fbpx

الصراط المستقيم – الدرس 14

شارك هذا الدرس مع أحبائك

-الدرس الرابع عشر : الحلقة الخامسة عشر : -قال المؤلف : واعلموا رحمكمُ الله أنَّ الله تعالى إذا عَذَّبَ العاصيَ فبعدله من غير ظلم، وإذا أثاب المطيعَ فبفضله من غير وجوب عليه : الله تبارك وتعالى يُثيبُ الطائع بفضله، لا يجبُ عليه أنْ يُثيبَ الطائع لأنَّ الطاعة التي فَعَلها الطائع أصلا بخلق الله. والله تبارك وتعالى بعدله يُعَذِّبُ العاصي، لو شاء اللهُ أنْ لا يُعَذِّبَه ما عَذَّبَه لكنه سبحانه وتعالى يُعَذِّبُ العاصي بعدله على ما يفعلُ من الأعمال الخبيثة إذا شاء اللهُ تعالى أنْ يُعَذِّبَهُ عليها. ويكونُ هذا التعذيبُ بعدل الله سبحانه وتعالى، ليس ظلمًا من الله عزّ وجلّ لأنَّ العاصيَ نفسَه أصلا مِلْكٌ لله تبارك وتعالى، لا يُشارِكَ اللهَ فيا أحد والله يفعلُ في مِلْكِهِ ما يريد. -قال المؤلف : لأنَّ الظلم إنما يُتصورُ مِمَّنْ له ءامِرٌ وناه : الظلمُ هو مخالفةُ أمر ونهي منْ له الأمرُ والنهي، هذا هو الظلم. لماذا كان زِواجُ الولد من أولاد ءادم من أخته من غير البطن الذي هو وُلِدَ منه، لماذا لم يكنْ ظلمًا ؟ وأمَّا زواجُ الواحد منا في هذه الأيام من أخته ولو من غير البطن الذي وُلِدَ منه هو حرام وظلمٌ وفاحشةٌ عظيمة ؟ لماذا لم يكنْ ذلك ظلمًا وكان هذا ظلمًا ؟ لم يكنْ ذلك ظلمًا لأنَّ الله تعالى أجازه، وكان هذا ظلمًا في أيامنا لأنَّ الله نهانا عنه، لأنَّ مخالفة نهي مَنْ له الأمرُ والنهي هي الظلم. لماذا كان قتلُ بعض المؤمنين لبعضٍ من أمّة موسى الذين تابوا من عبادة العجل، الذين عَبَدوا العجل ثم رَجَعوا إلى الإيمان، لـَمَّا قَتَلَهم أولئك الذين لم يعبدوا العجل لم يرتدوا، لماذا كان قتلُهم جائزًا ؟ وفي شرعنا إذا كَفَرَ الإنسانُ ثم رَجَعَ إلى الإسلام لا يجوزُ قَتْلُهُ. لماذا كان ذلك جائزًا وهذا ليس جائزًا ؟ لأنَّ الأولَ اللهُ أمَرَ به والثانيَ اللهُ نهى عنه. فإذن الظلمُ هو مخالفةُ أمرِ ونهي مَنْ له الأمرُ والنهي، واللهُ ليس له آمِرٌ ولا ناهٍ فلا يُتَصَوَّرُ منه الظلم سبحانه. -قال المؤلف : ولا ءامِرَ لله ولا ناهِيَ له، فهو يتصرفُ في مِلكه كما يشاء : أيضًا الظلمُ في لغة العرب يُطلَقُ على التصرف في مُلكِ الغير. وليس هناك شىءٌ في العالم يملِكُهُ غيرُ الله، كلُّه مِلْكٌ لله، الـمِلْكُ الحقيقيُّ، كلُّه لله، فهو متصرِّفٌ في مِلكه. -قال المؤلف : لأنه خالقُ الأشياء ومالكُها. وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمدُ في مُسنده والإمامُ أبو داودَ في سُننه وابنُ حبانَ عن ابنِ الديْلَمي قال : ابنُ الدَّيْلَمِيِّ من التابعين. -قال المؤلف : قال " أتيتُ أُبيَّ بنَ كعبٍ : من أكابر علماءِ الصحابة أُبَيُّ بنُ كعب. -قال المؤلف : فقلتُ " يا أبا المنذِر، إنه حَدَثَ في نفسي شىءٌ من هذا القَدَر : تأتيني خواطرُ خبيثة تتعلَّقُ بالقدر. -قال المؤلف : قال فحدِّثني لعلَّ اللهَ ينفَعُني " : كَلِّمْني في ذلك لَعَلَّ اللهَ يُذْهِبُ عني هذه الخواطر بما تقولُ لي. -قال المؤلف : قال " إنَّ الله لو عَذَّبَ أهلَ أرضه وسمواته لَعَذَّبَهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم : لو عَذَّبَ أهلَ أرضه وسمواته وأهلُ أرضه فيهم أنبياء وأولياء وأهلُ سمواته فيهم ملائكة، لو عَذَّبَ اللهُ تعالى أهلَ أرضه وسمواته لـَمَا كان ظالـمًا لأنهم كلَّهم مِلْكٌ له. -قال المؤلف : قال " ولو رَحِمَهم كانت رحمتُهُ خيرًا لهم من أعمالهم " : وإذا رَحِمَهُمُ اللهُ كانت رحمتُهُ خيرًا لهم من أعمالهم لأنَّ أعمالَهم لا توجِبُ على الله أنْ يُدْخِلَهُمُ الجنة وأنْ يُثيبَهم. وأمَّا إذا رَحِمَهُمُ الله فإنهم يدخلون الجنة ويُعطيهمُ اللهُ تعالى من ثوابه. فتكونُ رحمتُهُ خيرًا لهم من أعمالهم. -قال المؤلف :قال " ولو أنفَقْتَ مثلَ أحُدٍ ذَهَبًا في سبيل الله : لو أنفقتَ مثلَ أحدٍ بقدرِ جبلِ أحدٍ ذهبًا في الجهاد في سبيل الله. -قال المؤلف : ما قَبِلَهُ اللهُ منكَ حتى تؤمنَ بالقدر : لا يَقْبَلُ اللهُ تعالى منكَ هذا حتى تؤمنَ بالقدر لأنَّك إذا لم تفعَل تكونُ كافرًا، إذا لم تؤمنْ بالقدر تكونُ كافرًا. وإذا كان الشخصُ كافرًا لا يُقْبَلُ منه ما يفعلُ من الأعمال الصالحة مهما كان كثيرًا. -قال المؤلف : قال " وتعلمَ أنَّ ما أصابَكَ لم يكنْ لِيُخْطِئَكَ وما أخطأكَ لم يكنْ لِيُصيبَكَ " : لا يُقْبَلُ منكَ حتى تعلمَ أنَّ ما كتبَ اللهُ أنْ يُصيبَك لا بد أنْ يُصيبَك، وأنَّ ما كتبَ اللهُ أنْ يُخْطِأكَ لا بد أنْ يخطِأكَ. -قال المؤلف : قال " ولو مُتَّ على غيرِ هذا دخلتَ النار " : ولو مُتَّ على غيرِ هذه العقيدة تكونُ من أهل النار. -قال المؤلف : قال " ثم أتيتُ عبدَ الله بنَ مسعود فحدَّثَني مثلَ ذلك : قال أي ابنُ الدَّيْلَميّ بعد ذلك ذهبتُ إلى عبد الله بنِ مسعود فقال لي كما قال أُبَيّ. -قال المؤلف : ثم أتيتُ حُذَيْفَةَ بنَ اليَمانِ فحدَّثني مثلَ ذلك : ثم جئتُ إلى حُذَيْفَة قلتُ له حدثَ في قلبي شىء، تأتيني خواطر فحدَّثَني كما حدَّثاني قبلَه. -قال المؤلف : ثم أتيتُ زيدَ بنَ ثابتٍ فحدَّثني مثلَ ذلك عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ثم جئتُ إلى زيدِ بنِ ثابت فقال لي ذلك وزاد زيدٌ أنه قال " سمِعْتُ ذلك من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فزيدٌ أخبره أنَّ هذا الكلام الذي قالَ له سَمِعَه من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. هذه هي عقيدةُ النبيّ عليه الصلاة والسلام وصحابتِهِ الكرام. -قال المؤلف : وروى مسلم في صحيحه والبيهقيُّ في كتاب " القدر " عن أبي الأسود الدُّؤَليّ قال " قال لي عِمْرانُ بنُ الحُصَيْن " : أبو الأسود الدؤلي من علماء التابعين وكان يتردَّدُ إلى الصحابة يتلقَّى منهم العلم. مِمَّنْ كان يتردَّدُ إليه عمرانُ بنُ الحصين رضي الله عنه. فأراد يومًا عمران أنْ يَخْتَبِرَه، أنْ يَمْتَحِنَه، أنْ ينظُرَ في فَهمه. -قال المؤلف : قال لي عمرانُ بنُ الحصين : أرأيتَ ما يعملُ الناسُ اليومَ ويَكْدَحون فيه : هذه الأعمالُ التي يَعْمَلُها الناسُ باختيارهم. -قال المؤلف : قال عمران بن الحصين : أشىءٌ قُضِيَ عليهم ومضى عليهم من قَدَر قد سَبَقَ ؟ هذه الأعمال تحصُلُ بتقدير الله الأزليّ ؟ -قال المؤلف : قال عمران بن الحصين : أو فيما يُستَقْبَلون به : أو هذه أشياء يعمَلُها الناسُ بإراداتهم من غير أنْ يكونَ سَبَقَ فيها تقديرٌ لله ؟ -قال المؤلف : قال عمرانُ بنُ الحصين : مِمَّا أتاهم به نبيُّهم وثَبَتَتِ الحُجَّةُ عليهم ؟ : يعني هذه الأشياء التي أتاهم بها النبيُّ وأمَرَهم بها وقامتِ الحجةُ بها عليهم فهم يعمَلون بها ويَكْدَحون، هذا العملُ الذي يحصُلُ منهم هل هو بتقدير أزليّ من الله سَبَقَ وجودَهم أو أنَّ هذا عملٌ منهم من غير تقدير أزليّ من الله ؟ من غير أنْ يَسْبِقَ وجودَهم وعملَهم تقديرٌ من الله لذلك ؟ -قال المؤلف : فقلتُ بل شىءٌ قُضِيَ عليهم ومضى عليهم : أجاب أبو الأسود فورًا بما تعلَّمَه من الصحابة " بل شىءٌ مضى فيهم وقُضِيَ عليهم، شىءٌ مضى عليهم وقضاه اللهُ تبارك وتعالى عليهم. -قال المؤلف : قال فقال " ألا يكونُ ظلمًا " : فأراد أنْ يَمْتَحِنَه عمرانُ أكثر فقال " أفلا يكونُ ظلمًا " ؟ هذا ألا يكونُ ظلمًا من الله ؟ قضى عليهم وقَدَّر ثم يُعاقِبُ مَنْ عصى منهم ؟ -قال المؤلف : قال " فَفَزعْتُ من ذلك فَزَعًا شديدًا : اضطرب أبو الأسود لأنه يعرِف أنَّ هذا لا يكونُ ظلمًا من الله. -قال المؤلف : وقلتُ " كلُّ شىء خَلْقُهُ ومِلْكُ يده لا يُسْئَل عمَّا وهم يسألون " : معناه لا يكونُ هذا ظلمًا منه لأنه متصرِّفٌ في مِلكِهِ، كلُّ شىء هو خَلَقَه وهو مِلْكٌ له، ولا يُسألُ عمَّا يفعل، ليس له ءامرٌ وناه يسألُهُ لـِمَ فعلتَ ؟ لـِمَ لم تفعل ؟ لـِمَ خالفتَ أمري ؟ لـِمَ خالفتَ نَهْيي ؟ ليس مِثْلَنا. -قال المؤلف : قال " فقال لي يرحَمُكَ الله، إني لم أُرِدْ بما سألتُكَ إلا لأحْزِرَ عقلَكَ : لـَمَّا رأى عمرانُ اضطرابَه قال له " يرحَمُكَ الله، أنا ما أردتُ إلا أنْ أمتَحِنَكَ. " لأحْزِرَ عقلَكَ " أي حتى اُقَدِّرَ عقلَك، حتى أرى مِقْدَار فَهْمِكَ " . -قال المؤلف : قال " إنَّ رجلين من مُزَيْنَةَ أتيا رسولَ الله فقالا " يا رسولَ الله أرأيتَ ما يعملُ الناسُ اليوم ويَكدحون فيه أشىءٌ قُضِيَ عليهم ومضى عليهم من قَدَر قد سَبَقَ أو فيما يُستقبِلون به مِمَّا أتاهم به نبيُّهم وثَبَتَتِ الحجةُ عليهم ؟ : يعني قال له إنَّ رجلين من مُزَيْنَة من قبيلة مُزَيْنَة أتيا النبيَّ عليه الصلاة والسلام فسألاه عن هذا الأمر كما سألتُكَ أنا. -قال المؤلف : فقال "بل شىءٌ قُضِيَ عليهم ومَضَى عليهم " ومِصداقُ ذلك قولُ الله تبارك وتعالى { ونفسٍ وما سوَّاها فألْهَمَها فُجُورَها وتقواها } : أقسمَ اللهُ تعالى بالنفسِ وما سَوَّاها ثم قال { فألهَمَها فُجُورَها وتقواها } فَدَلَّ ذلك على أنَّ الله هو الذي قَدَّرَ الفُجُورَ للنفس الفاجرة وقَدَّرَ التقوى للنفس التقية، هو الذي خَلَقَ الفجورَ في النفس الفاجرة وهو الذي خَلَقَ التقوى في النفس التقية. فكان جوابُ النبيّ عليه الصلاة والسلام موافقًا لـِمَا أجاب به أبو الأسود الدؤلي، طمأنَهَ عمرانُ، طمأنَهُ بهذا الكلام. -قال المؤلف : وصحَّ حديثُ " فمنْ وَجَدَ خيرًا فليَحْمَدِ الله ومنْ وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه " : ومع ذلك صحَّ الحديثُ " مَنْ وجَدَ خيرًا فليحمَدِ الله " لأنَّ الله تَفَضَّلَ عليه بذلك من غير أنْ يكونَ واجبًا عليه. "ومَنْ وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه " لأنه هو فَعَلَ ذلك باختياره، فاللومُ راجِعٌ عليه ولا يرجِعُ لومٌ على الله لأنَّ الله تعالى مالكٌ له وهو يفعلُ في مِلكه ما يريد. -قال المؤلف : رواه مسلم من حديث أبي ذرّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الله عزّ وجلّ. -قال المؤلف : أمَّا الأولُ وهو مَنْ وَجَدَ خيرًا فلأنَّ الله تعالى متفضلٌ عليه بالإيجاد والتوفيق : الله الذي أوجَدَه وأوجَدَ العملَ على يده، وفَّقَه للعمل الصالح. -قال المؤلف : من غير وجوب عليه، فَلْيَحْمَدِ العبدُ ربَّه على تفضله عليه. -قال المؤلف : أمَّا الثاني وهو مَنْ وَجَدَ شرًّا فلأنه تعالى أبرزَ بقدرته ما كان من مَيْلِ العبد السيء : الله خَلَقَ بقدرته ما عَلِمَه من ميل العبد السيء، الله عَلِمَ بعلمه الأزليّ أنَّ هذا العبدَ يكونُ له ميلٌ إلى الشر فخَلَقَ الشرَّ على يده موافقًا لعلمه الأزليّ سبحانه. -قال المؤلف : فمنْ أضلَّه اللهُ فبعدله ومَنْ هَدَاه فبفضله : وهذه هي مقولةُ أهل السّنة نَصَرَهُمُ الله، مَنْ أضلَّه الله فبعدله ومَنْ هداه فبفضله. الهدايةُ فضلٌ من الله والإضلالُ ليس ظلمًا من الله. -قال المؤلف : ولو أنَّ الله خَلَقَ الخلقَ وأدخل فريقًا الجنةَ وفريقًا النارَ لسابق علمه أنهم لا يؤمنون : لو أنَّ الله خَلَقَ الخلق ثم أدخل مَنْ عَلِمَ أنه يؤمن الجنة وأدخَلَ مَنْ عَلِمَ أنه يكفُرُ النار من غير أنْ يكونَ لهم فترةُ اختبارٍ في الدنيا. -قال المؤلف : لكان شأنُ المعذَّبِ منهم : لكان الذي يُعَذِّبُهُ اللهُ في النار يقول. -قال المؤلف : ما وَصَفَ اللهُ بقوله { ولو أنَّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربَّنا لولا أرسلتَ إلينا رسولا فَنَتَّبِعَ ءاياتِكَ من قبلِ أنْ نَذِلَّ ونخزى } : لكان قالوا ربَّنا لو أنكَ أرسلتَ إلينا رسولا كنا ءامنا. فأراد ربُّنا عزّ وجلّ أنْ يقطَعَ كلامَهم هذا. -قال المؤلف : فأرسل اللهُ الرسلَ مبشِّرين ومنذرين لِيُظْهِرَ ما في استعداد العبد من الطَّوْع والإباء : حتى يظهَرَ ما عند العبد من الإستعداد للطاعة وما عند العبد الآخر من الإستعداد للمعصية، حتى يظهَرَ هذا وحتى يظهَرَ هذا. -قال المؤلف : فَيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عن بيِّنة ويَحيا مَنْ حَيَّ عن بيِّنة : الذي يَهْلِك يَهْلِك عن بيِّنة ودليل وبرهان، والذي يحيا حياةً طيبة يحيا عن دليل وبرهان. -قال المؤلف : فأخبرنا أنَّ قِسمًا من خلقه مصيرُهم النارُ بأعمالهم التي يعمَلون باختيارهم، وكان تعالى عالـِمًا بعلمه الأزلي أنهم لا يؤمنون : يعني مَنْ هَلَكَ يهلِكُ بعد قيامِ الحجة عليه، ومَنْ حَيَّ أي حياةً طيبة تكونُ حياتُهُ بعد قيام الحجة له أي بعد بعثة الرسل، هؤلاء اتبعوا الرسل وهؤلاء لم يتبعوا الرسل. بعد قيام الحجة يهلِكُ مَنْ هَلَكَ عن بيِّنة ويحيا مَنْ حيَّ عن بيِّنة. -قال المؤلف : فأخبرنا أنَّ قسمًا من خلقه مصيرُهُمُ النارُ بأعمالهم التي يعمَلون باختيارهم : باختيارهم لأنهم يعمَلون الأعمالَ السيئة ويكفرون بالله باختيارهم، ليسوا مُجْبَرين. -قال المؤلف : وكان تعالى عالـِمًا بعلمه الأزليّ أنهم لا يؤمنون : عَلِمَ اللهُ بعلمه الأزليّ أنهم لا يؤمنون فَخَلَقَ فيهم الكفر. -قال المؤلف : قال تعالى { ولو شِئْنا لآتينا كلَّ نفس هُداها } : لو شاء اللهُ لجَعَلَ كلَّ الناس مهتدين. -قال المؤلف : قال تعالى { ولكنْ حقَّ القولُ مني لأملأنَّ جهنمَ من الجنّة والناس أجمعين } : لكنَّ الله تعالى شاء أنْ يملأ جهنمَ من الجنّ ومن الإنس، يعني شاء أنْ يكونَ كثيرٌ من الجن والإنس كفارًا فيملأُ اللهُ تبارك وتعالى بهم جهنم. -قال المؤلف : أخبرَ اللهُ تعالى في هذه الآية أنه قال في الأزل : قال بكلامه الأزليّ الذي لا يشبه كلامَنا. -قال المؤلف : قال تعالى { لأملأنَّ جهنمَ من الجنة والناس أجمعين } : أي هذا يُفْهَمُ من كلامه الأزليّ. -قال المؤلف : وقولُهُ صِدْقٌ لا يَتَخَلَّف : قولُ الله صدق، إذا قال الله تعالى قولا فإنَّ هذا القولَ لا بد أنْ يكونَ صِدْقًا. -قال المؤلف : لأنَّ التخلُّفَ أي التغيُّرَ كَذِبٌ والكذب محالٌ على الله : إذا أخبر اللهُ أنَّ الجنة تمتلىء وأنَّ النار تمتلِىء فلا بد أنَّ الجنة ستمتلِىء وأنَّ النار ستمتلِىء لأنَّ خَبَرَهُ صِدق. -قال المؤلف : قال تعالى { قل فللّهِ الحُجَّةُ البالغةُ } : الله له الحُجَّةُ على العباد، الحجةُ البالغة الثابتة. -قال المؤلف : قال تعالى{ فلو شاء لهداكم أجمعين } : لو أراد اللهُ أنْ تكونوا كلُّكم مهتدين لكنتم كلُّكم مهتدين، لكانَ خَلَقَ فيكم الهداية. -قال المؤلف : أي ولكنه لم يشأ هدايةَ جميعِكم إذْ لم يَسْبِقِ العلمُ بذلك : لأنَّ الله تعالى عَلِمَ في الأزل أنَّ قسمًا يكونون مُهْتَدين وقسمًا يكونون كفارًا. فمنْ عَلِمَ أنه يكونُ مهتديًا هداه ومَنْ علِمَ أنه يكونُ كافرًا خَلَقَ فيه الكفر. -قال المؤلف : فالعبادُ منساقون إلى فعل ما يَصْدُرُ عنهم باختيارهم لا بالإكراه والجَبْر : نعم، كما سَبَقَ وبيَّنَّا. -قال المؤلف : واعلم أنَّ ما ذكرناه من أمر القدر ليس من الخوض الذي نهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم عنه بقوله " إذا ذُكِرَ القَدَرُ فأمسِكوا " رواه الطبراني : هذا الكلامُ في أمر القدر ليس منهيًّا عنه. رُوِيَ في بعض الأحاديث النهيُ عن الخوض في القدر، ليس المرادُ هذا، هذا مجردُ شرح لـِمَا جاء في القرءان، بيان ما معنى الذي جاء في القرءان والسّنة، هذا ليس من الخوض المحرَّم. إنما الخوضُ الذي حَرَّمَه الله أنْ يحاولَ الإنسانُ الوصولَ إلى حقيقة التقدير، إلى حقيقة القَدَر، إلى حقيقة صفةِ الله، هذا هو الخوضُ الذي منعَ اللهُ تعالى منه. -قال المؤلف : لأنَّ هذا تفسيرٌ للقدر الذي ورَدَ به النصُّ، وأمَّا المنهيُّ عنه فهو الخوضُ فيه للوصول إلى سره : للوصول إلى حقيقته. -قال المؤلف : فقد روى الشافعي والحافظُ ابنُ عساكر عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال للسائل عن القدر " سِرُّ الله فلا تَتَكَلَّف " : هذا شىءٌ اختصَّ اللهُ تعالى بعلمه فلا تتكلَّفْ البحثَ عن ذلك. -قال المؤلف : " أمَّا إذْ أبَيْتَ فإنه أمرٌ بين أمرين لا جَبْرٌ ولا تفويضٌ " : يعني أمَّا إذْ ألْحَحْتَ عليَّ، أنتَ ألْحَحْتَ عليَّ، سأزيدُكَ شيئًا ولنْ أُطيل، إنه أمرٌ بين أمرين، لا جبرٌ ولا تفويض، ليس العبدُ مجبورًا بحيث يحصُلُ الفعلُ منه بغير مشيئته ولا العبدُ الأمرُ مفوَّضٌ إليه بحيث يحصُلُ منه ما يريد بغير مشيئة الله، لا هذا ولا هذا، إنما هو أمرٌ بين هذين الأمرين، العبدُ مختار لكنَّ اختيارَهُ تحت مشيئة الله. هذا معنى كلامِ سيدِنا عليّ، يعني قل هذا وقِف عند هذا الحدّ، لا تتعدَّى ذلك إلى التفكَّر لمحاولة الوصول إلى حقيقة صفة الله تعالى. -قال المؤلف : واعلمْ أيضًا أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ذَمَّ القدريةَ وهم فرق : القدريةُ كما قلنا الذين ينكرون القدر، ينكرون أنْ تكونَ الأمورُ تحصُلُ بتقدير الله، إنما يُضيفون القدرَ إلى الإنسان، يقولون العبدُ هو يخلُقُ أفعالَه. -قال المؤلف : فمنهم مَنْ يقول " العبدُ خالقٌ لجميع فعله الإختياري " : بعضُهم هكذا يقول، الخير والشر من أفعال العبد هو خَلَقَها. -قال المؤلف : ومنهم منْ يقول " هو خالقُ الشر دون الخير " : وبعضهم يقول الخيرُ خَلَقَه الله لكنَّ الشر يخلَقَه الإنسان. -قال المؤلف : وكِلا الفريقين كفارٌ : الفريقان كفار، هذا الفريقُ وهذا الفريق لأنَّ هذا الفريق في كلامه نِسْبَةُ العجز إلى الله، فيه نِسْبَةُ المغلوبية إلى الله، والفريقُ الثاني مِثْلُهُ، لا يفترِقان في هذا. -قال المؤلف : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " القدريةُ مجوسُ هذه الأمّة " : كِلا الفريقين جعلوا لله شريكًا في التخليق، الفريقُ الأول والفريقُ الثاني جعلوا لله شريكًا في التخليق. ولأجل هذا شَبَّهَهُمُ النبيُّ عليه الصلاة والسلام بالمجوس لأنَّ المجوس يقولون " العالم له أكثر من مدبِّر، له أكثر من خالق " لذلك شَبَّهَهُمُ النبيُّ عليه الصلاة والسلام بالمجوس فقال " القدريةُ مجوسُ هذه الأمّة ". -قال المؤلف : وفي رواية لهذا الحديث " لكلِّ أمّةٍ مجوسٌ، ومجوسُ هذه الأمّة الذين يقولون لا قَدَر " : وهذه الروايةُ فيها تصريحٌ بأنَّ القدرية هم الذين ينفُون القدر لأنه قال " لكلِّ أمَّةٍ مجوس ومجوسُ هذه الأمّة الذين يقولون لا قدر " ينفون القدر. وفي الحديث الذي قبلَه أنَّ مجوسَ هذه الأمّة هم القدرية. فإذن القدريةُ هم الذين يقولون " لا قدر " ينفُون القدر. نعوذُ بالله تعالى من شرورهم. -قال المؤلف : رواه أبو داودَ عن حُذيفَةَ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال المؤلف : وفي كتاب " القدر " للبيهقي وكتاب " تهذيب الآثار " للإمام أبنِ جريرٍ الطبريّ رحمهما الله تعالى عن عبدِ الله بنِ عمرَ أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قال " صِنفانِ من أمّتي ليس لهما نصيبٌ في الإسلام القدريةُ والمرجئة " : معنى الحديث أنَّ فريقين ينتسبان إلى الأمّة المحمدية لكنْ في الحقيقة هما كفار. الفريقُ الأول القدرية وهم هؤلاء الذين تكلَّمنا عنهم، الذين يقولون " إنَّ العبدَ هو يخلُقُ فعلَه وإنَّ فعلَ العبد لا يحصُلُ بتقدير الله ". والفريقُ الثاني هم المرجئة الذين يقولون إنَّ الذنب لا يَضُرُّ مع الإيمان " إذا كان العبدُ مؤمنًا فلا يَضُرُّ مع إيمانه ذنبٌ يَفْعَلُهُ. -قال المؤلف : فالمعتزلةُ هم القدريةُ : المرجئة هم الذين يقولون إنَّ الله تبارك وتعالى لا يُعَذِّبُ مؤمنًا من المؤمنين بأي ذنب من الذنوب، إنَّ المؤمن لا يُعَذَّبُ بشىء. هذا هو. -قال المؤلف : لأنهم جعلوا اللهَ والعبدَ سواسيةٌ بنفي القدر عنه عزّ وجلّ : هكذا، المعتزلة هم القدرية يعني المعتزلة عقيدُتُهم كعقيدة القدرية، هم فرقة من القدرية، ليسوا شيئًا ءاخر، لماذا ؟ لأنهم جعلوا اللهَ تعالى والعبدَ متساويين، اللهُ يخلُق والعبدُ يخلُق، اللهُ شاء والعبدُ شاء، تنفَّذت مشيئةُ العبد ولم تتنفَّذ مشيئةُ الله، غَلَبَتْ مشيئةُ العبدِ مشيئةَ الله فجعلوا العبدَ مساويًا لله تعالى في ذلك. ولذلك شَبَّهَهُمُ النبيُّ عليه الصلاة والسلام بالمجوس. -قال المؤلف : على ما يُقْدِرُ عليه عبدَه : حتى إنهم قالوا " الله يعطي العبدَ القدرةَ على خلق فعله " بعد أنْ يعطيَ اللهُ العبدَ القدرةَ على خلق فعله يصيرُ اللهُ تعالى عاجزًا عن خلق ذلك الشىء. ما أعطى اللهُ العبدَ القدرةَ على فعله صار هو عاجزًا عن خلقه، وهذا لا يجوز، مثلُ هذا القول لا يجوز، لا يجوزُ تركُ تكفيرهم به. كيف يُتْرَك الذي يقول إنَّ الله يصيرُ عاجزًا ؟!!! كيف لا يُكَفَّر. -قال المؤلف : فكأنهم يُثْبِتون خالِقَيْن في الحقيقة كما أثبتَ المجوسُ خالِقَيْن خالقًا للخير هو عندَهم النور وخالقًا للشر هو عندهم الظلام : هكذا، المجوس يعتقدون أنَّ للعالم مدبِّرين، خالقًا للخير وخالقًا للشر، خالقُ الخير عندهم النور وخالقُ الشر عندهم الظلمة. والمعتزلة يشبِهون المجوس، يعتقدون أنَّ الله شاء الخير وأنَّ العبد هو الذي شاء الشر، وأنَّ مشيئة الله تبارك وتعالى تَنْفُذُ في بعض الأمور وفي بعض الأمور لا تنفُذ، وأنَّ العبد هو الذي يخلُقُ الشر وليس اللهُ هو الذي يخلُقُ الشر. وبعضهم يقول " كلُّ فعلِ العبد هو يخلُقُه، الفعلُ الإختياري وليس اللهُ هو خالِقَه ". فَشَابهوا المجوس، جعلوا للعالم أكثر من خالق. -قال المؤلف: والهدايةُ على وجهين : ثم الهدايةُ على معنيين، ينبغي أنْ يفهمَ الإنسان أنَّ الهداية تأتي على معنيين، تأتي على معنى تبيين الحق وتأتي على معنى خلقِ الإهتداء في القلب. فهذان معنيان كلٍّ منهما يقالُ فيه " هَدَى ". الآن المصنِّفُ رحمةُ الله عليه يُبَيِّن. -قال المؤلف : أحدُهُما إبانةُ الحقّ والدعاءُ إليه ونصبُ الأدلة عليه : هذا يقال له هداية، إذا بَيَّنَ الإنسانُ لغيره الحق ودعاه إلى اتباعه وبَيَّنَ له الأدلة على صحته يقالُ " هداه ". -قال المؤلف : وعلى هذا الوجه يصِحُّ إضافةُ الهداية إلى الرسل وإلى كلِّ داعٍ لله : فإذا أُضيفَتِ الهدايةُ إلى الرسل وإلى الدعاة إلى الله يكونُ على هذا المعنى، بيانِ الحق والدعوةِ إليه وإقامةِ الأدلة على صحته. -قال المؤلف : كقولِهِ تعالى في رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم { وإنكَ لتهدي إلى صراط مستقيم } : أي إنكَ تُبَيِّنُ الصراطَ المستقيم وتُقيمُ الأدلةَ عليه وتدعو إليه. -قال المؤلف : وقولِه تعالى { وأمَّا ثمودُ فَهَدَيْنَاهم } : بيَّنَّا لهمُ الحق. { فهديناهم } أي بَيَّنَّا الحقَّ لهم. -قال المؤلف : { فاستحبُّوا العَمَى على الهدى } : فاستحبَّ ثمودٌ العمى على الهدى. نحن بيَّنَّا لهم الهداية لكنْ هم استحبُّوا العَمَى على ذلك. هذا معنى الآية. -قال المؤلف : والثاني من جهة هدايةِ الله تعالى لعباده أي خَلْقِ الإهتداء في قلوبهم : أمَّا المعنى الثاني للهداية فهو خلقُ الإهتداء في القلوب وهذا لا يكونُ إلا من الله. -قال المؤلف : كقولِهِ تعالى { فمنْ يردِ اللهُ أنْ يهدِيَهُ يشرحْ صدرَه للإسلام } مَنْ يريدُ اللهُ أنْ يكونَ مهتديًا أي أنْ يكونَ الإيمانُ في قلبه { يشرح صدرَه للإسلام } يخلُقُ اللهُ الإيمانَ في قلبه. -قال المؤلف : قال تعالى{ ومنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّه } : أمَّا مَنْ أراد اللهُ تعالى أنْ يُضِلَّه، مَنْ شاء اللهُ أنْ يكونَ ضالًّا. -قال المؤلف : قال تعالى { يجعَل صدرَه ضيِّقًا حَرَجًا } : فإنَّ الله تعالى يجعلُ صدرَه ضيِّقًا يَضيقُ عن قبولِ الحقّ، يعني لا يخلُقُ الإهتداءَ في قلبه إنما يخلُقُ في قلبه رَدَّ الحقِّ ونَفْيَه. الله يَعْصِمُنا من ذلك. -قال المؤلف : والإضلالُ خَلْقُ الضلال في قلوب أهل الضلال : والإضلالُ معناه خلقُ الضلال في قلوب أهل الضلال. إذن العبادُ مشيئتُهم تَتْبَعُ مشيئةَ الله. ليس مشيئةُ الله تَتْبَع مشيئةَ العباد كما يقولُ القدرية المعتزلة. -قال المؤلف : فالعبادُ مشيئتُهم تابعةٌ لمشيئة الله، قال تعالى { وما تشاءون إلا أنْ يشاءَ اللهُ } : أنتم لا تريدون إلا إذا أراد الله، إذا أراد اللهُ تريدون ما أراد اللهُ لكم أنْ تريدوا، ما شاء اللهُ أنْ تريدوا تُريدونَه. وما لم يشأ اللهُ أنْ تريدوه لا تريدوه. مشيئتُكم أيها العباد تابعةٌ لمشيئة الله، ليست غالبةً عليها. -قال المؤلف : وهذه الآيةُ من أوضح الأدلة على ضلال جماعةِ أمين شيخو : لأنَّ هؤلاء وافقوا المعتزلة فيما هم عليه. -قال المؤلف : لأنهم يقولون " إنْ شاء العبدُ الهدايةَ يَهديه اللهُ وإنْ شاء العبدُ الضلالَ يُضِلُّهُ الله ": هكذا يقولون. -قال المؤلف : فماذا يقولون في هذه الآية { فمنْ يرِدِ اللهُ أنْ يهدِيَهُ يشرحْ صدرَه للإسلام } فإنها صريحةٌ في سبقِ مشيئةِ الله على مشيئة العبد : إيه، { مَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يهدِيَهُ يشرح صدرَه للإسلام } إذن مَنْ شاء اللهُ له الإهتداء هو الذي ينشَرِحُ صدرُه للإسلام، يخلُقُ اللهُ في صدره قَبولَ الإسلام فَيَقْبَلُهُ. -قال المؤلف : لأنَّ الله نَسَبَ المشيئة إليه وما رَدَّها إلى العباد. فأولئك كأنهم قالوا " مَنْ يُرد العبدُ أنْ يشرح صدرَه للإسلام يشرح اللهُ صدرَه " : فيكونون مُكَذِّبين للآية لأنهم هم هكذا يقولون " العبدُ إذا أراد أنْ يشرَحَ صدرَه للإسلام يشرحُ اللهُ صدرَه للإسلام ". وليس هذا هو ما جاء في القرءان { مَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْدِيَهُ } ليس مَنْ يُرِدِ العبدُ، العبدُ إذا أراد أنْ يهتديَ، لا. { فمَنْ يردِ اللهُ أنْ يهدِيَه يشرح صدرَه للإسلام }. -قال المؤلف : ثم قولُهُ { فمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّه } فلا يمكنُ أنْ يرجِعَ الضميرُ في { يُرِد أنْ يُضِلَّه } إلى العبد : هكذا، لا يَصِحُّ، يصيرُ القرءانُ ركيكًا. { فمَنْ يردِ اللهُ أنْ يهدِيَهُ يشرح صدرَه للإسلام } معناه الذي أراد اللهُ له الهداية يجعَل صدرَه منشرحًا للدين، يخلُقُ الإهتداءَ في قلبه. { ومَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّه } لا يصح أنْ يقال معناه والعبدُ الذي يريدُ لنفسه الضلال " كيف هذا ؟!! هذا يصيرُ ركيكًا في لغة العرب، والقرءانُ مَصونٌ عن الركاكة. -قال المؤلف : لأنَّ هذا يجعلُ القرءانَ ركيكًا ضعيفَ العبارة. والقرءانُ أعلى البلاغة لا يوجدُ فوقَه بلاغةٌ : بلا شك. -قال المؤلف : فَبَانَ بذلك جهلُهم العميق وغباوتهم الشديدة : جهلُهُم باللغة والشرع وغباوتُهُم أيضًا. -قال المؤلف : وعلى موجَبِ كلامِهم يكونُ معنى الآية { فمنْ يردِ اللهُ أنْ يهدِيَهُ يشرحْ صدرَه للإسلام } أنَّ العبد الذي يريدُ أنْ يهدِيَه اللهُ يشرحُ صدرَه للهدى : على حسب كلامِهم هكذا يكونُ المعنى، لكنْ هذا عكسُ اللفظ الذي أنزَلَهُ اللهُ في القرءان. -قال المؤلف : وهذا عكسُ اللفظ الذي أنزلَهُ الله. وهكذا كان اللازمُ على موجَبِ اعتقادِهم أنْ يقول اللهُ والعبدُ الذي يريدُ أنْ يُضِلَّه الله يجعَل صدرَه ضيِّقًا حَرَجًا، وهذا تحريفٌ للقرءان لإخراجه عن أساليب اللغة العربية التي نَزَلَ بها القرءانُ وفَهِمَ الصحابةُ القرءانَ على موجَبِهَا : يعني القرءانُ لا يجوزُ تفسيرُهُ على ما يخالِفُ اللغةَ العربية. وعلى وَفْقِ اللغة العربية هذه الآيةُ معناها أنَّ الشخص الذي أراد اللهُ له الإهتداء يخلُقُ فيه الإهتداء، وأنَّ الذي أراد فيه الضلال يجعَل ربُّنا صدرَه شديدَ الضيقِ بحيث لا يقبَلُ الحق، ولا يخلُقُ فيه الإهتداء، إنما يخلُقُ فيه الضلال، هذا معنى الآية. وأمَّا ما ذَهَبَ إليه جماعة أمين شيخو ومَنْ وافَقَهم فهذا مخالِفٌ للغة العرب، دالٌّ على جهلهم بها وعلى جهلهم بقواعد الشريعة وعلى ضَعف عقولهم وعلى غباوتهم وضعف عقولهم بحيث لا يعرِفون أدلةَ العقول لأنَّ العقول تشهَدُ على خِلاف ما قالوا. كلامُهم فيه نِسْبَةُ النقص والضعف إلى الله تبارك وتعالى. -قال المؤلف : والدليلُ على أنهم يفهمون القرءانَ على خلاف ما تفهَمُهُ هذه الفرقةُ : الدليلُ على أنَّ الصحابة ومَنْ بعدهم ومَنْ أخذ منهم ثم مَنْ أخذ منهم وهكذا، الدليلُ على أنهم يفهمون القرءان على خلاف هذه الفرقة القدرية ومَنْ قال بمقالة أمين شيخو وجماعته. -قال المؤلف : اتفاقُ المسلمين سلَفِهم وخلَفِهم على قولهم " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكنْ ": هذا الإجماع والإتفاق بين المسلمين عالـِمِهم وجاهِلِهم، سلفِهم وخلَفِهم على أنْ يقولوا " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكنْ " هذا دالٌّ على فساد قول هذه الفرقة وعلى أنهم لم يفهموا هذه الآيات القرءانية كما فَهِمَها السلفُ والخلف لأنَّ السلف والخلف لو فَهِموا الآيات كما هم يزعُمون لـَمَا قالوا " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكنْ ".