fbpx

تفسير سورة القلم – الجزء 4

شارك هذا الدرس مع أحبائك

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمّد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين. سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة القلم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{فاصبر لحكم ربّك} فاصبر أي يا محمد لقضاء ربّك الذي هو آت وأمض لما أمرك به ربُّك عزّ وجلّ ثم قال الله عزّ وجلّ: {ولا تكن كصحاب الحوت} صاحب الحوت هو سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام أي ولا تكن يا محمد كصحاب الحوت {إذ نادى وهو مكظوم} أي نادى حين دعا ربّه عزّ وجلّ وهو في بطن الحوت فقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فنادى وهو مكظوم أي مملوء غيظًا على قومه إذ لم يؤمنوا لما دعاهم إليه من الإيمان {لولا أن تداركه نعمة من ربّه لنبذ بالعراء وهو مذموم} أي لولا أن أدركه رحمة من ربّه أي لولا أنّ الله عزّ وجلّ أنعم عليه بإجابة دعائه وقبول عذره لنُبذ أي لطرح من بطن الحوت بالعراء. العراء أي الأرض الواسعة الفضاء التي ليس فيها جبل ولا شجر ليس فيها شجر يستر لولا أنّ الله عزّ وجلّ أنعم عليه بالإجابة لنُبذ بالعراء وهو مذموم أي وهو معاتب ولكنّ الله عزّ وجلّ رحمه فنُبذ أي طُرح من بطن الحوت خرج من بطن الحوت غيرَ مذموم لأنه تيب عليه قبل أن يخرج من بطن الحوت. فقد خرج يونس من القرية التي كان مأمورًا أن يبلغ أهلها ويدعوهم إلى دين الإسلام خرج قبل أن يأتيه الأمر من الله عزّ وجلّ قبل أن يأذن الله بذلك فاجتباه ربه فجعله من الصالحين أي اجتباه ربّه اصطفاه وأختاره فجعله من الصالحين فهو من النبيين. وسنذكر ما ورد في هذه القصة في سورة الأنبياء في قول الله عزّ وجلّ : {وذا النّون إذ ذهب مغاضبًا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنتُ من الظّالمين} وذا النون أي اذكر صاحب الحوت وهو يونس عليه الصلاة والسلام إذ ذهب مغاضبا معناه خرج من القرية وهو غاضبٌ على قومه غضب على قومه من أجل كفرهم ولم يخرج معترضًا على الله إنما كان غضبه على قومه من أجل كفرهم ومعنى فظن أن لن نقدر عليه أي ظن أن لن نضيق عليه. قَدَرَ تأتي بمعنى ضيق كما قال الله عزّ وجلّ:{فقَدَرَ عليه رزقَه} أي ضيق عليه رزقه وليس المعنى أنه كان يظن أن الله عاجزٌ والعياذ بالله فإنّ أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام يعلمون أنّ الله عزّ وجلّ متصف بالقدرة وأنه سبحانه وتعالى قادر على كل شىء لا يعجزه شىء سبحانه وتعالى فإنّ من اعتقد أن الله عاجز فإنه لا يكون مؤمن بالله عزّ وجلّ. فأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام حفظهم الله وعصمهم الله من الكفر ومن الوقوع في المعاصي الكبيرة ومن الوقوع في المعاصي الصغيرة التي فيها خسة أو دناءة نفس قبل النبوة وبعدها فلا يحصل لنبي من الأنبياء أن يشك بقدرة الله أو يعتقد أنّ الله عاجز عن شىء والعياذ بالله. فمعنى فظن أن لن نقدر عليه أي ظن يونس عليه الصلاة والسلام أن الله لن يضييق عليه بسبب هذا الخروج. فنادى في الظلمات ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت بماذا نادى عليه السلام لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين وقول يونس عليه الصلاة والسلام إنّي كنت من الظالمين هو في معرض التذلل والتضرع إلى الله عزّ وجلّ وليس الظلم الذي هو من الكبائر لأن الأنبياء كما قلنا معصمون من ذلك فإن يونس عليه الصلاة والسلام لم يقع في كبيرة ولا في صغيرة من نوع الخسة والدناءة ثم قال الله عزّ وجلّ: {فاستجبنا له ونجيناه من الغمّ} استجاب الله دعاءه وتاب الله عليه {وكذلك ننجي المؤمنين} أي إذا دعونا واستغاثوا بنا وقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس”. والمراد “لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين” ولننظر ماذا ورد أيضًا في سورة الصافات في قصة سيدنا يونس عليه الصلاة السلام فقد قال الله عزّ وجلّ: {وإن يونس لمن المرسلين إذ أبَقَ إلى الفُلك المشحون} يونس عليه الصلاة والسلام خرج كما قلنا قبل أن يأتيَّه الإذن بالخروج فقال الله عزّ وجلّ: {أبَقَ} فسمى اللهُ عزّ وجلّ خروج يونس من قومه بغير إذن من الله عزّ وجلّ إباقًا من باب المجاز أبقَ إلى الفلك المشحون. الفلك معناه السفينة والمشحون المملوء فبعد خروجه عليه السلام قصد البحر وركب سفينة فوقفت السفينة فاجتمع أهل السفينة على أن يفعلوا القُرعة وأن يخرج منها من خرجت عليه القرعة فقال الله عزّ وجلّ: {فساهم فكان من المُدحضين} أي ساهم معناه قارعهم مرة أو ثلاثة بالسهام والمراد إلقاء السهام على جهة القُرعة {فكان من المُدحضين} أي من المغلوبين بالقرعة فخرج يونس عليه السلام من السفينة فالتقمه الحوت كما قال الله عزّ وجلّ {فالتقمه الحوت وهو مُليم}أي ابتلعه الحوت وهو مليم أي داخل في الملامة لأنه خرج قبل أن يأتيه الأمر من الله عزّ وجلّ بالخروج من هذه القرية ثم قال الله عزّ وجلّ: {فلولا أنّه كان من المسبّحين} أي لولا أنه كان من الذّاكرين الله كثيرًا بالتسبيح ومن القائلين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون أي لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ولكنّه تاب إلى الله عزّ وجلّ وهو في بطن الحوت فخرج من بطن الحوت تائبًا إلى الله عزّ وجلّ غير مذموم. وقد خرج يونس عليه الصلاة والسلام من بطن الحوت مريضًا سقيمًا بسبب ما ناله من التقام الحوت بسبب مكثه في بطن الحوت كما قال الله عزّ وجلّ:{فنبذناه بالعراء وهو سقيم} أي ألقيناه بالمكان الخالي الذي لا شجر فيه ولا بناء كما قلنا في معنى ذلك وهو سقيم معناه عليل مما ناله من التقام الحوت {وانبتنا عليه شجرةَ من يقطين} أي أنبتناها فوقه مظلة له عليه السلام شجرة من يقطين الجمهور على أنه القرع وفائدته أن الذباب لا يجتمع عنده وأنه أسرع الأشجار نباتًا وامتددًا وارتفاعًا فانتفع يونس عليه الصلاة والسلام بهذه الشجرة ثم عاد إلى قومه {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} أي أرسله الله عزّ وجلّ إلى قوم عددهم مائة ألف بل يزيدون عن ذلك {فآمنوا فمتعناهم إلى حين} أي ءامنوا بالله وبما أُرسل به يونس عليه السلام فمتعناهم إلى حين أي إلى منتهى آجالهم. ثم قال الله عزّ وجلّ في سورة القلم: وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } وأن يكاد الذين كفروا ليزلقونك وأن يكاد أي قارب الكفار من شدة نظرهم إليك بعيون العداوة يا محمد أن يزيلوك بابصارهم عن مكانك حين سمعوا القرءان حين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرءان لما سمعوا الذكر الكفار من شدة إبغاضهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شدة عداوتهم له عليه الصلاة والسلام يكادون بنظرهم إليه نظر البغضاء أن يزلقوه من شدته أي يكادون أن يزيلوه بأبصارهم عن مكانه عليه الصلاة والسلام ولكنّ الله عزّ وجلّ حفظ نبيَّه محمّدًا صلى الله عليه وسلم وهذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بمشيئة الله عزّ وجلّ كما قال عليه الصلاة والسلام: “العينُ حق” وهذا الحديث رواه البخاري ومعناه إن الإصابة بالعين شىء ثابت موجود. وقول الله عزّ وجلّ: {لمّا سمعوا الذّكر} كما قلنا أي لما سمعوا كتاب الله يُتلى وهو القرءان {ويقولون إنه لمجنون} يقولون من شدة كراهيتهم وبغضهم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنه لمجنون أي ينسبونه إلى الجنون إذا رأوه يقرأ القرءان يقولون ذلك تنفيرًا عنه وهم يعلمون أنه ليس مجنونًا وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أتمهم فضلا وأرجحهم عقلا وقد قال الله عزّ وجلّ ردًا عليهم {وما هو إلا ذكرٌ للعالمين} أي ما القرءان إلا موعظةٌ للإنس والجن يتعظون به ويستنبطون منه صلاح أحوالهم المتعلقة بالدين والدنيا فمن كان يظهر منه هذا الذي فيه الهدى والحق والعدل والسعادة الأُخروية ويتلوه ويدع الناس إلى العمل بما فيه كيف يقال في حقه إنه مجنون والحال أنه من أدل الأمور على كمال عقله وعلو شأنه عليه الصلاة والسلام فمن نسب إليه صلى الله عليه وسلم القصور فإنما هو من جهله وخيبته. نسأل الله عزّ وجلّ أن يوفقنا جميعًا إلى ما يحب ويرضى والله أعلم وأحكم