الصراط المستقيم – الدرس 7

قال المؤلف : وأمَّا ما في مسلم : ما في صحيح مسلم يعني. -قال المؤلف: من أنَّ رجلا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألَه عن جارية له قال "قلتُ يا رسول الله أفلا أُعْتِقُها، قال " ءاتِني بها " فأتاه بها فقال لها " أين الله " قالت " في السماء " قال " منْ أنا " قالت " أنتَ رسولُ الله " قال " أعتِقْها فإنها مؤمنة " : هذا الحديث حَصَلَ في رجل كان أراد أنْ يُعْتِقَ جاريةً له، لأمر ما أراد أنْ يعتِقَ جارية. وأراد أنْ يتحَقَّقَ من إسلامها يعني أنْ يزداد تَيَقُّنًا وتأكُّدًا من أنها مسلمة، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأخبره بذلك فقال له النبيُّ عليه الصلاة والسلام " ادْعُها " فدعاها إليه فقال لها " أين الله " قالت " في السماء " قال " مَنْ أنا " ؟ قالت " رسولُ الله " قال " أعتِقْها فإنها مسلمة ". هذا الحديثُ هو الذي سنتكلَّمُ عنه إنْ شاء الله تعالى. -قال المؤلف : فليس بصحيح لأمرين : يعني يقولُ شيخُنا رحمه الله " هذا الحديثُ لا تقومُ به حُجَّة لاعتقاد أنَّ الله تبارك وتعالى موجودٌ في السماء لأمرين اثنين، لسببين اثنين، يعني ليس ثابتًا لسببين اثنين. -قال المؤلف : للإضطراب لأنه رُوِيَ بهذا اللفظِ وبلفظ " مَنْ ربُّكِ " فقالت " الله " وبلفظ " أين الله " فأشارت إلى السماء " وبلفظِ " أتشهدين أنْ لا إله إلا الله " قالت " نعم " قال " أتشهدين أني رسولُ الله " قالت " نعم " : هذا الحديثُ يُحْكَمُ عليه بأنه غيرُ ثابت على ما ذهب إليه شيخُنا رحمةُ الله عليه لأمرين اثنين، الأمرُ الأول للإضطراب يعني أنَّ الحديث إذا رُوِيَ بروايات كلُّها متساويةٌ في القوة، ليس بينها روايةٌ أقوى من رواية ثانية وكانت روايتُهُ مختلِفةً من حيث المعنى بحيث لا يمكنُ الجمعُ بينها يدلُّ هذا على أنَّ هذا الحديث لم يُعْتَنَ بنقله على ما ينبغي لذلك يُحْكَمُ عليه بالضَّعْف، مثلُ هذا الحديث يسمُّونَه حديثًا مضطربًا. وهذا الحديثُ المشهور بين العلماء باسم حديث الجارية، هذا الحديثُ رُوِيَ بروايات مختلِفة، في بعضها " أين الله "، في بعضها " أنها كانت خرساء " في بعضها " أتشهدين أنْ لا إله إلا الله " قالت " نعم " قال " أتشهدين أني رسولُ الله " قالت " نعم "، في بعضها أنه قال لها " مَنْ ربُّكِ " قالت " الله " قال " مَنْ أنا " ؟ قالت : رسولُ الله ". إذن هذا الحديثُ رُوِيَ بروايات مختلفة وهذه الرواياتُ كثيرٌ منها متساو في القوة ولا يمكنُ الجمعُ بينها فَيُحْكَمُ عليه بالإضطراب كما أشار إلى ذلك بعض العلماء. وفي كلام البيهقي ما يشيرُ إلى عدم تصحيحه لهذا الحديث. فإذن هنا أريدُ أنْ ألفُتَ الإنتباه أنَّ عدمَ التصحيح ليس راجعًا لضَعْفٍ في الرُّواة إنما عدمُ التصحيح لأجل الإضطراب بين الروايات المختلفة، هذا هو السببُ الأول. والسببُ الثاني الآن نعرِفُهُ إنْ شاء الله. -قال المؤلف : والأمرُ الثاني أنَّ روايةَ " أين الله " مخالفةٌ للأصول : يعني هذه الرواية " أين الله " تخالِفُ الأصولَ المتفقَ عليها. هناك أصولٌ متفَقَ عليها، ثابتة في الشرع، ثابتة قطعًا. حديثُ الجارية هذا في كلِّ حال مهما قيل في إسناده ومهما قيل في قوته، حديثُ الجارية هذا حديثُ أفراد يعني ما رُوِيَ من طريق جماعة عن جماعة إنما رُوِيَ من طريق أفراد. وهذا الحديثُ الذي رُوِيَ من طريق أفراد لا يكونُ قَطْعِيَّ الثُّبُوت إنما يكونُ ظَنِّيَّ الثبوت، لا يكونُ في قوة ثُبُوته مثل الحديث الـمَرْويّ بالتواتر مثلا من طريق جماعة عن جماعة وهكذا بالشروط المعروفة. لأنَّ الحديثَ إذا كان مَرْوِيًّا من طريقِ واحد، هذا الراوي الواحد قد ينسى، قد يَسْهو، قد يُخطِىء، يجوزُ عليه كلُّ هذا. لذلك لا يكونُ في القوة مثلَ الحديث الصحيح الـمَرْوي من طريق جماعة من الرواة. ففي كلِّ حال هذا الحديثُ حديثُ الجارية حديثُ آحاد. وهناك أصول ثابتة في الشرع اتفق علماءُ الإسلام عليها، بالإتفاق وَقَعَ عليها الإجماع، والإجماع حجَّة قطعية في دين الله تبارك وتعالى، فوقعَ الإجماع عليه. هذه الرواية لو أردنا أنْ نأخُذَ بها بلفظ " أين الله " قالت " في السماء " الخ، لكانت هذه الرواية مناقِضَةً لهذه الأصول الثابتة في الشرع، فلذلك لـَمَّا ناقَضَتْ ما هو أقوى منها بكثير رُدَّتْ، لـَمَّا كان لا يمكنُ الجمعُ بينها وبين هذه الأصول الثابتة رُدَّتْ هذه الرواية لأنَّ الأصول الثابتة لا تُرَدُّ. يعني إذا كان هناك شىء معلوم قطعًا أنَّ هذا الأمر هكذا ثم سَمِعَ الإنسان خبرًا ليس بقوة هذا الشىء، ليس بقوة القَطْع الذي عليه الشىءُ الأول، يُناقِضُه، ماذا يقول ؟ يقول " هذا الخبر غيرُ صحيح ". خمسون إنسانًا ثقةً أخبروكَ أنَّ زيدًا قاعدٌ في الغرفة ثم جاء واحد أخبروك عن رؤية،رأوْا زيدًا قاعد في الغرفة ثم جاء واحد قال لكَ أنا لا أظنُّ أنَّ زيدًا في الغرفة، أو زيدٌ ليس في الغرفة، أنتَ تقول له " أنتَ مخطىء " هذا معناه. روايةُ الآحاد لا تعارِضُ لا تُقاوِمُ الأصولَ الثابتة في الشرع. ومن الأصول الثابتة في الشرع المتفق عليها أنَّ الدخولَ في الإسلام هو بلفظ " أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله " ومن الأصول الثابتة في الشرع أنه لا يُشهَدُ للشخص أنه مسلم بمجرد قول " الله في السماء " لأنَّ هذا أمر يشترِك فيه النصراني واليهودي وغيرُهما، ويُحْمَلُ على معانٍ مختلفة، يحتمِلُ معانيَ مختلفة. إذن كيف يُشْهَدُ للشخص ويُحْكَمُ عليه بأنه مسلم بمجرد قول " الله في السماء " ؟ لا يُحْكَمُ عليه بمجرد ذلك بأنه مسلم. لـَمَّا كانت هذه الروايةُ تخالفُ هذا الأصلَ الثابت أيضًا رُدَّتْ هذه الرواية ولم تُقْبَل، رُدَّتْ بمخالفتها للأصول، وهذا شىءٌ يعرِفُهُ علماءُ الإسلام، معروفٌ بينهم، يعرِفُهُ، وهذا شىءٌ يعرِفُهُ علماءُ الإسلام. -قال المؤلف : لأنَّ من أصول الشريعة أنَّ الشخصَ لا يُحكمُ له بقول " الله في السماء " بالإسلام لأنَّ هذا القولَ مُشْتَرَكٌ بين اليهود والنصارى وغيرِهم : حتى فرعون كانت عقيدتُهُ أنَّ الإله قاعدٌ في السماء أو ادَّعى ذلك. -قال المؤلف : وإنما الأصلُ المعروف في شريعة الله ما جاء في الحديث المتواتر " أمِرْتُ أنْ أقاتِلَ الناسَ حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأني رسولُ الله " : فإذن، إذا مَشَيْنَا على أنَّ هذه الرواية تساوي باقي رواياتِ الحديث في القوة فإنَّ هذا الحديث لا يكونُ مقبولا لأنه مضطرب ولأنه يخالفُ الأصول. مضطرب لأنَّ رواياتِهِ تختلِف ولا يمكنُ الجمعُ بينها. -قال المؤلف : ولفظُ روايةِ مالكٍ " أتشهدين " موافقٌ للأصول : أمَّا إذا مَشَيْنا على أنَّ هذه الروايات ليست متساويةً في القوة إنما بعضُها أقوى من بعض، ولاحظنا أنَّ رواية مالكٍ أقوى من رواية مسلم لأمور يعرِفُها أهلُ الحديث، إذن يكونُ الأخذُ برواية مالك وروايةُ مسلم لا يؤخَذُ بها لأنه أضعف، وروايةُ مالك الأقوى، لفظُها " أتشهدين أنْ لا إله إلا الله " قالت " أشهد " قال " أتشهدين أنَّ محمدًا رسولُ الله " قالت " نعم " فإذن روايةُ مالكٍ موافقةٌ للأصول. لـَمَّا كانت أقوى وكانت موافقةً للأصول كان الإعتمادُ عليها ولم يكن الإعتمادُ على رواية مسلم التي هي أضعف والتي هي مخالفةٌ للأصول. -قال المؤلف : فإنْ قيل " كيف تكونُ روايةُ مسلم " أين الله " فقالت " في السماء " إلى ءاخره مردودةً مع إخراج مسلم لها في كتابه، وكلُّ ما رواه مسلم موسومٌ بالصحة : إذا قال قائل " هذا الحديث في صحيح مسلم ومسلمٌ أخرج في صحيحه هذا الأحاديث الصحيحة، كيف يكونُ هذا الحديثُ ضعيفًا ؟ إذا سأل سائلٌ ذلك ؟ -قال المؤلف : فالجواب أنَّ عددًا من أحاديثِ مسلم ردَّها علماءُ الحديث : يعني مسلم ذكر الأحاديث التي صحَّتْ من حيث الإسناد، إسنادُها بحسب الظاهر صحيح لكنْ يوجد في صحيحه بعضُ الأحاديث، عدد قليل من الأحاديث علماءُ الحديث قالوا ليست صحيحة، هذه الأحاديثُ ليست صحيحة في الحقيقة. -قال المؤلف : وَذَكَرَهَا المحدِّثون في كتبهم كحديث أنَّ الرسول قال لرجل " إنَّ أبي وأباكَ في النار " : هذا الحديثُ الحافظُ السيوطيُّ قال عنه غيرُ ثابت. -قال المؤلف : وحديث إنه يُعطى كلُّ مسلم يوم القيامة فِداءً له من اليهود والنصارى : وهذا أيضًا قالوا غيرُ ثابت لأنَّ معناه أنه لا يُعَذَّبُ أحدٌ من المسلمين، كلُّ مسلم يُعَذَّبُ بَدَلَه واحد من اليهود أو النصارى، إذن لا يُعَذَبُ أحدٌ في النار، لكنْ هذا عكسُ ما جاء في القرءان وفي الأحاديث الأخرى الثابتة لذلك قالوا هذا الحديثُ غيرُ ثابت. كما أنَّ حديثَ الجارية بلفظ " أين الله " قالت " في السماء " يُخالِفُ الأصولَ الثابتة لذلك قالوا " غيرُ ثابت " يخالِفُ الحديثَ " حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأني رسولُ الله " لذلك قالوا " غيرُ ثابت ". -قال المؤلف : وكذلك حديثُ أنس " صليتُ خلفَ رسول الله وأبي بكرٍ وعمر فكانوا لا يَذْكُرون بسم الله الرحمن الرحيم : هذا أيضًا أخرجَه مسلم، والإمام الشافعي قال عنه " ضعيف " بهذا اللفظ ضعيف. -قال المؤلف : فأمَّا الأولُ ضَعَّفَهُ الحافظُ السيوطي : كما ذكرنا. -قال المؤلف : والثاني ردَّه البخاري والثالثُ ضَعَّفَهُ الشافعي وعددٌ من الحفاظ : فإذن قد يكونُ الحديثُ في مسلم لكنه يكونُ ضعيفًا مردودًا لسبب من الأسباب. ثم هذا الحديث حديثُ الجارية من الأحاديث التي رواها البخاري لكن البخاري ما أدْخَلَه في كتابه الصحيح وذلك لـِمَا فيه من الخلل. البخاريُّ لاحظ هذا الخلل الذي في هذا الحديث فلم يُدْخِلْهُ في كتابه الصحيح. قال المؤلف : فهذا الحديثُ على ظاهره باطلٌ لمعارضته الحديثَ المتواتر المذكور : أي لمعارضته حديث " حتى يقولوا " أو " حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأني رسولُ الله " فإنه متواتر، هذا مقطوع به، حديثٌ متواتر وعليه مَشَى الأئمة، كلُّ الأئمة يقولون " الكافر لا يدخل في الإسلام إلا بقول " أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله " أو ما يعطي معناهما. هذا عارض ذلك الحديثَ المتواتر حديثُ الجارية فلا يؤخَذُ به. -قال المؤلف : وما خالف فهو باطلٌ إنْ لم يقبل التأويل. اتفق على ذلك المحدِّثون والأصوليون : يعني خلاصة الكلام أنَّ بعضَ المشبهة يتمسَّكون بهذا الحديث، حديثِ الجارية حتى يقولوا إنَّ الله تعالى موجودٌ بذاته في السماء، قاعد في السماء. نحن نقولُ لهم " هذا الحديث إذا أخذتموه على ظاهره كان معناه وفسَّرتموه، إذا أخذتموه على ظاهره وفسَّرتُموه أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام سأل الجارية في أيِّ مكان الله موجود " هكذا فسرتُموه، فقالت له " الله موجودٌ في السماء " إذا حَمَلْتُموه على ذلك يكونُ هذا الحديثُ مناقِضًا للأحاديث الأخرى للروايات الأخرى التي ليست بهذا اللفظ. الرواياتُ الأخرى أنه قال لها " مَنْ ربُّكِ " قالت " الله " قال " مَنْ أنا " ؟ قالت " رسولُ الله " انظروا البُعْد الكبير بين هذه الرواية وهذه الرواية. إذا، الروايةُ الأخرى التي رواها مالك " أتشهدين أنْ لا إله إلا الله " قالت " نعم " " أتشهدين أنَّ محمدًا رسول الله " ؟ قالت " نعم " انظر البعد الكبير بين هذه وهذه. إذا أردتم أنْ تتمسكوا بأخذ هذا الحديث على ظاهره وتفسيره بأنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام سأل الجارية عن مكان الله الذي هو موجود فيه وأنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام أجابَها بأنَّ الله قاعد في السماء " فقد جعلتُمُ الرواياتِ متضاربة متناقضة، وهذا معناه أنَّ الحديث مضطرب وهذا معناه أنَّ الحديث غيرُ صحيح فكيف تحتجُّون به ؟ وأيضًا إذا أخذتم الحديث على هذا التفسير يكونُ معنى كلامكم أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام حَكَمَ للجارية بالإسلام بقولها " الله في السماء " لكنْ الأصلُ المقرر في الدين والذي عليه الإجماع والأحاديثُ المتواترة عن نبيّ الله عليه الصلاة والسلام كلُّها تفيد وتدلُّ أنه لا يحكَمُ للإنسان أنه صار مسلمًا إلا بالنطق بالشهادتين، لا يحكمُ له بالإسلام لمجرد قول " الله في السماء " فقد جعلتم هذا الحديث مناقِضًا للأصول المقررة المتواترة التي مقطوعٌ بها أنها من دين الله. فهل نترُكُ الأصولَ المقطوعَ بها ونأخُذ بتفسيركم ؟!!! أو يترَكُ هذا التفسيرُ الباطل ونتمسَّكُ بالأصول ؟ الجواب معروف، يُتْرَكُ التفسيرُ الباطل ونتمسكُ بالأصول. إذن إذا قال المشبهة إنَّ هذا الحديثَ معناه أنَّ الله تبارك وتعالى قاعدٌ في السماء يكونون قد ضربوا الأحاديثَ بعضَها ببعض وعارضوا الأصولَ القطعية، فليس لهم حُجَّة في ذلك، وليس لهم مُتَمَسَّك لأنَّ هذا الفعلَ منهم مردودٌ مرفوض لا يُقْبَلُ به. -قال المؤلف : لكنْ بعضُ العلماء أوَّلوه على هذا الوجه، قالوا معنى " أين الله " سؤالٌ عن تعظيمها لله، وقولُها " في السماء " عالي القدر جدًّا : لكنْ بعض العلماء قالوا " لا نفعلُ كما فعل المشبهة إنما نفسرُ هذا الحديث تفسيرًا صحيحًا يتوافقُ مع الروايات الأخرى ويتوافقُ مع الأصول المقرَّرَةِ في الدين. ماذا قالوا ؟ قالوا " هذا الرجل كان أخبر النبيَّ عليه الصلاة والسلام أنَّ الجارية مسلمة وأنه يريدُ أنْ يُعْتِقَها. النبيُّ عليه الصلاة والسلام أراد أنْ يزدادَ تأكُّدًا فقال لها " أين الله " يعني ماذا تعتقدين في الله من المكانة ؟ " أين " العرب في لغتهم الأصلية التي نحن بعيدون عنها كثيرًا في أيامنا، في لغتهم الأصلية العربُ يتكلَّمون بهذا، يقولون " أين فلان " معناه ما هي مرتَبَتُهُ ؟ بل حتى في اللغة العامية نحن في أيامنا نتكلَّم بهذا، نقول " وين فلان هالأيام " ؟ لا نقصِد في أيّ مكان هو إنما نريدُ ما حالُه ؟ ما شأنُهُ ؟ وما يشبهُ ذلك من العبارات التي لا أريدُ التوسُّعَ فيها الآن. فإذن العرب يقولون " أين فلان " بمعنى ما هي مرتَبَتُهُ ؟ فقال النبيُّ " أين الله " ماذا تعتقدين في الله من المكانة ؟ ماذا تعتقدين في الله من المرتبة ؟ هل تعتقدين أنَّ هذه الأصنام التي يعبُدُها المشركون في الأرض شركاء لله أو أيش ؟ فقالت " في السماء " يعني أعلى من كلِّ شىء قدرًا. الله تبارك وتعالى أعلى من كلِّ شىء قدرًا، والعربُ تقولُ ذلك " فلانٌ في السماء " أي عالي القدر. بعض العامة في بلادنا يقولون " فلان بِللُّوج " ولا يقصِدون أنه قاعد فوق، يقصِدون أنَّ حالَه عالية. فإذن قالتِ الجاريةُ " الله في السماء " أي أعلى من كلِّ شىء قدرًا. إذا فسرنا، قال هؤلاء العلماء " إذا فسرنا الحديثَ بهذا التفسير الذي توافقُ عليه لغةُ العرب ويوافقُ العقيدة يصيرُ هذا التفسيرُ للحديث موافقًا للروايات الأخرى، لكن الراوي عَبَّرَ بلفظٍ من عنده وأمَّا المعنى فهو موافقٌ للروايات الأخرى، وإذا كان موافقًا للروايات الأخرى قَبلناه ولم يَعُدْ فيه معارضة ولا عاد مخالِفًا للأصول. فعلى هذا الوجه أوَّلوه وقَبِلوه. -قال المؤلف : أمَّا أخذه على ظاهره من أنَّ الله ساكنُ السماء فهو باطل مردودٌ. وقد تقررَّ في علم مصطلح الحديث أنَّ ما خالفَ المتواتر باطلٌ إنْ لم يقبلِ التأويل : لأنَّ تفسيره كما قال المشبهة بأنَّ الله قاعد فوق يخالفُ الحديثَ المتواتر، وما خالف الحديثَ المتواتر مردود لأنَّ المتواتر قطعًا صحيح. إذن كلُّ ما خالَفَه غيرُ صحيح. -قال المؤلف : فإنَّ ظاهرَه ظاهرُ الفساد، فإنَّ ظاهرَه أنَّ الكافر إذا قال الله في السماء يُحكمُ له بالإيمان : يعني خلاصةُ الكلام في هذا على حسب ما قَرَّرَهُ شيخُنا رحمه الله أنَّ بعض العلماء قالوا يجوزُ أنْ نجمَعَ بين الأحاديث، يَصِحُّ أنْ نجمَعَ بينها، كيف ؟ نُفَسِّرُ حديثَ " أين الله " بأنه سؤالٌ عن المكانة، وقولُها " في السماء " أنه أعلى من كلِّ شىء قدرًا. الشاعرُ قال " أين الثُّريَّا وأين الثَّرى وأين معاوية وأين عليّ " معناه ما رُتْبَةُ معاوية وما رتبةُ عليّ ؟ ولم يكنْ يقصِدُ أين يقعُدُ معاوية وأين يقعُدُ عليّ. وكذلك بعضُ الصحابة قال " بَلَغْنَا السماءَ مجدُنا وثناؤنا " ولا يقصِدُ أنه صار قاعدًا في السماء، إنما أنه بَلَغَ مرتبةً عالية. قالوا " نستطيعُ أنْ نجمَعَ بين الأحاديث، هذه الرواية التي رواها مسلم نفسِّرُها بأنَّ النبيَّ سألها عن المكانة، ماذا تعتقدين في الله من الرتبة ؟ فقالت " أعلى من كلِّ شىء قدرًا. إذا فسرناها بذلك تصيرُ هذه الرواية مؤتَلِفَةً متوافقةً مع رواية مالك وباقي الروايات فنجمعُ بينها ونقبَلُ الحديثَ على هذا الأساس، هذا مسلَكٌ. مسلَكٌ ثانٍ قال بعض العلماء " يمكن الترجيحُ بين الروايات " يعني هذه الروايات ليست متساويةً في القوة، قوتُها مختلفة. فرواية مالك التي هي بلفظ " أتشهدين أنْ لا إله إلا الله " قالت " نعم " " أتشهدين أني رسولُ الله " ؟ قالت " نعم " أقوى من رواية مسلم، فَتُتْرَكُ روايةُ مسلم ويؤخَذُ برواية مالك لأنه لا يمكنُ الجمعُ بينها، فتؤخَذُ بالرواية الأقوى وتُتْرَكُ الروايةُ الأضعف هذا ظاهر. المسلَكُ الثالث أنه لا يمكنُ الجمعُ وأنَّ الروايات متساوية في القوة. إذا قلنا " لا يمكنُ الجمع " والروايات متساوية في القوة، إذن الحديث رُوِيَ بألفاظ مختلفة وهذه الألفاظُ المختلفة لا يمكنُ الجمعُ بينها، معانيها متضاربة، يكونُ الحديثُ مضطربًا والحديث المضطرب يكونُ ضعيفًا فلا تقومُ به حُجَّة. على المسالك الثلاثة لا حجةَ لهؤلاء المشبهة بالتمسك بهذا الحديث. إنْ سَلَكنا هذا المسلَك لا حُجَّة لهم، إنْ سلكنا هذا المسلك لا حجة لهم، إنْ سلكنا هذا المسلك لا حجة لهم. -قال المؤلف : وحَمَلَ المشبهة رواية مسلم على ظاهرها فضلُّوا : يعني المشبهةُ قالوا " إنَّ معنى رواية مسلم أنَّ الله قاعد بذاته في السماء " هو قاعد فوق واعتقدوا ذلك وأثبَتوا الحديث بهذا، فضلُّوا لأنهم شبَّهوا اللهَ بالخلق، جعلوا الله مِثْلَنا له طول وعرض وحجم، جعلوه جسمًا له هيئة وصورة، وهذا ضلال والعياذ بالله، تكذيبٌ للدين. -قال المؤلف : ولا يُنجيهم من الضلال قولُهم إننا نحمِلُ كلمةَ في السماء بمعنى إنه فوق العرش لأنهم يكونون بذلك أثبتوا له مِثلا وهو الكتابُ الذي كَتَبَ اللهُ فيه " إنَّ رحمتي سبقت غضبي " فوق العرش : بعض المشبهة ظنَّ نفسَه ذكيًّا فقال " في السماء " لا نفسِّرُها على ظاهرها. بعض أهل السّنة قال "في السماء" لا نُفَسِّرُها على ظاهرها لكنهم فَسَّروها بمعنى توافق عليه اللغة ويوافق عليه الشرع. أمَّا هذا المشبهه فقال " لا نفسِّرُ " في السماء " أي أنَّ الله موجودٌ بذاته في السماء، لكنْ نقول "في السماء" أي فوق السماء ". هيك قال، قال على هذا المعنى نُفَسِّرُ " في السماء " فعند ذلك لا يكونُ هناك تعارضٌ بين هذه الرواية وبين روايات أخرى نقولُها. إيه بعضهم هيك قال، إذا قلنا " فوق السماء " هيك فكَّر، أنه لا يكونُ في هذا تشبيه لله بالمخلوقات، وهذا شىء عجيب لأنه إذا قال " فوق السماء بالـمَسافة " جَعَلَ بين الله وبين السماء مسافة وجعل لله حدًّا وصورة وهيئة وجعل الله عديلا مساويلا للكتاب الذي هو فوق العرش. هم يقولون " فوق السماء يعني فوق العرش " ولو قالوا هذا، جعلوا مسافةً بين السماء وبين الله وجعلوا اللهَ مساويًا للكتاب الموجود فوق العرش المكتوبُ فيه " إنَّ رحمتي سبقت غضبي " أي إنَّ رحمتي غَلَبَتْ، أي إنَّ مظاهر الرحمة غلبتْ مظاهرَ الغضب يعني مظاهر رحمةِ الله أكثر من مظاهر غضبه بكثير. الجنة أوسع من النار، الملائكة أكثر بكثير من الإنس والجن وغير ذلك، وهكذا. مظاهرُ الرحمة أكثرُ من مظاهر الغضب، هذا معناه، فهذا الكتابُ المكتوبُ فيه ذلك جاء في الحديث أنه فوق العرش. إذا قالوا الله فوق العرش جعلوا الله مثلَ ذلك الكتاب. فَرُّوا من التشبيه بزعمهم حتى يقعوا في التشبيه لأنَّ عقيدتهم من الأصل مبنيةٌ على تشبيه الله بخلقه، على اعتقاد الجسمية في حق الله، وهذا تشبيه مهما حاولوا. الله يَعْصِمُنا من مثلِ ذلك. -قال المؤلف : فيكونون أثبتوا المماثلةَ بين الله وبين ذلك الكتاب لأنهم جعلوا اللهَ وذلك الكتابَ مستقِرَّيْن فوق العرش فيكونون كذَّبوا قولَ الله تعالى { ليس كمثله شىء } : كما شرحنا ذلك. -قال المؤلف : وهذا الحديثُ رواه ابنُ حبانَ بلفظ " مرفوعٌ فوق العرش " : لماذا ذَكَرَ المصنِّفُ رحمةُ الله عليه هذه الرواية ؟ لأنَّ بعض الوهابية ظنَّ نفسَه ذكيًّا، بعضهم هكذا يقول، يقول هذا الكتاب فوق العرش معناه تحت العرش فلا يكونُ مساويًا لله لأنَّ مكان الله أعلى من مكانه، هكذا يقولون. لكنْ ابنُ حبان روى الحديثَ بلفظ " مرفوعٌ فوق العرش " فلم يبقَ مجال لتفسير فوق بمعنى تحت، أصلا لا يصحُّ تفسيرُها بذلك. إذا قلتَ لإنسان : فلان فوق السطح بيكون تحت السطح ؟؟؟ هذا لا يُقْبَل في لغة العرب وكذلك هنا، لكنْ هم هكذا قالوا. لو مَشَيْنا على ما قالوا، لو قلنا تَنَزُّلًا يأتي بهذا المعنى على ما قالوا لكنْ روايةُ ابنِ حبان تنفيه لأنَّ في رواية ابن حبان " مرفوعٌ فوق العرش" في رواية البيهقي " مرفوعٌ فوق العرش " فهل يكونُ مرفوعًا فوق العرش وهو تحته ؟!!! لا يقال. -قال المؤلف : وأمَّا روايةُ البخاري فهي " موضوعٌ فوق العرش " : أيضًا في رواية البخاري " موضوعٌ فوق العرش " هل يقبَل أنْ يكونَ موضوعٌ فوق العرش معناه تحت العرش ؟ لا يُقْبَل. -قال المؤلف : وقد حَمَلَ بعضُ الناس فوقَ بمعنى تحت وهو مردودٌ برواية ابنِ حبان " مرفوعٌ فوق العرش " فإنه لا يَصِحُّ تأويلُ فوقَ فيه بتحت. ثم على اعتقادهم هذا يَلْزَمُ أنْ يكونَ الله محاذيًا للعرش : ثم على اعتقادهم أنَّ الله قاعد بذاته فوق العرش يَلْزَمُ أنْ يكونَ اللهُ بحذاء العرش (وضع الشيخُ يديه فوق بعض) إمَّا ملاصِق له أو فوقه، لكنْ بحذائه. -قال المؤلف : بِقَدْرِ العرشِ أو أوسعَ منه أو أصغر: وإذا كان بحذاء العرش إمَّا أنْ يكونَ أكبر أو بقدره أو أصغر، وفي الأحوال الثلاثة هذا إثباتُ الـمَساحة والتبعُّض والتركيب والجسمية لله. -قال المؤلف : وكلُّ ما جرى عليه التقديرُ حادثٌ محتاجٌ إلى مَنْ جعَلَه على ذلك المقدار : وكلُّ ما جرى عليه التقدير حادثٌ محتاج لمنْ جعله على ذلك المقدار. كلُّ شىء مُقَدَّر حادث. الحادث مخلوق وُجِدَ بعد عدم، يحتاجُ إلى مَنْ جَعَلَه على هذا المقدار. أليس قال ربُّنا { كلُّ شىءٍ عنده بـِمِقدار } معنا كلُّ شىء مخلوقٍ جَعَلَهُ اللهُ تعالى على مِقدار من المقادير. إذن المقدار صفةُ المخلوق. لـَمَّا قالوا " الله تعالى فوق العرش بذاته جعلوا له مِقدارًا، جعلوه مِثْلَ المخلوقين. تعالى اللهُ عن ذلك. -قال المؤلف : والعرشُ لا مناسبةَ بينه وبين الله : لا مناسَبَةَ أي لا مشابهةَ بين العرش وبين الله. أيَّةُ مناسبة بين المخلوق والخالق ؟!!! أمَّا هم جعلوا الخالقَ مثلَه. -قال المؤلف : كما أنه لا مناسبةَ بينه وبين شىء من خلقه. ولا يتشرَّفُ اللهُ بشىء من خلقه : الله لا يَتَعَظَّمُ بشىء من خلقه، هذا معنى " لا يتشرَّفُ ". الشرفُ العَظَمَة. الله لا يصيرُ عظيمًا بشىء من خلقه، الله عظيمٌ أزلا وأبدًا، لا ينقُصُ عظمتُهُ ولا تزيدُ سبحانه وتعالى. كاملُ العَظَمَة أزلا وأبدًا. أمَّا هؤلاء الوهابيةُ المشبهة ماذا يقولون ؟ يقولون "وجودُ الله على العرش هذه صفةُ كمال " العرش لم يكنْ مخلوقًا، ما كان موجودًا ثم خَلَقَهُ الله تبارك وتعالى. إذن قبل خَلْقِ العرش ما كان اللهُ تعالى عليه على حسب كلامهم، لكنْ هذه الصفة يزعُمُون أنها صفةُ كمال، إذن هذه صفة حَدَثَتْ لله بعد خلق العرش، إذن اللهُ تَعَظَّمَ وتَشَرَّفَ بالعرش، بسبب العرش صار متصفًا بصفة الكمال وبصفة العظمة، هل يُقْبَلُ مثلُ هذا ؟!!! قطعًا لا يُقْبَل. لذلك قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه " ولو كان الله محتاجًا للعرش والإستقرار عليه فقبل خَلْقِ العرش أين كان الله " معناه لو كان اللهُ جسمًا يحتاج للمكان ويتشرَّفُ بالكون على العرش، فَقَبْلَ خلقِ العرش ما كان متصفًا بذلك، إذن على زعمكم الله ما كان كاملا. لكنَّ الله لا يشبه المخلوقين، ليس جسمًا، لا يحتاجُ للعرش ولا لغيره ولا يتشرَّفُ لا بالعرش ولا بغيره من خلقه. -قال المؤلف : ولا ينتفعُ بشىء من خلقه. وقولُ المشبهة الله قاعدٌ على العرش شتمٌ لله لأنَّ القعودَ من صفة البشر والبهائم والجن والحشرات، وكلُّ وصفٍ من صفات المخلوق وُصِفَ اللهُ به شتمٌ له : مَنْ قال إنَّ الله قاعدٌ على العرش قد سَبَّ الله لأنَّ معنى قولِهِ قاعدٌ على العرش أنَّ الله يشبه المخلوقين، يقول إنَّ الله يشبه الخَلْق، وهذا تنقيصٌ لله، وصفٌ لله بصفات النقصان. لذلك كان شتمٌ له كما جاء في الحديث القدسي : قال الله تعالى " شَتَمَني عبدي ولم يكنْ له ذلك " ثم بَيَّنَ أنَّ شتمَه لله أنْ يقول العبدُ إنَّ لله ولدًا " إذا كان ادعاءُ ذلك شتمًا لله فهو لأنه نِسْبَةُ النقص إلى الله، لأنه تشبيهُ الله بخلقه وهذا تشبيهٌ لله بخلقه. فكما أنَّ هذا شتمٌ لله فهذا شتمٌ لله تبارك وتعالى أيضًا. لذلك لا يجوزُ أنْ يُنْسَبَ إلى الله أيَّةُ صفة من صفات المخلوقين، تعالى ربُّنا عن ذلك. -قال المؤلف : قال الحافظُ الفقيه اللغوي مرتضى الزبيدي " مَنْ جعل اللهَ تعالى مُقَدَّرًا بـِمِقدار كَفَرَ " : لأنه جَعَلَه مثلَ المخلوقات. -قال المؤلف : أي لأنه جعلَه ذا كمية وحجم، والحجمُ والكميةُ من موجِبَاتِ الحدوث : لأنه يكونُ ادَّعى أنَّ الله له حجم، والحجم والكمية تدلُّ على أنَّ المتصفَ بهما مخلوق حادث وُجِدَ بعد عدم. -قال المؤلف : وهل عرفنا أنَّ الشمس حادثةٌ مخلوقة من جهة العقل إلا لأنَّ لها حجمًا : كيف عرفنا أنَّ الشمسَ مخلوقة ؟ أليس اسْتَدْللنا بكونِها لها حجمًا على أنها مخلوقة. لو كان الله تعالى له حجم كما يقول هؤلاء المشبهة لكان مثلَها مخلوقًا. تعالى الله عن ذلك. -قال المؤلف : ولو كان الله تعالى حجمٌ لكان مِثْلا للشمس في الحجمية ولو كان كذلك ما كان يستحقُّ الألوهيةَ كما أنَّ الشمس لا تستحقُّ الألوهية. فلو طالب هؤلاء المشبهةَ عابدُ الشمس بدليل عقلي على استحقاقِ الله الألوهية وعدمِ استحقاقِ الشمسِ الألوهية لم يكنْ عندهم دليل : لو أنَّ عابد الشمس قال لهؤلاء المشبهة " لماذا تريدون مني أنْ أترُكَ ديني وأدْخُلَ في دينكم ؟ أنا أعبُدُ الشمس وهذا جسمٌ عظيم منيرٌ كلُّ أحد يُحِسُّ بنفعه، بنفعه للإنسان بنفعه للتُربة بنفعه للهواء وغير ذلك، لماذا تريدون أنْ أتركَ عبادةَ معبودي عبادةَ الشمس حتى أدخُلَ في دينكم " ؟ ماذا يقول له المجسم ؟!! يقول له " اترك عبادةَ الشمس حتى تعبُدَ هذا الجسم الذي نحن نتخيَّل أنه قاعدٌ فوق العرش " ؟!! يقولُ لهم عابدُ الشمس " هذا جسم وهذا جسم " معبودي الشمس كلُّ أحد يُحِسُّ بنفعه، معبودُكم ما أحد رءاه ولا أحد أحسَّ بنفعه، لماذا أتركُ عبادةَ الشمس حتى أعبُدَ معبودَكم ؟ بأيّ شىء يُجيبونَه ؟ ما عندهم جواب لأنَّ معبودَهم جسم وحجم يتخيَّلونَه كما أنَّ الشمس جسم وحجم، أيش يقولون له ؟ {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر } يقول " أنا لا أؤمنُ بكتابكم، أعطوني دليلا يدلُّ على أنَّ هذا ثابتٌ صحيح ؟ ماذا يقولون له ؟ ما عندهم دليل. أمَّا السُّنّيُّ يقول له " الشمسُ لها حجم وما كان له حجم محتاجٌ لمنْ خَصَّه بهذا الحجم، لماذا كانتِ الشمسُ على هذا الحجم ؟ لماذا كانت مستديرة لم تكنْ مربَّعة ؟ لماذا كانت حارة لم تكنْ باردة ؟ لماذا كانتِ الشمسُ على الصفات التي هي عليها ؟ ليست هي خَصَّتْ نفسَها بهذه الصفات، إذن هي محتاجةٌ لمنْ خَصَّها بذلك، وهذا الذي خَصَّها بذلك لا يشبهها، لأنه لو كان يشبيها لكان محتاجًا مثلَها، وهذا هو معبودُنا العالمُ بكلِّ شىء القادرُ على كلِّ شىء ". ماذا يقولُ عابدُ الشمس ؟ ما عنده كلام، ينقطِع، يسكُت. السُّنّيُّ يُقيمُ الحجةَ على عابد الشمس أمَّا الوهابي عاجزٌ عن إقامة الحُجَّة حتى على عابد الشمس. نعوذُ بالله من الضلال. -قال المؤلف : وغايةُ ما يستطيعون أنْ يقولوا قال الله تعالى { الله خالقُ كلِّ شىء } فإنْ قالوا ذلك لعابد الشمس يقولُ لهم عابدُ الشمس " أنا لا أؤمِنُ بكتابكم، أعطوني دليلا عقليًّا على أنَّ الشمس لا تستحقُّ الألوهية " فهنا ينقطِعون : ينقطِعون أي يسكُتون من غير أنْ يكونَ لهم حُجَّة، هذا معنى ينقطعون، لا يَجِدون حجة. -قال المؤلف : فلا يوجدُ فوق العرش شىء حيٌّ يسكنُهُ : لا يوجدُ ساكنٌ فوق العرش مستقرٌ هناك، لا يوجد، إنما يوجدُ الكتاب المكتوبُ فيه " إنَّ رحمتي سبقت غضبي " هذا الذي يوجدُ فوق العرش. -قال المؤلف : إنما يوجدُ كتابٌ فوق العرش مكتوبٌ فيه " إنَّ رحمتي سبقت غضبي " أي أنَّ مظاهرَ الرحمة أكثرَ من مظاهر الغضب : مظاهر الرحمة أي الأشياء التي خَلَقَها الله مِمَّا فيه رحمةٌ للناس، أكثر من مظاهر الغضب أكثرُ مِمَّا خَلَقَهُ اللهُ تعالى مِمَّا فيه عقوبة، هذا معنى مظاهرُ الرحمة أكثرُ من مظاهر الغضب. -قال المؤلف : الملائكةُ من مظاهر الرحمة وهم أكثرُ عددًا من قَطَرات الأمطار وأوراق الأشجار : في السماء الدنيا بيتٌ يقالُ له البيتُ المعمور، كلَّ يوم يدخُلُه سبعون ألف ملك من الملائكة ثم لا يرجِعون إليه بعد ذلك. -قال المؤلف : والجنةُ من مظاهر الرحمة وهي أكبرُ من جهنمَ بالآف المرات : أقلُّ واحد من أهل الجنة له، هذا ءاخر واحد يدخُلُ الجنة، له مثلُ الدنيا وعَشَرَةُ أمثالِهَا في الجنة، هذا أدنى واحد من المؤمنين، ءاخر مَنْ يدخُلُ الجنة من أهل الإيمان له هذا في الجنة. الجنةُ أوسعُ بكثير بكثير بكثير من جهنم. -قال المؤلف : وكونُ ذلك الكتابِ فوق العرش ثابتٌ أخرج حديثَه البخاريُّ والنسائي في السنن الكبرى وغيرُهُما : يعني كما ذكرنا هذا حديثٌ ثابت أنَّ هذا الكتاب موجودٌ فوق العرش. -قال المؤلف : ولفظُ روايةِ ابنِ حبان " لـَمَّا خَلَقَ اللهُ الخلقَ كَتَبَ في كتاب يكتُبُه على نفسه وهو مرفوعٌ فوق العرش إنَّ رحمتي تَغْلِبُ غضبي " : هذا كلُّه شرحناه. قال المؤلف : فإنْ حاول محاوِلٌ أنْ يؤولَ " فوق " بمعنى " دون " : يعني رَجَعَ المصنِّفُ رحمه الله إلى إعادة ما قالَه قبل لتثبيته في القلوب أنه لا يجوزُ أنْ يُفَسَّرَ " فوق العرش " بأنه تحت العرش. -قال المؤلف : قيل له " تأويلُ النصوص لا يجوزُ إلا بدليل نقلي ثابت أو عقلي قاطع : إذا أردتَ أنْ تقول أيها المشبه "فوق العرش معناه تحت العرش " أنتَ تحتاج إلى دليل لذلك لأنَّ النص ما جاء في الكتاب أو في السّنة يُحْمَلُ على ظاهره إلا أنْ يقومَ دليلٌ يدلُّ على خلاف ذلك، وإلا لولا ذلك كان كل واحد يُفَسِّر كما يشاء، على ما يَهوى، وهذا لا يستقيم. كان واحد قال " الصلاة، ليس معنى هذه الصلاة التي تعرِفونَها يا مسلمون الصلاة المذكورة في القرءان والحديث، لا، الصلاة معناها أنْ يقولَ الإنسان في هذه الأوقات الشهادتين ويدعوَ الله ". كان يقول "الزكاة ليست هذه الزكاة التي تعرِفونَها، لا لا، الزكاة معناه أنْ يتصدَّقَ على شخص بقدر ما يريد أو غير ذلك ". كان كل واحد فَسَّرَ الكتاب والسّنة على ما يَهوى وليس الأمرُ كذلك، وليست لغةُ العرب على ذلك. القرءانُ والسّنة عربيَّان فإذن لا بد من تفسيرهما على وَفْقِ لغة العرب، ولغةُ العرب تقتضي أنَّ الكلام يُحْمَلُ على ظاهره، يكونُ على ظاهره إلا إذا كان دليلٌ يدلُّ على خلاف ذلك. لا يُخْرَجُ لا يُؤوَّلُ بمعنىً غيرَ المعنى الظاهر. المعنى الظاهر يعني الذي يستعمل فيه الكلمة في الغالب، المعنى الذي هو أول ما يخطُرُ إلى القلب إذا سُمِعَتْ هذه الكلمة وحدها، هذا هو المعنى الظاهر. يُحمَلُ الكلامُ الذي في الكتاب والسّنة على المعنى الظاهر إلا إذا كان هناك دليلٌ يدلُّ على حمله على غير المعنى الظاهر فعند ذلك يُحْمَلُ على معنى ءاخر تُجيزُه اللغة ويُجيزُهُ الشرع إذا كان دليل، أمَّا من غير دليل يصيرُ الدينُ مَلْعَبَة. وهنا لا دليلَ على تأويل "فوق" بمعنى دون كما يقول بعض هؤلاء. -قال المؤلف : وليس عندَهم شىءٌ من هذين، ولا دليلَ على لزوم التأويل في هذا الحديث : ليس هناك شىءٌ يدلُّ على أنه لا بد من تأويل هذا الحديث، لا بد من تأويل "فوق" بمعنى تحت، ما في دليل. -قال المؤلف : كيف وقد قال بعض العلماء إنَّ اللوح المحفوظ فوق العرش : ما الذي يُحْوِجُ إلى التأويل ؟ أين الحاجةُ إلى التأويل ؟ بعض العلماء قال " اللوح المحفوظُ أيضًا فوق العرش. العلماء اختلفوا، اللوحُ المحفوظُ فوق العرش أو تحت العرش، منهم مَنْ قال اللوحُ المحفوظ فوق العرش، يعني على قول هؤلاء العلماء صار المشبهة يزعمون أنَّ الله مساوٍ لذلك الكتاب المكتوبُ فيه " إنَّ رحمتي سبقت غضبي " ويُشابِهُ أيضًا اللوحَ المحفوظ الذي محلُّه فوق العرش. إذا كان الأمرُ كذلك بين العلماء ما الذي يُحْوِجُ ؟ أين الحاجةُ إلى التأويل ؟ لا حاجة. -قال المؤلف : لأنه لم يرد نصٌّ صريح بأنه فوق العرش ولا بأنه تحت العرش فبقيَ الأمرُ على الإحتمال، أي احتمالِ أنَّ اللوح المحفوظ فوق العرش واحتمالِ أنه تحت العرش. فعلى قولِهِ إنه فوق العرش يكونُ جَعَلَ اللوحَ المحفوظ مُعَادِلا لله : على قول مَنْ قال إنَّ اللوح المحفوظ فوق العرش يكونُ المشبه قد جَعَلَ اللهَ عديلا للوح المحفوظ كما أنه عديلٌ للكتاب، يُشابِهُهُما. -قال المؤلف : أي أنْ يكونَ اللهُ بمحاذاة قسمٍ من العرش واللوحُ بمحاذاة قسم من العرش وهذا تشبيهٌ له بخلقه لأنَّ محاذاةَ شىء لشىء من صفات المخلوق : يعني على زعم هذا يكونُ اللوحُ المحفوظ محاذي لقسم من العرش واللهُ محاذي لقسم من العرش والكتاب محاذي لقسم من العرش، هؤلاء الثلاثة متشابهون، هل هو موحِّد أو هو مثلُ عبدة الأصنام ؟ بل مثلُ عبدة الأصنام. -قول المؤلف : ومِمَّا يدلُّ على أنَّ ذلك الكتاب فوق العرش فوقيةً حقيقةً لا تحتمِلُ التأويلَ الحديث الذي رواه النسائي في السنن الكبرى " إنَّ الله كَتَبَ كتابًا قبل أنْ يخلُقَ السمواتِ والأرض بألفي سنة فهو عندَه " أي في المكان المشرَّف عنده. -قال المؤلف " على العرش وإنه أنزل من ذلك الكتاب ءايتين خَتَمَ بهما سورة البقرة " : هذا أيضًا يدلُّ على أنَّ الله جَعَلَ كتابًا فوق العرش كَتَبَه " أجرى القلمَ، " فَكَتَبَه قبل ألفيْ سنة من خلق السموات والأرض. ماذا يقولون ؟ على العرش يعني تحته أيضًا ؟!!! -قال المؤلف : وفي لفظ لمسلم " فهو موضوعٌ عنده " على العرش. لا يَصِحُّ أنْ يُؤوَّلَ هذا، ما في باب حتى يقال معناه تحت العرش. -قال المؤلف : فهذا صريحٌ في أنَّ ذلك الكتاب فوق العرش فوقيةً حقيقةً لا تحتمِلُ التأويل. قال المؤلف : وكلمةُ " عند " للتشريف : هذا معنى عنده، "عنده " يعني مشرَّفٌ، ليس معنى عنده بجانبه. { إذِ المجرمون ناكِسوا رؤوسِهِم عند ربّهم } هل معناه أنَّ المجرمين يكونون يوم القيامة الكفار يوم القيامة يكونون بجانب الله ؟!!! لا. عند ليس معناها بجانب دائمًا، إنما " عند " لها معان كثيرة. هنا معنى " عنده " في المكان المشرَّف عنده. -قال المؤلف : ليس لإثباتِ تحيُّزِ الله فوق العرش لأنَّ " عند " تُسْتَعْمَلُ لغير المكان، قال الله تعالى { وأمطرنا عليها حِجَارةً } : { وأمطرنا عليها حجارة } من طين يعني يشبه الـمَدَر. -قال المؤلف : قال تعالى { من سِجّيل منضود } أي أنه مُكَوَّم. -قال المؤلف : قال تعالى {مُسَوَّمَةً عند ربِّكَ } : مُعَلَّمَةً، { مسوَّمةً } يعني مُعَلَّمة، عليها علامة، كلُّ حجر عليه علامة. -قال المؤلف : قال تعالى{ عند ربِّكَ } أي بعلم ربِّكَ. شوف، { عند } هون ليس معناها المكان، معنى { عند ربِّكَ } أي بعلم ربِّكَ. ليس دائمًا " عند " معناها المكان والحيِّز والقُرْب بالمسافة، لا. -قال المؤلف : إنما تدلُّ " عند " هنا أنَّ ذلك بعلم الله، وليس المعنى أنَّ تلك الحجارة مجاوِرةٌ لله تعالى في المكان. فمنْ يحتجُّ بمجرد كلمة " عند " لإثبات المكان والتقارب بين الله وبين خلقه فهو من أجهل الجاهلين : يعني لا يجوزُ أنْ يحتَجَّ المشبه بقول النبيّ عليه الصلاة والسلام " فهو موضوعٌ عنده على العرش " لكون الله على العرش، يعني حتى يقول " عنده " معناه بقربه، إذن الله والكتاب كِلاهما على العرش، أعوذ بالله. بعضُهم يقولُ ذلك، يجعلُ اللهَ مثلَ الكتاب ويجعلُ اللهَ له صورة وهيئة. ومن جهله بلغة العرب لا يعرِفُ ما يعرِفُهُ العاميُّ، أنتَ أحيانًا تقولُ، يسألُكَ سائل " هل عندكَ كذا " ؟ تقولُ "عندي كذا " ولا تقصدُ أنه بجانبِكَ لكنْ هؤلاء جاهلون، جهلُهم بالعقيدة جعلَهم، لكنَّ هؤلاء جهلُهم بالعقيدة عطَّلَ أفهامَهم فصاروا لا يفهمون أشياءَ كثيرة، جهلُهم باللغة أوقَعَهم في الفساد، جهِلوا العقيدة وجهِلوا اللغة فتكلَّموا بما لا يقبَلُهُ عاقل ولا يقبَلُهُ الشرع. أعوذ بالله من مثل هذه الحال. -قال المؤلف : وهل يقولُ عاقل إنَّ تلك الحجارة التي أنزلها الله على أولئك الكفرة نَزَلَتْ من العرش إليهم وكانت مكوَّمَةً بمكان في جنب الله فوق العرش على زعمهم : لا يقولُ هذا عاقلٌ، لا يقبَلُ عاقلٌ أنْ يقولَ هذا.