fbpx

تفسير سورة الملك – الجزء 3

شارك هذا الدرس مع أحبائك

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الملك في هذه السورة المباركة ضرب الله مثلا للمؤمن والكافر. فقال الله عزّ وجلّ:{أفمن يمشي مكبًّا على وجهه اهدى أمّن يمشي سويًّا على صراطٍ مستقيم} {أفمن يمشي مكبًا على وجهه} ما معنى مكبًا على وجهه أي منكسًا رأسه لا ينظر أمامه ولا يمينه ولا شماله فهو لا يأمن من الانكباب على وجهه ولا يدري أين يذهب هذا هو الكافر أهذا أهدى أهذا أهدى للطريق أمن الذي يمشي سويًا معتدلا يرى أمامه ويمينه وشماله يمشي يبصر الطريق وهو يمشي على صراط مستقيم على طريق مستو لا اعوجاج فيه. فقد شبه الله تعالى المؤمن في تمسكه بالدين ومشيه على منهاجه بمن يمشي في الطريق المعتدل الذي ليس فيه ما يتعثر به. وشبه الله الكافر في ركوبه ومشيه على الدين الباطل بمن يمشي في الطريق الذي فيه حفر وارتفاع وانخفاض فيتعثر ويسقط على وجهه كلما تخلص من عَثرة وقع في أُخرى. ثم قال الله عزّ وجلّ: {قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة} قل أي يا محمد قل للمشركين هو الله الذي خلقكم وجعل لكم السّمع تسمعون به وجعل لكم الأبصار تبصرون بها وجعل لكم الأفئدة أي القلوب تعقلون بها فالسّمع والبصر والفؤاد كل هذه يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة كما قال الله عزّ وجلّ في سورة الإسراء {ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولًا} ثم وصف الله عزّ وجلّ هؤلاء الكفار بقوله: {قليلًا ما تشكرون} أي لا تشكرون بالمرة لا قليلا ولا كثيرًا فهنا قليلا ما تشكرون المراد بالقليل العدم ومن العلماء من قال في تفسيرها قليل منكم يُسلم فيكون شاكرًا. ثم قال الله عزّ وجلّ:{قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون} أي قل يا محمد قل لهم هو الله الذي ذرأكم خلقكم وفرقكم بثكم في الأرض وإليه تحشرون إليه ترجعون يوم القيامة للجزاء والحساب والمعنى أنّ الله القادر على خلقكم من العدم قادر على إعادتكم وفي ذلك ردّ على منكري البعث. وقد الله عزّ وجلّ في سورة المؤمنون: { وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}. ثم إن مشركي مكة كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة يسألونه من باب الاستهزاء كما قال الله عزّ وجلّ: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} أي يقول المشركون المنكرون للبعث متى هذا الوعد أي متى يوم القيامة ومتى هذا العذاب الذي تعدوننا به إن كنتم صادقون ما تعدوننا به وهذا استهزاء كما قلنا هذا استهزاء منهم. فأجابهم الله عزّ وجلّ بقوله: {قل إنّما العلم عند الله وإنّما أنا نذير مبين} أي قل يا محمد إنّما العلم بوقت قيام الساعة عند الله لا يعلم ذلك غير الله سبحانه وتعالى وقل لهم إنما أنا نذير لكم أُنذركم عذاب الله على كفركم مبين أي أبين لكم الشرائع كما قال الله عزّ وجلّ في سورة الأعراف: {يسألونك عن الساعة أيّان مرسها قل إنّما علمها عند ربّي}. ثم قال الله عزّ وجلّ: {فلمّا رأوه زُلفةً سيئت وجوه الّذين كفروا} أي فلمّا رأى الكفار العذاب قريبًا فلمّا رأوه زلفة أي قريبًا منهم سيئت وجوه الذين كفروا ساء وجوههم رؤية العذاب {وقيل هذا الذي كنتم به تدّعون} يقال لهم هذا الذي كنتم به تدّعون طيب هذا الذي كنتم بسببه تدعون أنه باطل تدعون أنه كذب هذا هو ومن العلماء من قال في تفسير هذه الكلمة تدّعون إنها من الدعاء معناه هذا الذي كنتم تسألون حصوله تطلبون وقوعه في الدنيا فقد كانوا في الدنيا يطلبون تعجيل العذاب وهذا بسبب إستهزائهم وإنكارهم. وليعلم أن مشركي مكة كانوا يتمنون موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتمنون موت أصحابه فأنزل الله عزّ وجلّ قوله: {قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم} قل أي يا محمد قل لهم لهؤلاء الذين يتمنون موتك أخبروني قل أرأيتم أي أخبروني إن أهلكني الله ومن معي إي إن أماتني الله الآن وأمات من معي من أصحابي كما تتمنون أو رحمنا أطال في عمرنا يعني إن متنا الآن أو متنا لاحقًا أنتم من يجيركم من العذاب الأليم فمن يجير الكافرين من عذاب أليم من يجير الكفار من العذاب الذي يستحقونه في الآخرة لو مات محمد في الوقت الذي تمنى الكفار موته فيه أو مات لاحقًا فإن الكفار مستحقون للعذاب في الآخرة لا ينجيهم أحد من ذلك.فكما قلنا كانوا يتمنون موت رسول الله صلى الله عليه وسلم. لو نظرنا في سورة الطور في قول الله عزّ وجلّ: {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون} الكفار كانوا يقولون عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنه شاعر على زعمهم نتربص به ريب المنون أي ننتظر نوائب الزمان فيموت كما مات من كان قبله كانوا يتمنون موته والعياذ بالله نسأل الله السلامة. ثم قال الله عزّ وجلّ: {قل هو الرحمن ءامنّا به وعليه توكلنا} قل يا محمد هو الله الرحمن الرحمن الذي يرحم المؤمنين والكافرين في الدنيا ولا يرحم الكافرين في الآخرة الله عزّ وجلّ قال: {ورحمتي وسعت كلّ شىء فسأكتبها للذين يتقون} وسعت في الدنيا المؤمن والكافر أليس الكافر يشرب الماء ويتنفس الهواء وأعطاه الله ما أعطاه في هذه الدنيا أما في الآخرة فالكافر لا يكون له فيها نصيب لا يرحم الله الكفار في الآخرة فأسكتبها أخصها في الآخرة للذين يتقون أي يجتنبون الكفر نسأل الله السلامة. ومعنى ءامنّا به أي صدقنا به ولم نشرك به شيئًا وحدناه سبحانه وتعالى ونزهناه سبحانه وتعالى عن كل صفات المخلوقين وعليه توكلنا اعتمدنا عليه في أمورنا {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} الذي يتوكل على الله الله يكفيه. {فستعلمون من هو في ضلال مبين} أي فستعلمون أيها الكفار حين ينزل بكم العذاب من هو في ضلال مبين من هو في ضلال بين واضح سيعلمون أنهم على الضلال لكن حين لا ينفعهم العلم. ثم قال الله عزّ وجلّ: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا فمن يأتيكم بماء معين} قل أي يا محمد قل لهم أرأيتم أخبروني إن أصبح ماؤكم غورًا غائرًا في الأرض لا تناله الأيدي ولا الدلاء فمن يأتيكم بماء معين من يأتيكم بماء طاهر من يأتيكم بماء جار على وجه الأرض من غير الله من غير الله سبحانه وتعالى القادر على كل شىء وقد قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة: {أفرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أُجاجًا فلولا تشكرون} أي أخبروني عن هذا الماء الذي ينزل من السماء ينزل من الغيوم ينزل من السحاب ءأنتم أنزلتموه ءأنتم أنزلتموه من المزن أم الله عزّ وجلّ هو الذي أنزله بقدرته لو شاء الله لجعله أُجاجًا أي ملحًا لا يمكنكم شربه فلولا تشكرون فهلا شكرتم الله فهلا ءامنتم بالله {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا فمن يأتيكم بماء معين} الله ربّ العالمين يستحب للقارىء بعد تلاوة هذه الآية أن يقول الله ربّ العالمين. نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا من الشاكرين والله اعلم وأحكم.