fbpx

2 شرح الصفات الثلاث عشرة – درس

شارك هذا الدرس مع أحبائك

صفات الله الثلاث عشرة تكملة شرح صفة الوجود وشرح -صفة القِدم- -الحلقة 2- والدليلُ الإجماليُّ لهذه الصفات هو أن يقالَ: لو لم يكُن الله تعالى متصفًا بهذه الصفاتِ لم يكنِ العالمُ موجودًا، فهذا الاستدلالُ الإجماليُّ كافٍ للاستدلالِ الواجبِ. وأما الأدلةُ التفصيليَّةُ فمعرفتُها ليست من فروضِ العينِ بل هي من فروضِ الكفاية، فإذا وُجِدَ في المسلمين من يعرفُ بقية الصفاتِ الثلاث عشرة وما يتبعُ ذلك من أصولِ الاعتقادِ بالدليلِ العقليّ فقد أسقَطَ الحَرَجَ عن غيرِه من المسلمينَ وذلك لأنَّه يحتاجُ إلى ذلك لردّ شُبهِ الملاحِدَةِ والمبتدِعَةِ في الاعتقادِ. فلو جاءَ مُلحدٌ وقال للمسلمينَ أعطوني دليلا عقليًّا على وجودِ الله تعالى فلا بد من رفعِ شُبهِهِ وتشكيكاتِهِ بإيرادِ أدلَّةٍ تفصيليةٍ من البراهينِ العقليةِ لأن هذا الملحدَ إذا قيل له قال الله تعالى: ﴿أفي الله شَكٌ﴾ وقال تعالى: ﴿وَهُوَ على كلّ شَىءٍ قَديرٌ﴾ وقال: ﴿وهو بكلّ شىءٍ عليمٌ﴾ وقال: ﴿هُوَ الأوَّلُ﴾ وقال: ﴿إنَّ الله لغنيٌّ عن العالمين﴾ ونحو ذلك، قال الملحدُ أنا لا أؤمنُ بكتابِكُم، أنا لا أريدُ أن تذكرَ لي من كتابِكم شيئًا، فكيفَ تدفَعُ شُبَهَهُ وتشكيكاتِه؟ مثالٌ لذلك لو قال عابدُ الشمسِ: إن معبودي محسوسٌ ظاهرٌ نافعٌ للإنسانِ ولسائرِ الحيوانِ والنباتِ والماءِ والهواءِ كيف لا يكونُ ديني هذا حقًّا ونحنُ وأنتُم نعلم أنَّ هذا موجودٌ وهي محسوسةٌ بحاسةِ البصرِ، فكيف تقولون إنَّ دينيَ هذا باطلٌ، فإن هذا إن قيل له قال تعالى كذا يقول أنا لا أؤمنُ بكتابِكُم أُريدُ منكُم دليلًا عقليًّا، إن وجدتُم ذلك وأقمتُم لي فأنا أُسَلّم لكم وإلا فَكيفَ تطلبونَ مني أن أؤمنَ بدينكُم. فكيف تُقامُ على هذا الحجةُ؟. فهؤلاءِ الذين يظنونَ أن علمَ التوحيدِ لا يشتملُ على بيانِ البراهينِ العقليةِ والبراهينِ النقليةِ مع الحاجةِ الشديدةِ إلى ذلك، لا يستطيعونَ أن يُفحِموا هذا الكافرَ وإنما يستطيعُ إفحامَهُ السُّني الذي يُنَزّهُ اللهَ عن الكيفِ والحدّ والتحيُّزِ بالمكانِ والجهةِ، فيقول له: معبودُك هذا له حدٌّ وشكلٌ فيحتاجُ إلى من جعلَهُ على هذا الحدّ والشكلِ، والمعبودُ الحقُّ هو الموجودُ الذي ليس له حدٌّ ولا شكلٌ فلا يحتاجُ إلى غيرِه، أما معبودُك الذي هو الشمسُ فلا يصحُّ في العقلِ أن يكونَ هو أَوجَدَ نفسَهُ على هذا الحدّ وهذا الشكلِ، إنما الذي يستحِقُّ أن يُعبَدَ هو معبودُنا الذي هو موجودٌ لا كالموجوداتِ، فهنا ينقطع عابِدُ الشمسِ. والقرءانُ أرشَدَ إلى الاستدلالِ العقليّ بعِدّةِ ءاياتٍ كقوله تعالى: ﴿وفي أنفسكم أفلا تُبصِرُون﴾ أي أنَّ في أنفُسِكُم دليلا على وجودِ الله. وذكر لذلك بعضُ عُلماءِ العقيدَةِ مثالا وهو أن يقالَ أنا كنتُ بعد أن لم أكن وما كان بعد أن لم يكُن فلا بدَّ له من مُكوّنٍ فأنا لا بُدَّ لي من مُكوّنٍ. ويُستنتَجُ من هذا القولِ إنّ ذلك المكَوّنَ لا يكونُ شبيهًا لي ولا لشىءٍ ما من الحادثاتِ التي هي مشارِكةٌ لي في الحدوثِ، وهذا المكَوّنُ هو المسَمَّى الله. الصّفَةُ الثانِيَةُ: القِدَمُ القِدمُ: معناهُ الأزلية فإذا قيل الله قديمٌ معناه لا ابتداءَ لوجودِهِ، هذا في حق الله أما في حق غيره إذا قيل قديمٌ فمعناه مضى عليه زمانٌ طويلٌ، كذلك الأزليُّ، فالله تعالى هو الأزليُّ بهذا المعنى أي لا ابتداءَ لوجودِهِ فلا أزلي إلا الله، وأما الأزليُّ بمعنى قِدَمِ العهدِ والزمنِ فيوصفُ به المخلوقُ لغةً وعلى لسانِ حَمَلَةِ العِلمِ. أما لُغةً فقد قال الفيروز ابادي صاحب القاموس في مادةِ هرم: الهرمانِ بِناءانِ أزليانِ بمصرَ. فالله تبارك وتعالى هُوَ القديمُ، هو الأزليُّ بمعنى لا ابتداءَ لوجودِهِ، وما سواهُ لا يقالُ عنه قديمٌ ولا أزليٌّ بهذا المعنى إلا بالمعنى الثاني وهو تقادمُ العهدِ وطولُ الزمنِ، ولم يَرِد في القرءانِ إطلاقُ القديمِ على الله بهذا اللفظِ لكن وردَ معناه قالَ تعالى: ﴿هُوَ الأوَّلُ﴾ لأنهُ لا يجوزُ تفسيرُهُ بقدَمِ العهدِ لأنَّ قِدمَ العهدِ صفةٌ من صفاتِ المخلوقاتِ والله تعالى كانَ قبلَ الزمانِ فلا يوصفُ بقدمِ الزَّمَنِ. قال أهلُ الحقّ: الموجوداتُ ثلاثةُ أقسامٍ: القسم الأول: أزليٌّ أبديٌّ وهو الله تعالى وصفاتُه فقط وصفاتُه كلُّها أزليةٌ بأزليةِ الذاتِ، ولما ثبتَت الأزليةُ لذاتِ الله تعالى ثبتَت الأزليةُ لصفاتِهِ، وورَدَ في غيرِ هذا اللفظِ الدِلالةُ على أزليةِ الله تعالى في القرءانِ الكريمِ في عدةِ مواضِعَ كقوله تعالى: ﴿وكان الله غفورًا رحيمًا﴾ ونحو ذلك ومعناه إنه غفورٌ رحيمٌ في الأزلِ، كذلك قوله تعالى: ﴿وكان الله عليمًا حكيمًا﴾ فالأَزليةُ في القرءانِ لو لم يَرِد نصُّها لكِنَّ معناها ثابتٌ في أكثر من موضِعٍ في القرءانِ الكريمِ، وفي الحديثِ الصحيحِ حديثُ البخاريّ الذي سبَقَ ذِكرُهُ: “كان الله ولم يكن شىءٌ غيرُهُ” فإذا عُرِفَ هذا فمن ادَّعى الأزليةَ لشىءٍ غيرِ الله فقال العالمُ أزليٌّ بنوعِهِ أي بجنسِهِ وأشخاصِهِ فهو كافرٌ، ومن قال العالم أزليٌّ بجنسه لا بأفراده المعينة فإنها مخلوقة حادثة فهو كافر أيضًا وهو رأيُ الفلاسفَةِ المحدَثينَ وابنِ تيميةَ. القسمُ الثاني من الموجودِ: أبديٌّ لا أزليٌّ وهو الجنةُ والنارُ، ويُلحقُ بهما ما في الجنةِ من الحورِ والولدانِ وأشياء أخرى على ما قال بعضُ أهلِ العلمِ. القسمُ الثالثُ: لا أزليٌّ ولا أبديٌّ وهو ما سوى الجنةِ والنارِ من المخلوقاتِ. وأما أزليٌّ لا أبديٌّ فهذا مستحيلٌ، الأزليُّ لا يكونُ إلا أبديًّا فالله تعالى أزليٌّ أبديٌّ بصفاتِهِ، أي أن صفاته أيضًا أزليةٌ أبديةٌ