قال الشيخ جميل حليم
من نصائح الولي المرشد الشيخ الهرري
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله رضي الله عن كل الأولياء والصالحين.
علم التفسير والحديث والحلال والحرام يُرجع فيه إلى أهل العلم
أما بعد، فقد قال شيخنا الإمام المجتهد الهرري رحمه الله علم التفسير والحديث وفي الحلال والحرام يُرجع فيه إلى أهل العلم الثقات يعني في أي أمر من أمور الدين لا بد للإنسان إذا أراد أن يرفع الحق في هذه القضية أو تفسير هذه الآية أو الحلال أو الحرام أو هذا يصح أو لا يصح هذا حديث أم ليس حديثًا أو ما شابه إلى أهل العلم الثقات يرجع في ذلك ليس إلى العامة الجهال ولا إلى من يفتي برأيه ولا إلى من يتكلم بغير علم حتى في تفسير المنامات ليس لأي إنسان أن يفسر إنما هذا علم خاص الله يفتح به على بعض أوليائه.
فإذًا علينا أن نراعي هذه القضية نرجع إلى أهل العلم الثقات في معرفة أمور الدين حتى في التفسير ومما يخلط ويخبط فيه الجهال المشبهة المجسمة في تحريفهم لمعاني ءايات من كتاب الله هذه الآية الكريمة قال الله عزّ وجلّ في القرءان الكريم:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (سورة الفتح) هم على زعمهم يقولون لا تأويل ويقولون على الظاهر هؤلاء المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه يصفونه بصفات خلقه أو ببعض صفات خلقه هؤلاء يقال لهم مشبهة ويقال لهم مجسمة وهؤلاء يكذبون القرءان وإن ادعوا الإسلام وإن تسموا بأسماء إسلامية ليخدعوا الناس هم يقولون لا يوجد تأويل إنما الآيات المتشابهات على الظاهر على زعمهم والعياذ بالله فيقولون الله بذاته فوق العرش ومن فوق العرش ومد يده والصحابة في الحديبية في الأرض عندما بايعوا الرسول عليه الصلاة والسلام مدوا أيديهم في المبايعة انظروا إلى هذه الصورة البشعة يشبهون الله بخلقه جعلوه جسمًا وجعلوه حجمًا وجعلوا له مكانًا وجعلوه في مسافة ومن تلك المسافة مد يده على زعمهم له جارحة وهذا كفر وضلال ومدها من فوق العرش والصحابة كانوا في الأرض في الحديبية عندما بايعهم الرسول وأخذ عليهم العهد صلى الله عليه وسلم أن يثبتوا معه وأن لا يفروا عنه وأن لا يسلموه للعدو وأن يبقوا معه مدافعين مناصرين له وللدين وللحق وللإسلام هذه في أرض يقال لها الحديبية هذه البيعة في أرض يقال الحديبية قريبة من مكة قبل أن يدخل مكة هناك كان معه نحو ألف وأربعمائة صحابي أو ألف وخمسمائة صحابي على أقوال للعلماء الله أمره أن يجمعهم وأن يأخذ عليهم العهد يعني أن يعاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يفروا وأن لا ينكشفوا عنه وإذا جاءه العدو أن لا يتخلوا عنه بل أن يحاموا عنه ويدافعوا عنه وأن ينصروه وهذا فرض واجب عليهم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأعطوا العهد على ذلك أعطوا العهود والمواثيق على هذه البيعة وهذا كان واجبًا عليهم لأنه بأمر من الله وبأمر من رسول الله وهو فرض عليهم أن يحموا الرسول صلى الله عليه وسلم من القتل والأذى والضرر ثم هذه الآية نزلت تبين معنى الذي حصل {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (سورة الفتح) يعني عهد الله وجب عليهم عهد الله ثبت عليهم عهد الله فوق عهودهم هذا معنى الآية وليس كما تقول المشبهة المجسمة الوهابية على زعمهم قالوا لا تأويل وإنما الآية على ظاهرها وحملوا الآيات المتشابهات على الحقيقة وعلى الظاهر فوقعوا في التشبيه والتجسيم والكفر والتكذيب فهؤلاء عندما قالوا حقيقة جعلوا الله مادًا يده هكذا من فوق العرش على زعمهم والله لا يسكن العرش العرش هو سقف الجنة والعرش سرير تحمله الملائكة الله تعالى لا يحتاج للعرش كان موجودًا قبل العرش ولم يكن جالسًا عليه العرش مخلوق له بداية وهو ربّ العرش العظيم والله أزلي أبدي ليس له بداية هو الأول والاخر والعرش محمول من قبل الملائكة {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (سورة الحاقة) فعلى قولهم الله مخلوق كما أن العرش مخلوق وعلى زعمهم الله حجم كما أن العرش حجم وعلى زعمهم الله محتاج لأنه على العرش وعلى زعمهم الله محمول تحمله الملائكة وعلى زعمهم الله يتغير ويتبدل لأن العرش لم يكن موجودًا في الأزل الله وحده الذي كان في الأزل ثم العرش وجد بإيجاد الله له بخلق الله وهو ربّ العرش العظيم إذًا العرش لم يكن أزليًا وليس أزليًا بل حادث مخلوق له بداية وجد بعد عدم فعلى زعمهم الله لم يكن جالس على العرش ثم بعد أن خلق العرش صار جالسًا عليه وهذا تغير والتغير أكبر علامات الحدوث المتغير يحتاج إلى من يغيره والإحتياجية تنافي الألوهية.
إذًا قال سيدنا الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه: “كان الله ولا مكان وهو الان على ما عليه كان” وقال:”إنّ الذي كيف الكيف لا كيف له وإنّ الذي أين الأين لا أين له” يعني الذي خلق المكان ليس له مكان والذي خلق الشكل والحجم والمساحة والمسافة ليس كذلك.
وقال سيدنا الشافعي رضي الله عنه وأرضاه: “من اعتقد ان الله جالس على العرش فهو كافر” والشافعي إمام من أئمة أهل الإسلام من علماء السلف الكبار بل كان مجتهدًا مطلقًا بل فيه فُسر حديث الترمذي:”لا تسبوا قريشًا فإن عالمها يملأ طباق الأرض علمًا” هذا سيدنا الشافعي يقول أو قال:”من اعتقد أن الله جالس على العرش فهو كافر“. وهذا رواه عن الشافعي ابن الرفعة أحمد بن محمد بن الرفعة الفقيه الشافعي في كتابه كفاية النبيه شرح التنبيه في المجلد الرابع في كتاب الصلاة في باب صفة الأئمة عن القاضي حسين عن نص الشافعي رحمه الله ورضي عنه وقال الشافعي أيضًا كما روى عنه الحافظ السيوطي عبد الرحمن جلال الدين بن أبي بكر في كتابه الأشباه والنظائر المجسم كافر.
إذًا السلف لا قالوا ولا اعتقدوا بأن الله جسم أو قاعد أو جالس على العرش بل الشافعي من أئمة السلف قال: المجسم كافر وقبله سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه ماذا روى عنه ابن المعلم القرشي اسمعوا ماذا قال: سيرجع قوم من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفارًا قال رجل يا أمير المؤمنين كفرهم بماذا أبالإنكار أم بالإحداث قال:بل بالإنكار ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء”. سيدنا علي يقول عنهم كفار هذا اعتقاد الصحابة والسلف والخلف أن الله ليس كمثله شىء موجود بلا مكان وأن من قال أو اعتقد بأن الله جالس على العرش أو أنه جسم فهو كافر كما قال الشافعي وقبله علي رضي الله عنهما بل هذا إجماع كما قال الطحاوي:”ومن وصف الله بمعنى ومن معاني البشر فقد كفر” وكما نقله أيضًا القاضي أبو محمد عبد الوهاب المالكي البغدادي في كتابه شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني نقل إجماع الأمة الإسلامية على كفر من قال في حق الله بالجسمية والمكان والانتقال وشبهه بخلقه قال هذا كفر عند كافة أهل الإسلام وهذا من نحو ألف سنة وهكذا يجب الاعتقاد بأن الله منزه عن الأتصال والإنفصال والقعود والجلوس ثم إن من قال الله جالس فقد قال بعقيدة اليهود واعتقد عقيدة اليهود أما عقيدة الأنبياء والأولياء والسلف والخلف وءال الرسول صلى الله عليه وسلم الله ليس كمثله شىء ليس حجمًا ليس كمية لا يشبه شيئًا من خلقه موجود أزلا وأبدًا بلا جهة ولا مكان هذا معنى{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} ليس معناها أنه جسم وأنه قاعد فوق هناك عند العرش أو على العرش ومد يده جارحة من فوق هذا تشبيه وتجسيم وكفر وتكذيب لربّ العالمين
إذًا ما معنى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} عهد الله وجب عليهم عهد الله ثبت عليهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ منه البيعة بأمر من الله فهذا فرض واجب عليهم هذا معنى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} عهد الله الذي عاهدوك يا محمد بأمر من الله ثبت ووجب عليهم أن يوفوا وأن ينفذوا هذا العهد هذا معناه وهذا معروف عند العرب تقول فلان له يد عند فلان أي له عهد أو عن نعمة له عليه كما يقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لم يعتق بلالًا ليد كانت لبلال عنده واضح ما معنى ليد هل يعني بلال قطع يده ووضعها عند أبي بكر لا. معناه ليس بسبب نعمة لبلال على أبي بكر بل أبو بكر أعتقه لله عزّ وجلّ ابتغاء مرضاة الله لا ليد كانت لبلال على أبي بكر هذا في كتب التفسير معروف وعند العرب معروف ويقولون عن العهد وعن الذمة فلان له يد عند فلان هذا معروف في لغة العرب ثم في موضع آخر في القرءان الله قال في ذم إبليس {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (سورة ص) أي بعنايتي ليس معناه بالجارحة والعضو والحجم والجسد والجسم ليس معناه أن الله باشر بجارحة هي له حاشى عجن طينة ءادم تنزه الله وإلا لصار كالعجان أو كالمرأة التي تعجن وهذا مستحيل على الله أو كالبّناء الذي يخلط الماء والتراب هذا لا يجوز على الله.
إذًا ما معنى الآية في ذم إبليس:{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} يعني بعنايتي لأن ءادم سبق في علم الله أنه يكون نبيًا رسولا وأنه يخرج من ذريته الأنبياء والرسل والأولياء فخلق ءادم بعناية الله عزّ وجلّ هذا معنى الآية بيدي بعنايتي.
وأما قول الله تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (سورة المائدة) معناه واسع الكرم هو الرزاق الذي يُعطي ويرزق من يشاء الله تعالى في نفس الآية قال:{يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} وهذا يؤكد معنى أنه الرزاق إذًا {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} يعني واسع الكرم يعطي الكثير من النعم والرزق وما بكم من نعمة فمن الله وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
إذًا ما معنى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} يعني واسع الكرم جدًا بدليل بقية الآية {يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} وهذا تأكيدٌ للمعنى الأول وهذا أحسن تفسير للآية هكذا قال علماء أصول التفسير لذلك يجب الاعتقاد بأن الله منزه عن الأعضاء والجوارح فهو خلق العالم ويوجد الأشياء بقدرته لا بالجارحة ولا بالمماسة ولا بالمباشرة لأنه ليس جسدًا ليس جسمًا ليس شكلا ليس كمية {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ}.
والحمد لله ربّ العالمين,