الصراط المستقيم – الدرس 5

-الدرس الخامس : الحلقة السادسة -الوقايةُ من النار : إذا كان الكفرُ ذلك الذنبَ العظيم كما شرحنا وإذا كان الكفرُ يوجِبُ الخلودَ الأبديّ في النار، كيف يَقي الإنسانُ نفسَه من النار ؟ -قال المؤلف : قال الله تعالى { يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسَكم وأهليكم نارًا } : يا أيها الذين ءامنوا تجنَّبوا أنْ تدخلوا نارَ جهنم وجنِّبوا أهلَكم أنْ يدخلوا هذه النار. -قال المؤلف : قال الله تعالى { وقودُها الناسُ والحجارة } هذه النار لا تُوقَدُ بالحطب، هذه تُوقَدُ من شدتها توقَدُ بالناس، تُوقَدُ بالحجارة. -قال المؤلف : قال الله تعالى { عليها ملائكةٌ غِلاظٌ شداد } القائمون على هذه النار الموظفون في هذه النار ملائكة غِلاظٌ شِداد أقوياء. -قال المؤلف : قال الله تعالى { لا يعصون اللهَ ما أمرهم } كلُّ شىء أمَرَهُمُ اللهُ به يفعلونَه. -قال المؤلف : قال الله تعالى { ويفعلون ما يؤمرون } وجاء في تفسير الآية أنَّ الله يأمُرُ المؤمنين أنْ يقُوا أنفسَهم وأهلَهم النارَ التي وقودُها الناسُ والحجارة بتعلُّمِ الأمور الدينية، وتعليمِ أهليهم ذلك : { يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسَكم وأهليكم نارًا } كيف يقي الإنسانُ نفسَه ويقي أهلَه نارَ جهنم ؟ سيدُنا عليٌّ رضي الله عنه فَسَّرَ هذه الآية قال " عَلِّموا أنفسَكم وأهليكم الخير " هكذا يقي الإنسان نفسَه وأهلَه نارَ جهنم لأنَّ الذي لا يعلمُ الخيرَ كيف يفعَلُهُ ؟ الذي لا يُفَرِّق بين الخير والشر كيف يفعلُ الخير ويجتنبُ الشر ؟ والتفريقُ بين الخير والشر هل هو بالرأي ؟ الإنسان ينام يرى في المنام أنَّ هذا خير وهذا شر فَيَجْزِمُ بذلك ؟ الإنسان يقعُد هيك يتأمَّل ثم يقول من تلقاء نفسه برأيه هذا خير وهذا شر فيكونُ الأمرُ كذلك ؟ لا، التفرقةُ بين الخير والشر تكون باتباع ما جاء به نبيُّ الله صلّى الله عليه وسلّم. وإذا لم يتعلَّمِ الإنسان كيف يعرِفُ ما جاء به نبيُّ الله عليه الصلاة والسلام ؟ لذلك على الإنسان أنْ يتعلَّمَ ما افترض اللهُ عليه من علوم الدين حتى يُفَرِّقَ بين الخير والشر فَيَفْعَلَ الخير ويجتنبَ الشر. بهذا يُقي نفسَه نارَ جهنم ويُعلِّمُ أهلَه ذلك حتى يعرِفوا فيفعَلوا الخير ويترُكوا الشر، بهذا يقي أهلَه ذلك. أمَّا منْ أهمل، بهذا يقي أهلَه نارَ جهنم. أمَّا مَنْ أهمل تعلُّمَ علمِ الدين وأهمل تعليمَ أهلِهِ علمَ الدين، لا علَّمَهم بنفسه ولا أتى لهم بمنْ يُعلِّمُهُم ولا أخَذَهم إلى مَنْ يعلِّمُهُم فهذا رمى نفسَه وأهلَه في نار جهنم. نسألُ اللهَ أنْ يُعافِيَنا من ذلك. -قال المؤلف : أي معرفةِ ما فَرَضَ اللهُ فِعْلَهُ أو اجتنابَه أي الواجباتِ والمحرَّمات وذلك كي لا يقعَ في التشبيه والتمثيل والكفر والضلال : وهذا رأسُ المحرَّمات، حتى لا يقعَ في المحرَّمات ومنها التشبيه، تشبيهُ الله بخلقه، ومنها التمثيل بمعنى التشبيه ومنها غيرُ ذلك مِمَّا ذَكَرْنَا من أنواع الكفر والضلال. -قال المؤلف : ذلك لأنه مَنْ يُشَبِّهُ اللهَ تعالى بشىء ما لم تَصِحَّ عبادَتُهُ : لأنَّ مَنْ شبه الله تعالى بشىء من الأشياء لا تصحُّ عبادتُهُ كما يفعل بعضُ المنتسبين إلى الإسلام في أيامنا، ما تعلَّموا علمَ الدين بسبب خُلطتهم مع غير المسلمين يأخُذُون منهم أشياء من عقائدهم فيعتقدون مثلا أنَّ الله قاعدٌ في السماء أو أنَّ الله قاعدٌ على العرش فيجعلون اللهَ جسمًا يشبه الأجسام، شيئًا يشبه المخلوقين، هؤلاء ما صَحَّتْ عبادتُهُم، ما صَحَّ إسلامُهُم، مَنْ شَبَّهَ اللهَ بخلقه ما عَرَفَ الله، إذا ماتوا على ذلك يخلُدُون في نار جهنم. ولو تعلَّموا العلمَ الذي أوجَبَ اللهُ عليهم تعلُّمَهُ لعرَفوا ولفرَّقوا بين الكفر والإيمان وبين الحق والباطل. الإنسانُ الذي يتعلَّمُ ما فرض اللهُ عليه من علم الدين، حتى لو وقع في المعصية ترجو له أنْ يتوب لأنه يعرِف أنَّ ما وقَعَ فيه معصية فترجو له أنْ يُفيقَ يومًا وأنْ يتوب. وأمَّا الذي لا يعرِفُ أنَّ ما يَفْعَلُه معصية ويظنُّ أنَّ ما يفعلُهُ هو الصوابُ والصحيح كيف ترجو له أنْ يتوب ؟ لذلك من أهم المهم أنْ يتعلَّم الإنسان ما فَرَضَ اللهُ عليه تعلُّمَه من علم الدين حتى يحفَظَ عقيدتَه، حتى تكونَ عقيدتُهُ صحيحة، حتى يَضْمَنَ صِحَّةَ عقيدتِهِ ويَضْمَنَ صحةَ ما يفعلُ من الأعمال الصالحة. -قال المؤلف : لأنه يعبُدُ شيئًا تَخَيَّلَه وتَوَهَّمَهُ في مخيِّلَتِهِ وأوهامه : أي الذي يشبِّهُ اللهَ بخلقه لا يعبُدُ الله، يعبُدُ ما تخيَّلَه. -قال المؤلف : قال أبو حامدٍ الغزاليّ " لا تصحُّ العبادةُ إلا بعد معرفة المعبود " : لذلك لا يكونُ مسلمًا لأنه كما قال الغزاليُّ العبادةُ لا تصح إلا بعد معرفة المعبود، وأمَّا منْ لم يعرِفِ الله فشَبَّهَهُ بالمخلوقين وعَبَدَ هذا الشىءَ الذي تخيَّلَه فإنه لا يكونُ عابدًا لله، إنما يكونُ عابدًا لمخلوق من المخلوقين، مِثْلُ هذا كيف يكونُ مسلمًا ؟ -ما جاء في بدء الخلق : هذا ما جاء في بَدء الخلق توطِئةٌ وتهيأةٌ حتى يَذْكُرَ المؤلفُ رحمة الله عليه أمورًا تتعلقُ بالعقيدة، لكنه وطَّأ لها، مَهَّدَ لها بهذا الذي جاء في بَدء الخلق. والآن يظهر إنْ شاء الله. -قال المؤلف : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندما سُئِلَ عن بِدء الأمر : عندما سُئِلَ عن أول خلق الله، جاءَه وفدٌ من اليمن، قالوا : يا رسول الله جئناكَ لِنَتَفَقَّه في الدين " حتى نَتَعَلَّمَ دينَ الله، " أخْبِرْنا عن بدء هذا الأمر ما كان " أخبرِنا أولُ شىء خَلَقَهُ الله تعالى ما هو ؟ -قال المؤلف : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " كان الله ولم يكنْ شىءٌ غيرُهُ " أجابَهم عليه الصلاة والسلام " كان الله ولم يكنْ شىءٌ غيرُهُ " قبل أنْ يُجيبَهم عن سؤالهم بدأ بما هو أوْلى وأهمّ، فأخبرهم أنَّ الله تعالى موجودٌ أزليٌّ لا ابتداءَ له وأنه الموجودُ الأزليُّ بغير شريك، يعني لا شىء ولا أحدَ غيرُ الله عزّ وجل لا ابتداءَ لوجوده. الله وحده هو الذي لا ابتداءَ لوجوده، " كان الله ولم يكنْ شىءٌ غيرُهُ ". "كان" هذه تدلُّ على الأزلية، معناه اللهُ موجودٌ في الأزل ولا موجودَ أزليٌّ إلا اللهُ تبارك وتعالى، هذا معناه، ما كان شىءٌ غيرُهُ، لا أرض ولا سماء ولا عرش ولا كرسي ولا مكان ولا زمان، " كان الله ولم يكنْ شىءٌ غيرُهُ " بدأ بما هو أهم، بيَّنَ لهم أمور العقيدة. -قال المؤلف : قال رسول الله " وكان عرشُهُ على الماء " ثم أجابَهم بعد ذلك عن سؤالهم فقال " وكان عرشُهُ على الماء " أي حَدَثَ عرشُهُ على الماء، وُجِدَ عرشُهُ على الماء، وُجِدَ بعد عدم، بعد أنْ كان معدومًا. فدلَّ هذا، هذا فيه إشارة إلى أنَّ أولَ المخلوقات هو الماء ثم العرشُ خُلِقَ فوقَه. " وكان عرشُهُ على الماء " أي حَدَثَ عرشُ الله على الماء. الآن تحتَ العرش يوجدُ ماءٌ، ذلك الماء الذي هو أولُ خلقِ الله موجود، إلى الآن موجود، خَلَقَ اللهُ تعالى منه العرش وجَعَلَه فوقه. -قال المؤلف : قال رسول الله "وَكَتَبَ في الذِّكْرِ كلَّ شىء " : بعد ذلك خَلَقَ اللهُ القلمَ الأعلى، ثم بعد ذلك خَلَقَ اللهُ اللوحَ المحفوظ وأجرى بقدرته القلمَ على اللوح فكتب كلَّ ما يحصُلُ إلى يوم القيامة. هذا المقصودُ بقوله " كلَّ شىء "، " وكَتَبَ في الذِّكْرِ " أي في اللوح المحفوظ، " كلَّ شىء " كلَّ ما يحصُلُ إلى يوم القيامة. -قال المؤلف : قال رسول الله " ثم خَلَقَ السمواتِ والأرض " : ثم بعد ذلك، " ثم " هذه تدلُّ على مرور مدة. ثم بعد خمسين ألف سنة خَلَقَ اللهُ السمواتِ والأرض. -قال المؤلف : رواه البخاري : أي وغيرُهُ. -قال المؤلف : أجاب الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم على هذا السؤال بأنَّ الله لا بداية لوجوده أي أزليٌّ ولا أزليَّ سواه : هذا معنى الأزليُّ إذا أُطْلِقَ على الله أي الذي لا بدايةَ لوجوده. -قال المؤلف : وبعبارة أخرى ففي الأزل لم يكنْ إلا اللهُ تعالى : الله تعالى وحده الذي لا بداية لوجوده وكلُّ ما سواه لوجوده بداية، اللهُ هو الذي أوجَدَها. -قال المؤلف : والله تعالى خالقُ كلِّ شىء أي مخرِجُهُ من العدم إلى الوجود : الذي أخرج كلَّ شىء من العدم إلى الوجود هو الله تبارك وتعالى، اللهُ أزليّ لم يكنْ معدومًا، لم يَمُرَّ عليه عدم، موجودٌ بلا ابتداء. أمَّا غيرُ الله فكلُّه مخلوق، كلُّهُ لم يكنْ موجودًا ثم وُجِد، كلُّه خَلَقَهُ اللهُ تبارك وتعالى. الأجسام الأجرام الأحجام، والمعاني صفاتُ الأجرام صفاتُ الأحجام، الأعمالُ التي يعمَلُها الإنسانُ والحيوانُ وغيرُهُ، الأحجام وصفاتُها، الأجسامُ وصفاتُها، كلُّها مخلوقةٌ لله تعالى، لم يَخْلُقْها أحدٌ غيرُ الله. -قال المؤلف : ومعنى خَلَقَ كلَّ شىء أنه أخرج جميعَ الموجودات من العدم إلى الوجود : هكذا. -قال المؤلف : والله تعالى حيٌّ لا يموت : كما أنَّ الله لا ابتداءَ له فهو لا انتهاءَ له، هو حيٌّ لا يموتُ سبحانه. -قال المؤلف : لأنه لا نهايةَ لوجوده أي أبديّ، فلا يطرأُ عليه العدمُ : لا يجوزُ أنْ يُعْدَم. -قال المؤلف : إذْ لو وُجِدَ بعد عدم لاستحال عليه القِدَمُ ( أي الأزليةُ ) : لأنَّ الذي يجوزُ عليه عقلا أنْ يُعْدَم يكونُ له بداية، يحتاجُ إلى خالق خَلَقَه. لأنَّ الذي من حيث ذاتُهُ، الشىءُ الذي من حيث ذاتُهُ يجوزُ عليه حالٌ ويجوزُ عليه في وقت ءاخر حالٌ أخرى غيرُ الحال الأولى فإنَّ مثلَ هذا الشىء لا بد أنْ يكونَ مخلوقًا. ليش ؟ لأنَّ هذه الحال غيرُ الحالِ الثانية. إذن من حيث ذاتُهُ، بالنظرِ إلى ذاتِ هذا الشىء، لأنَّ هذا الشىء هو ما عليه، هذا لا يقتضي أنْ يتصِفَ بهذه الحال دون هذه الحال، ولا بهذه الحال دون هذه الحال، لأنه لو كان يقتضي أنْ يتصِفَ بهذه دون هذه لـَمَا جاز اتصافُهُ بالثانية، ولو كان يقتضي أنْ يتصِفَ بالثانية لـَمَا جاز اتصافُهُ بالأولى. لـَمَّا جاز عليه هذه وهذه واتصافُهُ بهذه ليس لذاته، واتصافُهُ بهذه ليس لذاته، إذن لا بد أنَّ غيرَه خَصَّهُ بهذه الحال إذا اتصف بها أو بهذه الحال إذا اتصفَ بها. ومَنْ كان كذلك لا يكونُ إلا مخلوقًا، يعني بعبارة أخرى، الباب يجوزُ أنْ يكونَ مُطْبَقًا في العقل ويجوزُ أنْ يكونَ مفتوحًا. من حيث إنه باب هذا لا يقتضي كونُهُ بابًا لا يقتضي أنْ يكون مغلَقًا، لأنه لو كان كونُهُ بابًا، لأنو باب لا بد أنْ يكونَ مغلَقًا لما جاز أنْ يكون مفتوحًا، ولو كان كونُهُ بابًا يقتضي أنْ يكونَ مفتوحًا لأنه باب. لو كان لأنه باب لا بد أنْ يكونَ مفتوحًا لكان لا يجوزُ أنْ يكونَ مطبقًا. لكنه يجوزُ أنْ يكونَ مطبَقًا ويجوزُ أنْ يكونَ مفتوحًا، فإذن كونُهُ مُطبَقًا ليس صفةً اقتضاها ذاتُهُ لأنَّ لو كان ذاتُهُ يقتضي كونَه مطبوقًا لكان مطبوقًا طولَ الوقت ولم يَجُزْ أنْ يكونَ مفتوحًا. وكونُهُ مفتوحًا ليس صفةً اقتضاها ذاتُهُ، إذن من حيث ذاتُهُ لا يقتضي أنْ يكونَ مفتوحًا ولا مطبَقًا. إذن إذا كان مفتوحًا هذه صفة خَصَّها بها غيرُهُ، وإذا كان مغلَقًا هذه صفةٌ خَصَّها بها غيرُهُ، ولا بد أنْ يكونَ مفتوحًا أو مغلَقًا. إذا كانتِ الصفة حادثة الموصوفُ لا بد أنْ يكونَ حادثًا، إذن لا بد أنْ يكونَ هذا الباب مخلوقًا خَلَقَه غيرُهُ وخَصَّه بهذه الصفة. إذن، وهذا الخالقُ لا يجوزُ أنْ يكونَ مشابًها للمخلوق، لأنه لو كان مشابهًا للمخلوق لكان مثلَه محتاجًا، إذن لا بد أنْ يكونَ أزليًّا لا ابتداءَ له لا يشبه المخلوقات وهو الله تبارك وتعالى. فهذا يدلُّ من حيث العقل على أنَّ الله تعالى هو خالقُ المخلوقات وأنَّ ما يجوزُ عليه العدم لا بد أنْ يكونَ مخلوقًا ولا يكونُ بلا ابتداء، لأنه إذا جاز عليه الوجود وجاز عليه العدم إذن من حيث ذاتُهُ لا يكونُ وجودُهُ مترجِّحًا على عدمه ولا يكونُ عدمُهُ مترجِّحًا على وجوده، فإذا وُجِدَ بعد عدم هناك مَنْ خَصَّه بالوجود وإذا عُدِمَ بعد وجود هناك مَنْ خَصَّهُ بالعدم إذن يكونُ مخلوقًا. زيادةُ بَيَان، كفَّتا الميزان لا ترجَحُ إحداهما على الأخرى إلا بِـمُرَجِّحٍ، لو كان شىءٌ من الأشياء يجوزُ عليه الوجودُ والعدم من حيث هو، لأنَّه هو من حيث ذاتُهُ، لأنَّه هو ما عليه يجوزُ أنْ يوجَد وأنْ يُعْدَم. هذان مثلَ كفَّتيْ ميزان متعادلتين، لا تَرْجَحُ إحداهُما إلا بمرجِّح، وكذلك الذي من حيث ذاتُهُ يجوزُ عليه الوجود ويجوزُ عليه العدم، لا يوجَد بعد عدم إلا بمرجِّح رجَّحَ وجودَه ولا يُعْدَمُ بعد وجود إلا بمرجِّح رَجَّحَ عدمَه وهذا المرجِّحُ لا بد أنْ يكونَ غيرَ مشابِهٍ له ولا بدايةَ لوجوده وهو الله تبارك وتعالى. فإذن لو كان الله يجوزُ عليه العدم لكان مخلوقًا يحتاجُ إلى مَنْ خَصَّهُ بالعدم بعد الوجود ولم يكنْ خالقًا ولا إلهًا وهذا مستحيل. إذن الله لا ابتداءَ له ولا يجوزُ عليه العدم، سبحانه. -قال المؤلف : وحكمُ منْ يقول " الله خَلَقَ الله فمنْ خَلَقَ الله " التكفيرُ قطعًا : قولا واحدًا لأنَّه يقول " مَنْ خَلَقَ الله " جَعَلَ اللهَ موجودًا بعد عدم. -قال المؤلف : لأنه نَسَبَ إلى الله تعالى العدمَ قبل الوجود، ولا يُقالُ ذلك إلا في الحوادث أي المخلوقات : هذا يقالُ عن المخلوق لا يقالُ عن الخالق. -قال المؤلف : فالله تعالى واجبُ الوجود (أي لا يُتَصَوَّرُ في العقل عدمُهُ ) فليس وجودُهُ كوجودنا الحادث لأنَّ وجودنَا بإيجاده تعالى : وجودُ الله ليس كوجودنا، نحن وجودُنا بعد عدم، هو أوجَدَنا. -قول المؤلف : وكلُّ ما سوى الله جائزُ الوجود ( أي يمكنُ عقلا وجودُهُ بعد عدم وإعدامُهُ بعد وجوده ) بالنظر لذاته في حكم العقل : هكذا، فلذلك وجودُ الله لا يشبهُ وجودَنا. وجودُنا له بداية وله نهاية، نحن نحيا بعد أنْ لم نكنْ شيئًا ثم اللهُ يُميتُنا ثم بعد ذلك يُحْيينا، هذا بتخصيص الله تبارك وتعالى لأننا مخلوقون. أمَّا وجودُ الله ليس كوجودنا، وجودُهُ بلا بداية وبلا نهاية وبلا تغيُّر سبحانه. -قال المؤلف : واعلم أنَّ أقسامَ الموجود ثلاثة، الأولُ أزليٌّ أبديٌّ وهو اللهُ تعالى فقط : الموجودات تنقسمُ إلى ثلاثة أقسام، الأول أزليٌّ أبديّ وهو الله وصفاته. الله تبارك وتعالى أزليٌّ لا ابتداء له، أبديٌّ لا انتهاء له، وصفاتُهُ لا بداية لها ولا نهاية لها. ولا يوجدُ موجودٌ غيرُ الله أزليٌّ لا ابتداء له، لا يوجد. مَنِ ادعى ذلك فقد جعل لله شريكًا في الأزلية وهذا ضلال، جعل شيئًا غيرُ الله لم يخلُقْهُ الله وهذا ضلال لأنَّ الله خالقُ كلِّ شىء. إذن لا أزليَّ إلا اللهُ وحده. -قال المؤلف : الأولُ أزليٌّ أبديٌّ وهو اللهُ تعالى فقط أي لا بداية ولا نهاية لوجوده. وحكمُ مَنْ يقولُ إنَّ هناك شيئًا أزليًّا سوى الله التكفيرُ قطعًا : الذي يدَّعي أنَّ هناك شيئًا لا بداية لوجوده غيرُ الله كافرٌ قطعًا، قولا واحدًا. -قال المؤلف : ولذلك كفرتِ الفلاسفة باعتقادهم السفيه أنَّ العالم قديمٌ أزليٌّ : كما سَبَقَ أنْ شرحنا. الفلاسفة كفروا، من جملة كفرهم اعتقادُهم إنَّ العالم لا ابتداء له، ليس اللهُ خالقَه. -قال المؤلف : لأنَّ الأزلية لا تصِحُّ إلا لله تعالى فقط : كما قال ربُّنا { هو الأولُ } معناه لا أولَ سواه، الأول أي الأوليةَ المطلَقة..، هو الأول معناه لا أولَ سواه، لا يُشارِكُهُ أحدٌ في الأزلية. -قال المؤلف : والثاني أبديٌّ لا أزليٌّ : الثاني من الموجودات ما ليس لوجوده نهاية لكنْ لوجوده بداية، له بداية لكنْ لا نهاية لوجوده. -قال المؤلف : أي أنَّ له بدايةً ولا نهايةَ له وهو الجنةُ والنار : هذا مِثال، الجنةُ والنار مِثال وإلا فيوجدُ غيرُهما، يوجدُ غيرُ الجنة والنار مِمَّا له بداية وليس له نهاية مثلُ الروح. الروحُ خَلَقَها الله ثم لا تفنى إلى ما لا نهاية له. نعم بعض الأرواح يكونُ في الجنة إلى ما لا نهاية له، وبعض الأرواح يكونُ في النار. يكون في الجنة أي مع الجسم ويكونُ في النار أي مع الجسم إلى ما لا نهاية له لكنْ له بداية. فإذن من الموجود ما له بداية وليس له نهاية وذلك كالجنة والنار. -قال المؤلف : فهما مخلوقتان أي لهما بداية إلا أنه لا نهايةَ لهما أي أبديتان : باقيتان بلا انتهاء. -قال المؤلف : فلا يطرأ عليهما خرابٌ أو فَناءٌ لمشيئة الله بقاءَهما : لأنَّ الله تعالى شاء أنْ يَبْقَيَا، فبقاؤهما ليس كبقاء الله. لا يقال الجنة باقية والله باق إذن الجنةُ تشبه الله أو الله يشبه الجنة، حاشا. اللفظُ واحد، هذا اتفاقٌ في اللفظ لكنَّ المعنى ليس واحدًا، الله باق بذاته، أمَّا الجنةُ باقيةٌ بإبقاء الله لها. الله تبارك وتعالى باقٍ بلا زمان، بقاؤه ليس معناه مرورُ الزمان عليه، أمَّا الجنةُ بقاؤها معناه أنَّ يمُرُّ عليها زمان بعد زمان بعد زمان إلى ما لا نهاية لها، فبقاءُ الجنة ليس كبقاءِ الله. اللفظ واحد لكنَّ المعنى ليس واحدًا. تقريبُ ذلك أنكَ تقول " المولى يُطلَقُ على العبد وأيضًا " المولى " يُطْلَقُ على مالكه سيّده. فإذا اللفظ واحد لكنَّ المعنى ليس واحدًا. واللفظُ واحد، نقول " الله باق " ونقول " الجنة باقية " لكنْ بقاءُ الجنة ليس كبقاءِ الله، الله تبارك وتعالى بقاؤه ذاتيٌّ أمَّا الجنة بقاؤها بإبقاء الله لها بمرور زمان بعد زمان بعد زمان عليها إلى ما لا نهاية لها. -قال المؤلف : أمَّا من حيث ذاتُهُما فيجوزُ عليهما الفناءُ عقلا : ولولا أنَّ الله تعالى شاء البقاء للجنة والنار لكانتا فَنِيَتا لأنهما من حيث ذاتُهُما يجوزُ عليهما الوجود ويجوزُ عليهما العدم، لكن الله شاء أنْ يَبْقَيَا إلى ما لا نهاية له فَيَبْقَيَان. -قال المؤلف : والثالثُ لا أزليٌّ ولا أبديٌّ : الموجودُ الثالث لا هو أزليّ أي له بداية ولا هو أبديّ أي له نهاية أيضًا. -قال المؤلف : أي أنَّ له بدايةً وله نهاية وهو كلُّ ما في هذه الدنيا من السموات السبع والأرض، فلا بد من فنائهما وفناء ما فيهما من إنس وجن وملائكة : هذا كلُّه مِمَّا له بداية وله نهاية. فإذن خُلاصةُ الأمر أنَّ الموجودَ ثلاثة : موجودٌ لا بداية له ولا نهاية له وهو الله تعالى. موجودٌ له بداية لكنْ ليس له نهاية كالجنة والنار. موجودٌ له بداية وله نهاية كالإنس والجن والملائكة وأشياءَ كثيرة أخرى. -قال المؤلف : واعلم أنه جرتْ عادةُ العلماء على ذِكْرِ أنَّ الحكمَ العقليّ ينقسِمُ إلى ثلاثة : بعدما قال المصنِّفُ رحمه الله تعالى إنَّ الجنة والنار يجوزُ عليهما الفناءُ عقلا أراد أنْ يُبَيِّن أحكامَ العقل الثلاثة، الوجوبَ والإستحالةَ والجواز لأنَّ هذا مِمَّا يُحتاجُ إلى بيانه إذا أراد الإنسان أنْ يُتْقِنَ هذا العلم. -قال المؤلف : الوجوبُ والإستحالةُ والجواز : يعني عادتُهُم أنهم يقولون " الحكمُ العقليُّ ثلاثة": وجوبٌ واستحالة وجواز " العقل يحكُمُ بأنَّ هناك أشياءَ واجبة، العقلُ يحكمُ بأنَّ هناكَ أشياء مستحيلة، العقلُ يحكُمُ بأنَّ هناك أشياءَ جائزة. والواجب ليس معناه المستحيل والمستحيل ليس معناه الجائز ولا الواجب. المعاني مختلفة فلذلك أراد رحمةُ الله عليه أنْ يُبَيِّنَ معانِيَها. -قال المؤلف : وقالوا " الواجبُ ما لا يُتَصَوَّرُ عدمُهُ وهو اللهُ وصفاتُهُ " : ما لا يُتصورُ عدمُهُ ليس معناه ما لا يُتَخَيَّلُ عدمُهُ، لا. ما لا يَتَصَوَّرُ عدمُهُ أي ما لا يُحْكَمُ في العقل بعدمه، ما لا يقبلُ العقلُ أنْ يكونَ معدومًا، هذا هو الواجبُ العقلي. الواجب هو ما لا يقبلُ العقلُ أنْ يكونَ معدومًا، هذا هو الواجب وهو الله بصفاته سبحانه وتعالى. وجودُ الله واجبٌ عقليٌّ. -قال المؤلف : والمستحيل العقلي : ما لا يتصورُ في العقل وجودُهُ : أمَّا المستحيلُ العقليُّ فهو ما لا يقبلُ العقلُ وجودَه. الواجب ما لا يقبلُ العقلُ عدمَه، المستحيلُ ما لا يقبلُ العقلُ وجودَه كالشريك لله، هذا مستحيل عقليٌّ، لا يقبَلُ الوجود، لا يوجَد. الشريكُ لله مستحيلُ الوجود، لا يوجَد، مستحيلٌ عقلا وجودُهُ. -قال المؤلف : وقد يُعَبِّرون عنه بالـمُمْتَنِعِ : أحيانًا يقولون " الممتَنِعُ عقلا " والمعنى واحد، معناه المستحيلُ عقلا. الواجبُ العقليُّ ما لا يَقْبَلُ العَدَمَ أصلا لذاته، أصلا لا يقبلُ العدم لذاته، ليس غيرُهُ جعلَه هكذا لذاته. والمستحيل العقلي ما لا يقبلُ الوجودَ أصلا لذاته لأنه لأنَّ معناه، ما هو معناه ؟ لا يقبلُ الوجود، لا يوجَد، وجودُه مستحيل. -قال المؤلف : والجائزُ ما يُتَصَوَّرُ في العقل وجودُهُ وعدمُهُ، ولذلك يصفِون اللهَ بالواجب الوجود : أمَّا الجائز ما يَتَصَوَرُ العقلُ وجودُهُ تارةً وعدمُهُ تارة أخرى مثلُ كلِّ المخلوقات، يقبَلُ العقلُ وجودَها ويقبلُ العقلُ عدمَها. أنا ما كنت موجودًا ثم وُجِدْتُ ثم أموت، يقبَلُ العقلُ وجودي تارةً وعَدَمَ وجودي تارةً أخرى. كلُّ الموجودات كلُّ المخلوقات من الجائزات العقلية، كلُّ الموجودات في هذا العالم من الجائزات العقلية لأنه يقبلُ العقلُ وجودَها تارةً وعدَمَها تارة أخرى. فإذن الحكم العقلي ثلاثة : واجبُ الوجود أي ما لا يقبَلُ العقلُ عَدَمَه. مستحيل الوجود ما لا يقبلُ العقل وجودَه. جائز الوجود ما يقبَلُ العقل وجودَه تارة وعدمَهُ تارةً أخرى. -قال المؤلف : ولذلك يصفِونَ اللهَ بالواجب الوجود : لأنَّ الله لا يقبلُ العَدَمَ أصلا لذاته سبحانه، لا يقبلُ العدم. -قِدَمُ الله ليس زمانيًّا : عندما نقول " الله قديم، الله أول، الله لا ابتداء لوجوده ليس معناه أنه مَرَّ عليه زمانٌ طويل، لا، الزمانُ لا يَمُرُّ على الله سبحانه. قِدَمُ الله ليس بمرور الزمن. -قال المؤلف : الله تعالى كان قبل الزمان وقبل المكان : لا شك. -قال المؤلف : وقبل الظلمات وقبل النور : لا شك. أي كان موجودًا. معنى قبل الزمان أي كان موجودًا ولم يكنْ زمان، كان موجودًا في الأزل ولا مكان، كان موجودًا في الأزل ولا ظلمة، كان موجودًا في الأزل ولا نور، هكذا. -قال المؤلف : فهو تعالى ليس من قبيل العالمِ الكثيف : ليس من نوع العالم الكثيف. الكثيف ما يُقْبَضُ باليد مثلُ الإنسان تَقْبِضُ عليه بيدِكَ، مثلُ الحجر. واللطيف بخلافه، اللطيف ما لا يُقْبَضُ باليد مثلُ الهواء مثلُ الملَك مثلُ الجِن. -قال المؤلف : كالأرض والحجر والكواكب والنبات والإنسان، وليس من قبيل العالم اللطيف كالنورِ والروح والهواء والجن والملائكة لمخالفته للحوادث : لأنَّ هذه كلَّها مخلوقات والله لا يشبهها، ليس هو، لا يشبه الأجسامَ الكثيفة ولا يشبه الأجسام اللطيفة. - أي لمخالفته جميعَ المخلوقات : لعدم مشابهتِهِ، هذا معنى لمخالفته أي لعدم مشابهته. -قال المؤلف : فإنْ قيل أليس من أسمائه اللطيف ؟ : فإذا قال إنسان كيف تقولون لا يشبه الأجسامَ اللطيفة، أليس اللهُ تعالى يسمَّى اللطيف ؟ -قال المؤلف : فالجوابُ أنَّ معنى اللطيفِ الذي هو اسمٌ لله الرحيمُ بعباده : يقالُ لهم معنى اللطيف ليس معناه الذي لا يُقْبَضُ باليد، الذي يشبه الهواء، لا. معنى اللطيف الرحيمُ بعباده، هذا معنى اللطيف. -قال المؤلف : أو الذي احتَجَبَ عن الأوهام فلا تُدْرِكُهُ : أو اللطيفُ، وبعضُهم قال " اللطيفُ معناه الذي لا تُدْرِكُهُ الأوهام، لا يُتَخَيَّل. سبحانه. -قال المؤلف : فلا نظيرَ له تعالى أي لا مثيلَ له ولا شبيه في ذاته ولا في صفاته ولا في فعله : لا نظيرَ لله تعالى في ذاته أي لا يوجدُ ذاتٌ يشبِهُ ذاتَ الله، ولا في صفاته أي لا يتصِفُ أحدٌ بصفة كصفة الله، تشبهُ صفةَ الله. ولا في فعله أي لا يفعلُ أحدٌ فِعلا يشبهُ فِعْلَ الله. ذاتُ الله ليست كذوات المخلوقين. المخلوق إمَّا أنْ يكونَ حجمًا أو صفةً للحجم، الله خارجٌ عن ذلك، لا هو حجم ولا صفة للحجم، إذن ذاتُهُ لا يشبه الذوات. أيضًا الصفات، صفاتُ المخلوقين هي معانٍ تقومُ بالجسم تقومُ بالحجم والله ليس حجمًا، صفاتُهُ لا تشبه صفاتِ المخلوقين. المخلوقات لها بداية، هي وصفاتُها، الله وصفاتُهُ لا بداية لها. إذن الله لا يشبه شيئًا في ذاته ولا في صفاته ولا في فعله. المخلوقُ إذا فَعَلَ يكتَسِبُ الفعلَ اكتسابًا، لا يخلُقُه، يقومُ الفعلُ به بعد أنْ لم يكنْ قائمًا. أنا إذا وقفتُ يقومُ بيَ الوقوفُ بعد أنْ لم أكنْ واقفًا، أتصفُ بالوقوف بعد أنْ لم أكنْ واقفًا. أمَّا الله تبارك وتعالى فَفِعْلُهُ معناه خَلْقُهُ، تخليقُهُ. الله تعالى فِعْلُهُ إبرازٌ من العدم إلى الوجود، ولا أحدَ يبرِزُ من العدم إلى الوجود إلا الله. فالله ليس له شبيه في ذاته ولا في صفاته ولا في فعله. -قال المؤلف : لأنه لو كان مماثِلا لمخلوقاته بوجه من الوجوه كالحجمِ والحركة والسكون ونحوِ ذلك : لو كان الله يشبه المخلوقات بأيّ وجه، بالحركة، بالسكون، باللون، بالصورة، بالهيئة، بالحدوث بعد عدم، بأي وجه من الوجوه لو كان. -قال المؤلف : لم يكنْ خالقًا لها : لأنه كان مِثْلَها، كما أنها هي بحاجة إلى خالق كان هو بحاجة إلى خالق ولم يكنْ خالقًا لها، وتعالى الله عن ذلك. -قال المؤلف : فالله تعالى مُنَزَّهٌ عن الإتصاف بالحوادث : الله لا يوصَفُ بصفة حادثة سبحانه، كلُّ صفاته أزلية لا ابتداء له لأنَّ الذي يتصف بصفة حادثة، الذي يتصفُ بصفة لم تكنْ موجودة ثم وُجِدَتْ يكونُ هو أيضًا حادث.كما أنني الآن عندما أتكلَّم أنطِقُ بهذه الألفاظ، قبل ذلك ما كنتُ أنطِق بها، لأنَّ هذه الألفاظ، هذا الكلامَ الحادث قام بي هذا يدلُّ على أنني أنا حادث. أنا وُجِدْتُ بعد عدم لأنه جاز أنْ يقومَ بي، جاز اتصافي بصفة حادثة. أمَّا الله تعالى فلا بداية له، فلا يجوزُ أنْ يتصف بصفة حادثة، سبحانه. كلُّ صفاته لا بداية له كما أنَّ ذاتَه لا بداية له. -قال المؤلف : وكذلك صفاتُ الله تعالى هي قديمةٌ أي أزليةٌ : هكذا. -قال المؤلف : ولأهمية هذا البحثِ : هذا كلُّه الذي ذَكَرَه قبل هذا، كلُّ ما ذَكَرَه قبل هذا مِمَّا يتعلَّقُ بالعقيدة، كلُّ ما ذَكَرَهُ المصنِّفُ رحمه الله تعالى لأجل شدة أهميته. لـَمَّا صَنَّفَ، لـَمَّا ذَكَرَ الإمامُ أبو حنيفة بعض ذلك وأملاه على طلابه في رسالة أملاها عليهم سماه " الفقهَ الأكبر " هذا هو الفقه الذي هو أهم من الفقه الذي هو تعلُّمُ الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والبيوع وغير ذلك. أهمُّ من ذلك تعلُّمُ العقائد، لذلك سماه الإمامُ أبو حنيفة رضي الله عنه " الفقهَ الأكبر ". ذاك الفقهُ الأصغر معرفة كيف يتوضأ وكيف يغتسِل وكيف يصلّي. أمَّا الفقهُ الأكبر فهو معرفةُ الله والرسول، معرفةُ معنى الشهادتين وكيف يصحُّ الإيمانُ بالله تعالى وكيف يصِحُّ الإيمانُ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. هذا أهم من ذاك وهذا العلم أشرفُ من ذاك. كلاهما مهم، كلاهما له شرف، لكن هذا أهمُّ وأشرف لذلك سماه الإمام أبو حنيفة رحمه الله " الفقهَ الأكبر ". - قال الإمام أبو حنيفةَ " مَنْ قال بحدوث صفات الله أو شَكَّ أو توقَّفَ فهو كافرٌ " ذكره في كتاب " الفقه الأكبر " : في هذا الكتاب الذي سماه الفقهَ الأكبر الذي ذكرنا شدةَ أهميته ذَكَرَ فيه هذه العبارة، قال " مَنْ قال بحدوث صفات الله " منْ قال إنَّ صفات الله حادثة لم يكنِ اللهُ متصفًا بها ثم اتصف، مَنْ نَسَبَ إلى الله صفةً حادثة، ادَّعى أنَّ الله لم يكنْ متصفًا بصفة ثم اتصف بها، أو شكَّ في ذلك " هل كان الله متصفًا بصفة مخلوقة أو لا، هل بعضُ صفات الله لها بداية أو لا " أو توقَّفَ، أو قال " أنا لا أريد أنْ أدخلَ في هذا، لها بداية أو ليس لها بداية، إنْ كان لها بداية أو ليس لها بداية أنا لا أريدُ أنْ أدخُلَ بهذا، أنا أتوقف، لا أقول لها بداية ولا أقول ليس لها بداية. مَنْ قال إنَّ صفةَ الله حادثة أي لها بداية أو شكَّ في ذلك-تردَّدَ- أو توقَّف فهو كافر، هكذا قال الإمامُ أبو حنيفة رضي الله عنه لأنَّ مَنْ فَعَلَ ذلك في الحالات الثلاث هو مكذِّبٌ لله وللرسول. لأنَّ الله أخبرنا بأنَّ الله ليس له ابتداء، وصفاتُهُ ليس لها ابتداء، فمنْ كذَّبَ ذلك فهو كافر، منْ كَذَّبَ ذلك فقد جعل الله مثلَ المخلوقين. نحن بأيش عَرَفْنا أننا محتاجون، نحتاجُ خالقًا خَلَقَنا ؟ إنما عرفنا ذلك لأنَّ صفاتِنا لها بداية. فمنْ نَسَبَ مِثْلَ ذلك إلى الله أو تردد في نِسْبَةِ ذلك إلى الله تعالى فهو كافر لأنه مشبِّهٌ لله بالمخلوقين. أو مُتَرَدِّدٌ في التشبيه أو يقول " يُشْبِهُ أو لا يشبه " وهذا ما عَرَفَ اللهَ تبارك وتعالى، لذلك قال الإمام أبو حنيفة إنه كافر. -قال المؤلف : وقال الطحاوي " ومَنْ وصفَ الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر " : وهذا سَبَقَ أنْ ذكرناه، الإمامُ الطحاوي قال " منْ وصف الله بمعنىً " أي بصفة " من معاني البشر " أي من صفات البشر " فقد كفر ". هذا أمرٌ اتفق عليه أهلُ السّنة وهو اعتقادُهم. فينبغي علينا أنْ نتمسَّكَ به، ولم يخالِف في هذا المعنى أحدٌ من أهل الإسلام. فينبغي علينا أنْ نتمسَّكَ به وأنْ نعلمَ أنَّ الله تبارك وتعالى لا يشبه مخلوقاته وأنَّ مَنْ شبه اللهَ تعالى بمخلوقاته فلم يَعْرِفِ اللهَ عزّ وجلّ.