fbpx

الصراط المستقيم – الدرس 6

شارك هذا الدرس مع أحبائك

-تنزيه الله عن المكان وتصحيحُ وجوده بلا مكان عقلا : -الدرس السادس : الحلقة السابعة : -قال المؤلف : والله تعالى غنيٌّ عن العالمين أي مستغنٍ عن كلِّ ما سواه أزلا وأبدًا : هذا يعرِفُهُ كلُّ مسلم أنَّ الله تبارك وتعالى لا يحتاج إلى شىء غيرِه، مستغن عن كل ما سواه أزلا وأبدًا. -قال المؤلف: فلا يحتاجُ إلى مكان يَتَحَيَّزُ فيه أو شىء يَحُلُّ به أو إلى جهة : الله تبارك وتعالى لا يحتاج إلى مكان يَحُلُّ فيه لأنَّ المكان مخلوق، المكانُ ليس هو الله، المكانُ غيرُ الله تبارك وتعالى. كلُّ ما كان غيرَ الله فهو مخلوق، اللهُ خَلَقَهُ. إذن الله تبارك وتعالى لا يحتاجُ إليه، فلا يحتاجُ إلى مكان يحُلُّ فيه لأنَّ الله تعالى ليس جسمًا. الذي يحتاجُ إلى المكان الجسم اللطيف أو الكثيف. الذي يحتاج إلى المكان الروح تحتاج إلى مكان تكونُ فيه، البدن يحتاج إلى مكان يكونُ فيه، الهواء يحتاجُ إلى مكان يكونُ فيه ،الشمس القمر الماء التراب النار، هذه كلُّها أجسامٌ تحتاجُ إلى مكان تكونُ فيه. أمَّا الله تبارك وتعالى فليس جسمًا، لذلك لا يحتاجُ إلى مكان يَحُلُّ فيه لأنه لا يشبه الروح ولا يشبه الهواء ولا يحتاجُ إلى جهة لأنَّ الجهة أصلا معناها المكانُ الذي يَقْصِدُهُ الإنسان، هذا معنى الجهة. الجهة المكانُ الذي يَقْصِدُهُ الإنسان. والله تبارك وتعالى لا يحتاجُ إلى ذلك كلِّه لأنَّ هذا كلَّه مخلوق والله كان موجودًا في الأزل بدون ذلك كلِّه إذن هو لا يحتاجُهُ. -قال المؤلف : لأنه ليس كشىء من الأشياء ليس حجمًا كثيفًا ولا حجمًا لطيفًا : الكثيفُ كما قلنا ما يُقْبَضُ باليد مثلُ الخشب، واللطيفُ ما لا يُقبِضُ باليد مثلُ الهواء. الله ليس حجمًا لا كثيفًا ولا لطيفًا، سبحانه. الحجم هو الذي يأخُذُ مِقدارًا من الفراغ، هذا هو الحجم، إذا أخذ هذا المقدارَ من الفراغ لا يَحُلُّ فيه غيرُهُ. هذا هو الجسم أو الحجم. هذا هو الجوهر، يأخذ مقدارًا من الفراغ، إذا أخذه لا يكونُ غيرُهُ فيه مثلُ يدي، الآن موجودة في الفراغ التي هي فيه، فإذا كانت يدي في هذا الفراغ لا يكونُ شىءٌ ءاخر في هذا الفراغ، في هذا الوقت، في الوقت نفسه. هذا صفةُ الجسم، الجسم هو الذي يحتاجُ إلى هذا، أمَّا الله تعالى فليس حجمًا فلا يأخُذُ شيئًا من الفراغ سبحانه. -قال المؤلف : والتحيُّز من صفات الجسم الكثيف واللطيف. فالجسمُ الكثيف والجسم اللطيف متحيِّزٌ في جهة ومكان : الجسمُ الكثيف مثلُ السماء لها مكان، جسم كثيف متحيِّزة في مكان، مثلُ الشمس متحيِّزَة في مكان، مثلُ القمر متحيّز في مكان، مثلُ الحجر متحيِّز في مكان، والجسمُ اللطيف مثلُ الروح متحيِّزة في مكان، مثلُ الضوء متحيِّز في مكان. انظر، ضوءُ الشمعة مكانُهُ أصغرُ من ضوء الكهرباء، ضوءُ الكهرباء مكانُهُ أوسع، ضوء الشمس مكانُهُ أوسع، وهكذا. الجسم اللطيف والجسم الكثيف كِلاهما يحتاجُ إلى مكان، لكنَّ الله ليس جسمًا، هو خالقُ الأجسام، هو خالقُ الأماكن فلا يحتاج إلى مكان. -قال المؤلف : قال الله تعالى { وهو الذي خَلَقَ الليلَ والنهار } الليلُ والنهار مِثالانِ عن الأجسام اللطيفة، الضوء والظلام يعني وكلاهما لطيف. -قال المؤلف : قال الله تعالى { وهو الذي خَلَقَ الليلَ والنهار والشمس والقمر كلٌّ في فَلَكٍ يسبحون } : الشمسُ والقمر جسمان كثيفان، ذكر الله ذلك ثم قال { كلٌّ في فَلَكٍ يسبحون } كلُّ واحد من هذه الأربعة له مكانٌ يكونُ فيه، كلُّ واحد من هذه الأربعة له مدارٌ يدورُ فيه، يكونُ في وقت في هذا المكان، بعد ذلك في هذا، بعد ذلك في هذا، بعد ذلك في هذا، وهكذا. هذه صفاتُ الأجسام سواءٌ كانت لطيفة أم كثيفة، والله تبارك وتعالى لا يشبهها. -قال المؤلف : فأثبَتَ اللهُ تعالى لكلٍّ من الأربعة التحيُّزَ في فَلَكِهِ وهو الـمَدار : { كلٌّ في فلك يسبحون } أي كلٌّ يجري في مَدَارٍ يدورُ فيه. -قال المؤلف : ويكفي في تنزيه الله عن المكان والحيِّز والجهة قولُهُ تعالى { ليس كمثله شىء } : هذه الآيةُ كافية في تنزيه الله عن المكان والحيّز والجهة. -قال المؤلف : لأنه لو كان له مكانٌ لكان له أمثالٌ وأبعادٌ : لأنَّ الله لو كان له مكان لكان له أمثال وأبعاد. لماذا كان له أمثال ؟ لأنَّ الله لو كان في مكان لكان له طول وعرض وعمق، إذن كلُّ شىء كلُّ جسم يكونُ مشابهًا لله، في الجسمية يكونُ مشابهًا لله لأنَّ كلَّ جسم له طول وعرض وعمق. -قال المؤلف : طولٌ وعَرْضٌ وعُمْقٌ. ومَنْ كان كذلك كان محدَثًا محتاجًا لمنْ حَدَّهُ بهذا الطول وبهذا العَرْض وبهذا العمق، هذا الدليلُ من القرءان : هذا هو الدليلُ من القرءان على تنزيه الله عن المكان { ليس كمثله شىء } أي لا يشبهه شىءٌ من الأشياء بأيّ وجه من الوجوه. إذن لا يشبهه شىءٌ من حيثية الكونِ في مكان، من هذه الناحية لا يشبهه شىء، لأنَّ المخلوقات هي التي تكونُ في مكان. إذن الخالق لا يكونُ في مكان لأنه لا يشبههم، لو كان في مكان لكان مثلَهم. -قال المؤلف : أمَّا من الحديث فَمَا رواه البخاريُّ وابنُ الجارود والبيهقيّ بالإسناد الصحيح أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال " كان الله ولم يكنْ شىءٌ غيرُهُ " : " كان اللهُ " المرادُ بـ" كان " هنا في الأزل، " كان الله " أي إنَّ الله تعالى موجودٌ أزلا ولم يكنْ شىءٌ غيرُهُ، ولم يكنْ في الأزل شىءٌ سوى الله. الله وحده هو الموجودُ بلا بداية، وكلُّ ما سواه له بداية. إذا كان الله وحده الموجودَ بلا بداية فإذن المكان لم يكنْ موجودًا، إذن كان الله في الأزل ولم يكنْ مكان. من هنا أخذ أهل السّنة عبارتَهم المعروفة " كان الله ولا مكان " وإنْ شئتَ قلتَ " الله موجودٌ بلا مكان " لأنَّ الله لا يتغيَّر، سبحانه. -قال المؤلف : ومعناه أنَّ الله لم يَزَلْ موجودًا في الأزل ليس معه غيرُهُ، لا ماءٌ ولا هواء ولا أرض ولا سماء ولا كرسيّ ولا عرش ولا إنس ولا جن ولا ملائكة ولا زمان ولا مكان ولا جهات. فهو تعالى موجودٌ قبل المكان بلا مكان : لأنَّ المكان هو غيرُ الله. والنبيُّ عليه الصلاة والسلام قال " كان الله ولم يكنْ شىءٌ غيرُهُ " إذن كان الله ولا مكان والله لا يتغيَّر، هو الآن على ما عليه كان، سبحانه موجودٌ بلا مكان. -قال المؤلف : وهو الذي خَلَقَ المكان فليس بحاجة إليه : كيف يكونُ في مكان وهو خالِقُهُ ؟!! وهو ولا يحتاجُ إلى شىء من خلقه. لو كان وجودُ الله في مكان لكان محتاجًا إلى المكان، والله لا يحتاجُ إلى شىء، سبحانه. -قال المؤلف : وهذا ما يُستفادُ من الحديث المذكور : إذن تبيَّنَ لنا أنَّ قول أهل السّنة نَصَرَهُمُ اللهُ تعالى " الله موجودٌ بلا مكان " مأخوذٌ من القرءان من قوله { ليس كمثله شىء } وغيرِ ذلك من الآيات، ومأخوذٌ من الحديث " كان الله ولم يكنْ شىءٌ غيرُهُ " وغيرِ ذلك من الأحاديث. فهو مرتكِزٌ على الكتاب والسّنة. -قال المؤلف : وقال البيهقي في كتابه " الأسماءُ والصفات " استدلَّ بعضُ أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم " أنتَ الظاهرُ فليس فوقَكَ شىء وأنتَ الباطِنُ فليس دونَكَ شىء " وإذا لم يكنْ فوقَه شىءٌ ولا دونَه شىء لم يكنْ في مكان ". ا.ه : النبيُّ عليه الصلاة والسلام قال " أنتَ الظاهر " أي يا ربّ أنتَ الظاهرُ أي الذي يدلُّ كلُّ شىء على وجودِكَ وَوَحدانيتِكَ. " أنتَ الظاهرُ فليس فوقَكَ شىء " ليس هناك فوقكَ شىء يُغطّيكَ ويستُرُكَ يا ربّ. " وأنتَ الباطِنُ " أي الذي لا تُدْرِكُهُ الأوهام. الباطن معناه الذي لا تدركه التخيلات، لا يُتَخَيَّل، لا يُتَصَوَّرُ في الذِّهْنِ. " أنتَ الباطنُ فليس دونَكَ شىء " ليس تحتَكَ شىءٌ يمنعُ من معرفتِكَ سبحانك. فإذا كان الله تبارك وتعالى الباطنُ الذي ليس دونَه شىء والظاهرُ ليس فوقَه شىء لم يكنْ في مكان. الذي ليس تحتَه شىء ولا فوقه شىء إذن هو موجودٌ بلا مكان، هكذا قال بعض علماء أهل السّنة، هذا أيضًا دليلٌ من الحديث على قولهم إنَّ " الله موجود بلا مكان " . -قال المؤلف : وهذا الحديثُ فيه الردُّ أيضًا على القائلين بالجهة في حقِّه تعالى : لأنَّ مَنْ قال إنَّ الله في جهة فقد قال إنَّ الله في مكان ؟ الجهة ما هي ؟ الجهة هي المكان الذي يُتَوَجَّهُ إليه، يتوجَّهُ إليه الإنسان، هذه هي الجهة. الإنسان أو غيرُهُ. إذا توجَّهَ إلى مكان، المكانُ المقصود، هذا هو الجهة. فمنْ نَسَبَ الجهةَ إلى الله فقد نَسَبَ المكانَ إلى الله تبارك وتعالى. وهذا الحديثُ يَرُدُّ أيضًا عليهم. -قال المؤلف : وقد قال عليٌّ رضي الله عنه " كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان " رواه أبو منصورٍ البغداديُّ : أبو منصورٍ البغدادي من كبار المحدِّثين وكبار علماء الشافعية وكبار علماء الأصول. هذا الأستاذ أبو منصور البغدادي كان أستاذًا مدرِّسًا في سبعةَ عَشَرَ أو ثمانية عشر فنًّا. كان في كلِّ فنٍ منها أستاذًا، بَلَغَ درجةً عالية جدًا يُدَرِّسُ فيها. هذا من جملة فنونه رحمه الله كان الحديث. قال : إنَّ سيدَنا عليًّا رضي الله عنه قال " كان الله ولا مكان " أي إنَّ الله تعالى موجودٌ أزلا بلا مكان. " وهو الآن على ما عليه كان " وهو لا يتغيَّرُ سبحانه. وهذا شىءٌ أخذه عليٌّ رضوان الله عليه من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " كان الله ولم يكنْ شىءٌ غيرُهُ ". كلامُ عليٍّ هذا تفسيرٌ لذلك الحديث، تفسيرٌ ظاهرٌ واضح لذلك الحديث. -قال المؤلف : وليس مِحْوَرُ الإعتقادِ على الوهم : أحيانًا الإنسان يتوهَّمُ شىء، والوهمُ ليس دليلا. فلا ينبغي أنْ يَبْنِيَ الإنسانُ اعتقادَه على الوهم لأنَّ الإعتقاد لا بد أنْ يكونَ مبنيًّا على الدليل. أنتَ إذا نظرتَ إلى الأفق تظن أو وَهْمُكَ يقول إنَّ السماء ملتصقة بالأرض، في أقصى ما ينالُهُ بَصَرُكَ. هذا وهم، لا يُبنى الإعتقادُ على الوهم. إذا رأيتَ إنسانًا دَخَلَ البيت، جارُكَ، كلَّما دَخَلَ البيت عادتُهُ عرفْتَ، يدخُلُ البيت يُضيءُ الضوء ثم يقعُدُ يدرُس. في اليوم الثاني دخل البيت أضاء الضوء ثم قَعَدَ يدرس. في اليوم الثالث وجدتَ الضوءَ مُضاءًا، وهمُكَ يقول " قَعَدَ يدرس " وقد لا يكونَ قاعدًا يدرس. مثلُ هذا يقال له " وهم " لا يُبْنَى عليه. الوهمُ ماذا يقول ؟ الوهمُ يقول الشىءُ إذا لم يكنْ في مكان لا يكونُ موجودًا. الآن إنسان زيدٌ صاحِبُكَ الذي تعرِفُهُ إذا لم يكنْ موجودًا في مكان لا يكونُ موجودًا، لا بد أنْ يكونَ في مكان حتى يكونَ موجودًا، هكذا يكونُ الأمرُ بالنسبة للإنسان. وهمُكَ، إذا انْسَقْتَ خلف الوهم قد يَجُرُّكَ وهمُكَ إلى أنْ تقول " كلُّ موجود هكذا، كلُّ موجود لا بد أنْ يكونَ في مكان وإلا لا يكونُ موجودًا، إذن الله في مكان " هذا وهم، هذا ليس دليلَ العقل. دليلُ العقل يقول : الذي لا بد أنْ يكونَ في مكان حتى يكونَ موجودًا، الذي لا بد أنْ يكونَ في حيِّز، يحتلُّ حيِّزًا من الفراغ حتى يكونَ موجودًا هو الجسم، أمَّا ما ليس جسمًا وهو الله فلا يحتاجُ إلى المكان، أمَّا خالقُ المكان وهو الله فلا يحتاجُ إلى المكان " فالعقلُ يقولُ إنَّ الله موجودٌ بلا مكان. ولو قيل إنَّ الله في مكان لكان جسمًا مشابِهًا لباقي الأجسام، لجاز عليه ما يجوزُ على باقي الأجسام، لكان مخلوقًا كما أنَّ باقيَ الأجسام مخلوقة. لذلك لا يجوزُ الإعتمادُ في العقائد على الوهم بل لا بد من الإعتماد على الدليل، الدليل الصحيح، دليل العقل أو دليل النقل، هذا الذي يُعتمَدُ عليه في العقائد. ودليلُ العقل الصحيح دلَّنا على أنَّ الله موجودٌ بلا مكان، ودليلُ الشرع الصحيح الصريح لم يكنْ شىءٌ غيرُهُ " والمكانُ غيرُ الله. إذن دلَّنا دليلُ الشرع الصحيح الصريح على أنَّ الله موجودٌ بلا مكان، فهذا الذي يجب أنْ يتمسَّكَ به المسلمون. -قال المؤلف : وليس محورُ الإعتقاد على الوهم : لا يدورُ الإعتقادُ على الوهم، المحور هو ما يدورُ عليه غيرُهُ. معناه الإعتقادُ لا يدورُ على الوهم، أي لا يُبْنى على الوهم. -قال المؤلف : بل على ما يقتضيه العقلُ السليم الذي هو شاهدٌ للشرع : بل على ما يدلُّ عليه دليلُ العقل الذي يشهَدُ لصحة ما جاء به الشرع. فنحن أهلُ السّنة عندنا أمران : دليلُ العقل ودليلُ الشرع. نقول : الشرع لا يأتي إلا بما يقْبَلُهُ العقل، لا يأتي شرعُنا بما لا يقبَلُهُ العقلُ السليم، بما يخالفُ دليلَ العقل. والعقل لا يأتي بما يخالِفُ الشرع. ما يدلُّ عليه دليلُ العقل يوافِقُ ما جاء به الشرع. فهذا الأصلان عندنا أهلَ السّنة يتعاضدان، كلٌّ واحد منهما يؤيِّدُ الآخر. أمَّا غيرُنا من أهل العقائد الأخرى كلُّهم فيتعارضُ عندهم دليلُ العقل مع عقائدهم، ونحن لسنا كذلك بفضل الله تبارك وتعالى. ولذلك أهلُ العقائد الأخرى التي تناقِضُ عقيدةَ أهل السّنة والجماعة، تُناقِضُ عقيدةَ الإسلام، أهلُ العقائد الأخرى إمَّا يرمُون خلف ظهورهم بدليل الشرع وإمَّا يرمونَ خلفَ ظهورهم بدليل العقل. نحن لا أهملنا هذا ولا أهملنا هذا لأنَّ الله أرشدنا في القرءان إلى الأخذ بدليل العقل { لآيات لقوم يعقلون } وأرشدنا اللهُ في القرءان إلى الأخذ بدليل الشرع، فنحن نأخُذُ بالدليلين ولله تعالى الحمدُ على ذلك. -قال المؤلف : وذلك أنَّ المحدود محتاجٌ إلى مَنْ حَدَّهُ بذلك الحدِّ : هذا دليلُ العقل، ما كان له حد نهاية، ما كان له حجم، محتاجٌ لـِمَنْ خَصَّهُ بذلك الحجم. -قال المؤلف : فلا يكونُ إلهًا : لأنَّ المحتاج لا يكونُ إلهًا. -قال المؤلف : وكما صحَّ وجودُ الله تعالى بلا مكان وجهة قبل خلق الأماكن والجهات : ولا بد أنْ يقولَ الشخص بذلك لأنَّ الأماكن والجهات لم يخلُقْها أحدٌ إلا الله. قبل خلق الأماكن والجهات الله موجودٌ في الأزل من غير مكان ولا جهة. كما صحَّ وجودُهُ تعالى قبل خلقِ الأماكن والجهات بلا مكان ولا جهة، بعد خلق الأماكن والجهات هو موجودٌ تعالى بلا مكان ولا جهة. -قال المؤلف : فكذلك يَصِحُّ وجودُهُ بعد خلقِ الأماكن بلا مكان وجهة، وهذا لا يكونُ نفيًا لوجوده تعالى كما زَعَمَتِ المشبهة والوهابية وهم الدعاةُ إلى التجسيم في هذا العصر : هؤلاء الوهابية للتدليس على الناس يقولون إذا قلتَ "الله موجودٌ بلا مكان " إذن نفيتَ وجودَ الله. الذي يحتاجُ إلى المكان هو الجسم والله ليس جسمًا، فكيف يكونُ محتاجًا إلى المكان ؟!!!! بل إذا قلنا " الله موجودٌ بلا مكان " نكونُ وصفنا اللهَ بما يجبُ وصفُهُ به. سبحانه. -قال المؤلف :وحكمُ منْ يقول " إنَّ الله تعالى في كلِّ الأماكن أو في جميع الأماكن " التكفيرُ : وإذا قلنا إنَّ الله موجود بلا مكان، لا يوجدُ اللهُ تعالى في مكان من الأماكن ليس معناه أنَّ الله موجودٌ في كلِّ الأماكن، لا. الله ليس موجودًا في مكان واحد ولا في كل الأماكن لأنَّ المكان الواحد مخلوق والأماكنَ كلَّها مخلوقة واللهُ كان قبل ذلك كلِّه، لأنَّ الذي يوجَدُ في مكان واحد جسم والذي يوجد في الأماكن المختلِفة جسم والله ليس جسمًا. إنما معنى قولِنا " الله موجودٌ بلا مكان " أي أنَّ الله لا يحتاج إلى المكان في وجوده، لا إلى المكان الواحد ولا إلى الأماكن المخلتفة. فمنِ اعتقد أنَّ الله شىءٌ مثلُ الهواء منبَثُّ موجود في كل مكان فهو كافر، مثلُ الذي يعتقدُ أنَّ الله موجودٌ في مكان واحد، هذا كافر ما عَرَفَ الله وهذا كافر ما عَرَفَ الله. -قال المؤلف : إذا كان يفهمُ من هذه العبارة أنَّ الله بذاته منبَثٌ أو حالٌّ في الأماكن. أمَّا إذا كان يفهمُ من هذه العبارة أنه تعالى مسيطرٌ على كلِّ شىء وعالمٌ بكل شىء فلا يكفُر. وهذا قصدُ كثير مِمَّنْ يَلْهَجُ بهاتين الكلمتين : لكنْ ينبغي التَّنَبُّهُ إلى شىء، بعض الناس يستعمل هذه العبارة، يقول " الله موجود في كلّ مكان " ولا يعرِفُ معناها، لا يقصِدُ أنَّ الله موجودٌ منبَثٌّ حالٌّ في كل مكان، إنما يظن أنَّ معنى هذه العبارة أنَّ الله عالمٌ بكلِّ مكان، أو أنَّ الله مسيطر على كلِّ مكان، هكذا يظن. مثلُ هذا لا نُكَفِّرُهُ، نُعَلِّمُهُ، نقول له " لا تَعُد إلى هذه العبارة، هذه العبارة ليس معناها كما تظن، هذه العبارةُ معناها أنَّ الله منتشرٌ في الهواء في كلِّ مكان وأنتَ ليس هذا الذي تريدُهُ، فلا تَعُدْ إليها. ليس معناها كما تظن، إنما قل " الله موجودٌ بلا مكان ". هكذا نتصرَّفُ معه إذا كان لا يعرِفُ المعنى، إذا كان يظنُّ أنَّ معنى هذه العبارة أنَّ الله مسيطرٌ على كلِّ مكان أو أنَّ الله عالمٌ بكلِّ مكان، وهو ما يقصِدُهُ كثيرٌ من الناس في أيامنا إذا قالوها. فينبغي أنْ يكونَ الإنسانُ متأنِّيًا متنبِّهًا لا يَتَسَرَّعُ إلى التكفير في غير محلِّه. -قال المؤلف : ويجبُ النهيُ عنهما على كلِّ حال: لكنْ يجبُ النهيُ عن هذه العبارة حتى لو كان الإنسان لا يعرِفُ معناها ويظنُ أنَّ معناها الله مسيطرٌ على كلِّ مكان، يجب أنْ ننهاه، يجبُ أنْ نقولَ له " لا تقل هذه العبارة، لأنَّ هذه العبارةَ من حيث هي معناها في اللغة باطل فاسد، في اللغة معناها ضلال لكنْ هو لا يعرِف، هو يظنُّ أنَّ معناها شىءٌ ءاخر، فلا نكفِّرُهُ لكنْ نُعَلِّمُهُ ونقولُ له " لا تعُدْ إلى قول هذه العبارة بعد اليوم". -قال المؤلف : لأنهما ليستا صادرتين عن السلف بل عن المعتزلة ثم استعمَلَهُما جهلةُ العوام : أول منْ قال هذه العبارة، أول منْ خرجت منه هذه العبارة المعتزلة، ثم أخَذَ بعضُ العوام ذلك منهم. هذه ليست من عبارات سلف الأمة، ليست من عبارات أئمة أهل السّنة. -قال المؤلف : ونرفعُ الأيديَ في الدعاء للسماء لأنها مهبِطُ الرحمات والبركات : قد يتساءل بعض الناس أو قد يظنَّ بعضُ الناس مِمَّنْ لم يتعلَّم علم الدين أنَّ الله موجود فوق في السماء، لماذا ؟ يقولون لأننا عندما ندعو نرفعُ أيدِيَنا إلى السماء. طيب نحن عندما نصلّي نتوجّه إلى الكعبة ونقول " وجهتُ وجهي للذي خَلَقَ السموات والأرضَ حنيفًا مسلمًا....." الخ. وهل معنى ذلك أنَّ الله موجود في الكعبة ؟ لا، الكعبة قِبلةُ الصلاة. كذلك عندما نرفعُ أيدِيَنا في الدعاء إلى السماء، السماءُ قِبلةُ الدعاء. من أين تنزِل البركات ؟ من السماء. لذلك الإنسانُ يرفعُ يدَيْهِ لأنه يرجو نزولَ الرحمات والبركات على كفَّيْه. لذلك بعدما يُنهي الدعاء يمسحُ وجهَه حتى تنالَ وجهَه البركةُ التي نزَلَتْ على يديْه، لأجل هذا نرفعُ أيدِيَنا وليس لأنَّ الله قاعد فوق. -قال المؤلف : وليس لأنَّ الله موجودٌ بذاته في السماء. كما أننا نستقبِلُ الكعبةَ الشريفة في الصلاة لأنَّ الله تعالى أمرنا بذلك وليس لأنَّ لها مِيزةً وخُصوصية بسُكنى الله فيها. -قال المؤلف : ويكفُرُ مَنْ يعتقدُ التحيُّزَ لله تعالى : هذا زيادةُ تأكيد، أعاد ما قالَه المصنِّفُ قبلُ رحمه الله لزيادة التأكيد. " ويكفرُ مَنْ يعتقدُ التحيُّزَ لله تعالى " يعني يكفر مَنْ يعتقد أنَّ الله جسم، له حجم، هذا معناه. -قال المؤلف : أو يعتقدُ أنَّ الله شىءٌ كالهواء أو كالنور يملأ مكانًا أو غرفةً أو مسجدًا. ويُردُّ على المعتقِدين أنَّ الله متحيِّزٌ في جهة العُلُوّ ويقولون لذلك تُرْفَعُ الأيدي عند الدعاء بما ثَبَتَ عن الرسول أنه استسقى أي طَلَبَ المطرَ وجَعَلَ بَطْنَ كفيه إلى الأرض وظاهرَهما إلى السماء : هذا أيضًا رَجَعَ المؤلف رحمة الله عليه وجزاه الله عن المسلمين خيرًا إلى زيادة بيان أنَّ الله تعالى ليس موجودًا في السماء، قال " نحن عندما ندعُو في الإستسقاء. النبيُّ عليه الصلاة والسلام لـَمَّا استسقى، استسقى -طَلَبَ السُّقْيا-كان انقطعَ المطر فَطَلَبَ السُّقْيَا عليه الصلاة والسلام. دَعَا الله، في أثناء الدعاء طَلَبَ رَدَّ النِّقْمة، دفعَ النِّقْمة. لـَمَّا طَلَبَ من الله دَفْعَ النِّقمة قَلَبَ كفَّيْه، ليه ؟ لأنه قبل كان يطلُبُ البركة، كان يفعلُ هكذا (الشيخُ رفع بطن كفّيْه إلى جهة السماء) كان يطلُبُ النِّعمة، يفعلُ هكذا، ينتظِرُ نزولَ البركة على كفّيه. لـَمَّا طَلَبَ أنْ يُبْعِدَ اللهُ عن المسلمين النِّقمة قَلَبَ كفَّيْه عليه الصلاة والسلام ( الشيخ قلب بطن كفّيْه إلى أسفل ) لأنه لا ينتظِرُ نزولَ النِّقمة، لا يريدُ نزولَ النِّقمة قَلَبَ كفَّيْه. لو كان الله تعالى، لو كان رفعُ الكفِّ إلى السماء معناه أنَّ الله فوق هل صار قلبُ الكفين وتوجيهُ الكفّين إلى الأرض معناه أنَّ الله تحت ؟!! لا. إنما كما قلنا رفعُ الكفَّيْن إلى السماء لأنَّ السماء قِبلةُ الدعاء عندما نطلُبُ الرحمةَ والبركة، لأجل هذا، وإلا لو كان اللهُ تعالى محلُّهُ السماء لـَمَا كان قَلَبَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام كفَّيْه عند طَلَبِ دفعِ النِّقْمة. -قال المؤلف : وبأنه صلّى الله عليه وسلّم نهى المصلّيَ أنْ يرفَعَ رأسَه إلى السماء : النبيُّ عليه الصلاة والسلام قال الذي يكونُ في الصلاة ويريدُ أنْ يدعُوَ في الصلاة لا يرفعُ رأسَه إلى السماء، بل قال " أقربُ ما يكونُ المصلّي من ربِّه وهو ساجد فأكثِروا من الدعاء فيه " الدعاء أكثرُ ما ينبغي في الصلاة حين السجود، حين توجيه الوجه إلى الأرض، ليس إلى السماء لأنَّ الله ليس موجودًا في السماء ولا موجودًا تحت الأرض، إنما موجودٌ بلا مكان. الله تعالى ليس كَخَلْقه، الله ليس جسمًا يحتاجُ إلى فوق، جهة فوق ولا إلى جهة تحت، إنما هو خالقُ الجهات كلِّها، موجودٌ بلا مكان سبحانه. -قال المؤلف : ولو كان الله متحيِّزًا في جهة العُلُوّ كما تظنُّ المشبهةُ ما نهانا عن رفع أبصارنا في الصلاة إلى السماء. وبأنه صلّى الله عليه وسلّم كان يرفَعُ إصبَعه الـمُسَبِّحَةَ عند قول " إلا الله " في التحيات : عندما يكونُ الإنسانُ في الصلاة، عندما يصِلُ إلى قوله " إلا الله " يرفعُ إصْبَعَه الـمُسَبِّحَة، هذا الأصبُع (رفع الشيخ السبَّابَة، الإصبع الثاني) لكنْ لا يرفَعُهُ هكذا (رفع الشيخ إصبَعه إلى فوق) إنما يرفَعُهُ بانحناء خفيف، يَحْنيه انحناءً خفيفًا وذلك لأنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام لـَمَّا طَلَبَ منا أنْ نَحْنِيَ إصابعنا قليلا عند قول " إلا الله " معناه هذه رفعُ الأصْبُع ليس إشارةً إلى الله تبارك وتعالى، ليس إشارة إلى مكان الله موجودٌ فيه. لو كان إشارة إلى مكان الله موجودٌ فيه لكان طَلَبَ أنْ نرفَعَ الإصبَعَ إلى السماء هكذا ( رفع الشيخ إصبَعه إلى فوق ) ولم يطلُب أنْ نحنِيَهُ قليلا. -قال المؤلف : ويَحنِيها قليلا. فلو كان الأمرُ كما تقولُ المشبهة ما كان يحنِيها بل يرفعُها إلى السماء، وكلُّ هذا ثابتٌ حديثًا عند المحدِّثين : كلّ هذه الأحاديث عند المحدِّثين صحيحةٌ ثابتةٌ وهي تُبَيِّنُ فسادَ عقيدة المشبهة الذين يعتقدون أنَّ الله مثلُ الشمس قاعد فوقَنا أو مثلُ القمر يكونُ فوقَنا أو مثلُ الملائكة يكونُ فوقَنا في السماء. هذه الأحاديثُ تدلُّ على بُطلان هذه العقيدة الفاسدة. -قال المؤلف : فماذا تفعلُ المشبهة والوهابية ؟!! : معناه ما عندَهم حُجَّة. -قال المؤلف : ونسمي المساجدَ بيوتَ الله لا لأنَّ الله يسكُنُها : أيضًا لا يجوزُ أنْ يعتقد إنسان أنَّ الله يسكُنُ المسجد لأننا نسمي المساجِدَ بيوتَ الله. بيتُ الله يُطلَق ليس كما يُطْلَق بيتُ زَيْد أو بيتُ عمرو. بيتُ زيد يعني البيتُ الذي يسكُنُهُ زيد، أمَّا بيتُ الله الإضافةُ هنا، أُضيفَ بيت إلى الله الإضافةُ هنا للتشريف وللـمُلْك، لأجل هذا كانتِ الإضافة هنا. يعني بيتُ الله أي البيتُ الذي هو مِلْكٌ لله، مُشَرَّفٌ عند الله، هذا معنى "بيتُ الله". مثلُ " ناقةُ الله "، هل معنى " ناقةُ الله " الناقةُ التي يسكُنُها الله، أو يركَبُها الله ؟!!! جاء في القرءان { ناقةُ الله } المعنى الناقةُ التي لها شأنٌ عند الله، التي جعلَها اللهُ تعالى معجزةً لبعض أنبيائه عليهم الصلاة والسلام. هذا معناه، التي هي مِلْكٌ له عزّ وجلّ، هذا معناه. وكذلك بيتُ الله. -قال المؤلف : بل لأنها أماكنُ معدَّة لذكر الله وعبادته : فلها شَرَفٌ عند الله، بُنِيَتْ لأجل ذلك. -قال المؤلف : ويقالُ في العرش إنه جرمٌ أعَدَّهُ اللهُ ليطوفَ به الملائكةُ كما يطوفُ المؤمنون في الأرض بالكعبة : إذن العرشُ، قد يقولُ قائل " إذن العرشُ لـِمَ خَلَقَه الله ؟ العرشُ سقفُ الجنة، العرشُ جَعَلَهُ اللهُ للملائكة كما جَعَلَ الكعبةَ للإنس والجن في الأرض. يطوفُ الملائكةُ به، لهذا خَلَقَ اللهُ العرشَ، إظهارًا لقدرته خَلَقَ هذا العرشَ العظيم، حتى يكونَ مَطَافًا للملائكة، ليس أنْ يَقْعُدَ عليه. وهل يحتاجُ اللهُ إلى عرش لِيَقْعُدَ عليه ؟!! حاشا. -قال المؤلف : وكذلك يكفُرُ مَنْ يقولُ " الله يسكُنُ قلوبَ أوليائه " إنْ كان يفهمُ منه الحلولَ : كذلك هذه القلوبُ التي فينا ليست مسكَنًا لله، ولا قلوبُ الأولياء والأنبياء والصالحين هي مساكنُ لله تعالى. الله تعالى لا يَحُلُّ في خلقه لأنَّ الله خالقُ الروح ليس مثلَ الروح يدخُلُ في العباد، حاشا. هو ليس كمثله شىء، إنما قلوبُ الأولياء والصالحين مخلوقاتٌ أحياها الله تبارك وتعالى بِذِكْرِهِ وطاعتِهِ وليس لها خُصوصيةٌ بدخول الله إليها. بل الذي يعتقد أنَّ الله يدخُلُ إلى داخل الأولياء والصالحين كافر لأنه جَعَلَ اللهَ مثلَ الروح، ما عَرَفَ الله تبارك وتعالى. وهذه العبارة ليست عبارةً معهودة عن السلف " الله يسكُنُ قلوبَ أوليائه " لا ينبغي أنْ يقولَها الإنسان. ومنْ قالَها وهو يعتقد أنَّ الله يدخُلُ إلى قلوب الأولياء فهذا كَذَّب الدين. نعوذ بالله من ذلك. -قال المؤلف : وليس المقصودُ بالمعراج وصولَ الرسولِ إلى مكان ينتهي وجودُ الله تعالى إليه : أيضًا المعراج قد يتوهمُ بعضُ الناس أنَّ المعراج يدلُ على أنَّ الله قاعد فوق، هكذا قد يظُنُّون. لماذا أُسرِيَ بالنبيّ عليه الصلاة والسلام ثم عُرِجَ به إلى السموات إلى سِدرة المنتهى وإلى ما فوق ذلك ؟ بل إلى ما فوق السماء السابعة ؟ لماذا هذا ؟ بعض الناس قد يظنُّ أنَّ هذا حتى يلتقي بالله لأنَّ الله قاعدٌ فوق، لا، وهذا ليس له نصيبٌ من الحقيقة أبدًا. إنما أوضَحَ ربُّنا في القرءان لماذا أُسْرِيَ بالنبيّ عليه الصلاة والسلام، { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حولَه لِنُرِيَهُ من ءاياتنا } فكان الإسراءُ حتى يُرِيَ اللهُ تعالى نبيَّه من ءاياته. وكذلك المعراج حتى يُرِيَهُ الله تعالى من ءاياته، وقد أطلَعَهُ اللهُ تعالى على ءايات كثيرة، عليه الصلاة والسلام. بل إنَّ الله أطلَعَهُ على النار فرآها وأدْخَلَهُ الجنة فرأى ما فيها بعد أنْ دَخَلَهَا عليه الصلاة والسلام، أي رأى جُزءًا مِمَّا فيها بعد أنْ دخلَها صلّى الله عليه وسلّم. لهذا كان المعراج، ليس معناه أنَّ النبيَّ طَلَعَ وصلَ إلى مكان اللهُ موجودٌ فيه وقَعَدَ مع الله !!! لا مناسَبَةَ بين الخالق والمخلوق مهما كان شرفُ هذا المخلوق، الله تبارك وتعالى موجودٌ لا يشبه الموجودات، { ليس كمثله شىء } ليس جسمًا مثلَنا، فمنِ اعتقد أنَّ الله جسمٌ مثلَنا لا يكونُ عَرَفَ الله، يكونُ اعتقدَ أنَّ الله هو مثلُ المخلوقات. شَبَّهَ اللهَ بخلقه، نعوذُ بالله من ذلك. -قال المؤلف : ويكفُرُ مَنِ اعتقد ذلك : ما عَرَفَ الله. -قال المؤلف : إنما القصدُ من المعراج هو تشريفُ الرسول صلّى الله عليه وسلّم بإطلاعه على عجائبَ في العالم العلويّ، وتعظيمُ مكانته : إظهارُ عظيمِ مكانتِهِ صلّى الله عليه وسلّم بأنْ يوصِلَه اللهُ إلى مكان ما وصَلَهُ مَنْ قبلَه من الأنبياء. يُصْعِدَهُ اللهُ إلى ما فوق سِدرة المنتهى بل إلى ما فوق السماء السابعة. -قال المؤلف : ورؤيتُه للذات المقدَّس بفؤاده من غير أنْ يكونَ الذاتُ في مكان وإنما المكانُ للرسول : ومن جملة ما أعطاه اللهُ تعالى لنبيّه عليه الصلاة والسلام ليلةَ المعراج أنَّ اللهَ أراه ذاتَه المقدَّس بعدما صَعِدَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام في المعراج إلى ما فوق السموات السبع، الله تعالى أعطاه في قلبه قوةً، قوةَ الرؤية فرأى اللهَ تبارك وتعالى لا كما يُرى المخلوق، لا في جهة أمام ولا خلف ولا يمين ولا شِمال ولا فوق ولا تحت، من غير أنْ يكونَ اللهُ في مكان. إنما النبيُّ كان في ذلك المكان، عليه الصلاة والسلام لكنْ اللهُ أعطاه في قلبه قوةَ الرؤية فرآه بفؤاده، ليس رآه داخل فؤاده، لا، إنما اللهُ أعطى فؤادَ النبيّ عليه الصلاة والسلام قلبَه قوةَ الرؤية فرأى اللهَ تعالى بفؤاده. لأجل مِثْلِ هذا كان المعراج. -قال المؤلف : وأمَّا قولُهُ تعالى { ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى } : أيضًا مَنْ لا يعرِف معنى هذه الآية قد يظُنَّ أنَّ الله نَزَلَ واقترب. دنا اقترب، تدلَّى نَزَل. أي قد يظنُّ أنَّ الله تعالى كان فوق ثم نَزَلَ نَزَلَ فاقترب من النبيّ عليه الصلاة والسلام حتى صار بعيدًا عنه مِقدارَ ذِراعيْنِ أو أقلّ. وليس هذا معنى الآية لأنَّ الله كما قلنا ليس جسمًا يكون فوق ثم ينزل إلى تحت، يصعد، هذه صفةُ المخلوقين. إنما المقصودُ بهذه الآية جبريل عليه السلام، جبريلُ رآه النبيُّ عليه الصلاة والسلام على خِلقته التي خَلَقَهُ اللهُ عليها، له سِتُّمائة جَنَاح. اقترب من النبيّ، عظيم الخِلقة جدًّا، اقترب من النبيّ عليه الصلاة والسلام كثيرًا حتى صار بعيدًا عنه مِقدارَ ذِراعيْن أو أقلّ، هذا معنى الآية. وهذا ليس كلامي ولا كلامُ زيد ولا عمر ولا كلامٌ جاء به المصنِّفُ سيخُنا رحمه الله تعالى بتقدير منه ولا باستنباط، إنما هذا تفسيرَ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم لهذه الآية. ليس لنا أنْ نُفَسِّرَ هذه الآية بغير ذلك. -قال المؤلف : فالمقصودُ بهذه الآيةِ جبريلُ عليه السلام حيث رءاهُ الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم بمكةَ بمكان يقالُ له أجيادُ وله سِتُّمائةُ جَنَاحٍ سادًّا عُظْمُ خَلْقِهِ ما بين الأفُق : هكذا عِظَمُ خَلْقِهِ، هكذا الروايةُ في كثير من روايات هذا الحديث. العِظَم معناه كِبَرُ خلقه. لِكِبَرِ خَلْقِهِ، لِكِبَرِ حجمه سَدَّ الأفُق. وفي بعض الروايات عُظْمُ خلقه بالضمّ، والعُظْمُ معناه الأغلب. معناه أغلبُ خَلْقِهِ سَدَّ الأُفُق، أغلبُ حجمِ جبريل سَدَّ الأفُق حتى ليس كلُّ حجمه، بل جزءٌ من حجمه الذي هو الأغلب كان كافيًا لِيَسُدَّ الأفق من عِظَمِ حجمه عليه السلام. -قال المؤلف : كما رءاه مرةً أخرى عند سدرة المنتهى كما قال تعالى { ولقد رءاه نَزْلَةً أخرى عند سدرة المنتهى } : سدرةُ المنتهى هي السِّدْرةُ، شجرةُ السِّدْر، عظيمة جميلةٌ جدًّا، أصلُها في السماء السادسة وترتفِعُ إلى السابعة. إليها ينتهي صعودُ مَنْ يصعَدُ من تحت من الملائكة وينزِلُ مَنْ ينزِل من فوق من الملائكة إلى السدرة، لذلك سُمِّيَتْ سِدْرَةَ المنتهى. النبيُّ عليه الصلاة والسلام رأى جبريلَ مرة ثانية عند سدرة المنتهى، هذا معنى الآية، على خِلْقَتِهِ التي خَلَقَهُ الله عليها. وبهذا نكونُ بيَّنَّا أنَّ الله تبارك وتعالى موجودٌ بلا مكان، وبيَّنَّا معانيَ بعضِ الآيات والأحاديث والأمور التي قد يتوهمُ منها الإنسانُ خلافَ ذلك.