fbpx

الصراط المستقيم – الدرس 3

شارك هذا الدرس مع أحبائك

-الدرس الثالث : -ما يستثنى من ألفاظ الكفر القولي : هذا الذي أراده رحمه الله الأحوال التي مَنْ نطقَ فيها بكلام هو كفر لا يُحْكَمُ عليه بالكفر. -قال المؤلف : يستثنى من الكفر القوليّ حالةُ سبقِ اللسان أي أنْ يتكلَّمَ بشىء من ذلك من غير إرادة، بل جرى على لسانه ولم يقصِدْ أنْ يقولَه بالمرة : يعني غَلِطَ، أخطأ، كلمة أراد أنْ يقولَ كلمة، خطأً خرج منه كلمة أخرى بغير قصدٍ منه، هذا يقال له سبقُ اللسان. إذا إنسان كان يريدُ أنْ يقول : اللهم أنتَ ربي وأنا عبدُك فغلِطَ، قال " اللهم أنتَ عبدي وأنا ربُّكَ " ولم يقصد أنْ يقولَ هذا، لكنْ خرج منه خطأً، سَبَقَ لسانه بذلك بغير قصد من قلبه فإنه لا يُحْكَمُ عليه بالكفر. -قال المؤلف : وحالةُ غيبوبة العقل أي عدمِ صحوِ العقل : كأنْ كان نائمًا فخرج منه في نومه كلامٌ كفريّ لا يؤاخَذُ به. أو جُنَّ ، في أثناء جنونه تكلَّم بكلام الكفر لا يُؤاخَذُ به عند الله. -قال المؤلف : وحالةُ الإكراه : يعني إذا أُكْرِهَ على النطق بالكفر. الآن يُبيِّنُ أكثر. -قال المؤلف : فَمَنْ نَطَقَ بالكفر بلسانه مكرهًا بالقتل ونحوِه وقلبُهُ مطمئنٌ بالإيمان فلا يكفُر : يعني إنسانٌ هُدِّدَ بالقتل أو بنحو القتل. نحو القتل هو شىءٌ يؤدي إلى الموت، لو كان لا يؤدي فورًا. مثلا : هُدِّدَ بقطع شرايين يده وأنْ يُتْرَكَ الدمُ يَنْزِفُ منه إلى أنْ يموت، هذا يقالُ عنه " نحوُ القتل " هذا المقصود. هُدِّدَ بأنْ يُضْرَبَ بالعِصِيّ الضربَ المتتابِع إلى أنْ يموت، هذا هو نحو القتل. فإذن إذا هُدِّدَ بالقتل أو نحوه حتى ينطِقَ بكلمة كفرية وهو كان يعتقد في قلبه أنَّ مَنْ هَدَّدَهُ يفعل، وأنَّ مَنْ هدَّدَه قادر وأنه ليس له مهربٌ من ذلك، ما عنده طريقة يهرُبُ من هذا الذي يُهَدَّدُ به ولا يقدِرُ أنْ يمنَعَه، فإنه في هذه الحال إذا نَطَقَ بالكلام الكفريّ أو فَعَلَ الفعلَ الكفريَّ الذي أُكْرِهَ عليه لا يُكَفَّر. ولو لم يفعل فَقُتِلَ فإنه يموتُ شهيدًا، وهذا أحسن. -قال المؤلف : قال تعالى { مَنْ كَفَرَ بالله من بعد إيمانه إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وقلبُهُ مطمئنٌّ بالإيمان ولكنْ مَنْ شَرَحَ بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من الله } : هذه الآيةُ تدلُّ على أنَّ مَنْ كَفَرَ بالله بعد إيمانه ولو كان مُكْرَهًا فانشرح صدرُهُ بالكفر عند النطق، هؤلاء عليهم غضبٌ من الله. فإذن الذي كان مؤمنًا ثم كَفَرَ باعتقادٍ أو قول أو فعل هذا عليه غضبٌ من الله. والذي أُكْرِهَ على الكفر لكنْ عند النطق بالكفر انشرحَ صدرُهُ له هذا عليه غضبٌ من الله لأنه لم يُكْرَه على انشراح الصدر، هذا من فِعْلِهِ. أمَّا مَنْ أُكْرِهَ فتكلَّمَ بالكفر لأجل الإكراه على ما شرحنا سابقًا من غير أنْ ينشرِحَ صدرُهُ لهذا الكفر الذي نَطَقَ به فهذا له عذرٌ عند الله تبارك وتعالى. ولا يجوزُ أنْ يعامَلَ حالةُ غيرِ الإكراه كحال الإكراه يعني لا يجوزُ أنْ يقولَ الإنسان منْ نطقَ بالكفر فإنه لا يكفُر إلا إذا انشرحَ صدرُهُ " هكذا بالكفر على الإطلاق، لا، لأنَّ الآية خاصةٌ بالمكره، لو كانتِ الآيةُ عامَّة ما كان قال ربُّنا { إلا مَنْ أُكْرِهَ وقلبُهُ مطمئنٌ بالإيمان } الله بَيَّنَ أنَّ هذا خاصٌ بالمكره. فلا يُعامَلُ غيرُ المكره معاملةَ المكره على الإطلاق، هذا لا يجوز. -قال المؤلف : وحالةُ الحكاية لكفر الغير: هذه حالةٌ ثانية مستثناة، إذا نَقَلَ الإنسانُ الكفرَ عن غيره من غير أنْ يكونَ مستحسِنًا له. -قال المؤلف : وحالةُ الحكاية لكفر الغير فلا يكفُرُ الحاكي كفرَ غيره على غير وجه الرضى والإستحسان. ومُسْتَنَدُنا في استثناءِ مسألةِ الحكاية قولُ الله تعالى { وقالتِ اليهودُ عزيرٌ ابنُ الله وقالتِ النصارى المسيحُ ابنُ الله } : ففي هاتين الآيتين نقلُ الكفر، في هذه الآية نقلُ الكفر، ومع ذلك لا يكونُ كفرًا بل هو قرءانٌ نتلوه. -قال المؤلف : قال تعالى { وقالتِ اليهود يدُ الله مغلولة } : هكذا. -قال المؤلف : ثم الحكايةُ المانعةُ لكفر حاكي الكفر إمَّا أنْ تكونَ في أول الكلمة التي يحكيها عَمَّنْ تكلَّمَ بكفر، أو بعد ذِكْرِهِ الكلمةَ عَقِبَها وقد كان ناويًا أنْ يأتيَ بأداة الحكاية قبل أنْ يقوَل كلمةَ الكفر. فلو قال : المسيحُ ابنُ الله قولُ النصارى، أو قالته النصارى" فهي حكايةٌ مانعةٌ للكفر عن الحاكي : أي لا يقعُ في الكفر مَنْ قال ذلك لكنَّ الشرطَ كما قلنا أنْ يكونَ عندما قال الكلمةَ الكفرية ناويًا أنْ يُتْبِعَها، أنْ يقولَ بعدها "قالَه فلان، أو قالته الجماعة الفلانية" أو نحوُ ذلك، ناويًا أنْ يأتيَ بأداة الحكاية بعدها كما بيَّنَّا هذا في الدرس السابق. -قول المؤلف : وحالةُ كون الشخص متأولا باجتهاده في فهم الشرع : هذه حالةٌ ثالثة لا يُكَفَّرُ مَنْ تكلَّمَ فيها بكلام كفريّ. -قال المؤلف : فإنه لا يكفُرُ المتأوِّلُ إلا إذا كان تأوُّلُهُ في القَطعيات فأخطأ : أحيانًا يتكلَّمُ الإنسانُ بكلام يكونُ فيه رَدٌّ لـِمَا جاء في الشرع، يُفَسِّرُ الآية بتفسير هو عكسُ ما جاء في الشرع. أو يُفَسِّرُ الحديثَ بتفسير هو عكسُ ما جاء في الشرع، لكنه يفعلُ ذلك لأنه لا يعرِفُ أنَّ معنى الآية على خلاف ما قال، لا يعرِفُ أنَّ معنى الحديثِ على خلاف ما قال، إنما يظنُّ أنَّ معنى الحديث كما قال هو، أنَّ معنى الآية كما قال هو، لماذا يَظُنُّ ذلك ؟ لِضَعْفِهِ في اللغة، لأنه سَمِعَ من بعض الناس ذلك، هذا له أسباب. ولم يسمَع، ما عَرَفَ أنَّ المسلمين يفسِّرون الآيةَ والحديثَ على غير ما فَسَّرَه هو، في هذه الحال لا يُكَفَّر، مثلُ هذا لا يُحْكَمُ عليه بالكفر لكنْ يُعَلَّم إلا إذا كان تأوُّلُهُ في القطعيات، إلا إذا كان تفسيرُهُ الذي فَسَّرَه يُكَذِّبُ أصلَ معنى الشهادتين، أو كان تفسيرُهُ الذي فَسَّرَهُ يُكَذِّبُ شيئًا عَلِمَ أنَّ المسلمين كلَّهم يقولون بخلافه وينقُلون عن شرع الله خلافُهُ. مثالُ الحالِ الأولى لو أنَّ إنسانًا فَسَّرَ ءايةً في القرءان بأنَّ معناها أنَّ الله يجهَلُ بعضَ الأشياء ثم يعلَمُها بعد ذلك "فإنه مهما بلَغَ به الجهل لا يُعْذَرُ في ذلك ويكونُ كافرًا. مِثَالُ الحالِ الثانية إنسانٌ يعلمُ أنَّ كلَّ المسلمين يُثْبِتون عذابَ القبر ويُفَسِّرون بعضَ الآيات في القرءان بأنها في عذاب القبر ويذكُرُون أحاديث في عذاب القبر فيأتي هو فيفسِّرُ الآية بغير ما قالوا أو يحمِلُ الحديث على غير ما قالوا، هو يعلم أنَّ المسلمين كلَّهم ينقُلون عن نبيّهم عليه الصلاة والسلام معنىً غيرَ الذي هو أتى به فإنه يكفُرُ عند ذلك. مثلُ بعض الناس الذين يعرِفون أنَّ المسلمين مُطْبِقون مجتمِعون كلُّهم لا يختلِفون في أنَّ شُرْبَ الخمر حرام وينقُلون هذا عمَّنْ قبلَهم وهم عمَّنْ قبلَهم إلى نبيّ الله عليه والصلاة ثم يقول هو { فاجتنبوه } ليس معناه أنه حرام، يعني مكروه، لا يَحْرُمُ شربُ الخمر، يُكرَه، مثلُ هذا لا يُعْذَر لأنه تأوَّلَ في القطعيات. هذا معنى " إلا إذا تأولَ في القطعيات " إلا إذا تأولَ تأولا هو ضِدُّ أصلِ معنى الشهادتين لأنَّ هذا لا يكون حَصَّلَ الإيمانَ بالله، لا يكون عَرَفَ الله أو لا يكون عَرَفَ الرسول عليه الصلاة والسلام أو كَذَّبَ شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة يعلم أنَّ المسلمين كلَّهم قالوا بخلافه. -قال المؤلف : إلا إذا كان تأوُّلُهُ في القطعيات فأخطأ فإنه لا يُعْذَر كتأولِ الذين قالوا بقدم العالم وأزليته كابن تيمية : مِثْلُ هؤلاء الذين فَسَّروا بعضَ الأحاديث على غيرِ معناها ثم وبعضَ الآيات على غير معناها فأدَّاهم هذا إلى أنْ قالوا إنَّ الله لم يخلُقْ نوعَ العالم، بل نوعُ العالم كان في الأزل مع الله، ليس بخلق الله " فإنَّ هؤلاء لا يُعْذَرون ولا يقال تأوَّلوا فأخطأوا فهم معذورون لأنَّهم تأولوا في القطعيات. والتأولُ في القطعيات مردود، لا يُقْبَل، لا يُعْذَرُ. التأولُ في القطعيات لا يُعْذَرُ مَنْ فَعَلَه، مَنْ أتى به. -قال المؤلف : وأمَّا مِثالُ مَنْ لا يكفُر مِمَّنْ تأوَّلَ فهو كتأولِ الذين مَنَعوا الزكاةَ في عهد أبي بكر بأنَّ الزكاة وجَبَتْ في عهد الرسول لأنَّ صلاتَه كانت عليهم سَكَنًا لهم وطُهْرَةً أي رحمةً وطُمأنينة وطُهْرَة، وأنَّ ذلك انقطعَ بموته فإنَّ الصحابةَ لم يكفِّروهم لذلك لأنَّ هؤلاء فَهِموا من قوله تعالى { خُذْ من أموالهم صدقةً تُطَهِّرُهُم وتُزكّيهم بها وصَلِّ عليهم إنَّ صلاتَكَ سَكَنٌ لهم } أنَّ المرادَ من قوله {خذ} أي يا محمدُ الزكاةَ لتكونَ إذا دفَعوها إليكَ سَكَنًا لهم، وأنَّ هذا لا يحصُلُ بعد وفاته فلا يجبُ عليهم دفعُها لأنه قد مات وهو المأمورُ بأخذها منهم : الله تعالى قال { خذ من أموالهم صدقةً تُطَهِّرُهُم وتُزَكِّيهم بها وصلِّ عليهم إنَّ صلاتَكَ سَكَنٌ لهم } هذه الآيةُ في سورة التوبة فيها الأمرُ للنبيّ عليه الصلاة والسلام بأخذ الزكاةِ من المؤمنين. بعضُ الناس الذي كان فهمُهم ضعيفًا، بعضُ الناس الأعراب، قسم من الناس الأعراب البَدو الذين كانوا بعيدين عن النبيّ عليه الصلاة والسلام مِمَّنْ أسلَمَ ظنُّوا أنَّ معنى هذه الآية يا محمد خذ من أموالهم الزكاة وادعُ لهم وصلِّ عليهم إنَّ صلاتَكَ سكَنٌ لهم أي ادعُ لهم، يا محمد خذ من أموالهم الزكاة وادعُ لهم، دعاؤكَ لهم بمقابل أخذِ الزكاة منهم، هكذا فهِموا. فلمَّا مات النبيُّ عليه الصلاة والسلام قالوا : الذي كان يدعو لنا الإنسان المعصومُ نبيُّ الله الذي كان يدعو لنا قد مات، أبو بكر لماذا يأخُذُ منا الزكاة ؟ ظنوا أنَّ هذه الآية هكذا معناها، أنها تفيدُ أنَّ الزكاة واجبةٌ عليهم طالما أنَّ محمدًا عليه الصلاة والسلام يدعو لهم، أمَّا إذا مات محمدٌ عليه الصلاة والسلام فلم يعد يدعو لهم لا يجبُ عليهم أنْ يدفعوا الزكاة، هكذا فهِموا. لم يعلَموا أنَّ الزكاة واجبةٌ في حياته عليه الصلاة والسلام وبعد موته. هؤلاء تأولوا فأخطأوا لأنهم لم يكنْ بَلَغَهم كما بَلَغَ غيرَهم أنَّ الزكاة حُكْمُها سارٍ مستمر بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، أنَّ وجوبَ الزكاة حُكْمٌ سارٍ مستمرٌ بعد وفاة النبيّ عليه الصلاة والسلام، لذلك امتنعوا عن دفع الزكاة وتجمَّعوا وضَمَّوا قوتَهم بعضَهم إلى بعض وقالوا : لا ندفعُ الزكاةَ لأبي بكر " فاحتاج أبو بكرٍ لمحاربتهم حتى يَرُدَّهم إلى دفع الزكاة، حتى يَرُدَّهم إلى الطاعة الواجبة. لهذا أدخلوا محاربةَ هؤلاء تحت ما سُمِّيَ حروبَ الردة لأنَّ المرتدين كانوا قسمين، قسم ارتدوا عن الإسلام إلى الكفر وقسم ارتدوا عن دفع الزكاة، فحارَبَهم أبو بكرٍ لِرَدِّهم إلى الطاعة الواجبة ولم يحارِبْهم على أنهم كفروا وخرجوا من الإسلام. الصحابة لم يَعتبِروهم كفارًا، لماذا ؟ لأنهم تأوَّلوا ولم يكونوا يعرِفون المعنى الصحيح، ظنوا أنَّ معنى الآية على ما ذهبوا إليه لجهلهم. فعَلَّمَهم الصحابةُ بعد أنْ قَهَروهم، لأنه قبل القهر ما كان هناك مجال لِيُعَلِّموهم ولِيَفهم أولئك. بعد القهر، بعدما قهروهم، بعدما قهرهم أبو بكرٍ علَّموهم الحكمَ. الآن كلُّ الناس يعرِفون أنَّ حكمَ الزكاة باقٍ مستمر بعد وفاة النبيّ عليه الصلاة والسلام. هذا مِثالٌ عن التأويل الذي لا يقعُ صاحبُهُ في الكفر بسبب، أمَّا مَنْ تاوَّلَ في القطعيات فلا يُقْبَلُ تأوُّلُه. مَنْ ردَّ كلامَ المسلمين كلَّهم من أيام النبيّ إلى أيامه بتأولٍ ابتدعَه هذا لا يُقْبَلُ كلامُهُ ولا يكونُ له عذرًا. -قال المؤلف : ولم يفهموا أنَّ الحكم عامٌّ في حال حياته وبعد موته : كما شرحنا. -قال المؤلف : وإنما قاتَلَهم أبو بكر كما قاتل المرتدين الذين اتَّبعوا مسيلمةَ الكذاب في دعواهُ النبوةَ لأنه ما كان يمكِنُهُ أنْ يأخذ منهم قهرًا بدون قتال لأنهم كانوا ذَوي قوة فاضطر إلى القتال. وكذلك الذين فَسَّروا قولَ الله تعالى { فهل أنتم منتهون } بأنه تخييرٌ وليس تحريمًا للخمر فَشَرِبوها لأنَّ عُمَرَ ما كَفَّرهم وإنما قال : إجلدوهم ثمانين ثمانين، ثم إنْ عادوا فاقتُلُوهم " رواه ابنُ أبي شيبة : كذلك مِثَالٌ ءاخر عن المتأوِّل الذي لا يكفُرُ بتأولِهِ هم الذين أجازوا شربَ الخمر. بعض الصحابة ما فهِمَ قولَ الله تعالى { فهل أنتم منتهون } على وجهه، ظنَّ أنَّ معناه تخيير، إنْ شئتم توقفوا عن شرب الخمر وإنْ شئتم لا تتوقفوا، قرأ بعضَ الآيات في القرءان ما فهِمَها على وجهها، { ليس على الذين ءامنوا وعَمِلوا الصالحات جُناحٌ فيما طَعِموا إذا ما اتَّقَوْا } ظنَّ أنَّ معناها أنَّ الذي يتَّقي اللهَ تعالى لا جُنَاحَ عليه إذا شَرِبَ الخمر، هكذا ظنَّ المعنى. عمر ما قَبِلَ هذا منه، قال له : تأوَّلْتَ فأخطأتَ " أنتَ تأوَّلْتَ الآيةَ بهذا المعنى لأنك ما فهِمْتَها على وجهها، غَلِطْتَ، لَوِ اتَّقَيْتَ اللهَ ما شَرِبْتَ الخمر، لو أنكَ اتقيتَ الله، من تقوى الله أنْ تترُكَ شربَ الخمر. ليس معنى الآياِت على ما ذهب إليه وهمُكَ. في هذه الحادثة وهذه الحادثة، حادثتان، لم يُكَفِّر عمرُ رضي الله عنه مَنْ تأوَّلَ لأنَّ هؤلاء ما كان بَلَغَهم أنَّ الخمرَ قد حُرِّمَتْ، ظنوا أنَّ الأمرَ فيه فُسْحَة لهم، يجوز لهم أنْ يشربوها إذا أرادوا، ما كان بَلَغَهم الخبر كما بَلَغَ غيرَهم. فتأولوا الآيات، فَهمِوها على غير وجهها. عمر ما كَفَّرهم، وإنما أمَرَ أنْ يُجْلَدَ الذين شربوها كلَّ واحدٍ ثمانين جلدة، لكنْ قال " إنْ عادوا فاقتلوهم " يعني بعد اليوم الآن عَرَفوا الحقّ وعرَفوا أنَّ الخمرة حُرِّمَتْ، فإذا رجَعوا بعد ذلك إلى أنْ يقولوا إنها حلال يجوزُ شُرْبُها " فاقتُلوهم " أي أقيموا عليهم حدَّ الردة لأنهم يكونون قد ارتدوا عند ذلك. أولا كان لهم عذرٌ حتى لا يُحْكَمَ عليهم بالردة، ما كانوا سَمِعوا، ما كانوا عَرَفوا، فَفَهِموا الآيةَ خطأً، أمَّا الآن عَرَفوا أنَّ المسلمين على خلاف قولهم، فإذا رجَعُوا إلى مثل هذا القول فأَقيموا عليهم حدَّ الردة، يكونون وقعوا في الردة ويُقامُ عليهم حدُّ الردة. أعاذنا اللهُ تعالى منها. -قال المؤلف : إنما كفَّروا الآخرين : إنما كفَّروا أي كَفَّرَ الصحابةُ. -قال المؤلف : إنما كَفَّروا الآخرين الذين ارتدُّوا عن الإسلام لتصديقِهم لمسيلمةَ الكذاب الذي ادَّعى الرسالةَ. فمقاتَلَتُهم لهؤلاء الذين تأوَّلوا منعَ الزكاة على هذا الوجه كان لأخذِ الحقِّ الواجب عليهم في أموالهم. وذلك كقتالِ البُغاة : فإذن كما شرحنا، هذا بمعنى ما ذكرناه، أنَّ قتالَ الصحابة للمرتدين كان على وجهين، قسم كَفَروا بالله فقوتِلوا لأنهم كفروا بعد الإيمان مثلُ الذين ءامنوا بنبوة مسيلمة، وقسمٌ لم يَكفُروا بالله لكن ارتدوا عن دفع الزكاة. ارتدوا أي تركوا، رَجَعوا عن دفع الزكاة فقاتلهم أبو بكر حتى يُجْبِرَهم على دفعها، حتى يُلْزِمَهم دفعَهَا. فإذن كان قتالُ الصحابة لهؤلاء على قسمين، على حسب حالهم. وقتالُ هؤلاء المرتدين عن دفع الزكاة، الذين تركوا دفعَ الزكاة وكانوا ذوي قوة وشَوْكة، قتالُهُم لردِّهم إلى دفع الزكاة يشبهُ قتالَ البُغاة، هذا ما يقولُهُ شيخُنا رحمه الله تعالى، يشبهُ قتالَ البُغاة. البغاةُ مؤمنون، خرجوا على الخليفة بغير حقّ، خرجوا على الخليفة بتأول وهذا التأولُ باطل، فاسد، خرجوا على الخليفة بتأويل فاسد، فيُقاتِلُهُمُ الخليفةُ لردِّهم إلى الحق كما خرج أولئك مانعو الزكاة بتأويل فاسد، فقاتَلَهم أبو بكر لردِّهم إلى الحقّ. يعني أحيانًا الخليفةُ يقاتِلُ المسلمين لردِّهم إلى الحقّ كقتال البغاة. -قال المؤلف : وذلك كقتالِ البغاة فإنهم لا يُقاتَلون لكفرهم بل يُقاتَلون لِرَدِّهم إلى طاعة الخليفة كالذين قاتلَهم سيدُنا عليٌّ في الوقائع الثلاث وَقْعَةِ الجَمَل ووقعة صِفّين مع معاوية ووقعةِ النَّهْرَوَان مع الخوارج : في هذه الوَقَعَات الثلاث قاتَلَ سيدنا عليٌّ أناسًا خرجوا عليه بغير حقّ، فكانوا بُغاةً. في هذه الوَقَعَات الثلاث مِثَالٌ عن مقاتلة الخليفة المسلمين لردهم إلى الحقّ، وعليٌّ في المرات الثلاث كان مأمورًا بقتالهم، النبيُّ عليه الصلاة والسلام أمَرَهُ بقتالهم، فإنه قال : أُمِرْتُ بقتالِ الناكثين والقاسِطين والمارقين " والناكِثون مَنْ قاتَلَهم في الجَمَل والكاسِطون مَنْ قاتَلَهم في صفين والمارِقون مَنْ قاتَلَهم في النهروان. " أُمِرْتُ " أي أمَرَني رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو ما جاء في كتاب الله { وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلِحوا بينهما فإنْ بَغَتْ إحداهما على الأخرى فقاتِلُوا التي تَبغي حتى تفيءَ إلى أمر الله } { فقاتلوا التي تبغي } وقد كانت طائفةُ عليٍّ هي الطائفةُ الـمُحِقَّة، ومَنْ خرجوا عليه كانوا بُغاةً بنص حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ويحَ عمارٍ تقتُلُهُ الفئةُ الباغية " ومَنْ قَتَلَ عمَّارًا ؟ كان مَنْ حارب عليًّا في صِفِّين، عمارٌ كان في صف عليٍّ ومَنْ قَتَلَهُ كان في الصف المضادِّ. إذن مَنْ كانوا ضد عليٍّ هم البُغاة كما نصَّ عليه حديثُ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان عليٌّ رِضوانُ الله عليه أولَ مَنْ عَمِلَ من هذه الأمّة بهذه الآية { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } -قال المؤلف : على أنَّ من الخوارج صِنفًا هم كفارٌ حقيقةً : يعني لـَمَّا قلنا وقعةَ الخوارج، لـَمَّا قال المصنفُ رحمه الله " ووقعةِ النهروان مع الخوارج " أراد بذلك أنهم كانوا مسلمين لكنْ تأولوا تأولا فاسدًا بعضَ الآيات فقوتلوا لردِّهم إلى الحقّ. إلا أنَّ هناك فرقةً منهم بَلَغوا الكفرَ والعياذ بالله. في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يدُلُّ على أنهم كفروا حقيقةً، بلغوا الكفرَ بشذوذهم. -قال المؤلف : على أنَّ من الخوارج صِنفًا هم كفارٌ حقيقةً فأولئكَ لهم حكمُهُمُ الخاص. -قال المؤلف : قال الحافظ أبو زُرْعَةَ العراقيُّ في نُكَتِهِ : وهذه النُّكَت أي التعليقات عَمِلَها الحافظُ الفقيه أبو زُرْعَةَ ابنُ الحافظ الفقيه زينِ الدين العراقيّ، حافظٌ ابنُ حافظ، فقيهٌ ابنُ فقيه، أصوليٌّ ابنُ أصوليٌّ، شافعيٌّ ابنُ شافعيّ. هذا الحافظُ أبو زُرْعَةَ العراقي له نُكَتْ، تعليقات على ثلاث كتب من أشهر كتب الشافعية يقولُ في هذه النُّكَت. -قال المؤلف : وقال شيخُنا أيضًا يعني البُلقينيّ : يعني بشيخنا، قولُهُ شيخنا أي البلقينيَّ. -قال المؤلف : ينبغي أنْ يقالَ بلا تأويل : يعني عندما يقال، عندما ذَكَرَ رَدَّ الحكم أو التكذيب بمعنى، مخالفة معنى الآية أو الحديث قال ينبغي أنْ يقالَ بلا تأويل. -قال المؤلف : لِيَخْرُجَ البغاةُ والخوارجُ الذين يستحِلُّون دماءَ أهل العَدْل وأموالَهم، ويعتقِدون تحريمَ دمائهم على أهل العدل : نحن لا نُكَفِّرُ البُغاة مع أنَّ البغاة بسبب سوء تأويلهم اعتقدوا أنهم محقِّون وأنَّ مقاتَلَتهم لأهل العدل الذين مع الخليفة شىءٌ حسن، وأنهم إذا قَتَلوا مَنْ كان مع الخليفة ما عليهم حرجٌ عند الله، يجوزُ لهم ذلك. وكذلك الخوارج استجازوا هذا، كانوا يُقاتِلون أهلَ العدل وهم يظنون أنهم محقون وأنَّ أهل العدل هم المخطئون مع ذلك لا نكفِّرهم لأنَّ هذا الحكم الذي حَكَموا به كان بتأويل مع خفاءِ الحق عنهم، ما عَرَفوا أنَّ المسلمين على خلاف هذا. -قال المؤلف: والذين أنكروا وجوبَ الزكاة عليهم بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالتأويل فإنَّ الصحابة رضي الله عنهم لم يكفِّروهم "ا.ه. : يعني كما بَيَّنَّا، كما قلنا. -قال المؤلف : وهذا شاهدٌ من منقول المذهب : هذا شىءٌ واردٌ في المذهب، في مذهب الشافعية. -قال المؤلف : لمسألة التأويل بالإجتهاد : يَدُلُّ على أنَّ المتأولَ باجتهاده في فهم بعض الآيات أو الأحاديث إذا أخطأ لا يُكَفَّر، لكنْ كما قلنا إلا إذا كان تأوُّلُهُ في القطعيات. -قال المؤلف : ومِمَّا يشهدُ من المنقول في مسألة الإجتهاد بالتأول وحكاية الكفر : أيضًا مِمَّا يَشْهَدُ من كلام الشافعية على ما ذكره شيخُنا المصنِّفُ رحمه الله في هذين الأمرين أنَّ مَنْ نَقَلَ الكفرَ عن غيره من غيرِ استحسان لا يكفُر، وأنَّ مَنْ تأوَّلَ فأخطأ لا يكفُر. -قال المؤلف : قولُ شمسِ الدينِ الرمليّ في شرحه على مِنْهاج الطالبين في أوائل كتاب الرِّدَّة في شرح قولِ النووي " الردةُ قطعُ الإسلام بنيةٍ أو قولِ كفرٍ ما نصُّهُ " فلا أثَرَ لسبقِ لسان : يعني مَنْ سَبَقَ لسانُهُ بالكفر لا يُكْتَبُ عليه. -قال المؤلف : أو إكراه : مَنْ أُكْرِهَ على الكفر كما ذكرنا بالقتل ونحوه، بالشروط التي ذكرناها لايُكتبُ عليه الكفر. -قال المؤلف : واجتهادٍ وحكايةِ كفر : كذلك مَنْ حكى الكفرَ عن غيره لا يكفُرُ ولا يُكتَبُ عليه الكفر. وكذلك مَنِ اجتهدَ. قصدُهُ بـ" اجتهد " أي تأولَ فَغَلِطَ في فهمِ بعضِ الآيات أو الأحاديث فإنه لا يُكَفَّرُ عند ذلك على ما شرحنا. أيضًا يدلُّ على أنَّ مذهبَ الشافعيّ قال علماؤه ذلك ما ذَكَرَهُ صاحبُ الحاشية على نهاية المحتاج. -قال المؤلف : وقولُ الـمُحَشّي-أي صاحبِ الحاشية على الشرح-نورِ الدين علي الشَّبرامَلّسي المتوفى سنةَ ألفٍ وسبعٍ وثمانين : من مشاهير المتأخرين من فقهاء الشافعية. -قول المؤلف : عند قول الرمليّ " واجتهادٍ " ما نصُّه " أي لا مطلقًا : ليس في كل الأحوال يريدُ أنْ يقول إذا كان التأولُ في القطعيات فإنه لا يُقْبَل ولا يكونُ عذرًا. -قال المؤلف : كما هو ظاهرٌ لـِمَا سيأتي من نحوِ كفرِ القائلين بقدمِ العالم مع أنه بالإجتهاد والإستدلال : يدلُّ على ذلك أنَّ مَنْ قال إنَّ العالم قديم يعني إنَّ نوعَ العالم قديم كما قال ابنُ تيمية مثلا بالإجتهاد وكما قال الفلاسفة الذين كانوا ينتسِبون إلى الإسلام كابنِ سِينا وغيره لا يُقْبَلُ منهم ذلك ولا يكونُ عذرًا في عدم كفرهم. -قال المؤلف : قال الـمُحَشّي الآخَرُ على الرمليّ أحمدُ بنُ عبدِ الرزاق المعروفُ بالـمَغربيّ الرشيديّ المتوفَّى سنةَ ألفٍ وستٍّ وتسعين قولُهُ " واجتهادٍ " أي فيما لم يقُمِ الدليلُ القاطع على خِلافه : يعني يُعْذَرُ بالإجتهاد، يُعْذَرُ بالتأول إنْ لم يكنْ تأوُّلُهُ في القطعيات، فيما قام الدليلُ القاطع على عكسه. -قال المؤلف : بدليل كفرِ نحوِ القائلين بقدمِ العالم مع أنه بالإجتهاد "ا.ه : هؤلاء الذين قالوا بقدم العالم وأنَّ نوعَ العالم لم يخلُقْهُ الله اجتهدوا، هم اجتهدوا لكنهم اجتهدوا فيما جاء فيه النصُّ القطعيّ، اجتَهَدوا فَغَلِطوا غَلَطًا يُناقِضُ أصلَ الشهادة فلا يكونون معذورين في اجتهادهم، اجتهدوا في القطعيّ. -قال المؤلف : ومن هنا يُعلَم أنه ليس كلُّ متأوِّلٍ يمنعُ عنه تأويلُهُ التكفيرَ : هكذا. -قال المؤلف : فليجعَل طالبُ العلم قولَ الرشيديّ المذكورَ فيما لم يقُمْ دليلٌ قاطع : هذا قولُ الرشيديّ. أليس قال الرشيديُّ في ما لم يقم دليلٌ قاطع ؟ هذا القولُ، قولُ الرشيديّ هذا لِيَجْعَلُهُ طالبُ العلم على ذُكْرٍ منه، يجعل هذا في قلبه. -قال المؤلف : فليجعَل طالبُ العلم قولَ الرشيديّ المذكور فيما لم يَقُمْ دليلٌ قاطع على ذُكْرٍ-يعني أنْ يكونَ مستحضِرًا لهذه الكلمة في قلبه لأنها مهمة- : هكذا. -قال المؤلف : لأنَّ التأولَ مع قيامِ الدليل القاطع لا يمنعُ التكفيرَ عن صاحبه : كما سبق ذِكْرُهُ. -قال المؤلف : وقولُنا في الخوارج : وما قلناه في الخوارج. -قال المؤلف : باستثناء بعضِهم من الذين لم يُكفَّروا : لماذا قلنا الخوارج متأولون حاربَهم الصحابةُ عليٌّ ثم مَنْ بعده، حاربوهم لا على أنهم كفار إنما على أنَّهم مسلمون تأوَّلوا فأخطأوا. لماذا استَثْنَيْنَا قسمًا منهم ؟ الآن يُبَيِّن. -قال المؤلف : لثبوتِ ما يقتضي التكفيرَ في بعضهم : لأنَّ بعضَهم وصلوا إلى حِّد الكفر لذلك قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام في بعض منهم : إنهم كلابُ النار " ولذلك قال : يَمْرُقون من الدين كما يَمْرُقُ السهمُ من الرَّمِيَّة لا يتعلقُ منها بشىء " يعني يَخْرجون من الدين لا يتعلَّقون بشىء من الدين كما أنَّ السهمَ القويَّ السريع إذا رُمِيَ به الصيد يدخُلُ ويخرج ثم أنتَ تنظُر إلى السهم لا تجِد عليه أيَّ أثر من الطريدة، من الصيد الذي رُمِيَ به، فَتَشُكَ، أصابَه أو لم يُصِبْه ؟ وهكذا حالُ هؤلاء، يتركون الدين، يخرجون من الدين، لا يتعلَّقون بشىء منه، هذا لأنَّ قسمًا منهم من الخوارج كان كفارًا حقيقةً. مثلا قسم منهم كذَّبوا بسورة يوسف، قالوا سورةَ يوسف ليست من القرءان. قسمٌ منهم كفَّروا كلَّ مَنْ يُخالِفُهُم، قالوا : كلُّ واحد يُخالِفنا كافر، كلُ أهلِ السّنة كفار "مثلُ هؤلاء كفار قطعًا. -قال المؤلف : لثبوت ما يقتضي التكفيرَ في بعضهم : مثالُهُ ما ذكرناه. -قال المؤلف :كما يؤيدُهُ قولُ بعضِ الصحابة الذين رَوَوْا أحاديثَ الخوارج : لذلك قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام : لئنْ أدركْتُهُم لأقْتُلَنَّهم قَتْلَ عاد " لأنَّ منهم مَنْ وصَلَ إلى درجة الكفر والعياذ بالله تعالى. -قال المؤلف : وأمَّا ما يُروى عن سيدنا عليّ من أنه قال " إخوانُنَا بَغَوْا علينا " فليس فيه حجةٌ للحكم على جميعهم بالإسلام لأنه لم يَثْبُتْ إسنادًا عن عليّ : هذا ما يَرويه بعضُهم رواية شاذة أنَّ عليًّا قال في الخوارج : إخوانُنا بَغَوْا علينا " هذا شاذٌ ولا يصِح ولا يَثْبُتُ عن عليّ. إنما الثابتُ عن عليّ أنه قال هذا في أهل الجمل لا في الخوارج، هذا الثابتُ المشهور عن علي أنه قال : إخوانُنا بَغَوْا علينا " هذا في أهل الجمل. أمَّا الخوارج فلم يقُلْ فيهم ذلك، فلا يُحْتَجُّ بمثل هذا حتى يقال كلُّهم كانوا مسلمين. منهم مَنْ وَصَلَ إلى الكفر، نعوذ بالله من ذلك. -قال المؤلف : وقد قَطَعَ الحافظُ المجتهد ابنُ جريرٍ الطبريُّ بتكفيرهم وغيرُهُ : ولذلك الطبريُّ وغيرُهُ قال : الخوارجُ كفار " -قال المؤلف : وحُمِلَ ذلك على اختلاف أحوال الخوارج : يعني بعضُ الأشياء فِعْلُ الصحابة يدلُّ على عدم تكفيرهم، وبعضُ فِعْلِهِم يدلُّ على تكفيرهم. بعضُ النصوص الواردة تدلُّ على أنَّهم كفار، وأشياء أخرى تدلُّ على أنهم ليسوا كفارًا، هذا الإختلاف لأجل اختلاف أحوالهم. الخوارج قسمان، قسمٌ وصلوا إلى الكفر وعليهم تنطبِقُ النصوصُ المكفِّرة، وقسمٌ لم يَصِلوا إلى الكفر وعليهم تنطبِقُ النصوصُ غيرُ المكفِّرَة. -قال المؤلف : وحُمِلَ ذلك على اختلاف أحوالِ الخوارج بأنَّ منهم مَنْ وَصَلَ إلى حدِّ الكفر ومنهم مَنْ لم يَصِل. وهذه المسألةُ بعضُهم عبَّرَ عنها بالإجتهاد : لـَمَّا قال بعضُهم قال " مَنِ اجتهد في فهم الشرع فأخطأ لا يُكَفَّر إلا إذا كان خلافُهُ في القطعيات " وبعضُهم عبَّرَ فقال : مَنْ تأوَّلَ " بعضُهم عَبَّرَ " مَنِ اجتهد " بعضُهم عَبَّرَ " مَنْ تأوَّلَ " ومرادُ الفريقين واحد، مُرادُهم شىءٌ واحد، معنىً واحد. -قال المؤلف : وبعضُهم عبَّرَ عنها بالتأويل. فَمِمَّنْ عَبَّرَ بالتأويل الحافظُ الفقيهُ الشافعيُّ سِراجُ الدين البُلقينيُّ الذي قال فيه صاحبُ القاموس " علَّامةُ الدنيا " : صاحبُ القاموس أي الفيروز أباديّ صاحبُ كتاب " القاموس المحيط " الفقيهُ الشافعيُّ اللغوي الكبير الذي بسبب كتابه صار يسمَّى كلُّ كتابٍ في معاني كلماتِ اللغة يُطْلَقُ عليه " القاموس ". كلُّ مُعْجَم صار يسمَّى " قاموسًا " بسبب كتابه " القاموس المحيط " لِعُلُوِّ شأنِ كتابه، قال هو هذا، قال عن البُلقينيّ : صديقُنا عَلَّامةُ الدنيا " هذا يدلُّ على علوِّ شأنِ البُلقينيّ. بل قد قيل بأنَّه وصل إلى درجة الإجتهاد سراجُ الدين البُلقينيّ، عَبَّرَ بالتأويل. -قال المؤلف : وعَبَّرَ بعضُ شُرّاحِ منهاجِ الطالبين بالإجتهاد : وَمَرَّ معنا هؤلاء. -قال المؤلف : وكِلْتَا العبارتين لا بد لهما من قَيْدٍ ملحوظ : أي أنْ لا يكونَ التأوُّلُ في القطعيات، هذا هو القيد الذي لو لم يذكُروه فهو مَلْحوظٌ عندَهم، يُراعونَه، يعتبِرونَه ولو لم يذكروه أحيانًا. -قال المؤلف : ومن هنا يُعْلَم أنه ليس كلُّ متأولٍ يمنعُ عنه تأويلُهُ التكفيرَ : إيه ليس على الإطلاق كلُّ مَنْ تأوَّلَ لا يُكَفَّر، هيك كيفما كان، لا، بل لذلك قَيْد أنْ لا يكونَ تأوُّلُهُ في القطعيات كما مَرَّ قبلُ. -قال المؤلف : فلا يظنَّ ظانٌّ أنَّ ذلك مطلَقٌ لأنَّ الإطلاقَ في ذلك انحلالٌ ومُروقٌ من الدين : لأنَّ الذي يُطْلِقُ ذلك بلا قَيْد يَنْحَلّ، يخرجُ من الدين، كأنه يقول : يجوزُ أنْ يأتِيَ إنسان فيقول : الصلاة " أنا أتأول " الصلواتُ المفروضة ليست الصلوات الخمس " { أقِمِ الصلاةَ لِدُلُوكِ الشمسِ } ليس معناها صلاةُ الظهر، { أقم الصلاةَ لدلوك الشمس إلى غَسَقِ الليل } ليس معنى هذه الصلوات التي أمَرَ اللهُ بالمحافظة عليها هي الصلواتُ المفروضة، لا، الصلوات معناها أنْ يدعُوَ الإنسانُ اللهَ. يكفي أنْ يقولَ في الصباح دعاءً، يكفي أنْ يقولَ عند الظهر دعاءً وهذا، يتأولُ بذلك، مثلُ هذا التأول لا يُقْبَل لأنه تأولٌ في القطعيّ. لو فُتِحَ هذا البابُ على مِصْراعَيْهِ، الذي يفتحُ البابَ على مصراعيه يكفُرُ والعياذ بالله، إنما التأولُ يكونُ عذرًا في دَفْعِ الكفر إذا لم يكنْ في القطعيات على الوجه الذي سَبَقَ أنْ شرحناه. -قال المؤلف : ألا ترى أنَّ كثيرًا من المنتسبين إلى الإسلام المشتغِلين بالفلسفة مَرَقُوا من الدين : مرقوا من الدين أي خَرَجوا من الدين. -قال المؤلف : باعتقادهم القولَ بأزلية العالم : أي لأنهم قالوا إنَّ العالم لا بدايةَ لوجوده، لم يَخْلُقْهُ اللهُ. -قال المؤلف : اجتهادًا منهم، ومع ذلك أجمعَ المسلمون على تكفيرهم كما ذَكَرَ ذلك المحدِّثُ الفقيه بدرُ الدينِ الزركشيُّ في شرح " جمع الجوامع " فإنه قال بعد أنْ ذَكَرَ الفريقينِ منهم الفريقَ القائل بأزلية العالم بمادته وصورته والفريقَ القائل بأزلية العالم بمادته أي بجنسه فقط ما نصُّهُ " اتفق المسلمون على تضليلهم وتكفيرهم" " وقد ضَلَّلَهمُ المسلمون في ذلك وكَفَّروهم " ( هذه العبارة من كتاب الشيخ ) : أي أنَّ كفرَهم إجماعٌ بين المسلمين وذلك يَشْمَلُ الفريقين، مَنْ قال نوعُ العالم وأفرادُ العالم أزلية لا ابتداءَ لها لم يخلُقْهَا الله ومَنْ قال نوعُ العالم أزليّ لم يَخْلُقْهُ الله لكنِ الأفراد حادثة، هؤلاء كفار وهؤلاء كفار بالإجماع. وقد ذَكَرَ هذا غيرُ الزركشيّ أيضًا من علماء المسلمين أنهم كفارٌ بالإجماع. فاجتهادُهُم وتأوُّلُهم لم يَنْفَعْهُم لأنهم تأوَّلوا في القطعيّ، على خلاف القطعي في دين الله، لأنَّ تأوُّلَهم ضِدُّ أصلِ معنى الشهادتين. -قال المؤلف : وكذلك المرجئةُ القائلون بأنه لا يَضُرُّ مع الإيمان ذنب كما لا تنفعُ مع الكفر حسنة " إنما قالوا ذلك اجتهادًا وتأويلا لبعض النصوص على غير وجهها فلم يُعْذَروا : كذلك من أمثلة مَنْ لم يُعْذَر المرجئة. المرجئة طائفةٌ قالوا، انتسَبوا إلى الإسلام، قالوا لا يضرُّ مع الإيمان ذنب " إذا كان الإنسانُ مؤمنًا أيُّ ذنب يعمَلُهُ لا يَضُرُّهُ، هؤلاء قالوا ذلك لأنهم أساؤوا فهمَ بعض النصوص، لكنْ تأوُّلُهم كان على خلاف القطعيّ، كان معلومًا عندهم، معروفًا عندهم أنَّ المسلمين يُخالِفونَهم في ذلك، كلِّ المسلمين، مع ذلك تجرأوا على أنْ يَنْسُبُوا إلى الإسلام معنىً إلى الشرع، معنىً لم يَقُلْهُ النبيُّ عليه الصلاة والسلام ولا سَبَقَهُم إليه أحد، بل المنقولُ عنه خلافُهُ. فهؤلاء لا ينفَعُهم تأويلَهم لأنهم تأولوا في القطعيّ. -قال المؤلف : وكذلك ضَلَّ فِرَقٌ غيرُهم وهم منتسبون إلى الإسلام كان زَيْغُهم بطريق الإجتهاد بالتأويل : ولا نريدُ الآن أنْ نُطيلَ بِذِكْرِهِم، المهم أنْ تُفْهَمَ القاعدة أنَّ هذا هو الأصل، أنَّ مَنْ تأولَ فأخطأ في فهم الآية أو الحديث لا يُكَفَّر إلا إذا كان تأوُّلُهُ يَنْقُضُ معنى الشهادتين أو كان تأولُهُ ينقُضُ أصلَ معنى الشهادتين أو كان تأوُّلُهُ على خلاف ما ثَبَتَ عنده من قول المسلمين كلِّهم، فإنَّ مثلَ هذا لا يُعْذَرُ في تأوله بل يكفرُ. -قال المؤلف : نسألُ اللهَ الثباتَ على الحقّ : ءامين. -قاعدة : -قال المؤلف : اللفظُ الذي له معنيان : الآن ننتقِلُ إلى قاعدة لها تعلُّقٌ بما كنا نذكُرُه لأننا ذكرنا قبلُ أنَّ الإنسانَ يكفُرُ باللفظ الكفريّ واستُثْنِيَتْ أحوال، وهذه القاعدةُ فيها زيادةُ بيانٍ لـِمَا ذُكِرَ قبل وزيادةُ إيضاح لمعناه. -قال المؤلف : اللفظُ الذي له معنيان أحدُهما نوعٌ من أنواع الكفر والآخرُ ليس كفرًا : تكلَّمنا قبلُ عن الذي تكلَّمَ بلفظ كفري أنه يكفُر، طيب ماذا لو كانتِ الكلمة لها معنيان ؟ أحدُ المعنيين كفر والمعنى الآخر ليس كفرًا أو لها معان عدة، بعضُ المعاني كفر وبعضُ المعاني ليس كفرًا ماذا يكونُ الحكم ؟ -قال المؤلف : اللفظُ الذي له معنيان أحدُهما نوعٌ من أنواع الكفر والآخرُ ليس كفرًا وكان المعنى الذي هو كفرٌ ظاهرًا لكنْ ليس صريحًا لا يُكَفَّرُ قائلُهُ حتى يُعْرَفَ منه أيُّ المعنيين أراد : يعني إذا كانتِ الكلمة لها معنيان، لو كان أحدُ المعنيين ظاهرًا، لو كان أحدُ المعنيين هو الأكثرُ استعمالا وكان هذا المعنى الذي هو الأكثرُ استعمالا معنىً كفريًّا، لكنْ في اللغة الكلمةُ تحتَمِلُ معنىً ءاخر ليس كفرًا لا يجوزُ أنْ يُحْكَمَ على قائل هذه الكلمة بالكفر إلا إذا عُلِمَ أنه قَصَدَ المعنى الكفريّ. أمَّا ما لم يُعْلَم أنَّه قَصَدَ المعنى الكفريّ لا يجوزُ أنْ يُحْكَمَ عليه بالكفر لأنَّ الكلمة تحتَمِلُ معنيين. -قال المؤلف : فإنْ قال أردتُ المعنى الكفريّ حُكِمَ عليه بالكفر وأُجْرِيَ عليه أحكامُ الردة وإلا فلا يُحْكَمُ عليه بالكفر : هكذا، فينبغي أنْ لا يُتَسَرَّعَ بالحكم بالكفر على المسلم الذي يُسْمَعُ منه لفظٌ يحتمِلُ أكثرَ من معنى، بعضُ معانيه كفر وبعضُ معانيه ليس كفرًا. -قال المؤلف : وكذلك إنْ كان اللفظُ له معانٍ كثيرة وكان كلُّ معانيه كفرًا وكان معنىً واحدٌ منها غيرَ كفر لا يكفَّر إلا أنْ يُعْرَفَ منه إرادةُ المعنى الكفريّ : لو كان له، لو كان للفظ، لو فرضنا أنَّ اللفظ كان له عِشرون معنى وكان تسعةَ عَشَرَ معنىً من هذه المعاني كفرًا ومعنىً واحدًا ليس كفرًا، لو فرضنا، لا يُحْكَمُ على قائله بالكفر حتى يُعْلَمَ أنه أراد المعنى الكفري. فما لم يُعْلَم ذلك فلا يجوزُ أنْ يُحْكَمَ عليه بالكفر. -قال المؤلف : وهذا هو الذي ذَكَرَهُ بعضُ العلماء الحنفيين في كتبهم. أمَّا ما دام جازمًا بأنه ما حَصَلَ منه كفرٌ لكنْ يَرِدُ على باله خلافُ ذلك فلا يجبُ عليه أنْ يتشهد ولا يجبُ عليه تجديد النكاح بالشك لكنْ يُستحبُّ. وأمَّا ما يقولُهُ بعضُ الناس "من أنه إذا كان في الكلمة تسعةٌ وتسعون قولا بالتكفير وقولٌ واحد بترك التكفير أُخِذَ بترك التكفير " فلا معنى له : إيه لا معنى له، أيْش معنى هذا ؟ كأنه يقول إذا كان هناك أناسٌ كثيرون أغلبُهم قالوا هذا كفر، هذه الكلمة كفر، وقليلٌ قال هذه الكلمة ليست كفرًا نأخُذُ بحكم الأقلية. عجيب، هذا خلاف ما يقولونه كمان عن الديمقراطية. ما هذا ؟ هذا غريب، لا نأخُذُ بحكم بما قال الأكثر، ليس يُبْنى الأمرُ على هذا، ولا بما قال الأقل. إنما يُبْنَى الأمر بما ساعد عليه الدليل، الذي يدلُّ عليه الدليل نأخُذُ به. إذا كانتِ الكلمة لها معنىً واحد وهذا المعنى الواحد في اللغة كفر، مَنْ قال هذه الكلمة كَفَرَ. إذا كان لها أكثر من معنى، بعضُها كفر وبعضُها ليس كفرًا يُنْظَرُ إذا قَصَدَ القائلُ المعنى الكفري كَفَرَ، إذا قَصَدَ المعنى الآخر لا يُكَفَّر. ولا يجوزُ أنْ نكفِّرَه حتى نعلمَ أنه قَصَدَ المعنى الكفريّ، ما لم نعلم ذلك لا يجوزُ لنا تكفيرُهُ. هذا هو حكمُ الشرع، ليس معنى ما قاله بعضُ الحنفية ما توهَّمَهُ هؤلاء أننا نأخُذُ بقول الأقل، قاعدة عجيبة هذه. -قال المؤلف : ولا يصحُّ نِسْبَةُ ذلك إلى مالك ولا إلى أبي حنيفةَ كما نَسَبَ سيدُ سابق شبهَ ذلك إلى مالكٍ : هذا سيد سابق ما عنده علم لذلك ما فَهِمَ كلامَه، فَنَسَب ما يُشبه هذا إلى مالك ومالكٌ بريءٌ مِمَّا نَسَبَهُ إليه. -قال المؤلف : وهو شائعٌ على ألسنة بعض العصريين فليتقوا اللهَ : نعم. مَنْ تكلَّمَ بلا علم كان مصيبةً، كان ينطبقُ عليه ما جاء في الحديث : إنَّ الله لا يقبِضُ العلمَ ينتَزِعُهُ انتزاعًا من بين الناس ولكنْ يقبِضُ العلمَ بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالمٌ اتخذَ الناسُ رؤوسًا جُهالا فاستَفْتَوْهُم فأفْتَوْهم فَضَلُّوا وأضَلُّوا " وهو ما نراه كثيرًا في أيامنا، أعاذنا اللهُ من مثل ذلك. -قال المؤلف : أمَّا الصريحُ أي الذي ليس له إلا معنىً واحدٌ يقتضي التكفيرَ : أمَّا الصريحُ في الكفر اللفظُ الصريح معناه الذي ليس له إلا معنىً واحدًا. الصريحُ في الكفر معناه ليس له إلا معنىً واحدٌ هو كفر، ليس له معنىً ءاخر. -قال المؤلف : فَيُحْكَمُ على قائله بالكفر كقول " أنا الله " : مِثَالُ الصريحِ في الكفر مَنْ قال " أنا الله " هذا ليس له معنىً ءاخر. -قال المؤلف : حتى لو صَدَرَ هذا اللفظُ من وليٍّ في حالة غَيْبَةِ عقله يُعَزَّرُ : حتى الوليّ لو غابَ عقلُهُ بسبب شدة المحبة، غاب عقلُهُ، غاب عن وعيه فتكلَّمَ بلسانه بمثل هذه الكلمة فإنه يُعَزَّر. لو كان لا يُحْكَمُ بكفره لأنَّ عقلَه غائب لكنه يُعَزَّر، يُزْجَر، يُمْنَع، ولو احتيجَ إلى الضرب لمنعه من قول هذه الكلمة وذلك إنكارًا للمنكَر. -قال المؤلف : ولو لم يكنْ هو مكلَّفًا تلك الساعة، قال ذلك عِزُّ الدين بنُ عبدِ السلام. وذلك لأنَّ التعزيرَ يؤثِّرُ فيمنْ غاب عقلُهُ : تعزيرُ الزجر، أحيانًا الزجر يكونُ بنظرة، أحيانًا بصرخة، أحيانًا بضرب، أحيانًا بغير، أحيانًا بتأنيب، يختلف، أحيانًا بغير ذلك. -قال المؤلف : كما يؤثِّرُ في الصاحي العاقل وكما يؤثِّرُ في البهائم : يدلُّ على أنه يؤثِّرُ فيمنْ غاب عقلُهُ تأثيرُهُ في البهيمة. -قال المؤلف : فإنها إذا جَمَحَتْ فَضُرِبَتْ تكفُّ عن جُموحها مع أنها ليست بعاقلة. كذلك الوليُّ الذي نَطَقَ بالكفر في حال الغَيْبة : في غَيْبَةِ عقله. -قال المؤلف : لـَمَّا يُضْرَب أو يُصرخُ عليه يكفُّ للزاجر الطبيعي : لأنَّ طبيعة، في طبيعة الإنسان أنْ ينزَجِر في مثل هذه الحال، أنْ يتوقَّف. يَنْزَجِر يتوقَّف. -قال المؤلف : على أنَّ الوليَّ لا يصدُرُ منه كفرٌ في حال حضور عقله : هذا هو القولُ المنصور أنَّ الوليَّ إذا كان صاحيًّا لا ينطِقُ بالكفر لأنَّه صار حبيبَ الله واللهُ لا يُعَذِّبُ حبيبَه. مَنْ صار حبيبَ الله لا ينقلِبُ بعد ذلك عدوًّا لله. -قال المؤلف : إلا أنْ يسبِقَ لسانُهُ : نعم، أمَّا سبقُ اللسان فيجوزُ أنْ يَصْدُرَ منه. -قال المؤلف : أو يغيبَ عقلُهُ، لأنَّ الوليَّ محفوظٌ من الكفر بخلاف المعصيةِ الكبيرة أو الصغيرة : هكذا، أليس جاء في الحديث القدسي أنَّ الله تعالى قال " مَنْ عادى لي وليًّا فقد آذَنْتُهُ بالحرب، وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشىءأحبَّ إليَّ مِمَّا افترضتُ عليه وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه فإذا أحبَبْتُهُ كنتُ سَمْعَهُ الذي يسمَعُ به وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به ويدَه التي يبطِشُ بها ورِجْلَه التي يمشي بها ولَئِنْ سألني لأُعطِيَنَّه ولئنْ استعاذ بي لأُعيذَنَّه " مَنْ وصل إلى هذه الرتبة كيف ينقلِبُ بعد ذلك عدوًّا لله تعالى ؟!! لذلك قال العلماء : إنَّ الوليَّ يَعْصِمُهُ اللهُ تعالى من الكفر ". ومعنى " كنتُ يدَه التي يَبْطِشُ بها ورِجْلَه التي يمشي بها " أي أعْصِمُهُ من أنْ يَصِلَ بسبب فعلِ يده إلى حال يكونُ فيها يصيرُ فيها عند الله تبارك وتعالى ممقوتًا مرذولا وهكذا خاسرًا في الآخرة وهكذا ...، أي أُوَفِّقُهُ هذا معناه. ليس معناه كما هو ظاهر أنَّ يد الإنسان تصيرُ هي الله، هذه سخافة، لا يعتقِدُها إلا كافر. -قال المؤلف : فإنَّ ذلك يجوزُ على الوليّ لكنْ لا يستمِرُّ عليه بل يتوبُ عن قُرْبٍ : هكذا. -قال المؤلف : وقد يحصُلُ من الوليّ معصيةٌ كبيرة قبل موته بقليل، لكنْ لا يموتُ إلا وقد تاب كطلحةَ بنِ عُبيدِ الله والزبيرِ بنِ العوامِّ رضي الله عنهما، فإنهما خرجا على أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه بوقوفهما مع الذين قاتلوه في البصرة : كانوا مع الذين في المعسكر المضاد لعليّ وهذا فيه إثم فيه ذنب، حرام. -قال المؤلف : فَذَكَّرَ عليٌّ كلًّا منهما حديثًا : عليٌّ قبل نشوب القتال ذَكَّرَ كلَّ واحد منهما بحديثٍ سَمِعَه من نبيّ الله عليه الصلاة والسلام. -قال المؤلف : أمَّا الزبيرُ فقال له : ألم يقلْ لكَ رسولُ الله : إنكَ لتُقاتِلَنَّ عليًّا وأنتَ ظالمٌ له " فقال : نسيتُ " : لـَمَّا ذَكَّرَ الزبيرَ بهذا الحديث قال الزبيرُ " نسيتُ " الآن أنتَ ذَكَّرْتني. -قال المؤلف : فذهب منصرفًا عن قتاله : فَتَرَكَ قِتالَهُ وذهَبَ منصرفًا، ما قاتَلَه. -قال المؤلف : ثم لحِقَه في طريقه رجلٌ من جيش عليّ فَقَتَلَه : رجلٌ فاسد كان في جيش عليّ، لَحِقَه فَقَتَلَهُ، طَعَنَه بالرُّمْح في ظهره فَقَتَلَه رضي الله عنه. لـَمَّا عَرَفَ عليّ أنَّ الزبيرَ قُتِل قال " بَشِّرْ قاتِلَ ابنِ صفيةَ بالنار " ابنُ صفية هو الزبير لأنه ما قَتَلَه إلا بعد أنْ تاب وتَرَك. وهكذا شأنُ الوليّ من الأولياء لا يموتُ مُصِرًّا على الكبيرة إذا وَقَعَ فيها، إنما يتوبُ قبل أنْ يموت. -قال المؤلف : فتاب بتذكير عليٍّ له فلم يمتْ إلا تائبًا. وأمَّا طلحةُ فقال له عليٌّ : ألم يقل رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم : مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه " : أليس النبيُّ عليه الصلاة والسلام قال : مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه " مَنْ كنتُ أنا أنْصُرُه فعليٌّ يَنْصُرُه، معناه عليٌّ يدورُ مع الحق، لا يخالفُ الحقَّ، الذي ينصُرُه عليّ هو الذي كنتُ أنا أنصرُهُ. عليٌّ يدورُ مع الحقّ، ذَكَّرَه بهذا. -قال المؤلف : فذهب منصرفًا فضربَه مَروانُ بنُ الحكم فَقَتَلَه : فذهب منصرفًا، أراد طلحةُ أنْ يتركَ الجماعةَ التي كانت ضدَّ عليّ، وكان في هذه الجماعة رجلٌ يقال له مروانُ بنُ الحكم، قال " الآن أنتقمُ من طلحة " فرماه بسهم فَقَتَله والعياذ بالله تعالى. -قال المؤلف : وهو أيضًا تاب ونَدِمَ : وهو أي طلحة رضي الله عنه. -قال المؤلف : عند ذِكْرِ عليٍّ له هذا الحديث. فكلٌّ منهما ما مات إلا تائبًا : حتى رُوِيَ أنَّ طلحةَ قبل أنْ يموت مَرَّ به رجلٌ فقال له : من أيِّ المعسكرين أنتَ " قال : من معسكر أمير المؤمنين " قال : مُدَّ يَدَكَ " فَمَدَّ يدَه فجدَّدَ البيعةَ لعليّ ثم مات. أخبر هذا الرجلُ عليًّا فقال عليٌّ : الله أكبر، أبى اللهُ أنْ يُدْخِلَ طلحةَ الجنة إلا وبيعتي في عُنُقِهِ " معناه ما تركَهُ اللهُ تعالى إلا وقد ألْهَمَهُ التوبةَ قبل أنْ يموت. رضي الله تعالى عنه. لذلك لا يجوزُ أنْ يُذَمَّ سيدُنا الزبير ولا يجوزُ أنْ يُذَمَّ سيدُنا طلحة ولا يجوزُ أنْ تُذَمَّ السيدة عائشةُ رضي الله تعالى عنها، فكلٌّ من هؤلاء رضوان الله عليهم قد تابوا إلى الله تعالى من هذه الهَفوة التي حَصَلَتْ منهم، وما ماتوا إلا تائبين. فمَنْ طَعَنَ فيهم وذَمَّهم هو المذموم وهو الذي يستحقُّ الطعنَ فيه. -قال المؤلف : وكلا الحديثين صحيحٌ بل الحديثُ الثاني متواترٌ : الحديثُ الثاني " مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه " يعني نعم. -قال المؤلف : وقد ذكر الإمامُ أبو الحسن الأشعريّ أنَّ طلحةَ والزبير مغفورٌ لهما لأجل البِشارة التي بَشَّرَهما رسولُ الله بها مع ثمانيةٍ ءاخرين في مجلس واحد : يعني أبو الحسن الأشعريّ رضي الله عنه ذَكَرَ ما يدلُّ على هذا الذي ذكرناه. إمامُ أهل السّنة قال : طلحةُ والزبير وقع ذَنْبُهُما مغفورًا، غفر اللهُ تعالى لهما هذا الذنب لأنَّ الله بَشَّرَهما بالجنة، فلذلك ما ماتا إلا تائبين، وكانا وليّين من أولياء الله تعالى، رضوان الله عليهما. -قال المؤلف : فهذا من الإمام أبي الحسن الأشعري إثباتٌ أنهما أثِما : نعم، وقعا في المعصية أي لكنْ تابا. -قال المؤلف : وكذلك قال في حقِّ عائشةَ لأجل أنها مبشرةٌ أيضًا وكانت نَدِمَتْ ندمًا شديدًا من وقوفها في المقاتلين لعليّ، حتى كانت لـَمَّا تذكُرُ سَيْرَها إلى البصرة ووقوفَها مع المقاتلين لعليّ تبكي بكاءً شديدًا يبتلُّ من دموعها خِمارُهَا، وهذا متواترٌ أيضًا : هذا أيضًا أنَّ عائشة كانت تبكي ندمًا على خروجها بحيث كان يَبْتَلُّ خِمارُها من كثرة البكاء هذا أيضًا متواتر. وكانت رضي الله عنها لم تخرج لأجل القتال ولا أمرتهم بالقتال إنما خرجت عائشة تحاولُ منعَ القتال بين الفريقين. لكنْ غَلِطَتْ لأنها عَصَتْ أميرَ المؤمنين ووقفت في المعسكر المضاد لأمير المؤمنين، وكان نهاها سيدُنا عليٌّ عن الخروج فلم تنتَهِ ولو كان قصدُها الإصلاح. لكنْ دلَّ ما حصل على أنَّ كلام عليٍّ رضي الله تعالى عنه كان في محلِّه، فإنَّ خروجَها قد نَتَجَ عنه قتالٌ بين المسلمين. ولو أنها لم تخرج لما كان اجتمع مَنِ اجتمع على قتال عليّ رضي الله تعالى عنه، بل لكان الجمعُ أقلَّ من ذلك ولكان القتالُ أقلَّ مِمَّا حصل، لكنْ هي لم تُدْرِكْ ذلك ولم تَقْصِدْه. ثم كانت بعد ذلك تبكي بعد ذلك بكاءً شديدًا حتى إنه ذُكِرَ في بعض الروايات أنَّ الدمعَ أثَّرَ في خدها من كثرة ما بكت ندمًا على خروجها ذلك. فلا يجوز أنْ يَطْعَنَ فيها طاعن، وإنها لزوجةُ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم في الدنيا والآخرة. وهي كانت في الدنيا رفيقَتَه وهي معه في الجنة في الآخرة كما بَشَّرَها رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم. رضوان الله تعالى عليها. -قال المؤلف : وقال في غيرهما من مقاتلي عليّ من أهل وَقعة الجمل ومن أهل صفين الذين قاتلوا مع معاويةَ عليًّا " مُجَوَّزٌ غُفرانُهُ والعفوُ عنه " : أمَّا غيرُ هؤلاء مِمَّنْ لم يكنْ من الأولياء فإنَّ أبا الحسن الأشعريّ رضي الله عنه قال " ذنبُ هؤلاء يجوزُ غُفرانُهُ " يجوزُ أنْ يعفُوَ اللهُ عنه، أي لمنْ مات من غير توبة منهم. -قال المؤلف : كما نَقَلَ ذلك الإمامُ أبو بكرِ بنُ فُورَك عن أبي الحسن الأشعري في كتابه " مجردُ مقالات الأشعري ". وابنُ فُورَكَ تلميذُ تلميذِ أبي الحسن الأشعري : قريبُ الزمن من الأشعري، تلميذُ تلميذِه، تلميذُ أبي الحسن الباهِلِيّ الذي كان من أكابر تلاميذ أبي الحسن الأشعريّ رحمهم الله. -قال المؤلف : وهو أبو الحسن الباهليّ رضي الله عنهم. وما يظنُّ بعض الجهلة من أنَّ الوليَّ لا يقعُ في معصية فهو جهلٌ فظيع : بعض مشاهير النقشبندية قال " الذي يظنُّ أنَّ الولي لا يقعُ في معصية قط وأنه معصوم هذا لم يُدْرِكِ الفرقَ حقيقةً بين الوليّ والنبيّ ". معناه الوليُّ يجوزُ أنْ يقعَ في المعصية. رأسُ الصوفية الجنيدُ البغدادي قيل له : هل يقعُ الوليُّ في معصية له ؟ هل تحصُلُ منه كبيرة ؟ قال : وكان أمرُ الله قَدَرًا مقدورًا ". إذا قَدَّرَ اللهُ عليه أنْ يرتكبَ الذنبَ فسوف يرتَكِبُهُ. لكنْ كما قلنا يتوبُ، لا يبقى عليه، يتوبُ من قريب. ليس كشأن المصرِّين على المعاصي الذين يموتون وهم عليها، لا. -قال المؤلف : فهؤلاء الثلاثةُ طلحةُ والزبيرُ وعائشةُ من أكابر الأولياء : بلا شك، رضوان الله عليهم. -قال المؤلف: قال إمامُ الحرمين الجُوينيّ : الآن يرجِعُ المصنِّفُ رحمه الله إلى أصل الكلام الذي كان قالَه أنَّ مَنْ تكلَّمَ بكلمة الردة فإنه يخرجُ بذلك من الإسلام، الكلمة التي ليس لها معنى إلا الكفر مَنْ نَطَقَ بها يخرجُ بذلك من الإيمان. -قال المؤلف : قال إمامُ الحرمين الجوينيّ " اتفقَ الأصوليون " : الأصوليون يعني علماءُ أصول الدين وعلماءُ أصول الفقه. -قال المؤلف : اتفق الأصوليون على أنَّ مَنْ نَطقَ بكلمة الردة أي الكفر وَزَعَمَ أنه أضمر توريةً كُفِّرَ ظاهرًا وباطنًا " : إذا تكلَّمَ بكلمة ليس لها معنى إلا الكفر لكنْ هو قال " قصدتُ بها شيئًا ءاخر " مثلا لَعَنَ رسولَ الله، فلمَّا قيل له " كيف تقول " قال " أنا قصدي برسول الله العقرب، أليس اللهُ يرسِلُها على الناس ؟ على مَنْ تَلْدَغُهُ لِتَلْدَغَهُ ؟ أنا هذا قصدتُ " لا يُقبَلُ منه. لأنه لا يُعْرَفُ في اللغة إطلاقُ رسول الله على العقرب، إنما معنى ابتدعَه هو، ليس من المعاني التي هي من اللغة لهذه الكلمة. فمثلُ هذا التأويل لا يُقْبَلُ، يُرَدُّ عليه ويُحْكَمُ عليه بالكفر لأنَّ كلمتَه صريحةٌ في الكفر. -قال المؤلف : وأقَرَّهم على ذلك أي فلا ينفَعُهُ التأويلُ البعيد كالذي يقولُ بعامية بعض البلاد" يلعَنْ رسولَ الله " ويقولُ قصدي برسول الله الصواعق : هذا مثلُ الذي يقول قصدي برسول الله العقرب، أيضًا هذا لا يُعْرَفُ في اللغة، هذا تأويلٌ بعيد أي أوَّلَ الكلام بما لا تَحْتَمِلُهُ اللغة بل بمعنى هو ابتدعَه، ليس الناسُ عليه، فهذا يكفَّر. وهذا إجماع من الأصوليين. -قال المؤلف : وقد عَدَّ كثيرٌ من الفقهاء كالفقيهِ الحنفيّ بدرِ الرشيد وهو قريبٌ من القرن الثامن الهجريّ أشياءَ كثيرة : أي كلماتٍ كثيرةً مُكَفِّرة. -قال المؤلف : فينبغي الإطلاعُ عليها فإنَّ مَنْ لم يعرِفِ الشرَّ يقعُ فيه فلْيُحْذَر. فقد ثَبَتَ عن أحد الصحابة أنه أخَذَ لسانَه وخاطبَه : أخَذَ لسانَه أمسَكَ بلسانه وخاطبه بعد أنْ تركَه، ليس أنه أمسكَ لسانَه وتكلَّم وهو مُمْسِكٌ لسانَه، لا. أمسكَ لسانَه وخاطبه، أي بعد أنْ تركَ لسانَه، حَصَلَ منه إمساكُ اللسان وحصل منه مخاطَبَتُهُ. -قال المؤلف : " يا لسانُ قل خيرًا تغنَم واسكْتْ عن شرِّ تسلَمْ من قبل أنْ تندم : أي يا صاحبَ اللسان قل خيرًا تغنَم واسكت عن شرّ تسلَم من قبل أنْ تندم. -قال المؤلف : إني سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يقول " أكثرُ خطايا ابنِ ءادمَ من لسانه " ومن هذه الخطايا الكفرُ والكبائر : فينبغي على الإنسان أنْ يصونَ لسانَه حتى لا يُورِدَه المهالك. -قال المؤلف : وفي حديث ءاخَرَ للرسول صلّى الله عليه وسلّم " إنَّ العبد ليتكلَّمُ بالكلمة ما يَتَبَيَّنُ فيها " : ما يتبيَّنُ فيها " يعني لا يعلمُ لا يدرِكُ ما فيها من الخطر. إنَّ العبد ليتكلَّمُ بالكلمة لا يظُنُّها تَضُرُّه، هذا معناه، لكنْ يعرِفُ معناها، لكنْ لا يعرِفُ ما تؤدي إليه. -قال المؤلف : قال صلّى الله عليه وسلّم " يهوي بها في النار أبعدَ مِمَّا بين المشرق والمغرب " : فيكونُ تَكَلُّمُهُ بهذه الكلمة سببًا لوقوعه في النار أبعدَ مِمَّا بين المشرق والمغرب، وهذا البُعْد تُبَيِّنُهُ روايةٌ أخرى للحديث : يَهوي بها في النار سبعين خريفًا " روايةٌ صحيحة، "يهوي بها في النار سبعين خريفًا " أي سبعين سنة بحيث يصِل إلى قعر جهنم حيث لا يُعَذَّبُ إلا كافر. معناه قد يتكلَّمُ إنسان بكلمة واحدة تُوقِعُهُ في الكفر يَخْلُدُ بها في النار في الآخرة في قعر جهنم. فعلى العاقل أنْ يتفكَّرَ في ذلك وأنْ يَضْبِطَ لسانَه وأنْ يفكِّرَ في الكلمة قبل أنْ يقولَها حتى لا تُهْلِكَه. -قال المؤلف : رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة : والله تبارك أعلم وأحكم.