شمائل النبي صلى الله عليه وسلم
الشيخ سمير القاضي حفظه الله:
الحلقة 0016
الحمد لله ربّ العالمين أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأصلي وأسلم على سيدي رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه.
وأسأل الله تبارك وتعالى حُسن النية وحسن الختام نكمل إن شاء الله في كتاب شمائل النبي عليه الصلاة والسلام.
القارئ: بإسنادكم إلى الإمام الترمذي قال باب ما جاء في صفة مِزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
(وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يُمازح أصحابه أحيانًا إيناسًا لهم من غير يبالغ في ذلك بما يذهب هيبته عليه صلاة الله وسلامه).
القارئ: قال: حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو أسامة عن شريك عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"يا ذا الأذنين" قال أبو عيسى قال محمود بن غيلان قال أبو أسامة يعني يمازحه (يعني تلطفًا بأنس رضي الله عنه وقد يكون مراده عليه الصلاة والسلام أن يلفت نظره إلى عظيم نعمة السمع وما يحصل للإنسان من الفائدة بسبب الأُذنين يحتمل ويحتمل أن يكون هذا من باب المزاحة والملاطفة لأنس رضوان الله عليه).
وبه قال حدثنا هناد بن السري قال حدثنا وكيع عن شعبة عن أبي التياح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا (يعني إنه كان النبي يخالطنا هذا المراد يخالطنا أي يخالط أنسًا وأهله) حتى يقول لأخي لي صغير (يعني إلى حد أنه يقول لأخ كان لأنس كان صغيرًا) "يا أبا عمير ما فعل النُّغير" ( هذا أنس له أخ كناه النبي عليه الصلاة والسلام أبا عمير ويستفاد من هذا تكنية الصغير أنه لا بأس بها وكان له نغر صغير النغير تصغير النغر النُغر طائر صغير له منقار أحمر وبعضهم يقول هو البلبل كان عنده هذا الطائر يلعب به أي لا بحيث يؤذيه لا يكسر له جانحًا ولا ينتف له ريشة ثم مات هذا الطائر فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول له:"يا أبا عمير ما فعل النغير" يسليه عن موته يعني ماذا حصل لهذا العصفور الذي كان عندك ماذا حصل له لتسليته حتى يسأله عن ذلك تسلية له عن فقد هذا العصفور )
قال أبو عيسى وفقه هذا الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح وفيه أنه كنّى غلامًا صغيرًا قال له يا أبا عمير وفيه ألا بأس أن يُعطى الصبي الطير ليلعب به (من غير أن يعذبه يعني كما قلنا) إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أبا عمير ما فعل النُغير" لأنه كان له نغير يلعب به فمات فحزن الغلام عليه فمازحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"يا أبا عمير ماذا فعل النغير ". (أي تسلية له أي إزالة للحزن أي تخفيفًا للحزن عنه).
وبه قال حدثنا عباس بن محمد الدوري قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال أخبرنا عبد الله بن المبارك عن أُسامة بن زيد عن سعيد المقبوري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قالوا يا رسول الله إنّك تداعبنا (تداعبنا أي تمازحنا يا رسول الله إنك تمازحنا وفي هذا من البيان أن المداعبة والممازحة لا تنافي الحكمة ولا تنافي الكمال بل إنها من متممات الكمال إذا جرت على قانون الشرع وعلى الوجه الذي من غير أن يكون فيها كذب ومن غير أن يكون فيها إيذاء لمسلم تكون على وفق الحق والصدق وبمقصد حسن إذا جرت المداعبة على هذا الوجه من غير أن يكون فيها مبالغة إلى حد إسقاط ماء الوجه وإذهاب الهيبة إذا جرت على هذا فليس فيها ما ينافي الكمال إنما هي من متمماته وهي دالة من جملة ما تدل عليه التواضع دالة على تواضع من تحصل منه).
قالوا يا رسول الله: إنّك تداعبنا ( على الوجه الذي شرحناه) قال:" إني لا أقول إلا حقا" (مع هذا لا أقول إلا حقًا وبالمداعبة التي أنا أعملها لكم هناك نفع لكم هذا مراد النبي عليه الصلاة والسلام وهكذا ينبغي أن تكون الممازحة).
وبه قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا خالد بن عبد الله عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم (استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قال يا رسول الله احملني احملني معناه أعطني مركوبًا أركبه).
أن رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إني حاملك على ولد ناقة" (نعم أحملك على ولد ناقة سأحملك على ولد ناقة) فقال يا رسول الله: ما أصنع بولد الناقة (ولد الناقة صغير كيف تحملني عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وهل تلد الإبل إلا النوق" (هل تلد الإبل إلا النوق أنا ما قلت لك ولد صغير أنا قلت لك سأحملك على ولد الناقة والجمل الكبير الإبل الكبير إنما هو ولد ناقة فأنا أحملك على مثله وفي هذا إشارة إلى الإنسان أن يتمعن في الكلام ويعرف حقيقة ما يقصد به قبل أن يجيب عليه وقبل أن يرد على من يتكلم معه بهذا الكلام).
وبه قال حدثنا إسحاق بن منصور قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا (زاهر بن حزام وهو ممن شهد بدرًا رضي الله عنه وكان يُهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية من البداية (كان يسكن في البداية خارج المدينة فكان إذا قدم المدينة جلب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام هدية مما يكون في البداية) فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج (إذا أراد أن يخرج من المدينة ويرجع إلى أهله يجهزه النبي عليه الصلاة والسلام ويعطيه ما يتجهز به ليرجع إلى أهله).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن زاهرًا باديتنا".(معناه نحن نستفيد من زاهر ما يستفيده الرجل من أهل البادية هو يأتينا هو يأتينا بما هو موجود في البادية وليس عندنا) ونحن حاضروه (إن زاهرًا باديتنا ونحن حاضروه ونحن نفيد زاهرًا ما يجده في الحضر في المدينة مما ليس في البادية).
وكان صلى الله عليه وسلم يحبه (نعم كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب زاهرًا ) وكان رسو الله صلى الله عليه وسلم يمازجه ( وهنا موضع الشاهد كان النبي عليه الصلاة والسلام يمازح زاهرًا) وكان رجلا دميمًا (قبيح المنظر نعم) فآتاه النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو يبيع متاعه فاحتضنه ( كان في السوق يبيع متاعه فجاء النبي عليه الصلاة والسلام من خلفه فاحتضنه جعله في حضنه عليه الصلاة والسلام أدخل يديه تحت أبطي زاهر من خلفه) فاحتضنه من خلفه ولا يبصره (لا يعرف من الذي احتضنه) فقال من هذا ارسلني (من هذا اتركني) فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه.
(جعل لا يُقصر أن يلصق ظهره بصدر النبي عليه الصلاة والسلام لما عرف أن الذي احتضنه هو نبي الله عليه الصلاة والسلام صار يلصق ظهره بصدره ما عاد يقول اتركني أرسلني بل يلصق ظهره بصدره يتبرك برسول الله عليه الصلاة والسلام) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من يشتري هذا العبد" (من يشتري هذا العبد من يأخذ هذا العبد ويعطيني شيئًا بدله بمقابله ليس بمعنى الشراء الشرعي إنما بمعنى المبادلة من يأخذ هذا ويعطيني شيئًا).
فقال: يا رسول الله إذًا لتجدني والله كاسدًا (إذًا لتجد أن الناس لا يرغبون بي يا رسول الله لا يرغب أحد أن يأخذني وأن يبادل بي)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكن عند الله لست بكاسد " أو قال:" أنت عند الله غال" (فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: لكن عند الله أنت لست بكاسد أو قال له: عند الله أنت غال" غال عند الله فاستفاد زاهر هذه الفائدة العظيمة من ممازحة النبي عليه الصلاة والسلام تبرك بمسك جسده الشريف أدخل عليه الصلاة والسلام السرور إلى قلبه وأفاده هذه الفائدة العظيمة أن الله يحبه وأن له عند الله منزلة عالية مثل هذا كان مُزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وبه قال حدثنا عبد بن حميد قال حدثنا مصعب بن المقدام قال حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن رضي الله عنه أنه قال أتت عجوز (حدثنا المبارك بن فضالة والمبارك بن الفضالة كان مدلسًا قال عن الحسن ولم يذكر أنه سمع منه هذا أمر يقدح في السند ثم الحسن قال أتت عجوز إلى النبي عليه الصلاة والسلام فذكر الحديث مرسلا ولم يذكر من الوساطة بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام وعدة من الحفاظ ما كانوا يرضون مراسيل الحسن يعني يقولون الحسن يُرسل عن القوي وعن الضعيف فلا يرضونه وهذا أيضًا يقدح في سند هذا الحديث فالخلاصة أن الحديث ضعيف الإسناد ليس ثابتًا لا يعتمد عليه) أيش قال
قيل قال أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ادعو الله أن يدخلني الجنة ( طلبت ادعو الله أن يدخلني الجنة) فقال يا أم فلان أن الجنة لا تدخلها عجوز (ولم يقصد عليه الصلاة والسلام أن من كانت عجوزًا في الدنيا لا تدخل الجنة في الآخرة إنما أراد عليه الصلاة والسلام أن المرأة حين تدخل الجنة ولو كانت عجوزًا في الدنيا لكن في الآخرة تكون في سن ثلاث وثلاثين في سن اجتماع القوة قال فولت تبكي (ذهبت تبكي لأنها توهمت أنها لا تدخل الجنة) فقال أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز أخبروها بالمعنى ما فهمت المعنى أخبروها أن المراد لا تدخلها وهي عجوز إنما تكون في سن إجتماع القوة) إن الله تعالى يقول:{إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا} (العُرُب يعني محبابة جميلات إلى أزواجهن يتحببن إلى أزواجهن أترابًا أقرانا.
الخلاصة أن هذا الحديث يتوهم منه بعض الناس أن النبي عليه الصلاة والسلام مازح هذه المرأة وحاشى أن يُمازح النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فيوهمها خلاف الصواب النبي عليه الصلاة والسلام لا يوهم أحدًا شيئًا على خلاف شريعته صلى الله عليه وسلم ولا يوهم مسلمًا يكسر به قلبه بغير الحق هذا لا يكون من نبي الله فهذا الحديث إيراده هنا ليس في محله إيراده في هذا الباب ليس في محله لأن إيراده هنا قد يوهم تحت باب المزاح النبي عليه الصلاة والسلام قد يوهم بعض الناس أن النبي عليه الصلاة والسلام مازحها بهذا فكسر قلبها وأوهمها خلاف ما جاء به الشرع وهذا لا يليق ولا يجوز أن يُنسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ثم الحديث ضعيف ليس ثابتًا فإيراده هنا ليس في محله ولو كان الترمذي أورده تحت هذا الباب لأنه قد يتوهم منه أن هذا فيه ممازحة كما سيأتي في باب بعد هذا أنه يذكر كلامًا للنبي عليه الصلاة قد يتوهم منه أن النبي قال شعرًا فيورده تحت باب فيما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام من أبيات شعر وهو ليس شعرًا قد لكن قد يتوهم اورده هناك هنا لعله لأجل هذا أورده على كل حال يا ليته لم يفعل لأنه هناك احتمالا قويًا بسبب هذا أن يفهمه أُناس على خلاف حقيقته فيهلكون).
باب ما جاء في صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعر
(هذا الباب الذي كنّا نذكره ماذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام من الأشعار)
وبه قال حدثنا علي بن حجر قال أخبرنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قيل لها هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر (هل كان يقول شيئًا ينشد شيئًا من الشعر من باب التمثل يذكره لضرب المثال) قالت كان يتمثل بشعر بن رواحة ( أحيانًا كان يذكر من شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه) ويتمثل بقوله ( بقول الشاعر ليس بقول ابن رواحة هذا ما سيذكره الآن من قول غيره ويتمثل بقوله أي بقول بعض الشعراء وهو طرفة بن العبد) ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
(ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود معناه أنت اليوم إذا لم تعرف الخبر وصبرت بعد مدة يأتيك الخبر فتعرفه من غير أن تحتاج إلى تزويد إنسان بالمؤونة ونحو ذلك ليذهب فيرى لك الخبر ويستطلعه لك ثم يرجع إليك بمثل هذا كان يتمثل النبي عليه الصلاة والسلام ولا يخفى أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يقول الشعر هو من نفسه ما كان ينظم الشعر الله قال:{وما علمناه الشعر وما ينبغي له} إنما كان أحيانًا يتمثل بشعر غيره بقطع من شعر غيره أشياء من شعر غيره أو يستمع إلى ما قال غيره من الشعر أما أن ينظم هو شعرًا فلم يكن يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وبه قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن صدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد (يعني إن صدق جملة الكلمة تطلق أيضًا بمعنى الجملة إن أصدق جملة قالها شاعر جملة لبيد) ألا كل شىء ما خلا الله باطل" ( كل شىء لا يراد به وجه الله تعالى فهو باطل ولبيد هذا كان شاعرًا مشهورًا في الجاهلية عاش نصف عمره في الجاهلية ونصف عمره في الإسلام بعد أن كان في سن الستين أسلم رضي الله عنه فكان بعد أن أسلم لا يقول الشعر إلا نادرًا مما قاله من هذا النادر قوله:
الحمد لله أن لم يأتني أجلي حتى أكتسيت من الإسلام سربال
وكان قال هذه الكلمة في الجاهلية ومعناها صحيح النبي عليه الصلاة والسلام قال:"أصدق كلمة قالها شاعر ألا كل شىء ما خلا الله باطل" كل عمل يعمله الإنسان لا يراد به وجه الله تبارك وتعالى فهو هباء لا ينفعه في الآخرة ) وكاد أمية بن أبي الصلت أن يُسلم (لأجل ما كان يذكره في شعره من الحقائق لكن وكان يقول للناس إنه حان أوان نبي آخر الزمان لكن كان يرجو أمية أن يكون هو نبي آخر الزمان لما نُبئ محمد عليه الصلاة والسلام عاند حسد رسول الله عليه الصلاة والسلام فعاند ولم يسلم).
وبه قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن جُندب بن سفيان البجلي أنه قال أصبع حجر إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدميت (نزل من أُصبعه الدم عليه الصلاة والسلام) فقال: "هل أنتِ إلا أُصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت" (هل أنتِ إلا أُصبع دميتي ما أنتِ إلا أصبع نزل منك الدم وفي سبيل الله ما لقيت هنا اختلفوا في هذه الحادثة هل كانت قبل الهجرة أو بعد الهجرة من قال بعد الهجرة قال معناه هذا الدم الذي نزل من الأصبع جرى في سبيل الله تعالى ومن قال قبل الهجرة معناه هذا الدم الذي جرى والجرح الذي أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بسبب الجهاد أي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتمنى لو كان بسبب الجهاد هذا وهذا وإن كان على وزن الشعر لكنه ليس شعرًا لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقصد به الشعر الكلام الموزون الذي هو على وزن الشعر إذا لم يقصد به الشعر لا يعد شعرًا لو قال القائل من يشتري الباذنجان هذا على وزن الشعر هل يقال هذا شعر لأ لأن قائله لا يريد به الشعر وهكذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام هنا لم يرد به الشعر فلا يعد شعرًا لكنه على وزنه).
وبه قال حدثنا ابن أبي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس عن جندب ابن عبد الله الباجلي نحوه وبه قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان الثوري قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال قال له رجل: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عُمارة (أفررتم عن النبي يعني في غزوة حنين أفررت عن النبي يا أبا عمارة في هذه الغزوة كان في مقدم الجيش أناس أسلموا حديثًا من وقت قريب وكان الكفار قد أعدوا كمينًا للمسلمين لما وصلت مقدمة الجيش إلى هذا الكمين إنهال عليهم النبل فتراجعوا لما تراجعوا أرجعوا من خلفهم وهكذا حتى رجع المسلمون بأغلبهم ولم يبق مع النبي عليه الصلاة والسلام إلا قلة قليلة ثم ومع ذلك هو ثبت عليه صلاة الله وسلامه ولم يرجع ولم يفر ثبت مع من كان معه ثم قليلا قليلا تراجع قسم من الصحابة رجع قسم من الصحابة فقاتلوا معه الكفار فهزموهم فقال واحد:" أفررتم عن رسول الله يا أبا عمارة") فقال: لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أجابه بنعم ولا بلا إنما قال له رسول الله عليه الصلاة والسلام ما ولّى ما تراجع عليه الصلاة والسلام ما فر) ولكن ولّى سَرعان الناس (ولكن ولّى سرعان الناس أوائل الناس الذين كانوا في أوائل الجيش) تلقتهم هوازن بالنبل (كانوا أعدوا لهم كمينًا هوازن قبيلة كانت تحالفت مع قبيلة ثقيف لمحاربة المسلمين فكانت هذه القبيلة أعدت لهم كمينًا لما وصلوا إلى الموضع موضع الكمين أنهالوا عليهم بالنبل بالسهام) ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته (أي على بغلته البيضاء دلدل وكان النبي عليه الصلاة والسلام تقصد أن يركب بغلته البيضاء والبغل عند من يعرف لا يركبه من كان في قلبه من كان يريد أن يفر من القتال في وقت من الأوقات لأن البغل لا يُهرب عليه لا يركض البغل كما يركض الحصان بحيث يفر عليه فركب النبي عليه الصلاة والسلام البغلة في تلك المعركة مع عدم صلاحيتها للكر والفر من باب النهاية في إظهار في الثبات أنه عليه الصلاة والسلام ثابت في موضعه لا يفر ولا يتراجع صلى الله عليه وسلم وكان بعض الصحابة يسمك بزمام البغلة يردها إلى الوراء يمسكها حيث لا تتقدم والنبي عليه الصلاة والسلام يتقدم بها في وجه الكفار يتقدم إليهم ليس بينه وبينهم أحد عليه صلاة الله وسلامه ) وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بلجامها (هذا أبو سفيان غير أبي سفيان والد معاوية هذا من أقارب النبي عليه الصلاة والسلام من بيت عبد المطلب يأخذ لجامها حتى لا تتقدم أكثر) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) أيضًا هذا لم يقصد به عليه الصلاة والسلام الشعر لكنه على وزن الشعر انا النبي لا كذب لا أقول هذا كذبًا أنا ابن عبد المطلب وانتسب عليه الصلاة والسلام إلى جده عبد المطلب كما كان يفعل العرب كثيرًا ينتسب الواحد منهم إلى جده من غير أن يذكر أباه لأن جده كان مشهورًا بين العرب بخلاف أبيه عبد الله فإنه توفي شابًا ولم يكن له شهرة واسعة)
وبه قال حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا جعفر بن سليمان قال حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء (دخل مكة في عمرة القضاء هذه العمرة تسمى عمرة القضاء وعمرة المقاضاة من باب أنها عمرة حصلت بعد عهد ليس معنى القضاء هنا الإعادة إعادة شىء كان عليه في الماضي تركه لأ. كان النبي عليه الصلاة والسلام ذهب مع المسلمين ليعتمروا فوقفت في وجههم قريش فمنعوهم من الدخول إلى مكة فصالحهم النبي عليه الصلاة والسلام جرى بين المسلمين والكفار صلح هو صلح الحديبية أن المسلمين لا يدخلون مكة هذه السنة إنما يدخلونها السنة التي بعدها يعتمرون يمكثون في مكة ثلاثة أيام ثم يخرجون منها وهكذا كان في السنة التي بعدها اعتمر النبي عليه الصلاة والسلام مع الصحابة مكثوا في مكة ثلاثة أيام ثم بعد ان انتهت الأيام الثلاثة خرجوا منها ما قالوا نحن دخلنا البلد وصارت في أيدينا لا نخرج إنما إنما حفظ النبي عليه الصلاة والسلام العهد الذي تعاهده مع الكفار عندما دخل لأداء العمرة النبي هذه العمرة التي في السنة التي بعدها تسمى عمرة القضاء العمرة التي تم الاتفاق عليها ليس معناه انهم اعتمروا ليقضوا العمرة التي قبل لأ لأنهم أُحصروا بالعمرة التي قبل وتحللوا منها للإحصار من غير أن يكون عليهم قضاء لها إنما المراد هنا بالقضاء المقاضاة والعهد المصالحة فلما دخل مكة في عمرة القضاء كان معه عبد الله رواحة الأنصاري رضوان الله عليه) وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول خلوا بني الكفار عن سبيله ( لا تعترضوا سبيله إياكم يعن يتهددوهم ) اليوم نضربكم على تنزيله (اليوم نضربكم على تنزيله نضربكم نجاهدكم حتى تؤمنوا بكتاب الله تعالى بما نزل على محمد عليه الصلاة والسلام أو نضربكم على تنزيله أي على وفق ما جاء في التنزيل من قوله تبارك وتعالى:{فضرب الرقاب} ضربًا يزيل الهام عن مقيله ( الهام الرأس ضربًا يزيل الرأس عن مستقره عن مقيله عن مستقره) ويذهل الخليل عن خليله ( يُنسي الخليل خليله مهما كان بين اثنين منكم من المحبة والخلة والموادة نضربكم نجاهدكم جاهدًا ينسي الواحد منكم محبته لغيره من أصحابه يعني يكون همه نفسه لا يفكر في غيره فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر ( يا عبد الله بن رواحة تقول هذا في الحرم وبين يدي النبي عليه الصلاة والسلام تقول الشعر فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" خل عنه يا عمر (خل عنه يا عمر اتركه يا عمر لا تعترضه ) فلهي ( آباياته أو قصيدته) فلهي أسرع فيهم من نطح النبل ( أسرع وصولا إليهم أسرع نكاية فيهم من رميهم بالسهام تؤثر فيهم تأثيرًا بليغًا هذه الأبيات اتركه لا تمنعه يا عمر هذا قول الشاعر في ذلك الوقت كان يُتناقل إذا قال الشاعر مثل هذه الأبيات في الماضي كانت تتناقل كما تتناقل الأخبار في أيامنا يعني كما يقال في أيامنا وسيلة إعلامية أو كما يقال هذا من الإعلام ما يسمى في أيامنا الإعلام كانت هذه وسيلة مهمة في ذلك الوقت لها أثرٌ كبير بين الناس كان بيت شعر يقال في ذم إنسان بعد هذا يبقى مستحيًا طول عمره كلما رآه إناس أحيانًا يذكره أنت الذي قيل فيك كذا انت الذي قيل فيك كذا هكذا كان شدة أثره لذلك قال النبي عليه الصلاة خل عنه يا عمر اتركه يقول هذا له أثر كبير فيهم أسرع وصولا إليهم من السهام )
وبه قال حدثنا علي بن حجر قال أخبرنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد (أحسن كلمة قالها شاعر ) ألا كل شىء ما خلا الله باطل ( سبق بيان معناه أن كل عمل عُمل لغير مرضاة الله لا يراد به وجه الله فهو ذاهب لا ينفع في الآخرة).
وبه قال حدثنا أحمد بن منيع قال حدثنا مروان بن معاوية عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه أنه قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته مائة قافية (مائة بيت من الشعر ) من قول أمية بن أبي الصلت الثقفي كلما أنشدته بيتًا قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"هيه"(هيه أصله إيه إيه هيه كان يقول له النبي عليه الصلاة والسلام :"هيه" يعني زد قل غير هذ) حتى أنشدته مائة يعني بيتًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن كاد ليسلم" (كاد أن يسلم قارب الإسلام لكن لم يسلم منعه الحسد من الدخول في دين الله تعالى الله ينجينا مثل هذا الشعر كان يستمع إليه النبي عليه الصلاة والسلام إذًا ليس كل الشعر يذم بل الشعر كلام مثل باقي الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح)
وبه قال حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري وعلي بن حُجر المعنى واحد قالا حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبرًا في المسجد يقوم عليه قائمًا يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال ينافح (ينافح يعني يدافع كان النبي عليه الصلاة والسلام يحط لحسان منبرًا في المسجد يقف عليه ويقول الشعر يدافع عن الدين يدافع عن النبي عليه الصلاة والسلام) أو قال ينافخ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى يؤيد حسان بروح القدس" ( بجبريل يعني الله تعالى يؤيد حسان بروح القدس أي بجبريل عليه السلام يسمى أيضًا روح القدس لأنه يأتي إلى الأنبياء بما ينجي للأبد ويأتي إليهم بأمور الطهارة التي تطهر القلب تطهر النفس وتطهر غير ذلك الطهارة الكاملة يأتيهم بها لذلك يقال عنه روح القدس معناه أن جبريل يعين حسان لكن جبريل ما كان يأتي لحسان فعينه بكلام يقوله له إنما إعانة جبريل عليه السلام لحسان بن ثابت كانت مددًا باطنيًا مكنه الله منه أن يمد به حسان يعرف من هذا إذا أنه لا يعترض لا ينكر حصول المدد من الأولياء والصالحين المدد الباطني لا ينكر حصوله منهم إلى بعض الناس كما أن جبريل كان يُمد حسان بن ثابت بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح أن يمد جبريل حسان صح أن يمد غير جبريل من أولياء الله تعالى من أراد الله تبارك وتعالى ومن شاء لهم أن يمدوه) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى يؤيد حسان بروح القدس ما ينافح أو يُفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما دام يدافع عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن الله يمده بجبريل يجعل جبريل يعينه ويمده).
وبه قال حدثنا إسماعيل بن موسى وعلي بن حُجر قالا حدثنا بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وبه قال وحدثنا علي بن حجر قال حدثنا شريك عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: جالست النبي صلى الله عليه أكثر من مائة مرة وكان أصحابه يتناشدون الشعر (ينشد بعضهم بعضًا من الشعر ما كان الصحابة يجتنبون ذلك أمام النبي عليه الصلاة والسلام ينشد بعضهم بعضًا من الشعر لكن من الشعر الذي يليق إنشاده أمام رسول الله عليه الصلاة والسلام) ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية (ويقول الواحد للآخر تذكر ماذا كنا نفعل في الجاهلية نفعل كذا تذكر ماذا كان يفعل أهل الجاهلية كذا وكذا) وهو ساكت ( ولا يعترض عليهم رسول الله عليه الصلاة والسلام) وربما تبسم معهم (وأحيانًا كان يتبسم وهو يسمعهم يذكرون ما يذكرون.
خُلاصة هذا الباب كما قلنا أن الشعر كلام من كلام العرب حسَنه كباقي الكلام حسن حسنه كحسن باقي الكلام حسن وقبيحه كقبيح باقي الكلام قبيح.
نكتفي بهذا والله تعالى أعلم.