شرح سورة الانشقاق
بسم االله الرحمنِ الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
سورة الانشقاق
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم االله الرحمَٰنِ الرحيم
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴿۱﴾ أي تصدﱠعت وتشققت. وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقَّتْ﴿۲﴾ ومعنى أذِنت أي سمِعَت وأطاعت وأجابت ربها إلى الانشقاق ولم تمتنع. وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴿۳﴾ أي سُوِيَت وزيدَ في سعَتِها كما يُمَدﱡ الجلد ولم يبقَ عليها بناءٌ ولا جبل. وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴿٤﴾ أي ألقت ما في بطنها من الأموات إلى ظاهرها وقيلَ من الموتى والكنوز، ومعنى تخلت أي خَلَت غايةَ الخُلوِ لم يبقَ شىء في باطنها. وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقَّتْ﴿٥﴾ أي سمِعت وأطاعت بإلقاء ما في بطنها وتَخَلّيها. ثم قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ أي جاهد في عملك، إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴿٦﴾، أي إلى الموت أي أنت تكدح في هذه الدنيا إلى الموت، وما معنى الكدح، الكدح هو جَهدُ النفس في العمل والكدُّ فيه حتى يؤثر فيها، ومعنى قول الله عزّ وجل: “فمُلاقيه” أي ملاقي عملك إن كان خيرًا فخير وإن كان شرًا فَشَر. ثم قال الله عزّ وجل: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴿٧﴾الذي يُعطى كتابه بيمينه وهو المؤمن. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴿٨﴾ أي أن تُعرضَ عليه سيئاته ثم يغفرها الله له، و معنى ذلك أي (حِسَابًا يَسِيرًا)أي سهلًا هَيِنًا وهو أن يُجازى على الحسنات ويُتجاوز عن السيئات وليُعلَم أنه من زادت حسناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بلا عذاب وأما من استوَت حسناته وسيئاته فذاك الذي يُحاسب حسابًا يسيرًا ثم يَدخل الجنة أيضًا بلا عذاب ومن زادت سيئاته على حسناته فذاك الذي أَوْبَقَ نفسه وإنما الشفاعة في مثله. ثم قال الله عزّ وجل: وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴿٩﴾ يعني في الجنة من الحور العين والآدميات من الإنس، و معنى (مسرورًا) أي فرِحًا بما أعطاه الله من الكرامة. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ﴿۱٠﴾ هذا الكافر تُغَلُّ يده اليمنى إلى عنقه وتُجعل يده اليُسرى وراء ظهره فيأخذ كتابه بها. فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴿۱۱﴾ الثُبور هو الهلاك، الكافر يوم القيامة يدعو عند رؤيته ما في كتابه يدعو الهلاك، يُنادي هلاكه: يقول: “يا ثُبوراه” الثُبورُ هو الهلاك. وَيَصْلَى سَعِيرًا﴿۱۲﴾ يعني يَدخلُ النار الشديدة. إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴿۱۳﴾ كان مسرورًا بالكفر كان يَضحكُ من المؤمنين استهزاءً بهم. إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴿۱٤﴾كان في الدنيا يَظنُّ أنه لن يرجع إلى الحساب يظنُّ أنه لن يُبعثَ. بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴿۱٥﴾ بلى يَرجِعُ إلى الحساب، إنَّ ربَّه كان به بصيرا عالمـًا لا يخفى على اللهِ شيء سبحانه وتعالى. ثم قال الله عزَّ وجل: فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴿۱٦﴾ أي أُقسم بالشفق وهو الحُمرة في الأُفُقِ بعد الغُروب. وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴿۱٧﴾ وَسَقَ معناه جَمَعَ، أي ما جمع مما كان مُنتَشِرًا بالنهار، فإن الظُلمة تسوقُ كلَّ شيء إلى مأواه. وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴿۱٨﴾ اِتّساقُه أي اجتماعه واستِواؤه، أي إذا تمَّ واستوى واجتمع. لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴿۱٩﴾ لَتَرْكَبُنَّ أيها الناس، طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ أي حالًا بعد حال، الموت ثم الحياة وما بعدها مِن أهوال القيامة. وقد قال الله عزَّ وجلَّ في القرءان الكريم: “مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴿۱٩﴾ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴿۲٠﴾ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴿۲۱﴾ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴿۲۲﴾(سورة عَبَسَ) نسأل الله السلامة. ثم قال الله عزَّ و جل: فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴿۲٠﴾ فما لهم أي الكفار، لا يؤمنون بمحمدٍ ولا يؤمنون بالقرءان أي مانعٍ لهم عن الإيمان وأيُّ حُجَّةٍ لهم في ترك الإيمان مع وجود براهينه وهذا استفهام إنكار. وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ﴿۲۱﴾لا يُصَلّون، لا يَقبلون الإيمان ولا يُصلّون. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذّبُونَ﴿۲۲﴾ بل حالهم أنَّهم مُكذّبون، يُكذِبون النبي صلى الله عليه وسلم، يُكذّبون بالقرءان، يُكذّبون البعث، يُكذّبون الجزاء. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴿۲۳﴾ أي أنَّ الله يعلم ما يَجمعون في صدورهم أي ما يُضمرون في قلوبهم من التكذيب. فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴿۲٤﴾ أَخبرهم بذلك، بشّرهم بعذابٍ أليم، اجعل للكفار بدل البِشارة للمؤمنين بالجنة والرحمة العذاب الأليم، (بَشّرْهُم) أي أخبرهم خبرًا يَظهرُ أثره على بَشَرَتِهم. إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴿۲٥﴾أي لهم أجرٌ غير مقطوعٍ ولا منقوصٍ، جَعَلنا الله تعالى جميعًا منهم. والله أعلمُ وأحكم.