fbpx

الصراط المستقيم – الدرس 13

شارك هذا الدرس مع أحبائك

-الدرس الثالث عشر : الحلقة الرابعة عشر : -معنى القَدَرِ والإيمانِ به : -قال المؤلف : قال بعض العلماء " القدرُ هو تدبيرُ الأشياء على وجهٍ مطابق لعلم الله الأزلّي ومشيئته الأزلية : هكذا عَرَّفَ بعضُ العلماء القَدَر، قال هو تدبيرُ اللهِ الأشياء على وجه مطابق لعلم الله الأزليّ ومشيئته الأزلية أي جَعْلُ كلِّ شىءٍ على ما هو عليه. وهذا لا بد أنْ يكونَ موافقًا لعلم الله الأزليّ ولإرادة الله تعالى الأزلية، سبحانه، هكذا عَرَّفَ بعضُ العلماء القَدَر. وبعضُهم قال " القدر المشيئة " ومنهم الشافعيُّ رضي الله تعالى عنه. -قال المؤلف : فيوجِدُها في الوقت الذي عَلِمَ أنها تكونُ فيه : يوجِدُ الله، يخلُقُ الله، يُبْرِزُ من العدم إلى الوجود كلَّ شىء في الوقت الذي عَلِمَ أنها يكونُ فيه. -قال المؤلف : فيدخُلُ في ذلك عَمَلُ العبدِ الخيرَ والشرَّ باختياره : فإذن فِعْلُ العبد للخير بتقدير الله وفعلُ العبدِ للشر بتقدير الله كما أنَّ سائرَ الأشياء كلِّها بتقدير الله. -قال المؤلف : ويدلُّ عليه قولُ رسولِ الله لجبريل حين سألَه عن الإيمان : نعم، حديثُ جبريلَ المشهور فيه أنَّ جبريلَ جاء إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام بصورة رجل، فسألَه ما الإيمان ؟ حتى يُجيبَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام فَيَسْمَعَ الصحابةُ فيستفيدون. النبيُّ عليه الصلاة والسلام قال " الإيمانُ أنْ تؤمنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيرِهِ وشره " عندما وَصَلَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام إلى قوله " وبالقدر خيره وشره " في بعض الروايات أنه زاد " وتؤمِن " يعني قال " الإيمانُ أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره " أعادَ " وتؤمنَ " تدليلا على شدة أهمية الإيمان بالقدر. -قال المؤلف : قال رسول الله " الإيمانُ أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخِر وتؤمنَ بالقدر خيره وشره " رواه مسلم : إذن الإيمانُ بالقدر ركنٌ من أركان الإيمان. ومعنى ذلك أنْ تؤمن بالقدر بمعنى التقدير أي أنْ تؤمن أنَّ الله تبارك وتعالى متصفٌ بصفة التقدير، أنَّ الله يُقَدِّرُ كلَّ ما يحصُلُ في هذا العالم. " خيره " أي خير المقدور. " الهاء " ترجِعُ على القدر بمعنى المقدور. فإذن أولا تؤمنَ بالقدر معناه تؤمن بتقدير الله لأمور التي تحصُل. " خيره " الهاء ترجِعُ على القدر أيضًا لكنْ بمعنىً ءاخر بمعنى المقدور، " وشره " بمعنى المقدور. لأنه لا يجوزُ أنْ نُرْجِعَ " الهاء " على القدر بمعنى تقدير الله الذي هو صفتُهُ، لأنَّ الله تعالى لا يقال إنَّ صفتَه منها خير ومنها شر، إنما يصيرُ المعنى " وتؤمنَ بتقدير الله تعالى للأمور كلِّها ما كان خيرًا منها وما كان شرًّا " إلى هذا ينحَلُّ المعنى. -قال المؤلف : ومعناه أنَّ المخلوقات التي قَدَّرها الله تعالى وفيها الخيرُ والشر وُجِدَتْ بتقدير الله الأزليّ، وأمَّا تقديرُ الله الذي هو صفةُ ذاته فهو لا يوصفُ بالشر. بل تقديرُ الله للشر الكفرِ والمعصيةِ وتقديرُه للإيمان والطاعة حَسَنٌ منه ليس قبيحًا : هكذا يقال " تقديرُ الله حَسَن " لا يقال تقديرُ الله منه خير ومنه شر لأنَّ صفة الله لا يقالُ فيها ذلك. تقديرُ الله للذوات القبيحة يعني الله هو الذي قَدَّرَ وجودَ الذواتِ القبيحة مثلِ الشياطين ومثلِ القرود والخنازير وغيرِ ذلك، اللهُ هو الذي قَدَّرَ ذلك. والله هو الذي قَدَّرَ الأفعال القبيحة، الله هو الذي قَدَّرَ حصولَ المعاصي من العباد. والله هو الذي قَدَّرَ الذواتَ الحسنة والله تعالى هو الذي قَدَّرَ الأعمالَ الحسنة. فتقديرُ الله لكلِّ ذلك حسنٌ. أمّا المقدورُ، الشىءُ الذي يحصُلُ بتقدير الله منه ما هو خير ومنه ما هو شر. -قال المؤلف : فإرادةُ الله تعالى نافذةٌ في جميع مراداتِهِ على حسب علمه بها : لا بد أنْ نقولَ إنَّ الله هو الذي قَدَّرَ حصولَ كلِّ ما يحصُلُ في هذا العالم لأنَّ مشيئة الله نافذة، لأنَّ الله ليس مقهورًا، لأنَّ ما أراد حصولَه لا بد أنْ يحصُل. -قال المؤلف : فما عَلِمَ كونَه أراد كونَ في الوقت الذي يكونُ فيه، وما عَلِمَ أنه لا يكونُ لم يُرِدْ أنْ يكون : هذا الذي ذَكَرْنا سابقًا عندما قلنا إنَّ الإرادة تابعةٌ للعلم، وقلنا ليس معنى ذلك أنَّ صفة الإرادة حادثة حَدَثَتْ بعد أنْ كان اللهُ متصفًا بالعلم، لا، لكنْ معناها ما هو مذكورٌ هنا، ما عَلِمَ اللهُ أنه يكون شاء أنْ يكون، عَلِمَ بعلمه الأزليّ الذي لا ابتداء له وشاء بمشيئته الأزلية التي لا ابتداءَ لها، وما علِمَ أنه لا يكون لم يشأ أنْ يكون، سبحانه. -قال المؤلف : فلا يحدُثُ في العالم شىءٌ إلا بمشيئته، ولا يُصيبُ العبدَ شىءٌ من الخير أو الشر أو الصحة أو المرض أو الفقر أو الغنى أو غيرِ ذلك إلا بمشيئة الله تعالى. ولا يُخطىء العبدَ شىءٌ قَدَّرَ اللهُ وشاء أنْ يصيبَه : كما قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام مخاطبًا ابنَ عباس " يا غلام، لو أنَّ الأمّة اجتمعت على أنْ يَنفَعوكَ بشىء لم يُقَدِّرْه اللهُ لكَ لم يَنْفَعوكَ به، ولو أنهم اجتمعوا على أنْ يَضُرُّوكَ بشىء لم يكتُبْهُ اللهُ عليك ما ضَرُّوكَ به، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُف " ما شاء اللهُ حصولَه كائنٌ، شاءَه بمشيئته الأزلية ومشيئتُهُ لا تتغيَّر. -قال المؤلف : فقد وَرَدَ أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم علَّمَ بعضَ بناته " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكنْ " رواه أبو داودَ في السُّنَن : هذا رواه أبو دوادَ في السنن أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام عَلَّمَ زينب رِضوانُ الله عليها، بِنْتَه زينب أنْ تقولَ هذا الدعاء، أنْ تقولَ دعاءً من جملته " ما شاء اللهُ كان وما لم يشأ لم يكنْ " وَوَرَد أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام عَلَّم غيرَها أيضًا من الصحابة، رُوِيَ مثلُ هذا الدعاء عن أبي الدرداء رِضوانُ الله عليه وعن غيره من الصحابة. -قال المؤلف : ثم تَوَاتَرَ واستفاضَ بين أفراد الأمّة : بعد ذلك استفاض هذا الدعاءُ هذا اللفظُ " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكنْ " انتشر بين أفراد الأمّة كلِّهم إلى درجة أنَّ المعتزلة الذين يخالفون أهلَ السّنة في مسألة المشيئة لم يستطيعوا أنْ يُنْكِروا هذا اللفظ لأنه انتشر بين أفراد الأمّة كلِّهم، وهذا مُشاهَد إلى أيامنا. -قال المؤلف : وَرَوَى البيهقي رحمه الله تعالى عن سيدنا عليٍّ رضي الله عنه أنه قال " إنَّ أحَدَكم لنْ يَخْلُصَ الإيمانُ إلى قلبه " : لنْ يَصِلَ الإيمانُ إلى قلبه صحيحًا خالِصًا مِمَّا يُفْسِدُهُ، هذا معناه، خالصًا إلى قلبه، ليس معه ما يُفْسِدُهُ. -قال المؤلف : قال سيدنا عليّ " حتى يَستقِينَ يقينًا غيرَ شك " حتى يكونَ مُتَيَقِّنًا بلا أدنى شك. -قال المؤلف : قال سيدنا عليّ : أنَّ ما أصابَه لم يكنْ لِيُخطِئَه وما أخطأه لم يكنْ لِيُصيبَه ويُقِرَّ بالقدر كلِّه" : إذا لم يؤمِنِ العبدُ أنَّ كلَّ شىء يحصُلُ بتقدير الله حتى الخيرَ والشر فهذا لا يكونُ إيمانُهُ صحيحًا، هذا معنى كلامِ سيدنا عليّ رضي الله تعالى عنه. -قال المؤلف : أي لا يجوزُ أنْ يؤمِنَ ببعضِ القدر ويكفُرَ ببعض : لا يجوزُ أنْ يؤمنَ أنَّ بعضَ الأمور تحصُلُ بتقدير الله وبعضَ الأمور لا تحصُلُ بتقدير الله، هذا والعياذ بالله خروجٌ عن الإيمان. سيدُنا عليّ يقول الذي يعتقدُ هذا لا يكونُ إيمانُهُ خالصًا صحيحًا بل يكونُ معه ما يُفْسِدُهُ أي لا يكونُ صحيحًا، يكونُ فاسدًا. -قال المؤلف : وَرَوَى أيضًا بالإسناد الصحيح أنَّ عمرَ بنَ الخطاب كان بالجابية وهي أرضٌ من الشام : موضِع يقالُ له " الجابية ". البيهقيُّ أيضًا روى في كتاب " القَدَر " أنَّ سيدَنا عمر كان يومًا في موضع يقالُ له الجابية. -قال المؤلف : فقام خطيبًا فَحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه ثم قال " مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له " : الذي خَصَّهُ الله بالهداية وشاء له أنْ يكونَ سعيدًا لا يُضِلُّهُ أحدًا، والذي شاء اللهُ تعالى له أنْ يكونَ شقيًّا لا يَهديه أحدًا. لا بد أنْ يكونَ هذا سعيدًا ولا بد أنْ يكونَ هذا شقيًّا. -قال المؤلف : وكان عندَه كافرٌ من كفار العجم من أهل الذمّة : في بلاد الشام في ذلك الوقت كان كثيرٌ من الناس كفارًا، كانوا يدفعون الجزية. فكان حاضرًا واحد من أهل العَجَم مِمَّنْ يفهمُ ما يقولُ عمر لكنْ لا يُحْسِنُ أنْ يتكلَّم العربية. فَسَمِعَ ما قال عمر. -قال المؤلف : فقال بلغته " إنَّ الله لا يُضِلُّ أحدًا " : ما أعْجَبَه قولُ عمر " ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له " كانت عقيدتُهُ أنَّ اللهَ لم يشأِ الضلالةَ لأحد، أنَّ الشرَّ يحصُلُ بغير مشيئة الله، فقال بلغته " إنَّ الله لا يُضِلُّ أحدًا ". عمر سأل التَّرجُمان " ماذا يقولُ هذا " ؟ فقال له " يقول إنَّ الله لا يُضِلُّ أحدًا ". -قال المؤلف : فقال عمر للترجُمان "ماذا يقول " ؟ قال " إنه يقول إنَّ الله لا يُضِلُّ أحدًا " فقال عمرُ " كذبتَ يا عدوَّ الله، ولولا أنكَ من أهل الِّذمَّة لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ : لولا أنكَ ذِمِّيٌّ لأقمْتُ عليكَ حكمَ المرتد، لكنتَ مرتدًّا وأقمتُ عليكَ حكمَ المرتد. -قال المؤلف : قال عمر " هو أضَلَّكَ وهو يُدخِلُكَ النارَ إنْ شاء " : هو الذي أضلَّك، الله الذي خَلَقَ الضلالة فيك فلم يَجْعَلْكَ مسلمًا، وهو الذي إذا شاء أنْ تموتَ على ذلك يُدْخِلُكَ النارَ عند ذلك " هذا معنى " وهو يُدْخِلُكَ النار إنْ شاء ". أي إنْ شاء لكَ الموتَ على الضلال أدْخَلَكَ النارَ عند ذلك. وهذا أيضًا من سيدنا عمر بَيَانٌ أنَّ الذي لا يؤمنُ بالقدر لا يكونُ إيمانُهُ صحيحًا، لا يكونُ مسلمًا. -قال المؤلف : وَرَوَى الحافظ أبو نُعَيْمٍ عن ابنِ أخي الزُّهري عن عمِّه الزهري أنَّ عمرَ بنَ الخطاب كان يحبُّ قصيدةَ لبيدِ بنِ ربيعةَ : لبيد رجلٌ عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة، فهو مُخَضْرَم من الصحابة. وكان شاعرًا مشهورًا، بعد أنْ أسلَمَ تَرَكَ قولَ الشِّعْر، ما عاد يقولُ الشِّعْر إلا شيئًا نادرًا " الحمد لله أنْ لم يأتِنِي أجَلي حتى اكْتَسَيْتُ من الإسلام سِرْبالا " قال هذا البيت وقال أبياتًا أخرى قليلة، ما عاد يقولُ الشعر. لـَمَّا طَلَبَ منه سيدُنا عمر أنْ يُسْمِعَه من شعره الذي كان قالَه قال له " أبدَلَني اللهُ خيرًا منه " يعني القرءان، يعني أنا الآن أشتغِلُ بتلاوة القرءان ولا أشتغِلُ بقول الشعر. -قال المؤلف : التي منها هذه الأبْيَات، وهي : إنَّ تقوى ربِّنَا خيرُ نَفَلْ : خيرُ ما يُعطاه العبد. " إنَّ تقوى ربِّنا خيرُ نَفَل ". -قال المؤلف : قال لبيد : وبإذن اللهِ ريْثي وعَجَل : إذا تَمَهَّلْتُ أوِ استعْجَلْتُ هذا بمشيئة الله وهذا بمشيئة الله. -قال المؤلف : قال لبيد : أحمدُ اللهَ فلا نِدَّ له : لا مِثْلَ لله. فلا نِدَّ له لا مِثْلَ له ولا شريك. -قال المؤلف : قال لبيد : وبيديه الخيرُ ما شاء فَعَل : بيديه الخيرُ أي والشر لكنْ العرب عندهم شىء يسمُّونَه " الإكتفاء " يذكرون أحدَ أمرين ويكونُ المعنى أنَّ الثانيَ مشمول ولو لم يُذْكَر. قال تعالى { سَرَابيلَ تَقيكم الحرّ } أي والبرد، ولم يُذْكَر البردُ في الآية لأنَّ هذا من باب الإكتفاء، داخِل ولو لم يُذْكَر. وهنا أيضًا " بيديه الخير " أي والشر. -قال المؤلف : قال ربيعة " ما شاء فَعَل " : ما أراد ربُّنا أنْ يوجَد أوجَدَه. فَعَل أي خَلَقَه. -قال المؤلف : قال لبيد : مَنْ هداه سُبُلَ الخيرِ اهتدى ناعمَ البالِ ومنْ شاء أضلّ : مَنْ شاء اللهُ له الهدايةَ اهتدى ومَنْ شاء اللهُ له الضلالةَ ضَلَّ. كان سيدُنا عمر رضي الله عنه يحبُّ هذه الأبْيَات لأنها من جواهرِ توحيدِ الله تعالى. -قال المؤلف : ومعنى قولِهِ " إنَّ تقوى ربّنا خيرُ نَفَل " أي خيرُ ما يُعطاه الإنسان. -قال المؤلف : ومعنى قولِهِ " وبإذن الله رَيْثي وعَجَل " أي أنه لا يُبطىءُ مبطِىءٌ ولا يُسْرِعُ مسرِعٌ إلا بمشيئة الله وبإذنه. -قال المؤلف : وقولِه " أحمدُ الله فلا نِدَّ له " أي لا مِثْلَ له. -قال المؤلف : وقولِه " بيديه الخير " أي والشر. -قال المؤلف : وإنما اقتصَرَ على ذكر الخير من باب الإكتفاء كقولِهِ تعالى { سرابيلَ تقيكمُ الحرَّ } أي والبردَ لأنَّ السرابيل تَقي من الأمرين ليس من الحرِّ فقط : هذا كلُّه شرحناه. قال المؤلف : وقولِه " ما شاء فَعَل " أي ما أراد اللهُ حصولَه لا بد أنْ يحصُل وما أراد أنْ لا يحصُل فلا يحصُل. وقولِه " منْ هداه سبلَ الخير اهتدى " أي منْ شاء اللهُ له أنْ يكونَ على الصراط المستقيم الصحيح المستقيم اهتدى : أيْ كان على هذا الصراط، على هذا الطريق القويم. -قال المؤلف : وقولِه " ناعِمَ البال " أي مطمئنَ البال : هذا معنى ناعم البال، مطمئن البال. -قال المؤلف : وقولِه : ومنْ شاء أضلّ " أي منْ شاء له أنْ يكونَ ضالا أضلَّه. -قال المؤلف : وروى البيهقي عن الشافعيّ أنه قال حين سُئِلَ عن القدر : مرةً سألَ إنسانٌ الإمامَ الشافعيّ عن القدر فقال : -قال المؤلف : قال الشافعي : ما شئتَ كان وإنْ لم أشأ : " ما شئتَ " أي يا ربّ كان، يحصُل، وإنْ لم أشأ أنا لأنَّ مشيئَتَكَ غالبة. -قال المؤلف : قال الشافعي : وما شئتُ إنْ لم تشأ لم يكنْ : أمَّا ما أشاؤه أنا إنْ لم تكنْ أنتَ شِئْتَهُ في الأزل فلا يحصُل. -قال المؤلف : قال الشافعي : خَلَقْتَ العبادَ على ما عَلِمْتَ : أي على وفقِ علِمكَ الأزليّ خلَقْتَ العباد على وفقِ علمِكَ الأزليّ. -قال المؤلف : قال الشافعي : ففي العلم يجري الفتى والمسنّ : فلا يحصُلُ من فتىً من شاب ولا من مُسِنٍّ إلا ما عَلِمْتَ أنه يحصُلُ منه. -قال المؤلف : قال الشافعي : على ذا مننتَ وهذا خَذَلْتَ : هذا مَنَنْتَ عليه بالهداية وهذا خَذَلْتَه فأضْلَلْتَه. -قال المؤلف : قال الشافعي : وهذا أعنتَ وذا لم تُعِنْ : وهذا أعنْتَه على ما شِئْتَ أنْ يَفْعَلَه وذاك الذي لم تشأ أنْ يفعلَ بعضَ الأمور لم تُعِنْهُ عليها. -قال المؤلف : قال الشافعي : فمنهم شقيٌّ ومنهم سعيد : بعضُهم شقيٌّ شِئْتَ له أنْ تكونَ خاتِمَتُهُ الشَّقاوة الكفر فهو شقيّ، ومنهم مَنْ شِئْتَ أنْ تكونَ خاتِمَتُهُ الإيمان فهو سعيد. -قال المؤلف : قال الشافعي : وهذا قبيحٌ وهذا حسن : وهذا عَمَلُهُ قبيحٌ وهذا عَمَلُهُ حَسَن، هذا كلُّه بمشيئتِكَ يا ربّ. لـَمَّا سُئِلَ الشافعيُّ رضي الله عنه عن القدر فَسَّرَه بهذا، بالمشيئة أي بعبارة أخرى " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكنْ ". على ما جاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. -قال المؤلف : فتبيَّن بهذا أنَّ الضمير في قوله تعالى { يضلُّ مَنْ يشاءُ ويهدي منْ يشاء } يعودُ إلى الله لا إلى العبد : { يُضِلُّ منْ يشاءُ } أي الله، { ويهدي مَنْ يشاءُ } أي الله. فالضميرُ المستَتِر في { يشاء } يُضِلُّ مَنْ يشاءُ هو يعني، أي هو، تَرْجِعُ إلى مَنْ ؟ ترجِعُ إلى الله، أي يُضِلُّ اللهُ مَنْ يشاءُ ربُّنا ضلالَتَه، ويهدي اللهُ مَنْ يشاءُ ربُّنا هدايَتَه. -قال المؤلف : كما زَعَمَتِ القدريةُ : القدريةُ الذين أنكروا القدر، الذين نَسَبوا القدرَ إلى الإنسان، قالوا " الإنسانُ هو الذي يخلُقُ فِعْلَه، هو الذي يُقَدِّرُ أعمالَه الإختيارية، ليس اللهُ يُقَدِّرُه،. لذلك سُمُّوا القدرية. هؤلاء القدريةُ قالوا " { يُضِلُّ مَنْ يشاء } أي يُضِلُّ اللهُ العبدَ الذي شاء لنفسه الضلال {ويَهدي مَنْ يشاء } قالوا "يهدي الله العبدَ الذي شاء لنفسه الهداية ". وكم رأينا من عبيد يريدون لأنفسهم الهداية وهم ضُلَّال، وأناسٌ يريدون لأنفسهم الضلالة ثم هداهمُ اللهُ تبارك وتعالى. -قال المؤلف : بدليل قوله تعالى إخبارًا عن سيدنا موسى { إنْ هي فِتنتُكَ تُضِلُّ بها منْ تشاء وتهدي منْ تشاء } : والقرءانُ يُفَسِّرُ بعضُه بعضًا، الله تبارك وتعالى أخبر عن سيدنا موسى أنه قال { إنْ هي إلا فِتْنَتُكَ } يعني يا ربّ هذا فتنةٌ، ابتلاءٌ منك، { تُضِلُّ بها } بهذا الإبتلاء { مَنْ تشاءُ } أنتَ { وتهدي } بها { مَنْ تشاءُ } أنتَ. فَتَبَيَّنَ من هذه الآية أنَّ الضميرَ راجِعٌ إلى الله، لا بد أنْ تكونَ الآيتان متوافقتين. بهذا تَبَيَّنَ أنَّ تفسيرَ القدرية للآية الأولى باطل. -قال المؤلف : وكذلك قالت طائفةٌ ينتسِبون إلى أمين شَيْخو الذين زعيمُهم اليوم عبدُ الهادي الباني الذي هو بدمشق : هذا أمين شيخو رجلٌ جاهل انتسب إلى الطريقة النقشبندية ثم ادعى مقاماتٍ وأحوالا ورُتَبًا أنَّ الله أوصَلَه إليها وهو جاهل، ما عنده علم، ما كان تعلَّمَ العلم. خَلَفَهُ رجلٌ يقالُ له عبدُ الهادي الباني وهو مثلُهُ، جاهلٌ خَلَفَ جاهلا، وكِلاهما مات. لـَمَّا ذَكَرَ شيخُنا رحمه الله قال " زعيمُهم اليوم فلان " هذا كان حيًّا في ذلك الوقت. أمَّا الآن فهو قد مات. -قال المؤلف : فقد جعلوا مشيئةَ الله تابعةً لمشيئة العبد " : هؤلاء مَشَوْا على ما قال المعتزلة. وهؤلاء لهم ضلالات كثيرة حتى إنّه هذا أمين شيخو كان يقول " البخاري ومسلم يهوديان " إلى غير ذلك من الضلالات الكثيرة. -قال المؤلف : حيث إنَّ معنى الآيةِ عندهم إنْ شاء العبدُ الإهتداء شاء الله له الهدى وإنْ شاء العبدُ أنْ يَضِلَّ أضلَّه الله فكذَّبوا بالآية { وما تشاؤون إلا أنْ يشاء الله } : الآيُة تدلُّ على أنَّ مشيئة العبد تابعةٌ لمشيئة الله. لا يشاءُ العبدُ إلا ما شاء اللهُ له أنْ يشاء. أمَّا هم جعلوا مشيئةَ العبد غالبةً على مشيئة الله وجعلوا مشيئةَ الله تابعةً لمشيئة العبد، على عكس ما جاء في هذه الآية. وكما ذكرنا، هؤلاء لهم ضلالات أخرى، على زعمهم جهنم ليست مكانًا يُعَذَّبُ فيه الكفارُ، جهنمُ مثلُ المستشفى قالوا. الله يرحَمُنا. -قال المؤلف : فإنْ حاول بعضُهم أنْ يستدِلَّ بآية من القرءان بضدِ هذا المعنى : ومَنْ يحاول أنْ يُورِدَ ءايةً أخرى من القرءان على عكس هذا المعنى ويقول " لا، ما ها الآية عكس " يقال له ءاياتُ القرءان لا تتناقَض، لا يجوزُ لكَ أنْ تُفَسِّرَ ءاياتِ القرءان بحيث تضرِبُ ءايةً بآية، بل ءاياتُ القرءان تتعاضد إنما أنتَ ما فَهِمْتَ معناها. -قال المؤلف : قيل له " القرءانُ يتصادَقُ : يُصَدِّقُ بعضُه بعضًا، هذا معنى يتصادق. يُجابُ " القرءانُ يتصادق، يُصَدِّقُ بعضُه بعضًا ". -قال المؤلف : ولا يتناقَض : ولا يَنْقُضُ بعضُه بعضًا، لا ينفي بعضُه بعضًا، لا يُكَذِّبُ بعضُه بعضًا. -قال المؤلف : فليس في القرءان ءايةٌ نقيضَ ءاية : لا يوجدُ في القرءان ءايةٌ هي ضدُّ ءاية ثانية تُكَذِّبُها. -قال المؤلف : وليس هذا من باب الناسخ والمنسوخ : ولا يدخُلُ مثلُ هذا في باب الناسخ والمنسوخ لأنَّ النسخ هو أنْ ينزِلَ على النبيّ عليه الصلاة والسلام حكمٌ فيه يدلُّ على أنَّ حكمًا قبلَه توقف العملُ به والآن العمل بهذا الحكم الجديد، هذا النسخُ. وهذا لا يدخُلُ الأخبار، لا يدخُلُ، مثلا أنا لو قلتُ لكَ " زيدٌ واقف " بعد ذلك زيدٌ كان لمدة ساعةٍ أمس واقفًا أو الساعةَ الماضية زيدٌ كان واقفًا " بعدين، قلتُ لكَ " الساعةَ الماضية زيدٌ كان قاعدًا " هذا ليس نَسْخًا، هذا فيه كذب. إمَّا فيه جهل، ما كنتُ أعلم ثم عَلِمْتُ أو فيه كذب إذا كنتُ عالـِمًا، لا بد أنني كاذبٌ في أحد الخبرين، ليس هذا النسخ. النسخ معناه أنْ يتوقف العملُ بحكم سابق بحكم لاحق نَزَلَ على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. أمَّا أنْ تُفَسَّرَ ءاية بأنَّ معناها أنَّ مشيئة الله تابعةٌ لمشيئة العبد مع وجود ءاية ثانية معناها أنَّ مشيئة العبد تابعةٌ لمشيئة الله ؟!! هذا يؤدي إلى وجود التناقض في القرءان والقرءانُ منزَّهٌ عن ذلك. -قال المؤلف : لأنَّ النسخ لا يدخُلُ العقائدَ وليس موجبًا للتناقض : لا يقتضي التناقض النسخ، لا يدلُّ على الكذب، ليس فيه تكذيبُ شىء لشىء، لا. -قال المؤلف : فالنسخُ لا يدخُلُ في الأخبار : هذا الذي ذكرناه، النسخُ لا يدخُلُ في الأخبار، "الأمرُ كذا، الحقيقةُ كذا، الذي جرى كذا " هذا لا يَدْخُلُه النسخ. -قال المؤلف : إنما هو في الأمر والنهي : افْعَلْ أو لا تفعل، هذا الذي يدخُلُهُ النسخ. -قال المؤلف : إنما النسخُ بيانُ انتهاءِ حكمِ ءايةٍ سابقة بحكمِ ءايةٍ لاحقة : هكذا، هذا معنى النسخ انتهاءُ العمل بحكم ءاية سابقة. كيف انتهى العملُ بالآية سابقة ؟ بنزول ءاية فيها حكمٌ جديد، هكذا. -قال المؤلف : على أنَّ هذه الفئةَ لا تؤمنُ بالناسخ والمنسوخ : لكنْ على كلِّ حال جماعة أمين شيخو لا يؤمنون بالناسخ والمنسوخ. -قال المؤلف : ومن غباوتهم العجيبة أنهم يفسِّرون قولَه تعالى { وعلَّمَ ءادمَ الأسماءَ كلَّها } بأسماء الله الحسنى : إيه، انظر، الله قال { علَّمَ ءدامَ الأسماءَ كلَّها } هذه " أل " دخلت على " أسماء" تدلُّ على العموم، أي عَلَّمَ اللهُ تعالى سيدَنا ءادم أسماءَ كلِّ شىء، هذا بيت وهذا دِرْهَم وهذا مِحْرَاث وهذا زَرْع الخ، وهذا دواء. عَلَّمَ اللهُ تعالى ءادمَ أسماءَ كلِّ شىء. هم قالوا معناه " عَلَّمَ ءادمَ الأسماءَ الحسنى ". -قال المؤلف : فإنْ قيل لهم " لو كانت الأسماءُ هي أسماءَ الله الحسنى لم يقل الله { فلمَّا أنبأهم بأسمائهم } : يُرَدُّ عليهم " كيف إذن قال الله تعالى { فلمَّا أنبأهم بأسمائهم } ما قال بأسمائه، { بأسمائهم } إذن عَلَّمَه اللهُ أسماءَهم، أسماءَ الأشياءِ كلَّها، ليس فقط الأسماءَ الحسنى. -قال المؤلف : بل لقال فلمَّا أنبأهم بأسمائي انقطعوا : لو كان كما يقولون لقال الله تعالى فلمَّا أنبأهم بأسمائي، لـَمَا قال { فلمَّا أنبأهم بأسمائهم } . -قال المؤلف : لكنهم يُصِرُّون على جهلهم وتحريفهم للقرءان : لو قامت عليهم الحُجَّة لا يتراجَعون، بعضُهم عنده عناد والعياذ بالله، كثير منهم لو قامت عليه الحجة لا يرجِع. -قال المؤلف : روى الحاكم رحمه الله تعالى أنَّ عليَّ الرِّضَى بنَ موسى الكاظم كان يقعُدُ في الروضة وهو شابٌ ملتَحِفٌ بِمَطْرَفِ خَزٍّ : كان عليٌّ الرِّضَى رضي الله عنه وعن ءابائه يقعُدُ في الروضة الشريفة وهو ملتحِفٌ بِـمِطْرَفِ خَزّ- يجوزُ أنْ يقال مِطْرَف ومَطْرَف- أي كِساءٌ يكتسي به فيه عَلَمَان، هذا هو المطرف. من خَزٍّ وهو عادةً يكونُ من شىء صوف أو نحوه وفيه قليلٌ من حرير. والقليلُ من الحرير إذا كان في الثوب لا يؤثِّر، يجوزُ للرجل لُبْسُهُ. -قال المؤلف : فيسألُه الناسُ ومشايخُ العلماء في المسجد : لِسَعَةِ علمه رضي الله عنه، كان يسألُهُ حتى المشايخ. -قال المؤلف : فسُئِلَ عن القدر : سألوه عن القدر، أخبِرنا عن القدر. -قال المؤلف : فقال " قال الله عزّ وجلّ من قائل { إنَّ المجرمين في ضَلال وسُعُر يوم يُسحَبون في النار على وجوههم ذوقوا مَسَّ سَقَر إنَّا كلَّ شىء خلقناه بِقَدَر } : معنى إيرادِهِ هذه الآية أنَّ الذي يُكَذِّب بالقدر هو كافرٌ مُعَذَّبٌ في النار. وهذا عليٌّ الرِّضَى من أهل بيت النبوة، وإنما جاء بهذا من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنه ثَبَتَ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره أنَّ هذه الآية نَزَلَتْ في المشركين، جاؤوا إلى نبيّ الله عليه الصلاة والسلام فأنكروا القدر فأنزلَ اللهُ تعالى فيهم هذه الآية. فهذه الآيةُ صريحةٌ في الدِّلالة على أنَّ مَنْ لم يؤمن بأنَّ الله هو الذي قَدَّرَ كلَّ شىء فهو كافرٌ خالدٌ في نار جهنم. هذا الذي أراده عليٌّ الرِّضَى. -قال المؤلف : ثم قال الرضى " كان أبي ": أبي أي موسى الكاظم. -قال المؤلف : قال الرضى " يذكُرُ عن ءابائه أنَّ أمير المؤمنين عليَّ بنَ أبي طالب كان يقول : كان أبي يذكُرُ عن ءابائه يعني أخبرني أبي موسى الكاظم أنَّ أباه جعفرًا الصادق أخبره أنَّ أباه محمدٍ الباقر أخبره أنَّ أباه عليًّا زينَ العابدين أخبره أنَّ أباه الحسينَ بنَ عليّ أخبره أنَّ أباه عليَّ بنَ أبي طالب أخبره، قال. هكذا معنى " أخبرني أبي عن ءابائه " -قال المؤلف : قال الرضى كان يقول : أي عليَّ بنَ أبي طالب. -قال المؤلف : قال الرضى " كان يقول " إنَّ الله خَلَقَ كلَّ شىء بقدر حتى العجزَ والكَيْسَ " : كلُّ شىء أوجَدَه اللهُ تعالى أوجَدَه بتقديره حتى العجزَ والكَيْس، حتى الغباء والذكاء. العجز هنا المرادُ به الغباء، والكيس الذكاء. حتى غباءُ الإنسان هذا بتقدير الله، وذكاءُ ءاخر هذا بتقدير الله. -قال المؤلف : قال الرضى " قال عليّ " وإليه المشيئةُ " : أي بمشيئته يحصُلُ كلُّ شىء. -قال المؤلف : قال الرضى " قال علي " وبه الحَوْلُ والقوة ".ا.ه. : ولا يتحولُ إنسانٌ عن معصية الله إلا بمشيئته تعالى، ولا يَقوى على طاعة الله إلا بمشيئته تعالى. به الحَوْلُ والقوة. -قال المؤلف : فالعبادُ منساقون إلى فعلِ ما يَصْدُرُ عنهم باختيارهم لا بالإكراه والجبر : إذن العباد يفعلون أفعالَهم الإختيارية باختيارهم بإرادتهم، ليس جَبْرًا عنهم. أنتَ تعرِفُ الفرق، كلّ واحد فينا يعرِفُ الفرق، ضرورةً يعرِفُ الفرق بين الفعل الذي يفعلُهُ باختياره والفعل الذي يكونُ بغير اختياره. كلُّ واحد منا يعرِفُ الفرق بين تحريكِ يده باختياره وبين ارتجافِ يده من البرد بغير اختياره. الفرق أنَّ الفعلَ الأول معه اختيارٌ منه، إرادةٌ من العبد، والثاني ليس معه إرادةٌ من العبد. فالأعمالُ الإختيارية التي يُثابُ أو يُعاقَبُ عليها العبدُ هذه تكونُ باختياره، تحصُلُ باختيار من العبد بمشيئة من العبد، لكنْ هذه المشيئة بخلق الله وهذا الفعلُ بخلق الله والعبدُ لم يخلُق شيئًا. بمشيئته فيكتَسِبُها اكتسابًا لكنْ لا يخلُقُها إنما خالُقها هو الله. -قال المؤلف : كالريشةِ المعلَّقة تُميلُها الرياحُ يَمْنَةً ويَسْرَة كما تقولُ الجبرية : الجبرية تقول العبدُ ليس له اختيار " مشى زيد مثلُ جَرَى الماء. كما أنَّ الماء يجري من مكان إلى مكان بغير اختيار كذلك مشى زيد أي بغير اختيار، وهذا الضرورةُ تُكَذِّبُهُ. كلُّ واحد منا يعلمُ ضرورةً فرقًا بين الأعمال الإختيارية التي يعمَلُها والأعمالُ التي لا اختيارَ له فيها وتقومُ به. إذا إنسان حَملَه ءاخر من مكان إلى مكان ءاخر بغير إرادته، وإذا مشى هو من هذا المكان إلى المكان الآخر، أليس هناك فرقًا ضروريًّا يعرِفُهُ كلٌّ منا ؟ بلى. إذن هذه العقيدة، عقيدةُ الجبرية باطلة. على كل حال الجبريةُ ما عادوا يوجَدون في أيامنا، علماءُ الإسلام قَضُوا عليهم في الماضي. -قال المؤلف : ولو لم يشأِ اللهُ عصيانَ العُصاة وكفرَ الكافرين وإيمانَ المؤمنين وطاعةَ الطائعين لـَمَا خَلَقً الجنةَ والنار : ولأنَّ الله شاء أنْ يكونَ قسمٌ من العباد طائعين وأنْ يكونَ قسمٌ عصاةً، لأنَّ الله شاء أنْ يكونَ قسمٌ مؤمنين وأنْ يكونَ قسمٌ كفارًا خَلَقَ اللهُ الجنةَ والنارَ. لولا ذلك لم يَخْلُقِ اللهُ جنةً ونارًا. -قال المؤلف : ومنْ يَنْسُبُ لله تعالى خَلْقَ الخير دون الشر فقد نَسَبَ إلى الله تعالى العجزَ : الذي يَنْسُبُ إلى الله أنه خَلَقَ الخيرَ فقط ولم يخلُقِ الشر بل خالقُ الشر غيرُهُ فقد جَعَلَ مع الله مُدَبِّرًا ءاخر للعالم وجَعلَ اللهَ عاجزًا لأنه بزعمه الله ما أراد وجودَ الشر لكنْ وُجِدَ الشرُّ غصبًا عن مشيئته تعالى، فيكونُ جعَلَ اللهُ عاجزًا. تعالى اللهُ عن ذلك. -قال المؤلف : ولو كان كذلك لكان للعالم مدبِّران مدبِّرُ خيرٍ ومدبِّرُ شرٍّ وهذا كفرٌ وإشراك : هذا عقيدةُ المجوس، وعقيدتُنا بحمد الله ليست كعقيدة المجوس. عقيدتُنا عقيدةٌ محمدية، جاء بها محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فيها تنزيهُ الله عن الضَّعف والعجز، ليس كعقيدة المجوس الذين يجعلون لله مُغَالِبًا في مِلكه. تعالى اللهُ عن ذلك. -قال المؤلف : وهذا الرأيُ السفيهُ من جهة أخرى يجعلُ اللهَ تعالى في مُلكه مغلوبًا، لأنه على حسب اعتقاده اللهُ تعالى أراد الخيرَ فقط فيكونُ قد وقَعَ الشرُّ من عدوه إبليسَ وأعوانه الكفار رَغْمَ إرادته : هكذا. -قال المؤلف : ويكفُرُ مَنْ يعتقد هذا الرأيَ لمخالفته قولَه تعالى { واللهُ غالبٌ على أمره } : { واللهُ غالبٌ على أمره } اللهُ غالبٌ وليس مغلوبًا، فما شاء حصولَه لا بد أنْ يحصُل لأنَّ مشيئتَه نافذةٌ سبحانه. -قال المؤلف : أي لا أحدَ يمنعُ نفاذَ مشيئته : هكذا. -قال المؤلف : وحكمُ مَنْ ينْسُبُ إلى الله تعالى الخيرَ وينسُبُ إلى العبد الشرَّ أدبًا أنه لا حَرَجَ عليه : أمَّا إذا قال الإنسان من باب الأدب " الخيرُ من الله والشرُّ مني " لا يعتقدُ أنَّ الشرَّ خَلَقَهُ غيرُ الله، لا يعتقد أنه هو خَلَقَ الشر، لكنْ أدبًا لا يريدُ أنْ يقول " والشرُّ من الله " من باب الأدب هذا لا حَرَجَ عليه. إذا قال " الإنسان ما كان بي من نعمة فهي من الله، ما فعلتُ من صواب فهو من الله، وما كان من خطأ فهو مني " لا يريدُ بذلك ليس اللهُ خالِقَه، لا يريدُ بذلك حَصَلَ بغير مشيئة الله، إنما أدبًا حتى لا يَنْسُبَ الخطأ إلى الله من باب الأدب، هذا لا حَرَجَ عليه، ليس كلامُنا في هذا. كلامُنا في الذي ينفي أنْ يكونَ اللهُ هو خالقَ كلِّ شىء، الذي ينفي أنْ يكونَ الله هو الذي خَلَقَ الخيرَ والشر كِلَيْهِما، هذا الذي يكونُ كافرًا. -قال المؤلف : أمَّا إذا اعتقد أنَّ الله خَلَقَ الخيرَ دون الشرّ فحكمُهُ التكفيرُ : لأنه يكونُ شابَهَ المجوس كما قدَّمنا.