-الدرس الرابع :
-فائدةٌ مهمة :
-قال المؤلف :حكم مَنْ يأتي بإحدى أنواع هذه الكفريات : يعني الذي يأتي بكفرية من الكفريات من أيّ نوع من الأنواع الثلاثة الكفر الإعتقادي أو الفعليّ أو القوليّ.
-قال المؤلف: هو أنْ تَحْبَطَ أعمالُهُ الصالحة وحسناتُهُ جميعُها : كلُّ ما كان عَمِلَهُ من الأعمال الصالحة خَسِرَ ثوابَها، هذا معناه، هذا المقصودُ من هذا الكلام، كلُّ ما عَمِلَ من الأعمال الصالحة خَسِرَ ثوابَه حتى لو كان قد فَعَلَ حسنةً من الحسنات الجارية فإنه بالردة خَسِرَ هذه الحسنات، لو رَجَعَ إلى الإسلام لا ترجِعُ إليه.
-قال المؤلف : فلا تُحْسَبُ له ذرةٌ من حسنة كان سَبَقَ له أنْ عَمِلَها من صدقة أو حجّ أو صيام أو صلاة ونحوها، إنما تُحْسَبُ له الحسناتُ الجديدة التي يقومُ بها بعد تجديد إيمانه : بعد أنْ يُجَدِّدَ إيمانَه أي بعد أنْ يدخُلَ في الإسلام من جديد ما يعمَلُهُ من الحسنات يكونُ له فيه ثواب.
-قال المؤلف : قال تعالى { ومنْ يكفُرُ بالإيمان فقد حَبِطَ عملُهُ } : وهذا مِمَّا يدلُّ على ما ذكرنا.
-قال المؤلف : وإذا قال أستغفرُ اللهَ قبل أنْ يُجَدّدَ إيمانَه بقولِهِ " أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله " وهو على حالتِهِ هذه فلا يَزيدُهُ قولُهُ " أستغفرُ الله " إلا إثمًا وكفرًا : يعني إذا قال " أستغفرُ الله " وهو ما زال على الكفر، قبل أنْ يرجِعَ إلى الإسلام فإنَّ قولَه " أستغفرُ الله " يزيدُهُ كفرًا ويزيدُهُ إثمًا لأنه بقول " أستغفرُ الله " لا يدخُلُ في الإسلام، لأنَّ دخولَه في الإسلام لا بد له من قول الشهادتين " أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله "، فإذا قال " أستغفرُ الله " وهو ما زال كافرًا هذا لا يَجْعَلُهُ مسلمًا، معناه وهو ما زال على الكفر يقولُ " يا ربِّ اغفر لي ما أنا عليه وأنا على حالي، اغفر لي ذنوبي وأنا على حالي، فيزدادُ إثمًا وكفرًا لأنه يزدادُ بقاءً على الكفر والعياذ بالله تعالى، يمكُثُ أكثر على الكفر ويستغفرُ الله يقول " يا ربِّ اغفر لي وأنا على ذلك " وهذا تكذيبٌ لله، تكذيبٌ لكتاب الله عزّ وجلّ.
-قال المؤلف : لأنه يُكَذِّبُ قولَ الله تعالى { إنَّ الذين كفروا وصدُّوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفارٌ فلنْ يغفِرَ اللهُ لهم } الله تعالى يقول { فلنْ يغفِرَ اللهُ لهم } وهو ويقولُ " اغفر لي " كيف هذا ؟!!!
-وقولَه تعالى { إنَّ الذين كفروا وظَلَموا لم يكنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لهم ولا لِيَهْدِيَهُم طريقًا إلا طريقَ جهنم خالدين فيها أبدًا } : نسألُ الله تعالى أنْ يُعافِيَنا من عذابها، الله تبارك وتعالى بَيَّنَ أنَّ الذين كفروا وظلموا أي وماتوا على الكفر اللهُ تبارك وتعالى لا بد أنْ يُدْخِلَهُمُ النار ولا يغفِرُ لهم، فكيف يقول " يا ربِّ اغفر لي " وهو ما زال على الكفر ؟!! لذلك يزدادُ بهذه الكلمة إثمًا ويزدادُ كفرًا. نعوذُ بالله من ذلك.
-قال المؤلف : روى ابنُ حبانَ عن عِمرانَ بنِ الحصين " أتى رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم رجلٌ فقال " يا محمدُ، عبدُ المطلبِ خيرٌ لقومه منكَ " هذا الرجلُ هو والدُ عمرانَ بنِ الحصين، هو حُصَيْنُ والدُ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْن، جاء إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام ولم يكنْ قد أسلم بعد، فقال يا محمد جدُّكَ كان خيرًا منكَ لقومه.
-قال المؤلف : فقال " كان يُطْعِمُهُم الكبِدَ والسَّنام وأنتَ تنحَرُهم " : كان يُطْعِمُهُم الكَبِد ويُطْعِمُهُم السَّنام، سَنَامَ الجمل، وهذان طعامان فاخران عند العرب. معناه جدُّكَ كان مِضيافًا، كان كريمًا، كان يُطْعِمُ قومَه، أمَّا أنتَ فتقاتِلُ قومَك وتقتُلُهم، يريدُ ما كان يفعلُهُ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم في الجهاد. هذا الرجلُ لأنه كان كافرًا ما دخل الإيمانُ إلى قلبه ما فهِمَ معنى الجهاد، لذلك أنكرَ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول له قريشٌ قومُكَ وأنتَ بدل أنْ تُكْرِمَهم تقتُلُهم، وجدُّكَ كان خيرًا منكَ، كان يُطْعِمُهُم ويُكْرِمُهُم بدل أنْ يقتُلَهم، هكذا قال.
-قال المؤلف : فقال رسولُ الله ما شاء الله : أي أجابَه النبيُّ عليه الصلاة والسلام بما شاء اللهُ له أنْ يُجيبَه به، بما ألهَمَهُ اللهُ تعالى إياه.
-قال المؤلف :-معناه ردَّ عليه-فلمَّا أراد أنْ ينصرِفَ : أي هذا الرجل لـَمَّا أراد أنْ يذهَب.
-قال المؤلف : قال : ما أقول ؟ : يعني عَلِّمْني شيئًا أقولُهُ، مع كفره طَلَبَ من النبيّ عليه الصلاة والسلام أنْ يُعَلِّمَهُ شيئًا يقولُهُ.
-قال المؤلف : قال " قلِ اللهم قِني شرَّ نفسي " يا ربِّ احفَظني من شرِّ نفسي. قِني شرَّ نفسي.
-قال المؤلف : قال " واعزِمْ لي على أرشد أمري " : ووفِّقْني إلى ما فيه الرشْدُ في أموري، إلى ما فيه الخير. وهذا يدلُّ على أنه لا بأسَ أنْ يُعَلَّمَ الكافر الدعاءَ الذي يليقُ به.
-قال المؤلف : فانطلقَ الرجلُ ولم يكنْ أسلَمَ : جاء إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام في السنة التي تلي، ولـَمَّا جاء في المرة الثانية، في هذه السنة التي تَلِي كان قد أسلم، فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا كنتُ قد أتيتُكَ قبلُ فَعَلَّمْتني شيئًا أقولُهُ.
-قال المؤلف : ثم قال لرسول الله " إني أتيتُكَ فقلتُ علِّمني فقلتَ " قلْ اللهم قِني شرَّ نفسي وأعْزِم لي على أرشد أمري " فما أقولُ الآن حين أسلمتُ ؟ : الآن أسلمْتُ، علِّمني ما أقول.
-قال المؤلف : قال " قل اللهمَّ قِني شرَّ نفسي واعْزِم لي على أرشد أمري " : كما عَلَّمَهُ في المرة التي قبلها.
-قال المؤلف : قال" اللهم اغفرْ لي ما أسررتُ " لكنْ لأنه قد أسلم زادَ له النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنْ يدعُوَ بطلبِ المغفرة، الآن بعد أنْ أسلم قال له قل " اللهم اغفر لي " الخ. أمَّا قبل أنْ يُسْلِم ما عَلَّمَه ذلك لأنَّ الله تعالى لا يغفِرُ للكافر وهو على كفره.
-قال المؤلف : قال " اللهم اغفر لي ما أسررتُ وما أعلنتُ " : ما أسررتُ من القبيح وما أعلنتُ من القبيح، ما أسررتُ من المعاصي وما أعلنتُ من المعاصي.
-قال المؤلف : قال " وما عَمَدْتُ وما أخطأتُ ": وما تَعَمَّدْتُ فِعْلَه من المعصية وما أخطأتُ، يعني ما فعلْتُهُ مخطئًا للصواب، ما تَعَمَّدْتُ أنْ أفْعَلَهُ وأنا عالـِمٌ أنه معصية وما فعلْتُهُ وأنا مُخْطِىءٌ للصواب.
-قال المؤلف : قال " وما جَهِلْتُ " : أي وما فَعَلْتُهُ مِمَّا لا يُوافِقُ شرعَ الله تبارك وتعالى، المرادُ هنا " جَهِلْتُ " المأخوذُ من الجَهَالة لا من الجَهْل، ليس معناه ما لم أعلم به، إنما مأخوذٌ من الجهالة وهو فعلُ ما لا ينبغي، فعلُ الشىءِ الذي يُخالِفُ شرعَ الله تبارك وتعالى.
-قال المؤلف : ومن أحكام الردة أنَّ المرتد يَفْسُدُ صيامُهُ وتيمُّمُه : بعد أنْ ذَكَرَ المصنِّفُ يرحمُهُ اللهُ تعالى رحمةً واسعة، بعد أنْ ذَكَرَ أنَّ المرتد يخسَرُ كلَّ حسناته التي كان عَمِلَها قبل الردة، وبعد أنْ ذَكَرَ أنه لا بد له أنْ يرجِعَ إلى الإسلام بالشهادتين، وبعد أنْ ذَكَرَ أنَّ قولَ " أستغفرُ الله " قبل أنْ يرجِعَ إلى الإسلام لا يَنْفَعُهُ شيئًا، بَيَّنَ أشياءَ أخرى تتعلَّقُ بالمرتد. فقال إنَّ المرتد يَفْسُدُ صومُهُ إذا كان الإنسانُ صائمًا ثم كَفَر، كان مسلمًا صائمًا ثم كَفَرَ فَسَدَ صومُهُ، لماذا ؟ لأنَّ الصيام طاعة، والطاعةُ لا تَصِحُّ من الكافر، لا تصحُّ العبادةُ إلا بعد معرفة المعبود. فإذا كَفَرَ الإنسانُ فَسَدَ صومُهُ فورًا.
-قال المؤلف : وتيمُّمُه : وفَسَدَ أيضًا تَيَمُّمُه، إذا كان متيمِّمًا فَسَدَ تيمُّمُه بالردة. أمَّا وضوؤه لا يَفْسُد لأنَّ الكفر ليس حَدَثًا. هو كان محدِثًا توضأ، الآن بالوضوء الحَدَثُ ذَهَبَ عنه، ارتفعَ عنه. إذا كَفَرَ الكفرُ ليس حدثًا، فبالكفر لا ينتقِضُ وضوؤه، يبقى الحدثُ مرتفعًا عنه. فإذا رَجَعَ إلى الإسلام قبل أنْ يُحْدِث، قبل أنْ يخرجَ منه البول أو الغائط أو الريح أو ما شابه، إذا رَجَعَ إلى الإسلام قبل أنْ يُحْدِث يكونُ ما زال متطهِّرًا، ما حَصَلَ له حَدَث. أمَّا التيمُّمُ فليس كذلك لأنَّ التيمُّمَ لا يرفَعُ الحدث، التيمم يُجيزُ له أنْ يُصلِّيَ من غير أنْ يتوضأ، فإذا كَفَرَ ذهبت منه هذه الرخصة. فإذا رَجَعَ إلى الإسلام هو محدِث لا ترجِعُ هذه الرُّخصة إلا بتيمُّمٍ جديد. لذلك الصومُ يَفْسُدُ بالردة، التيمُّمُ يَفْسُدُ بالردة، أمَّا الوضوءُ فلا يَفْسُدُ بالردة.
-قال المؤلف : ونكاحُهُ قبل الدخول : وإذا كان متزوجًا. تزوجَ رجلٌ امرأة وبعدُ ما حَصَلَ الدخولُ، ما نقلَها إلى بيته، ما حَصَلَ الدخول، إذا كَفَرَ هو أو كَفَرَتْ هي، هذا النكاحُ بَطَلَ، صار كالعدم. إذا أرادا الرجوعَ إلى بعضهما، بعد أنْ يرجِعَ الذي كَفَرَ إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين لا بد لهما من عقد جديد.
-قال المؤلف : وكذا بعدَه إنْ لم يرجِع إلى الإسلام في العِدَّة : أمَّا إذا كان مسلمٌ تزوجَ مسلمةً ودخَلَ بها، حَصَلَ الدخول. ثم بعد الدخولِ أحدُهما كَفَرَ، حَصَلَتْ منه ردة، كفَرَ بعد الدخول، في هذه الحال لا نقولُ النكاحُ بَطَلَ إنما ننظر إذا رَجَعَ الذي كَفَرَ منهما إلى الإسلام في خلال العدة، قبل أنْ تنتهِيَ العدة يكونُ العقدُ ما زال باقيًا. أمَّا إذا مَرَّتِ العدة وانْقَضَتْ، انتهت، من غير أنْ يرجِعَ الذي كفَرَ إلى الإسلام بانتهاءِ العدة نعرِفُ أنَّ العقدَ بَطَلَ بينهما. بانتهاء العدة عَرَفنا أنَّ العقدَ منذ كفر، الذي كَفَرَ منهما صار باطلا بينهما. فإذن الإنسانُ إذا كان مسلمًا متزوجًا من مسلمةً ثم كَفَرَ واحدٌ منهما قبل الدخول بَطَلَ العقد. بعد الدخول لا نستعجِلُ بالقول " بَطَلَ العقد " إذا رَجَعَ الذي كَفَرَ منهما إلى الإسلام في خلال العدة العقدُ ما زال. إذا لم يرجِع الذي كَفَرَ منهما إلى الإسلام حتى انقضتِ العدة نقولُ العقدُ بانقضاء العدة نعرِفُ أنَّ العقدَ باطلٌ بينهما. إذا رجَعَ إلى الإسلام بعد ذلك يحتاجان ليرجِعا إلى بعضهما إلى عقد جديد. والمقصود بالعدة هنا عدةُ الطلاق، مثلُ عدة الطلاق. ثلاثةُ أطهار أو بالوضع إذا كانتِ المرأة حاملا أو بمرور ثلاثة أشهر إذا كانت لا تحيض.
-قال المؤلف : ولا يصحُّ عقدُ نكاحِهِ لا على مسلمة ولا كافرة ولو مرتدةً مثلَه : والمرتدُ لا يصحُّ عقدُ نكاحه. الكفار الأصليون إذا تزوجَ الواحدُ منهم من امرأة مثلِهِ يصحُّ نكاحهم، إذا تزوجوا كما هي عادتُهُم في الزِّواج. زِواجُهُم زِواج وزِناهم زنى. أمَّا المرتدُ الذي كَفَرَ بعد أنْ كان مسلمًا فهذا لا يصحُّ عقدُ نكاحه بالمرة، لا على مسلمة ولا على كافرة أصلية ولا على مرتدة مثلِه. هذا لو فَعَلَ كما يفعلُ المسلمون أو فَعَلَ كما يفعلُ الكفار في عقود زواجهم فإنَّ زِواجَه لا يَصِحّ.
-عودٌ إلى تقسيم الكفر لزيادة فائدة : بعد أنْ بَيَّنَ شيخُنا رحمة الله عليه هذه الفوائد رَجَعَ إلى تقسيم الكفر بطريقة أخرى وذلك حتى يزيدَ الأمرَ وضوحًا لشدة أهمية هذا الأمر لأنه كما بيَّنَّا إذا كَفَرَ الإنسانُ بعد الإسلام صار كافرًا، خَسِرَ كلَّ حسناته. إذا مات على ذلك يَخْلُدُ في نار جهنم، لا بد أنْ ينطِقَ بالشهادتين للرجوع إلى الإسلام. هذا ليس أمرًا هيّنًا، ليس أمرًا خفيفًا، هذا أمرٌ عظيمُ الإثم كبيرُ الضرر على الإنسان، هو أعظمُ ذنب يرتكِبُهُ الإنسان. لذلك رَجَعَ إلى تقسيم الكفر بطريقة أخرى حتى يتنبَّه الإنسانُ منه ويَحْذَرَه.
-قال المؤلف : واعلم أنَّ الكفرَ ثلاثةُ أبواب، إمَّا تشبيهٌ أو تكذيبٌ أو تعطيل : التقسيمُ الأول قال إعتقادات أو أفعال أو أقوال. الآن قَسَّمَ تقسيمًا ثانيًا، قال إمَّا تشبيه وإمَّا تكذيب وإمَّا تعطيل. والآن يُبيِّنُ كلَّ بابٍ من هذه الأبواب الثلاثة.
-قال المؤلف : أحدُها التشبيه : أحدُ هذه الأبواب، أحدُ أنواع الكفر التشبيه.
-قال المؤلف : أي تشبيهُ الله بخلقه : معنى ذلك أنْ يَصِفَ الإنسانُ ربَّه بأيّ صفة من صفات المخلوقات، إذا اعتقدَ ذلك بقلبه أو قالَه بلسانه فإنه يكفُرُ بذلك. إذا اعتقدَ بقلبه أنَّ الله يشبه المخلوقات أو قال بلسانه إنَّ الله يشبه المخلوقات أو كَتَبَ بيده إنَّ الله يشبه المخلوقات فإنه يكفُر يصيرُ مرتدًّا، يكونُ كافرًا. وليس شرطًا أنْ يقول هذه الكلمة " الله يشبه المخلوقات " لا، إذا وَصَفَ اللهَ بأية صفة من صفات المخلوقات صار كافرًا. أبو جعفرٍ الطحاويّ رحمه الله تعالى ماذا قال في عقيدته التي هي عقيدةُ أهل السّنة والجماعة ؟ التي قَبِلَها المسلمون في الشرق والغرب ؟ قال " ومَنْ وصف اللهَ بمعنى من معاني البشر " أي بصفة من صفات البشر " فقد كفر ". فكلُّ صفة هي من من صفات المخلوقات لا يجوزُ أنْ يوصَفَ اللهُ تبارك وتعالى بها. هذا هو الطريقُ لنفي التشبيه، هذا هو السبيل لنفي لتشبيه أنْ لا يَنْسُبَ الإنسانُ إلى الله ما هو من صفات المخلوقين، لا اللون ولا الحركة ولا السكون ولا الجسم ولا الصعود ولا النزول ولا القُعُود ولا غيرَ ذلك من صفات المخلوقين.
-قال المؤلف : كَمَنْ يَصِفُهُ بالحدوث أو الفناء : بالحدوث أي الوجود بعد عدم. الفناء كالموت.
-قال المؤلف : أو الجسمِ أو اللون : كذلك لو وَصَفَ إنسانٌ ربَّه بأنه جسم، اعتقد بأنَّ الله له طول وعرض وعُمُق، هذا شَبَّهَهُ بالمخلوقين. أو اعتقد أنَّ الله له لون أبيضَ أو أحمر أو أسود أو أزرق أو غيرَ ذلك من الألوان.
-قال المؤلف : أو الشكل : كأنِ اعتقد أنَّ الله تعالى له شكل له هيئة.
-قال المؤلف : أو الكمية أي مِقدار الحجم : أو له مِقدار، له حجم، أو له وزن. هذا كلُّهُ كفر، الذي يعتقدُ شيئًا من هذا يخرجُ من الإسلام والعياذ بالله إذا كان مسلمًا.
-قال المؤلف : أمَّا ما وَرَدَ في الحديث " إنَّ الله جميلٌ " فليس معناه جميلَ الشكل وإنما معناه جميلُ الصفات أو مُحْسِنٌ : " إنَّ الله جميلٌ " ليس معناه إنَّ الله له شكلٌ جميل، إنما معنى الجميل الـمُجْمِل أي الـمُحْسِن، هذا معنى الجميل إذا أُطْلِقَ على الله " إنَّ الله جميل " أو إنَّ الله حَسَنُ الصفات، هذا معنى الجميل إذا أطلِقَ على الله. إنَّ الله جميلٌ أي متصفٌ بصفات حسنة، أو إنَّ الله جميلٌ أي مُجمِلٌ أي محسِن، هذا معناه في لغة العرب. ليس معنى الجميل هنا جميلَ الشكل، حاشا، هذا لا يليقُ بربِّنا.
-قال المؤلف : ثانيها التكذيبُ : ثاني أقسامِ الكفر التكذيب.
-قال المؤلف : أي تكذيبُ ما وَرَدَ في القرءان الكريم أو ما جاء به الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم على وجه ثابت : أحيانًا قد يعتقدُ الإنسانُ في قلبه الإعتقادَ الصحيح أنَّ الله موجودٌ عالمٌ قادر لا يشبه الموجودات، يستحقُّ العبادة، وأنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُهُ لكنه يُكَذِّبُ اللهَ تعالى، يُكَذِّبُ اللهَ إمَّا بقلبه أو بلسانه أو يُكَذِّبُ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم إمَّا بقلبه أو بلسانه.
-قال المؤلف : وكان مِمَّا عُلِمَ من الدين بالضرورة : كيف يُكَذِّبُ اللهَ ؟ ينكِرُ شيئًا جاء في الدين يعرِفُهُ كلُّ واحد، معلومٌ من الدين بالضرورة، كلُّ مسلم يعرِفُ أنه جاء في الدين، يعني لا يخفى عليه، ليس خافيًا عليه أنَّ هذا من الدين، يعرِف، لأنَّ كلَّ مسلمٍ يعرِفُ ذلك. فإذن إذا فَعَلَ ذلك يكونُ مكذِّبًا لله ومُكَذِّبًا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسيذكُرُ أمثلةً على هذا.
-قال المؤلف : كاعتقادِ فناء الجنةِ والنار : مثلُ الذي يعتقدُ أنَّ الجنة تفنى أو أنَّ النار تفنى. إذا اعتقد إنسانٌ أنَّ الجنة تفنى، يعني أنَّ أهلَ الجنة بعد مدة يتوقفُ نعيمُهُم ويفنَوْن، يَنْعدِمون، يُعدَمون وتُعْدَمُ الجنة، أو يعتقدُ أنَّ أهل النار بعد مدة يتوقفُ عذابُهُم، أو أنهم يُعْدَمون وتُعْدَمُ النار هذا كفر لأنَّ كلَّ مسلم يعلمُ أنَّ الجنة باقية ونعيمَها باقٍ وأنَّ النارَ باقية وعذابُها باق.
-قال المؤلف : أو أنَّ الجنة لذاتٌ غيرُ حسيّة : كذلك إذا اعتقد معتَقِدٌ أنَّ الجنة لذاتٌ غيرُ حسية، ما فيها أكل ما فيها شرب ما فيها أنهار من ماء حقيقي ما فيها أنهار من لبن ما فيها أنهار من عسل ما فيها خمر لا تُضَيِّعُ العقل، ما فيها جماع، كلُّ ذلك، يقول ليس في الجنة. في الجنة فقط لذاتٌ معنوية هذا أيضًا كافر لأنه كَذَّبَ ما يعلمُ كلُّ مسلم أنه من الشرع.
-قال المؤلف : وأنَّ النار ءالامٌ معنوية : كذلك إذا اعتقد إنسانٌ أنَّ النار ءالامٌ معنوية، ليس في النار حريق حقيقي، ليس فيها جلودٌ تحترق، ليس فيها أجسامٌ تحترق، إنما النارُ ءالامٌ معنوية فقط هذا أيضًا كَذَّبَ ما هو معلومٌ من الدين بالضرورة، أي ما يعرِفُهُ كلُّ مسلم أنه من الدين فيكفُرُ بذلك، يكونُ كافرًا.
-قال المؤلف : أو إنكارِ بعثِ الأجساد والأرواح معًا : كذلك إذا اعتقد معتقِدٌ أنَّ الأجساد لا تُبْعَث، في الآخرة لا يعيدُ اللهُ الأجساد ولا يَبْعَثُها، البعثُ فقط للأرواح من غير الأجساد هذا أيضًا كَذَّبَ ما هو معلومٌ من الدين بالضرورة.
-قال المؤلف : أو إنكارِ وجوبِ الصلاة : كذلك لو أنكرَ إنسانٌ كونَ الصلاةِ واجبةً، إنكارُ وجوب الصلاة تكذيبٌ لـِمَا يعرِفُهُ كلُّ مسلمٍ أنه من الشرع. لو أنكرَ صلاةَ الصبح فقط، أو صلاةَ العِشاء فقط أو أيَّ صلاة من الصلوات الخمس، إذا اعتقدَ أو قال إنها ليست واجبة فإنَّ هذا تكذيبٌ لله وتكذيبٌ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومنْ يُكَذِّبُ اللهَ أو يُكَذِّبُ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكونُ مُعَظِّمًا لله ولا يكون مُعَظِّمًا لرسول الله لذلك يكونُ كافرًا.
-قال المؤلف : أو إنكارِ وجوبِ الصلاةِ أو الصيام أو الزكاة، أو اعتقادِ تحريمِ الطلاق : كذلك إذا اعتقد إنسانٌ أنَّ الطلاق حرام لا يجوزُ أنْ يُطَلِّقَ الرجلُ زوجتَه هذا أيضًا تكذيبٌ لـِمَا عُلِمَ من الدين بالضرورة. أو اعتقد أنَّ الطلاق لا يقع إلا بحضور القاضي أو حتى يُقِرَّه القاضي فإنَّ هذا تكذيبٌ لـِمَا يعلمُ كلُّ مسلمٍ أنه من الدين، هذا تكذيبٌ لله وتكذيبٌ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
-قال المؤلف : أو تحليلِ الخمر : كذلك لو اعتقد إنسانٌ أنَّ الخمر يجوزُ شُربُها فإنه يكونُ كافرًا، أو قال ذلك، هذا مكذِّبٌ لله ومكذِّبٌ للرسول. وسَبَقَ أنْ تكلَّمنا في هذا.
-قال المؤلف : وغيرِ ذلك مِمَّا ثَبَتَ بالقطع وظَهَرَ بين المسلمين : ومثلُ هذه الأمثلة أمثلةٌ أخرى. الخلاصة أنَّ كلَّ مَنْ كَذَّبَ، رَدَّ، أنكر شيئًا الجاهلُ والعالمُ من المسلمين يعرِفُ أنه من الدين يُحْكَمُ بكفره، يُحْكَمُ عليه بأنه كافر، وحتى لو لم يتلفَّظ بذلك، إذا أنكر ذلك بقلبه صار كافرًا. لو لم نعرِف نحن أنه يُنْكِرُ بقلبه لكنْ هو عند الله صار كافرًا بهذا الإنكار. وقع في القسم الثاني من الكفر الذي هو التكذيب أي تكذيبُ الله أو تكذيبُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
-قال المؤلف : وهذا بخلاف مَنْ يعتقدُ بوجوب الصلاةِ عليه مثلا لكنه لا يصلّي فإنه يكونُ عاصيًا لا كافرًا كَمَنْ يعتقدُ عدمَ وجوبها عليه : أمَّا مَنِ اعتقد أنَّ الصلاة واجبة لكنه لا يصلّي كَسَلا، أو اعتقد أنَّ الزكاة واجبة لكنه لا يُخْرِجُ الزكاةَ الواجبةَ عليه، لا يَدْفَعُها بُخلا، أو كان يعلمُ أنَّ الحجَّ واجب لكنه لا يريدُ أنْ يَحُجّ فإنَّ هذا لا يُكَفَّر لكنه آثم. إذا تَرَكَ الصلاة عليه إثم كبير، إذا لم يُزَكِّ الزكاةَ الواجبة عليه، عليه إثم كبير، إذا مات ولم يَحُجّ مع وجوب الحجّ عليه، عليه إثمٌ كبيرٌ عند الله تبارك وتعالى، لكنه لا يكفُر لماذا ؟ لأنه لم يُكَذِّبِ الله ولم يُكَذِّب رسولَ الله، ما قال الصلاةُ ليست واجبة، بخلاف الذي يقولُ إنَّ الخمر ليست محرَّمة لكنه لا يشرَبُها فإنه يكفُر، لو كان لا يشربُ الخمر لأنه وقع فيما هو أشدّ من شرب الخمر الذي هو تكذيبُ الله، كَذَّبَ كتابَ الله وتكذيب رسولِ الله، ردَّ كلامَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. كأنه يقول أنا الذي أعلم ورسولُ الله لا يعلم، أنا الذي أعلم وربُّنا لا يعلم، هذا يكونُ كافرًا والعياذ بالله تعالى.
-قال المؤلف : ثالثُها التعطيل : ثالثُ الأبواب، ثالثُ أنواع الكفر التعطيل. فإذن الكفر إمَّا تشبيه وإمَّا تكذيب وإمَّا تعطيل. التعطيل معناه النفي. الردّ، النفي، أنْ ينفِيَ الإنسان. الآن نُبَيِّن.
-قال المؤلف : أي نفيُ وجود الله وهو أشدُّ الكفر : هذا هو، كفرُ التعطيل معناه أنْ يَنْفِيَ وجودَ الله، أنْ يقول إنَّ الله عزّ وجلّ غيرُ موجود، وهذا أشدُّ الكفر. ومِثْلُهُ يَلْتَحِقُ به الذي ينفي أنْ يكونَ اللهُ عالـِمًا مثلا، ينفي صفةً من صفات الله الواجبة له إجماعًا التي يجبُ على كلِّ مسلم أنْ يعرِفَها. مثلا نَفَى أنْ يكونَ اللهُ عالـِمًا، نفى أنْ يكونَ اللهُ تعالى قادرًا، نفى أنْ يكونَ اللهُ تعالى سميعًا بصيرًا متكلِّمًا، هذا يقالُ له أيضًا معطِّل. إمَّا عَطَّلَ الذات أي نفى وجودَ ذات الله أو عَطَّلَ الصفات نفى وجودَ صفاتِ الله تبارك وتعالى. الله يُعيذُنا من مثل ذلك.
-قال المؤلف : وحكمُ مَنْ يشبِّهُ اللهَ تعالى بخلقه التكفيرُ قطعًا : رجعَ المصنِّفُ رحمه الله إلى الكلام عن حكم التشبيه لأنَّ هذا النوعَ من الكفر يقعُ فيه كثيرٌ مِمَّنْ ينتسِبُ إلى الإسلام. يقول " حكمُ مَنْ يشبِهُ اللهَ تعالى بخلقه التكفيرُ قطعًا " الذي يشبهُ اللهَ بخلقه كافرٌ قولا واحدًا. قَطْعًا يعني قولا واحدًا بلا خلاف، بلا خلاف معتَبَر بين علماء الإسلام.
-قال المؤلف : والسبيلُ إلى صرف التشبيه :كيف يَصْرِفُ الإنسانُ عن نفسه التشبيه ؟ إذا جاءتْه خواطِرُ التشبيه إلى قلبه، إذا جاء الشيطانُ فوسوس له أنَّ الله يشبه كذا يشبه كذا، كيف يَصْرِفُ عن نفسه ذلك ؟ كيف يدفعُ عن نفسه ذلك ؟ كيف يَرُدُّ ذلك عن نفسه ؟
-قال المؤلف : والسبيلُ إلى صرف التشبيه اتِّبَاعُ هذه القاعدة القاطعة " مهما تصورت ببالكَ فاللهُ بخلاف ذلك " : هذه قاعدةٌ قاطعة يعني قاعدة قطعًا هي حق. " مهما تصورت ببالك فاللهُ بخلاف ذلك " كلُّ شىء تَتَخَيَّلُهُ بِخَيَالِكَ اللهُ لا يشبِهُهُ، فمهما جاءَكَ الشيطانُ بخاطر من خواطر التشبيه فادْفَعْهُ ورُدَّهُ بهذه القاعدة " مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك " كلُّ شىء تتخَيَّلُهُ بِخَيالِك فاللهُ تبارك وتعالى لا يشبهه.
-قال المؤلف : وهي مجمعٌ عليها عند أهل الحقّ : هذه القاعدة كلُّ أهل السّنة متفقون عليها.
-قال المؤلف : وهي مأخوذةٌ من قوله تعالى { ليس كمثله شىء } : ومن أين أخذوا هذا الكلام ؟ أخذوه من { ليس كمثله شىء } لأنَّ هذا معنى { ليس كمثله شىء }. لأنَّ معنى { ليس كمثله شىء } أي إنَّ الله تبارك وتعالى لا يشبه أيَّ شىء من الأشياء، وما تتخَيَّلُهُ بخيالِكَ مخلوقًا أو ليس مخلوقًا ؟ لا شك أنه مخلوق، إذن اللهُ لا يشبِهُهُ لأنَّ الله لا يشبه شيئًا. إذن " مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك " هذا الكلام هو معنى قولِ الله تعالى { ليس كمثله شىء } أو هذا الكلام يقتضيه قولُ الله تعالى { ليس كمثله شىء } .
-قال المؤلف : وملاحظةُ ما رُوِيَ عن الصِّدّيق ( شعرٌ من البسيط ) " العَجْزُ عن دَرَكِ الإدراكِ إدراكُ/ والبحثُ عن ذاته كفرٌ وإشراكُ " : وأيضًا الطريقةُ لدفع التشبيه إذا جاءَتْكَ خواطرُ التشبيه ووساوِسُ التشبيه، مِمَّا يُعينُ على دفعها تَذَكُّرُ ما نُسِبَ، ما هو مَرْوِيٌّ عن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه " العجزُ عن درك الإدراك إدراكُ " الذي يعتقد أنَّ الله موجود ويُقِرُّ يعترِف يعتقدُ أنه عاجزٌ عن إدراكه، عاجزٌ عن معرفة حقيقته سبحانه فهذا إدراكُ، هذه هي معرفتُنا بالله. لأنَّ معرفَتَنا بالله ليست على سبيل الإحاطة. أنتَ تنظُرُ إلى قِطعةِ الخشب، تعرِفُ طولَها وعرضَها وسَبْكَها ومن أيّ نوع هي وتعرِفُ وزنَها إلى غير ذلك، تعرِفُها معرفةَ إحاطة، وأمَّا معرفتُنا بالله ليست معرفةَ إحاطة. نحن نعرِفُ ما يجبُ لله، أي الصفات التي تجبُ لله عزّ وجلّ وما يستحيلُ، ما لا يليقُ أنْ يوصَفَ اللهُ به، وما يجوزُ أنْ يوصَفَ اللهُ به، هذا الذي نعرِفُهُ. أمَّا حقيقةُ الله لا نعرِفُها وهذا معنى كلامِ أبي بكرٍ الصديق " العجزُ عن درك الإدراك إدراكُ/ والبحثُ عن ذاته كفرٌ وإشراكُ " أمَّا الذي يبحثُ عن ذات الله، يفكِّرُ حتى يتخيَّلَ ذاتَ الله تبارك وتعالى فإنه يقعُ في الشرك والعياذ بالله، لأنَّ كلَّ ما يتخيَّلُهُ مخلوق والخالقُ لا يشبه المخلوق، سبحانه وتعالى. إذا عَبَدَ شيئًا تخيَّلَه بخياله فلم يعبُدِ الله إنما عَبَدَ هذا المتخيَّل، هذا الخَيَال، وهذا الخيالٌ مخلوقٌ وليس خالقًا.
-قال المؤلف : وقولِ بعضِهم " لا يعرِفُ اللهَ على الحقيقة إلا اللهُ تعالى " : معناه لا يعرِفُ اللهَ على الحقيقة أحد، لكنَّ الله تعالى عالمٌ بذاته وصفاته، عالمٌ بحقيقته وحقيقة صفاته. لذلك نحن لا يجوزُ لنا أنْ نُشَبِّهَ اللهَ ولا أنْ نتَخَيَّلَ الله. هذا كلُّهُ مِمَّا يُعينُ على دفعِ التشبيه إذا خَطَرَتْ وساوِسُهُ على قلب إنسان.
-قال المؤلف : ومعرفتُنا نحن بالله تعالى ليست على سبيل الإحاطة : كما شرحنا قبلُ. نحن لا نعرِفُ اللهَ على سبيل الإحاطة، ما أحَطْنا عِلمًا بحقيقته، لا نعرِفُ حقيقةَ الله.
-قال المؤلف : بل بمعرفة ما يجبُ لله تعالى : إنما معرفتُنا بالله بمعرفة ما يجبُ لله من الصفات، الصفاتُ التي يستحقُّها اللهُ تبارك وتعالى، التي هو متصِفٌ بها أزلا وأبدًا، التي لا يُجيزُ العقلُ نفيَها عن الله تبارك وتعالى. معرفَتُنا بهذا، هذا معرفتُنا بالله، وأيضًا بأيْش ؟
-قال المؤلف : كوجوبِ القدمِ له، وتنزيهِهِ عمَّا يستحيلُ عليه تعالى : الأمرُ الثاني بتنزيهِهِ، معرفتُنا بالله بمعرفة ما يجبُ له كأنْ نعلمَ أنَّ الله لا ابتداءَ له، هذا معنى القِدم. وبتنزيهِهِ عمَّا لا يجوزُ عليه يعني بأنْ ننفِيَ عن الله كلَّ صفةٍ لا تليقُ به عزّ وجلّ.
-قال المؤلف : كاستحالة الشريكِ له : مثلُ الشريك لله. نقولُ هذا يستحيل، ننفِيه عن الله.
-قال المؤلف : وما يجوزُ في حقِّه تعالى كَخَلْق شىء وتركِهِ : ونعرِف أنه يجوزُ أنْ يخلُقَ اللهُ في المستقبل أمورًا ويجوزُ أنْ لا يَخْلُقَها، هناك أشياء لا نعرِفُ نحن، ما أخبرنا النبيُّ عليه الصلاة والسلام هل ستحصُلُ في المستقبل أو أنها لا تحصُل، نقول " يجوزُ أنْ يَخْلُقَ اللهُ هذا الشىء ويجوز أنْ لا يَخْلُقَه " هذا هو معرفتُنا بالله، أنْ نعرِفَ ما يجبُ له أي ما هو محكومٌ عقلا بالدليل العقلي أنَّ الله متصفٌ به ولا يجوزُ أنْ لا يتصِفَ بذلك. ومعرفةِ ما يستحيلُ لله أي الذي هو محكومٌ عقلا بأنَّ الله لا يتصفُ به. ومعرفةُ ما يجوزُ في حقّ الله، ما يجوزُ أنْ يفعَلَهُ الله تبارك وتعالى وما يجوزُ أنْ لا يَفْعَلَه كخلقِ شىء أو عدم خَلْقِهِ، هذه معرفتُنا بالله، ليست معرفتُنا بالله معرفةَ إحاطة. عندما نقول " المؤمنُ يعرِفُ ربَّه " هذا الذي نقصِدُه، لا نقصِدُ أنَّ المؤمن يعرِفُ حقيقتَه.
-قال المؤلف : قال الإمامُ الرفاعيُّ رضي الله عنه " غايةُ المعرفة بالله الإيقانُ بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان " : غايةُ معرفتِنا بالله غاية، يقول الإمام أحمد الرفاعي، هذا الإمام الكبيرُ الفقيه الوليّ الذي قَبَّلَ كفَّ النبيّ عليه الصلاة والسلام، أخرج له رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم كفَّه الشريفة من القبر فَقَبَّلَها. هذا الرجلُ الكبير قال " غايةُ المعرفة بالله " أقصى معرفتِنا بالله، ءاخر ما تصِل إليه معرفتُنا بالله " الإيقانُ " الإيمانُ جزمًا "بوجوده تعالى " أنه سبحانه وتعالى موجود " بلا كيف ولا مكان " بلا كيف أي من غير أنْ يتصفَ بأيّة صفة من صفات المخلوقين، " ولا مكان " من غير أنْ يكونَ على شىء ولا في شىء ولا تحت شىء لأنَّ المكانَ هو خَلَقَه ولأنه ليس جسمًا إنما هو موجودٌ أزلا وأبدًا بلا مكان. هذه غايةُ معرفتِنا بالله تبارك وتعالى، أقصى معرِفتِنا بالله تبارك وتعالى. هذا كلُّهُ إذا تذكَّرَه الإنسانُ واستحضَرَ معناه يُعينُهُ على دفع وساوس التشبيه إذا خَطَرَتْ في قلبه.
-فائدة : هذه الفائدة متناسِبة مع ما قبل.
-قال المؤلف : قال الغزاليُّ في إحياء علوم الدين ": " إحياءُ علومِ الدين " كتابٌ من كتب الغزاليّ، ولعلَّه أشهرُ كتبه.
-قال المؤلف : إنه ( أي الله) أزليٌّ ليس لوجوده أول وليس لوجوده ءاخِر : فإذن يقول الغزاليُّ : الله تعالى موجودٌ لا ابتداءَ لوجوده ولا انتهاءَ لوجوده.
-قال المؤلف : وإنه ليس بجوهر يتحيَّزُ : ليس حجمًا، هذا معنى " ليس بجوهر يتحيَّز " أي ليس حجمًا يأخُذُ مِقدارًا من الفراغ كما أننا أحجام نأخُذُ مِقدارًا من الفراغ. إذا حَلَلْتُ أنا في فراغ، إذا حَلَلْتُ أنا في مكان لا يَحُلُّ جسمٌ غيري في هذا المكان، فأنا آخُذُ هذا المقدارَ من الفراغ. الله ليس كذلك، الله ليس حجمًا يَحُلُّ في مكان ويأخُذُ حيِّزًا ويحتلُّ مِقدارًا من الفراغ، لا، لأنه ليس جسمًا، هو خَلَقَ الأجسام كيف يكونُ جسمًا ؟!!
-قال المؤلف : بل يتعالى ويتقدَّسُ عن مناسَبَة الحوادث : مناسبة الحوادث أي مشابهة الحوادث، يعني لا نِسْبَةَ بين الله وبين المخلوقات. يقول الغزاليُّ " اللهُ متعالٍ " مُنَزَّه عن مشابهة المخلوقات.
-قال المؤلف : وإنه ليس بجسم مؤلف من جواهر : ليس بجسم مركَّب من أجزاء كما نحن مركَّبون من أصابع وكفّ وساعِد وعَضُد إلى ءاخره، ورأس ورِجِل وبطن، ليس هكذا. الله ليس شيئًا مركَّبًا من أجزاء، سبحانه.
-قال المؤلف : ولو جاز أنْ يُعتقَدَ أنَّ صانع العالم جسمٌ : لو جاز أنْ يكونَ الله جسمًا، لو كان يصحُّ أنْ يكونَ اللهُ جسمًا لجاز أنْ تكونَ الشمسُ إلهًا، الشمس جسم إذن لماذا لا يجوزُ أنْ تكونَ إلهًا ؟!! لو كان الخالقُ جسمًا، لو كان يصِحُّ أنْ يكونَ الخالقُ جسمًا إذن لجاز أنْ تكونَ الشمسُ إلهًا لأنَّ الشمس جسم، لجاز ذلك، لـَمَا كان هذا مستحيلا لكنه مستحيل، إذن الخالق ليس جسمًا. سبحانه.
-قال المؤلف : ولو جاز أنْ يعتقَدَ أنَّ صانعَ العالم جسمٌ لجاز أنْ تُعتقَدَ الألوهيةُ للشمس والقمر أو لشىء ءاخرَ من أقسام الأجسام : كما قلنا، لو جاز أنْ يعتقدَ الإنسان أنَّ الله جسم لكان يجوز أنْ تُعتَقَدَ الألهيةُ في الشمس، كان يجوزُ أنْ يُعتقَدَ أنْ الشمسَ إله وأنَّ القمر إله وأنَّ فلانًا من الناس إله، كلُّ هذه أجسام، لكنْ هذا لا يجوز.
-قال المؤلف : فإذًا لا يشبهُ شيئًا ولا يُشبِهُهُ شىء : فإذن لا يشبهُ اللهُ شيئًا من أيّ وجه من الوجوه، ولا يشبِهُهُ شىء سبحانه.
-قال المؤلف : بل هو الحيُّ القيوم : هو الحيُّ القيومُ الذي لا نهايةَ له.
-قال المؤلف : الذي ليس كمثله شىء : لا يشبه شيئًا من الأشياء بأيّ وجه من الوجوه لأنه الخالق وغيرُهُ مخلوقون، وكيف يشبهُ الخالقُ مخلوقَه ؟!! لا يشبهُ الإنسانَ ولا يشبه الجِنّ ولا يشبه الهواء ولا يشبه الأرض ولا يشبه النار ولا يشبه السماء ولا يشبه الضوء ولا يشبه الظُّلمة ولا يشبه البحر، سبحانه لا يشبهُ أيَّ شىء من الأشياء بأيّ وجه من الوجوه " مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك ".
-قال المؤلف : وأنَّى يشبه المخلوقُ خالقَه : معناه لا يشبه، كيف يشبه ؟ استبعاد، لا يشبهُ المخلوقُ خالقَه. أنَّى يشبهُ المخلوقُ خالقَه ؟!!
-قال المؤلف : والـمُقَدَّرُ مقدِّرَه : كيف يشبِهُ الشىءُ الذي له مِقدار مَنْ جَعَلَه على هذا المقدار ؟ الذي جعل الشىءَ الذي له مِقدار على هذا المقدار كيف يُشْبِهُهُ ؟ كيف يكونُ هو له مقدار ؟ لو كان هو له مقدار لكان محتاجًا إلى مَنْ جعَلَه على هذا المقدار. إذن الذي خَلَقَ الأشياء لا يشبه مخلوقاتِهِ. والذي قَدَّرَ الأشياءَ لا يشبه مُقَدَّراتِهِ.
-قال المؤلف : والـمُصَوَّرُ مصوِّرَه : وكيف يشبهُ الذي صَوَّرَ الصُّورَ كلَّها، جَعَلَ الصورَ كلَّها على ما هي عليه كيف يشبِهُ صُوَرَه ؟ لو كان له صورة لكان محتاجًا لمنْ صَوَّرَه. كما أنَّ الأشياء التي لها صورة المخلوقة التي لها صورة محتاجةٌ لمنْ جَعَلَها على هذه الصورة. بل هو ليس كمثله شىء سبحانه.
-قال المؤلف : فليس هذا الكلامَ الذي عابَهُ العلماء : مثلُ هذا الكلام، بيانُ أنَّ الله تعالى واحد لا شريك له وأنه متصفٌ بصفات الكمال التي تليقُ به وأنه لا يشبه شيئًا من الأشياء، ليس هذا الكلام الذي عابَهُ بعضُ العلماء، الذي ذَمَّهُ بعضُ العلماء، لا. إنما الكلامُ الذي ذَمَّهُ بعضُ العلماء هو الكلامُ الذي تكلَّمَ به أهلُ البِدَع حتى ينصُرُوا بِدَعهم، هذا الذي ذَمَّهُ بعضُ العلماء.
-قال المؤلف : وإنما عاب السلفُ كلامَ المبتدِعَةِ في الإعتقاد : الذين ابتدعوا في العقائد هؤلاء الذين عابَهُم سَلَفُ الأمّة وعابوا كلامَهم.
-قال المؤلف : كالمشبهةِ والمعتزلة والخوارج وسائرِ الفرق التي شَذَّتْ عمَّا كان عليه الرسولُ والصحابة : نعم، عابوا كلامَ هؤلاء لأنَّ هؤلاء كانوا يتكلَّمون بكلام ينصُرون به بِدَعَهم، هذا الكلامُ الذي عابَهُ سَلَفُ الأمّة، هذا الكلامُ الذي عابَهُ علماءُ الإسلام. ما عابوا الكلامَ الذي يتكلَّمُ به أهلُ السّنة في إيضاح العقيدة الإسلامية وفي ردِّ بِدَعِ أهلِ الضلال. إذْ لو كان هذا الكلامُ عيبًا، لو لكان هذا الكلامُ غيرَ حَسَنٍ، كيف تُبَيَّنُ العقيدة ؟ كيف يُرَدُّ شُبَهُ أهلِ الضلال ؟ ليس هذا، إنما الكلامُ الذي عابَهُ بعضُ العلماء وقالوا هذا من الكلام ولا نريدُ الدخولَ فيه إنما هو كلامُ أهلِ البدع الذي قالوه في نُصرةِ بِدَعِهم، ليس كلامَ أهلِ السّنة في شرح ما جاء في القرءان وما جاء في الحديث من أمور العقائد ولا كلامَ أهلِ السّنة في الدفاع عن عقيدة الإسلام، ليس هذا الكلامَ الذي عابَه أولئك.
-قال المؤلف : الذين افترقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة : يعني أهلُ البدع افترقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة، الناسُ الذين ينتسِبون إلى الإسلام لكنهم خارجون عن عقيدة النبيّ عليه الصلاة والسلام إثنتان وسبعون فرقة، يصِلُ مجمُوعُهُم إلى اثنتين وسبعين فرقة كما بَيَّنَه رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم.
-قال المؤلف :كما أخبر الرسولُ بذلك في حديثه الصحيحِ الثابت الذي رواه ابنُ حبانَ بإسناده إلى أبي هريرة : ابنُ حبان وغيرُه، مِمَّنْ رواه: ابنُ حبان.
-قال المؤلف : قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " افترقتِ اليهودُ إحدى وسبعين فرقة ": اليهود افترقوا إلى إحدى وسبعين فرقة، فرقة كانت على حق وباقي الفرق كانت على الضلال.
-قال المؤلف : قال رسول الله : وافترقتِ النصارى على اثنتين وسبعين فرقة : أيضًا النصارى افترقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة، فرقةٌ من بينِها كانت على حق والبقيةُ على ضلال.
-قال المؤلف : قال رسول الله : وستفترقُ أمّتي إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة كلُّهم في النار إلا واحدة وهي الجماعة " : أخبرَ عليه الصلاة والسلام أنَّ أمَّتَه تفترِقُ إلى ثلاث وسبعين فرقة. الأمم السابقة، افترق اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، النصارى إلى اثنتين وسبعين، هذه الأمَّةُ المحمدية تفترِقُ إلى ثلاث وسبعين فرقة، فرقة من بينها هي الناجية التي اتَّبَعَتْ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابَه في العقائد، وإثنتان وسبعون فرقة هَالكة، كلُّها في النار كما قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام " في النار إلا واحدة وهي الجماعة " ثم عندما سُئِلَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن الجماعة قال " السوادُ الأعظم " في بعض الروايات " السوادُ الأعظم ". هذا الحديث ليس مروِيًّا عن أبي هريرةَ فقط، مَرْوِيّ عن أبي هريرة وغيره من الصحابة. وفي بعض رواياته "السوادَ الأعظم " فَدَلَّتْ هذه الرواية أنَّ الجماعة المقصودة في الحديث هي السوادُ الأعظم يعني أغلبُ مَنْ ينتسِبُ إلى الإسلام. وواقِعُ الحالِ يشهدُ على ذلك، منذ أيام الصحابة إلى أيامنا أغلبُ المنتسِبين إلى الإسلام محافظون على عقيدة واحدة، لا يشبِّهون اللهَ بخلقه، يعتقِدون بنبوة محمدٍ عليه الصلاة والسلام وحقِّيَّةِ ما جاء به، يعتقدون أنَّ الله متصفٌ بصفات الكمال، يعتقدون أنَّ كلَّ شىء يحصُلُ بمشيئة الله، يعتقدون أنَّ الله خالقُ كلِّ شىء، يعتقدون أنّ الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئًا، كلُّهم على عقيدة واحدة اجتمعوا عليها. ومَنْ خالَفَهم في هذه العقيدة فهو لاحِقٌ بإحدى هذه الفرق الإثنتين والسبعين. نسألُ اللهَ أنْ يُعافِيَنا من مثل هذه المخالفة.
-قال المؤلف : " كلُّهم في النار إلا واحدة وهي الجماعة " أي السوادُ الأعظم. وأمَّا علمُ الكلام الذي يشتغِلُ به أهل السّنة من الأشاعرة والماتريدية فقد عُمِلَ به من قَبْلِ الأشعريّ والماتريديّ كأبي حنيفةَ فإنَّ له خمسَ رسائلَ في ذلك، والإمامُ الشافعيُّ كان يُتْقِنَه حتى إنه قال " أتْقنَّا ذاك قبل هذا " أي أتقنَّا علمَ الكلام قبل الفقه : كما قلنا، أمَّا علمُ الكلام الذي يشتغِلُ به أهلُ السّنة يُبَيِّنون به العقيدةَ الصحيحة فهذا ممدوح ليس مذمومًا. والآن أهلُ السّنة فرقتان في العقائد. في الفروع في فروع الفقه منهم شافعية، منهم حنفية، منهم مالكية، منهم حنابلة، أمَّا في أصول العقائد فهم فِرقتان وفي الحقيقة هي فرقة واحدة لأنَّ الإختلاف فيما بينهم خفيف في بعض الفروع، أمَّا أصولُ مسائل العقائد واحدة. وهذه الفرقةُ هي الأشاعرةُ والماتريدية، الأشاعرة الذين يرجِعون في كلامهم وطريقة كلامهم إلى ما كان قرَّرَه الإمامُ أبو الحسنِ الأشعري، والماتريدية الذين يرجِعون في طريقة كلامهم إلى ما كان قرره الإمامُ أبو منصورٍ الماتريدي. والأشعريُّ والماتريديُّ إنما أخذا ما قالَه النبيُّ عليه الصلاة والسلام وأصحابُهُ فَسَبَكاه بعباراتهم، رتَّباه على ترتيب رَأيَاهُ. بعضُ الناس تَتَلْمَذوا عند الأشعري فصاروا هم ومَنْ جاء بعدهم وتعلَّمَ عندهم يقال لهم أشاعرة، وبعض الناس تتلمَذوا عند الماتريدي ونشروا العلمَ في الأرض فصاروا هم ومَنْ بعدهم يقال لهم ماتريدية. الأشاعرةُ والماتريديةُ إخوان على عقيدة واحدة، الأشعري والماتريدي أخذا ما كان عليه النبيُّ عليه الصلاة والسلام والصحابةُ فَبَيَّناهُ للناس. الأشعريُّ والماتريدي تَبِعَا مَنْ كان قبلَهم من أئمة الإسلام، يعني الكلام الذي قاله الأشعريّ والكلامُ الذي قاله الماتريدي قبلَهما قالَه الشافعيُّ، وقد ألَّفَ في هذا العلم الذي ألَّفَا فيه، قبلَه قاله الإمامُ أبو حنيفة وقد ألَّفَ في هذا العلم الذي ألَّفَا فيه. قبل أبي حنيفة قالَه عمرُ بنُ عبد العزيز وألَّفَ في هذا العلم، ومِثْلُهُ من التابعين غيرُهُ، وقبلَهم قالَه الصحابة. فإذن هذا العلم هو علمُ أهل السّنة مأخوذٌ من الصحابة الذين أخذوه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أخذه عنهم التابعون، أخذه عنهم أتباعُ التابعين، أخذه عنهم الإمامان الكبيران الأشعريُّ والماتريدي، ثم هؤلاء نَشَرا هذا العلم بين المسلمين. فتلامذةُ الأول يقال لهم أشاعرة والذين مَشَوْا على منهج الثاني وتَتَلْمَذوا له يقال لهم الماتريدية، وعقيدتُهم واحدة ومرجِعُهُم واحد ما كان عليه رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم وما كان عليه أصحابُهُ وإنِ اختلفت طُرُقُ تعبيراتهم أحيانًا.