صِفَاتُ الله كُلُّها كَمَالٌ
(والعقيدة المنجية)
الحلقة 8
صِفَاتُ الله أزَلِيَةٌ أَبدِيَةٌ، لأَنَّ الذَّاتَ أزَليٌّ فَلا تَحْصُلُ لَهُ صِفَةٌ لَم تَكُنْ في الأَزَلِ، أمَّا صِفَاتُ الخَلْقِ فَهِيَ حَادِثَةٌ تَقْبَلُ التَّطَوُّرَ مِنْ كَمَالٍ إلى أكْمَلَ فَلا يتجدَّدُ عَلى عِلْمِ الله تَعَالَى شَىءٌ. والله تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَىءٍ بِعلْمِه الأَزَليّ وقُدْرَتِه الأَزَلِيَّةِ ومَشِيْئَتِه الأَزَلِيَّةِ، فَالماضِي والحَاضِرُ والمسْتَقْبَلُ بِالنّسْبَةِ لله أَحَاطَ بِه بِعِلْمِهِ الأَزَلِيّ. ولما ثَبَتَت الأزليَّةُ لذاتِ الله وَجَبَ أن تكون صفاتُهُ كلُّها أزليَّةً أبديَّةً لا تَقبَلُ التَّغيُّرُ والتَّطوُّرُ لأن التّغيُّرَ والتَّطوُّرَ من حالٍ إلى حالٍ علامةُ الحدوثِ، فالإنسان يقبل الزّيادةَ والنُّقصانَ والتغيُّرَ من الكمالِ إلى النَّقصِ والعكس أما الله تعالى لا يزدَادُ ولا ينقصُ، فصفاتُ الله لا تقبلُ التّطوُّرَ من كمالٍ إلى أكملَ وعلمُ الله لا يزدادُ ولا ينقصُ بل علمُهُ كاملٌ كما سائر صفاته يعلمُ به كلَّ شَىءٍ، فلا يتجدّدُ له علمٌ جديدٌ بل هو عالمٌ في الأزلِ بكلّ شىءٍ فالتّغيُّرُ يحصُلُ في المعلومِ الحادِثِ لا في علمِ الله الأزليّ، فالله يعلمُ ما كانَ في الماضي وما يكون في الوقتِ الحاضرِ وما سيكون في المستقبلِ حتى الأشياء التي تتجدَّدُ في الآخرةِ الله عَلِمَ بها في الأزل، حتى أنفاسَ أهل الجنةِ وأهل النار التي تتجدَّدُ بلا انقطاعٍ الله تعالى يعلمُ بتفصيلها.
أما قولُه تعالى: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه﴾ [سورة الأعراف] معناهُ أن الله تعالى له الأسماءُ التي تدلُّ على الكمالِ، فالله لا يُوصَفُ إلا بصفةِ كمالٍ فما كانَ من الأسماءِ لا يدلُّ على الكمالِ لا يجوزُ أن يكونَ اسمهُ كما يُسمّيه بعضُ النّاس “روحًا”، وبعضُهم سمّاهُ “ءاه”، فهذا لا يجوزُ لأن كلمة ءاه وَضَعَهَا العربُ لِتَدُلَّ على الشّكايةِ والتّوجُّعِ وقد جاءَ في الحديثِ الذي رواه الترمذي أن رسول الله قال: “إذا تثاءبَ أحدُكم فَليَضَع يدهُ على فِيْهِ، وإذا قالَ ءاه ءاه فإنَّ الشّيطانَ يضحَكُ من جوفِهِ” أي يدخل إلى فمِهِ ويسخرُ منه.
ومن الدّليلِ على أن ءاه ليس من أسماءِ الله أن الفقهاءَ قالوا إن من قالَ ءاه في الصّلاةِ عامدًا بطلَتْ صلاتُهُ، ومعلومٌ أن ذِكرَ الله لا يبطلُ الصلاةَ، فلو كانَ ءاه من أسماءِ الله لما أبطَلَ الصلاةَ.
وأسماءُ الله الحسنى يُطلَقُ عليها صفات الله ويُطلقُ عليها أسماء الله إلا لفظ الجلالةِ لا يطلقُ عليه الصّفة، ثم إن أسماء الله تعالى قسمانِ قسم لا يُسمَّى به غيرُهُ وقسمٌ يُسمَّى به غيرُه، الله والرَّحمنُ والقدُّوسُ والخالقُ والرَّزَّاقُ ومالكُ الملكِ وذو الجلالِ والإكرامِ والمحيي المميت لا يُسمَّى به إلا الله، أما أكثرُ الأسماءِ فيُسمَّى به غيرُ الله أيضًا، فيجوزُ أن يسمّيَ الشَّخصُ ابنَهُ رحيمًا والمَلِك كذلك والسَّلام كذلك.
تم إملاءً في غرة رجب لعام ألف وأربعمائة وعشرة للهجرة في مدينة خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه.
العقيدة المنجية
لخادم علم الحديث الشريف العلامة المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم، وبعد فهذا ما أملاه شيخُنا المحقّقُ والأصولِيُّ المدقّقُ العلَّامةُ المحدّثُ اللغوِيُّ النحويُّ المفسّرُ الشيخُ أبو عبدِ الرحمنِ عبدُ الله بنُ محمد بنِ يوسفَ القُرَشِيُّ العبدَرِيُّ نسبًا، الأشعريُّ الماتريديُّ عقيدةً، الرفاعيُّ طريقةً، الهرريُّ موطنًا، المعروفُ بالحبشيّ رضيَ اللهُ عنه وأرضاهُ ونفعنَا به في الدارينِ ببركةِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلَّم ءامين.
قالَ رَضِيَ الله عنه:
فائدةٌ: قالَ أهلُ الحقّ: العالَمُ جوهرٌ أو عَرَضٌ، فالجوهرُ ما له حَجمٌ وهو قِسمانِ قسمٌ مُتَناهٍ في القِلَّةِ بحيثُ لا ينقسِمُ وقسمٌ ينقسِمُ ويسمَّى جسمًا، فالأولُ يسمَّى الجوهر الفرد الجُزء الذي لا يَتَجَزأُ، وأما العَرَضُ فهو ما يقومُ بالجوهرِ أي ما كانَ صفةً له كحركةِ الجسمِ وسكونِهِ وتَحَيُّزِهِ في حَيّزٍ، فأما الله تباركَ وتعالى فهو غيرُ ذلِك كلّهِ، يستحيلُ أن يكونَ جوهرًا فردًا أو جَوهرًا متألّفًا بحيثُ صارَ جسمًا وهذا معنى قولِ بعضِهِم إنَّ الله منزَّهٌ عن الكَمّيةِ والكَيفيةِ، ولا شىءَ سوى الله تعالى كذلك، وأما قولُ أصحابِ الهَيُولى إنها ما لا كميةَ له ولا كيفيةَ فهو باطِلٌ. وقولُ أهلِ الحقّ إنَّ الله منزَّهٌ عن الحدّ هذا معناه لأنَّ الله لو كان جوهرًا فَردًا لكانَ الجوهرُ الفردُ مِثلا له، ولو كانَ زائِدًا على ذلك إلى حَدّ أكبرِ الأجرامِ وهو العرشُ أو أَزيَدَ إلى قَدر يتناهَى أو إلى قَدرٍ يُفتَرَضُ أنه لا يَتَنَاهَى لَلَزِمَ كونُه مؤلفًا أي مركَّبًا والمؤلَّفُ يحتاجُ إلى المؤلّفِ والمحتاجُ إلى غيرِهِ حادِثٌ لا بُدَّ، وهذا قولُ عليّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ الله عنهُ: “مَن زَعَمَ أن إلهنَا محدودٌ فقد جَهِلَ الخالقَ المعبودَ” رواه أبو نُعَيم، وقولُ عليّ بن الحسينِ بنِ عليّ بن أبي طالبٍ رضيَ الله عنهُم زين العابدينَ: “إنَّ الله ليسَ بمحدودٍ” رواه بالإسنادِ المتَّصلِ الإمامُ الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزَّبيدِيُّ في إتحافِ السادةِ المتقينَ، وقولُ أحمدَ بن محمدِ بنِ سلامةَ الطحاويّ: “تعالى – أي الله – عن الحدودِ”، ولذلك استحالَ على الله أن يكونَ متَّصلا بالعالمِ أو حالا فيه أو مبايِنًا له بالمسافةِ، وهذا هو الحقُّ الذي لا يَصِحُّ غيرُهُ، وذلك لأنَّ المخلوقاتِ إما أن تكونَ متَّصِلَةً ببعضِها أو منفصلةً بعضُها عن بعضٍ وكِلا الوجهينِ مستحيلٌ وصفُ الله بهِ، وذلك لأنه يَلزمُ منه إثباتُ المِثلِ لله، والله تبارك وتعالى نفَى عن نفسِهِ المثلَ على الإطلاقِ. فإن قالَ الحَشَوِيّةُ المجسّمةُ المثبتونَ لله الحدَّ: هذا نَفيٌ لوجودِ الله، يقالُ لهم أنتم بنيتُم اعتقادَكُم على ما يَصِلُ إليه الوهمُ ولا عبرةَ بالوهمِ إنما العبرةُ بالدليلِ الشرعيّ والعقلِ وهذا الذي قرّرناه هو ما يقتضيهِ النقلُ والعقلُ، فإن قلتُم لا نؤمنُ بما لا يَصِلُ إليه وهمُنا فقد أنكرتُم مخلوقًا لا يَصِلُ إليه وهمُكم مما أثبته القرءانُ كقولِهِ تعالى: ﴿وجعل الظلمات والنور﴾، فالنورُ والظلامُ مخلوقانِ حادِثان بشهادةِ القرءانِ، فهل يَفهَمُ تصوُّركم وقتًا لم يكن فيه نورٌ ولا ظلامٌ وقد ثَبَتَ ذلكَ بهذِهِ الآيةِ ﴿وجعل الظلمات والنور﴾ أي أنَّ الله خلقَ الظلماتِ والنورَ بعد أن لم يكونا، أوجَدَهُما بعدَ أن كانا معدومَينِ وهذا لا تَصِلُ إليه أوهامُنا ولا أوهامُكم ولا يتطَرَّقُ إليه تصوُّرُنا ولا تصوُّرُكم، من يستطيعُ أن يَتصوَّرَ وقتًا لم يَكُن فيه نورٌ ولا ظلامٌ ومع ذلك يجبُ أن نؤمِنَ أنه كانَ وقتٌ – أي مخلوقٌ – لم يكن فيه نورٌ ولا ظلامٌ، لأنه بعدَ خلقِ الماءِ والعرشِ خَلَقَ الله النورَ والظلامَ، فأولُ ما خَلَقَ الله الماءَ ثم العرشَ فإذًا النورُ والظلامُ ما كانا إلا بعدَ وجودِ الماءِ والعرشِ، وليُعلم أنَّ ما جازَ عليه الدخولُ والخروجُ فهو مخلوقٌ لله الواحدِ الذي ليسَ كمثلِهِ شَىءٌ. والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدِنا محمّدٍ وعلى ءالهِ وصَحبِهِ وسلَّمَ. انتهى.