fbpx

تفسير سورة القلم – الجزء 1

شارك هذا الدرس مع أحبائك

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمّد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين سنتكلم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة القلم وهي سورة مكية. كان مشركو مكة ينسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى الجنون ومرة إلى السحر ومرة إلى الشعر. فبدأ سبحانه وتعالى هذه السورة ببراءته صلى الله عليه وسلم مما كانوا ينسبونه إليه من الجنون بدأ سبحانه وتعالى هذه السورة سورة القلم بتعظيم أجر النبي صلى الله عليه وسلم على صبره على أذى الكفار وبالثناء على خلقه العظيم فقال الله عزّ وجلّ: { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} نون الله أعلم بمراده به سبحانه وتعالى الله أعلم بمراده بهذا الحرف. ثم أقسم الله عزّ وجلّ بالقلم فقال عزّ وجلّ: {والقلم وما يسطرون} هذه الواو هي واو القسم والقلم هو هذا القلم الذي خلقه الله عزّ وجلّ وأمره فكتب في اللوح المحفوظ كل ما يكون في هذه الدنيا من أرزاق وآجال وغير ذلك وقول الله عزّ وجلّ: {وما يسطرون} أي وما يكتبون والمعنى ما تكتبه الملائكة من الخير هذا القسم وجواب القسم هو قول الله عزّ وجلّ: {ما أنت بنعمة ربّك بمجنون} أي ما أنت يا محمد بإنعام ربّك عليك بالنبوة بمجنون والمعنى أنك لا تكون مجنونًا يا محمد وقد أنعم الله عزّ وجلّ عليك بالنبوة والحكمة وفي ذلك رد وتكذيب للمشركين في قولهم إنه مجنون إن نعمة الله عزّ وجلّ كانت ظاهرة على رسوله صلى الله عليه وسلم من الفصاحة التامة والعقل الكامل والسيرة المرضية والأخلاق الحميدة إذا كانت هذه النعم ظاهرة فوجودها ينفي حصول الجنون كان المشركون يقولون إن محمدًا مجنون ينسبونه إلى الجنون يقولون ذلك تنفيرًا عنه. وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أرجحهم عقلا وأتمهم فضلا وقد أخبر الله عزّ وجلّ عن ذلك أيضًا في سورة الحجر فقال سبحانه وتعالى:{وقالوا يا أيّها الذي نُزل عليه الذكر إنّك لمجنون} وقالوا أي مشركو مكة مخاطبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم يا أيها الذي نزل عليه الذكر أي القرءان إنك لمجنون والعياذ بالله. ثم قال الله عزّ وجلّ:{وإنّ لك لأجرًا غير منون} أي وإن لك يا محمد لأجرًا غير منقوص ولا مقطوع ثم مدحه الله عزّ وجلّ وقال: {وإنّك لعلى خلق عظيم}. وقد روى مسلم عن السيدة عائشة وعن أبيها أنها قالت: “فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرءان” والمعنى إنّك يا محمد على الخلق الذي أمرك الله به القرءان. كما قال الله عزّ وجلّ في سورة الأعراف: {خذ العف وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} خذ العف وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق إن هذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق فإنها فسرت بصل من قطعك وأعطي من حرمك وأعف عمن ظلمك. وقد قال الله عزّ وجلّ في سورة ءال عمران:{فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لنفضوا من حولك} فبما رحمة من الله أي فبرحمة من الله لنت لهم يا محمد فقد وفقه الله عزّ وجلّ للرفق والتطلف بهم ولو كنت فظًا أي جافيًا غليظ القلب قاسيًا لنفضوا من حولك أي لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله عزّ وجلّ في القرءان: {بالمؤمنين رؤوف رحيم} ثم قال الله عزّ وجل:{فستبصر ويبصرون بأيّكم المفتون} أي عن قريب ترى ويرون هذه الآيات فيها وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها وعيد للمشركين فالمعنى عن قريب ترى ويرون في أي الفريقين الضّال أي بالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالفرقة الأخرى. {إنك ربّك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} أي إن الله أعلم بمن حاد عن الإسلام وحاد عن الصواب وحاد عن الحق وهو أعلم بالمهتدين هو عالم بالمهتدين المؤمنين المتبعين رسوله صلى الله عليه وسلم {فلا تطع المكذّبين} أي لا تطع يا محمد المكذّبين الذين كذّبوا بما أنزل الله عليك من الوحي المقصود من هذا النّهي نهي الأمة عن طاعة الكافرين فيما يدعون إليه من الكفر والتكذيب بدين الإسلام فالنبيّ صلى الله عليه وسلم معصوم من الكفر لا يقع في الكفر عليه الصلاة والسلام وكذلك جميع الأنبياء عصمهم الله عزّ وجلّ من الكفر ومن الكبائر ومن صغائر الخسة قبل النبوة وبعدها. فهذا نهي عن طواعيتهم في شىء مما كانوا يدعون إليه. إلى ماذا كان يدع مشركو مكة؟ كانوا يدعون إلى الكف عنهم ليكفوا عنه عليه الصلاة والسلام كانوا يدعون إلى تعظيم ما كانوا يعبدونه من دون الله والعياذ بالله وغير ذلك مما لا يرضاه الله عزّ وجلّ فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يطيعهم في ذلك. {ودّوا لو تدهنوا فيدهنون} أي تمنى كفار مكة لو تلين لهم يا محمد فيلينون لك ومعنى الآية أنهم تمنوا أن تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضونه مصانعة لهم فيفعل مثل ذلك ويترك بعض ما لا ترضى به فتلين لهم ويلينوا لك. فقال الله عزّ وجلّ: {ولا تطع كل حلّاف مهين} أي لا تطع يا محمد كلّ حلّاف أي كل ذي حَلِف أي كل ذي إكثار للحلف بالباطل حقير في الرأي حقير في الرأي والتمييز هذا معنى مهين. ثم قال الله عزّ وجلّ: {همّاز مشاء بنميم} الهمّاز هو المغتاب والغيبة ذكر أخاك المسلم بما يكره مما فيه في خلفه. ومعنى مشاء بنميم أي يمشي بالنميمة بين النّاس ليفسد بينهم فالنميمة هي نقل القول للإفساد. {مانّعًا للخير معتد أثيم} المنّاع للخير من العلماء من قال معناه هو مناّع للمال أي هو بخيل يمنع الحقوق فُفسر الخير بالمال ومن العلماء من قال المراد بذلك أنه يمنع النّاس عن الإسلام ومعنى معتد أي على النّاس في الظلم متجاوز للحد أثيم أي كثير الآثام عتل بعد ذلك ذميم العتل هو الغليظ الجافي ومعنى بعد ذلك أي مع ذلك هو ذميم أي مع ما وصفه الله عزّ وجلّ به من الصفات المذمومة فهو ذميم. ما معنى الذميم الذميم الداعي الملصق في القوم وهو ليس منهم هو في الحقيقة ليس منهم لكنه الصق بهم. وكثير من المفسرين قالوا أن هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة {أن كان ذا مال وبنين} أي بأن كان أن كان أي بأن كان والمعنى لا تطعه لماله وبنيه والرسول لا يطيعه عليه الصلاة والسلام. ثم قال الله عزّ وجلّ: {إذا تتلى عليه ءاياتنا قال أساطير الأوّلين} أي إذا تليت عليه ءايات القرءان قال هذا الكافر والعياذ بالله في ءايات القرءان إنها أساطير الأوّلين أساطير أي أباطيل يقول في القرءان إنه أباطيل وترهات أُخذت من القدماء ولما ذكر الله قبائح أفعال هذا الكافر وأقواله ذكر ما يفعل به على سبيل التوعد فقال تعالى: {سنسمه على الخرطوم} الخرطوم معناه الأنف سنسمه أي سنجعل له علامة على أنفه من العلماء من قال معنى الآية سنبين أمره بيانًا واضحًا حتى يعرفوه فلا يخفى عليهم كما لا تخفى السنمة على الخرطوم ويحتمل أن يكون المعنى سنجعل له علامة على أنفه يعير بها ما عاش والله أعلم. ثم قال عزّ وجلّ: {إنّا بلونهم كما بلونا أصحاب الجنّة إذ اقسموا ليصرمنها مصبحين} إنّا بلونهم أي بلونا أهل مكة كما بلونا أصحاب الجنّة أي أصحاب البستان فما هي قصة أصحاب البستان ولماذا احترق بستانهم هذا ما سنتكلم به إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.