fbpx

الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز – سورة التكوير

شارك هذا الدرس مع أحبائك

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. سنتكلم في تفسير سورة التكوير، وقد روى الحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أحب أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ قوله تعالى: {إذا الشمس كورت}”. أعوذ الله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: {إِذَا الشَّمْسُ كُوّرَتْ}. أي لُفت وذُهب بضوئها فأظلمت فالشمس يوم القيامة يذهب ضوؤها هذا معنى كورت فإن الشمس يلف ضوؤها فيذهب انتشاره وانبساطه في الآفاق كذلك القمر يذهب ضوؤه يوم القيامة كما قال الله عزّ وجل: {وخسف القمر} ثم قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} أي تساقطت، فالنجوم يوم القايمة تتساقطُ، ثم قال الله عزّ وجل: {وَإذَا الْجِبَالُ سُيّرَتْ} أي تزال الجبال عن أماكنها كما قال الله سبحانه وتعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا} وقال الله عزّ وجل {وسيّرت الجبال فكانت سرابا} فالجبال يوم القيامة تزول عن أماكنها لا تبقى كما هي عليه الآن تصير غبارًا متفرقًا. {وَإِذَا العِشَارُ عُطّلَتْ} العشار هي النوق الحوامل التي مر على حملها عشرة أشهر وهي تعد من الأموال النفيسة عند العرب لكنهم في هذا الوقت أي عندما يحصل هذا الذي أخبر الله عزّ وجل عنه في القرآن يوم القيامة ينشغلون عنها لما دهاهم من الأمور {وَإِذَا الوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي جمعت يوم القيامة فالوحوش تجمع هذا معنى {حشرت} فتحشر يوم القيامة ليقتص من بعضها لبعض ثم تصير ترابا وهذا على وجه ضرب المثل لإظهار العدل وإلا فإن البهائم لا تكليف عليها {وَإِذَا البِحَارُ سُجّرَتْ} أي أوقِدت فاشتعلت نارًا، {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوّجَت} أي قُرِنت الصالح مع الصالح في الجنه والكافر مع الكافر في النار: {وَإِذَا المـَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} وهي الجارية التي تدفن حيةً فكانوا يدفنون الجارية إما خوفًا من الفقر أو خوفًا من العار {بِأَيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} وهذا حكاية لما تخاطب به وجوابها أن تقول: بلا ذنب، {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} أي صحف الأعمال ومعنى نشرت أي فتحت ويُحتمل أن يكون المعنى فرقت بين الناس فأصحاب اليمين وهم المؤمنون يأخذون كتبهم بأَيمانهم والكفار هم أصحاب الشمال يأخذون كتبهم بشمائلهم نعوذ بالله من ذلك، {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} أي نزعت من مكانها وطويت، {وَإِذَا الجحِيمُ سُعّرَتْ} الجحيم أي نار جهنم ومعنى سعرت أي اُججت، {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} أي قربت لأهلها ليدخلوها ثم قال الله عزّ وجل: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}، أي علمت كل نفس ما أحضرت من خيرٍ أو شرٍ، ثم قال الله عز وجل {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} هذا قسمٌ من الله سبحانه وتعالى {فلا أقسم} معناه أقسم بالخنس، والخنس زحل وعطارد والمشتري والمريخ والزُهرة. {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} تجري الخمس مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى مع ضوء الشمس فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} هذه الكلمة ُعسعس هي من الأضداد معنى ذلك لها معنيان متضادان فهي تأتي بمعنى أقبل وتأتي بمعنى أدبر فقد أقسم الله عزّ وجل بإقبال الليل وإدباره {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} معناه طلوع الفجر، ومن العلماء من فسر الآية بطلوع الشمس والله أعلم. {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} هذا جواب القسم {إنه} أي القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} وهو جبريل عليه السلام، فهو أي سيدنا جبريل عليه السلام كان يقرأ القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد وصف الله عزّ وجل جبريل بقوله {ذي قوةٍ عند ذي العرش مكين} أي هو قويٌ سيدنا جبريل عليه السلام هو قوي من قوته رفع قرى قوم لوط ومن قوته أنه صاح صيحة واحدةً في قوم ثمود فماتوا، وهو مكينٌ هو ذو مكانةٍ وذو جاهٍ ومنزلةٍ وهو مطاع كما قال الله عز وجل مطاعٍ ثم أمين الملائكة تطيعه ومعنى ثم أمين هو أمين مع الوحي كما وصفه الله عز وجل بقوله {نزل به الروح الأمين} ثم قال الله عزّ وجل: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُون} والمراد هنا بصاحبكم هو محمد صلى الله عليه وسلم يعني محمدا عليه الصلاة والسلام والخطاب لأهل مكة وهذا أيضا من جواب القسم وذلك أن الله عزّ وجل أقسم أن القرآن نزل به جبريل وأن محمدا ليس بمجنون كما يقول هؤلاء المشركون، {وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} أي رأى محمد جبريل وهو بالأفق المبين أي بالأفق الأعلى في ناحية المشرق كما قال الله عزّ وجل {وهو بالأفق الأعلى}، {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم والغيب أي خبر السماء الوحي الذي ينزل عليه أي إن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يبخل بتبليغ ما أمره الله عزّ وجل به هذا معنى {وما هو على الغيب بضنين}، أي لا يبخل محمد صلى الله عليه وسلم في أن يبلغ ما أمره الله عز وجل به، {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} أي أن القرآن الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس قول شيطانٍ رجيم، الرجيم أي المرجوم وذلك أن كفار مكة قالوا والعياذُ بالله: إنما يجيء به الشيطان فيلقيه، يعني قالوا عن القرآن يجيء به الشيطان فيلقيه على لسان محمد على زعمهم قالوا ذلك فرد الله عزّ وجل عليهم وقال: {وما هو بقول شيطانٍ رجيم}، {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} معناه فأي طريقٍ تسلكون هو أبين من هذا الطريق الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلعَالَمِينَ} أي إن القرآن ذكر موعظةٌ للعالمين يتعظُ به من وفقه الله عزّ وجل لذلك فقال الله عزّ وجل: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} ثم بين الله عز وجل أن مشيئة العبد تحت مشيئةِ الله فقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فمشيئتنا تحت مشيئةِ الله فمن اختار الإيمان واتعظ بالقرآن فهذا بتوفيق الله عزّ وجل نسأل الله عزّ وجلّ حسن الختام والله أعلم وأحكم.