: ” كلا أبشر فوالله لا يخزيك أبدا” يعني هي صارت تُشجّعه تقوّي عزيمته عليه الصّلاة والسّلام والرسول قوي العزيمة لكن كان متهيّبا من هذا الأمر يفكر كيف يقوم بهذه الأمانة النبي عليه الصّلاة والسّلام فهي شجعته رضي الله عنها: “قالت:” فوالله أي إنك يا محمد وتصل الرحم وتصدق الحديث تتكلم بكلام الصدق لا تكذب وتحمل الكَلة الذي هو لا يجد الطعام الذي لا يحتاجه أنت تعينه وتكسب المعدوم الذي ليس عنده شيء تعطيه تتصدق عليه وتُقري الضيف” أنت تقري الضيف وتعين على نوائب الحق، أي إذا حصلت مصيبة أنت مقدام في إعانة الناس على ما يحصل لهم من البلاء، فإذن شجعت النبي عليه الصّلاة والسّلام على ذلك، ثم بعد ذلك صار ينزل عليه الوحي مرة بعد مرة عليه الصّلاة والسّلام فكان أول ما نزل من القرآن في مكة من حيث أنه قرآن ليست سورة كاملة نزل هذه الآيات الخمس وبعض العلماء قالوا: “أول ما نزل الفاتحة” والمقصود من ذلك يعني أول ما نزل سورة كاملة الفاتحة، لأن القرآن كان ينزل متفرّقا ليس ينزل سورة تامة إنما خمس آيات عشر آيات أحيانا ينزل سورة تامة ولكن قليل، فأول ما نزل سورة تامة هي سُورة الفاتحة، كذلك مما نزل أول ما نزل في الإنذار كما ذكر العلماء: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ} هذه كذلك نزلت سورة تامة على النبي عليه الصّلاة والسّلام، فإذا أول ما نزل بمكة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ونزل الفاتحة والفاتحة كذلك عادت أنزلت في المدينة على النبي عليه الصّلاة والسّلام، وكذلك من أول ما نزل سورة المدّثر ثم بالمدينة ما هي أو سورة أنزلت؟ {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} وأول سورة أعلنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة هي سورة النجم، ثم العلماء عدّدوا السور بترتيبها كيف ما الذي أنزل في مكة وما الذي أُنزل في المدينة على الترتيب الذي أنزلت فيه السور وهذا من حيث الإجمال وإلا بعض السور قد يكون دخل فيها آيات أنزلت بالمدينة ويُذكر بأن هذه السورة أنزلت في مكة، وبعض السور قد يكون أُدخل فيها آيات أنزلت في مكة، ويذكر بأن هذه السورة أنزلت في المدينة وهذا علم اعتنى به العلماء الذين اختصوا به فمن أراد أن يعرفه يتلقاه بإذن الله تبارك وتعالى فذكروا أنه مما نزل في مكة سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ونزل سورة {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} وسورة يا أيها المزمل وسورة يا أيها المُدثر وسورة الفاتحة وتبت يدا أبي هب وتب و{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وكذلك مما نزل بالمدينة سورة البقرة وسورة آل عمران ثم سورة الأنفال ثم سورة المائدة ثم سورة الممتحنة ثم {إذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ثم سورة النور ثم سورة الحج والمنافقون والمجادلة والحجرات والتحريم إلى آخر ما نزل في مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فبعض السور نزل في مكة وبعضها في المدينة وكما ذكرنا هذه السور وإن كان يذكر أنها نزلت في مكة ولكن قد يكون بعضها مما أنزل في المدينة وبالوحي أدخلها النبي عليه الصّلاة والسّلام فيما أنزل من السور بمكة وهكذا بالنسبة للسّور التي ذكروا أنها نزلت بمدينة الرسول عليه الصّلاة والسّلام، ثم سنذكر بعض الفوائد يعني مثلا أول آية نزلت في القِتال في المَدينة قوله تعالى {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}، يعني كان في أول الأمر لم يؤذَن للنبي عليه الصّلاة والسّلام أن يقاتل، إنما أذن له أن يصبر على الكفار يدعوهم إلى الإيمان ويصبر عليهم حتى لعلّهم يؤمنوا لعلهم بعد ذلك لرؤية المعجزات وبالحوار معهم يؤمنوا ولكن بعد ذلك هم أصرّوا على القِتال وكانوا يقاتلون النبي عليه الصّلاة والسّلام وأصحابه فنزل الإذن {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ونزل قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ فهنا كان الإذن أول الإذن أن يقاتل من يقاتلهم، ثم بعد ذلك نزل {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} كذلك هذه نزلت في القتال فصار بعد ذلك الإذن بالقتال سواء قاتلوهم أو لم يقاتلوهم و الهدف من ذلك نشرُ الخير نشر الدين نشر الإسلام بعد أن كانوا يعبدون الأصنام وكانوا يؤذون النساء والأولاد ويأكلون أموال اليتيم فلذلك نزل الأمر بقتالهم بعد أن قوي شأن المسلمين حتى يدخلوا في دين الإسلام، ثم بعد ذلك من الآيات التي نزلت في القتل في شأن القتل ليس القِتال شأن القتل بغير حق، الله تعالى قال: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا} هذا كان أول ما نزل في شأن القتل في قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} فهذه الآية هي أول ما نزل في القتل وحكم القتل بغير حق، الله تعالى قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} ما معناه أي بارتكاب ما يُبيح الدمّ وتكملة الآية {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا} أي غير مرتكب ما يُبيح دمه يعني لم يقتل بغير حق، إذا قتل بغير حق عمدا بما يقتل غالبا هذا عليه القصاص يعني يقتل أولياء الدم يعني أولياء القتيل هم يقتلونه بإذن الحاكم، الحاكم يمكنهم من ذلك، هذا قصاص فالذي قتل مظلوما يعني لم يرتكب ما يبيح دمه، فالله تعالى قال: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} أي تسلطا جعلنا لوليه تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه فهذا أول ما نزل في القتل في القتل بغير حق من الأحكام، كذلك أول ما نزل في الخَمر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسأل الله سبحانه وتعالى: “اللهم أنزل لنا في الخمر شافيا” لأنه في أول الأمر ما كان أنزل تحريم الخمر فكانوا يشربون الخمر الصحابة كانوا يشربون الخمر والرسول ما كان ينهاهم وما كان يقول شيئا بانتظار أن ينزل عليه الوحي، حتى مرة سيدنا حمزة سكر فقام إلى ناقة هي لسيدنا علي كان سيدنا علي أعدّها لأمر يريده فعقرها سيدنا حمزة فأتى سيدنا علي فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذهب الرسول إلى حمزة فقال له حمزة حين رأى رسول الله قال له هل أنتم إلا عبيد أبي فعرف الرسول عليه الصّلاة والسّلام أنه في حالة السُّكر لذلك تركه وانصرف وهذا بانتظار أن ينزل الوحي فنزل قول الله تبارك وتعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ} هنا إثم ليس معناه المعصية لا، ما فهم التحريم من ذلك {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ} يعني فيهما أذى فيهما ضرر وكذلك فيهما منافع مثلا يتدفأ به يعمل منه وقود أو نحو ذلك، يستعمل لأجل الإضاءة و غير ذلك من المنافع {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} فهذه الآية لم يُفهم منها التحريم إنما فهم منها استعدوا لما سينزل بعد ذلك، فبقي سيدنا عمر رضي الله عنه يدعو ربّه اللهم أنزل لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزل قول الله سبحانه وتعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} ومع ذلك ما فهم التحريم المطلق للخمر إنما بقي الصّحابة يسألون النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة، فالرسول لم يُجبهم سكت عنهم بانتظار أن ينزل الوحي وبقي سيدنا عمر الله، اللهم أنزل لنا في الخمر بيانا شافيا” حتى نزلت الآيتان في سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} فنزل التحريم ببلاغة عظيمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الرسول عليه الصّلاة والسّلام حينما نزلت هذه الآية قال: حرمت الخمر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الْمَيْسِرِيعني القمار وَالأَنصَابُ الأنصاب يعني الأصنام لأنها تنصب فتعبد وَالأَزْلاَمُ يعني القِداح يعني السهام من غير نصل، هذه كانوا يستقسمون بها يعني واحدة مكتوب عليها افعل والأخرى لا تفعل والأخرى ليس مكتوب عليها شيء فإذا أراد أن يفعل أمرا يريد أن يستخير هل يفعل أو لا يفعل كيف يستخير بزعمه بأن يختار أحد هذه القداح، هذه الأزلام وبزعمهم جعلوا صورة لسيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل في الكعبة وبيد كل منهما هذه الأزلام حتى بزعمهم يشرعوا هذا الأمر يعتبروا أن هذا فعل الأنبياء وهذا افتراء على سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما الصّلاة والسّلام، فالله تعالى قال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ} قرنها بعمل الشرك لأن هذا فعل المشركين الأنصاب والأزلام رجس يعني نجس خبيث مستقذر من عمل الشيطان لماذا لأن الشيطان يحمل عليه، فكأن الشيطان هو عمله هو المقصود أنه يحمل الناس على شرب الخمر {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أكّد تحريم الخمر والميسر حيث صدر الجملة ب إنما وقرنهما بعبادة الأصنام، {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} فهنا {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} ليس معناه تخيير يعني الأحسن أن تنتهي لكن لو لم تنته عن هذا الفعل ليس عليك عقاب، لا هذا تحريم ليس شرطا حتى نفهم أنه حرام أن يقال حُرم عليكم لا، ذكر الخمر مع أفعال المشركين هذا أبلغ ما يستعمل لبيان تحريم هذا الذي قُرن بفعل المشركين، ونزل كذلك آيات أخرى مثلا أول ما نزل في أمرِ اللحم، في الأطعمة أول ما نزل في أمر الأطعمة أول آية نزلت في الأطعمة في مكة في سورة الأنعام: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} ثم نزل: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا} إلى آخر هذه الآية وكذلك بالمدينة نزل قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ} إلى آخر الآية، ثم الآية في المادة ) {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} الآية، فهكذا ذكر أهل العلم وأول سورة نزل في السّجدة في السّجود لأن هناك آيات في القرآن تسمى آيات السّجدة يسجد عند تلاوتها، هذا يُستحب أن يُسجد في مذهب الإمام الشافعي أن يُسجد عند تلاوة هذه الآيات، فأول سورة نزلت فيها سجدة هي سورة النّجم {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ} هنا أما معنى يسجدان، ما معنى النّجم هنا؟ النجم ليس المراد به الذي في السّماء، قال العلماء النّجم هو النبات الذي ينجم من الأرض الذي لا ساق له كالبطيخ مثلا، هذا يقال له نجم، أما الشجر هو النبات الذي له ساق، فمعنى {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} يعني ينقادان لمشيئة الله سبحانه وتعالى، يعني هذا تشبيه بالسّاجد من المكلفين في انقياده لله تبارك وتعالى، القرآن فيه أُمور عظيمة فيه عِبر فيه خير.
نسأل الله تعالى أن يفقّهنا في الدّين وأن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ونورا لأفئدتنا وسبحان الله والحمد لله ربّ العالمين.