قال الشيخ رمزي شاتيلا حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الحاقة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} أي فإذا نفخ إسرافيل وإسرافيل هو الملك الموكل بالنفخ في البوق إذا نفخ إسرافيل نفخة واحدة وهي النفخة الأولى ويموت عندها الناس وأما النفخة الثانية فيبعثون عندها.
ثم قال الله عزّ وجلّ {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} أي رفعت من أماكنها فدكتا دكة واحدة أي ضُرب بعضها ببعضٍ حتى تفتت فالجبال تتغير يوم القيامة تصير رملا سائلا كما قال الله عزّ وجلّ: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً} وهذا ورد في سورة المزمل ومعنى كثيبًا مهيلا أي تصير رملا سائلا وتصير الجبال أيضًا يوم القيامة كالصوف المصبوغ ألوانا كما قال الله تعالى في سورة القارعة: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} أي تصير أيضًا الجبال بعد ذلك كالعهن المنفوش العهن هو الصوف المصبوغ ألوانا.
والمنفوش هو المتفرق الأجزاء فشبه الله عزّ وجلّ الجبال يوم القيامة بالعهن وهو الصوف المصبوغ ألوانًا لأن الجبال ألوان وشبه الله عزّ وجلّ الجبال بالمنفوش من العهن لتفرق أجزاء الجبال يوم القيامة وتصير الجبال يوم القيامة هباء منبثًا كما قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة: {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} أي تتفتت الجبال يوم القيامة وتصير هباء منبثًا أي غبارًا منتشرًا.
ثم قال الله عزّ وجلّ في سورة الحاقة: { فيومئذ وقعت الواقعة} أي قامت القيامة والواقعة هي القيامة. {وانشقت السماء فهي يومئذ واهية} انشقت أي انفطرت وتصعدت وتميز بعضها من بعض فهي أي فالسماء يومئذ واهية. أي ضعيفة لتشققها بعد أن كانت شديدة.
كما قال الله عزّ وجلّ في سورة الفرقان: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً} والمعنى أن السماءتنفتح تتشقق بغمام أبيض يخرج منها يوم القيامة هذا معنى قول الله عزّ وجلّ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً } وبعد أن تتشقق السماء يوم القيامة تصير الملائكة على جوانب وأطراف السماء كما قال الله عزّ وجلّ {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} أي الملائكة على أرجائها أي على جوانب وأطراف السماء يومئذ.
{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } أي يحمل العرش فوقهم أي فوق رؤوسهم ثمانية من الملائكة يوم القيامة ويحتمل أن يكون المعنى يحملون العرش فوق الملائكة الذين هم على أرجاء السماء اليوم في الدنيا يحمل العرش أربعة من الملائكة وإنما يكونون ثمانية يوم القيامة إظهارًا لعظم ذلك اليوم.
{يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} نسأل الله أن يسترنا في الدنيا والآخرة يومئذ تعرضون تعرضون للحساب والسؤال لا تخفى منكم خافية فالله عالم بكل شىء من أعمالكم لا يخفى على الله شىء.
ثم فصل الله عزّ وجل ما يقع في يوم العرض فقال: {فأمّا من أُوتي كتابه بيمينه} وهذا المؤمن يُعطى كتابه بيمينه يُعطى كتاب أعماله بيمينه من فرحه يقول لإخوانه المؤمنين خذوا اقرؤوا كتابي كما قال الله عزّ وجلّ: {فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيهْ} يقول لهم مخاطبًا لهم مخاطبًا لجماعته من المؤمنين بما سُر به من شدة الفرح والسرور يقول لهم خذوا اقرؤوا كتابي فإنه لما بلغ الغاية في السرور بإعطائه كتابه بيمينه أحب أن يظهر ذلك لغيره من المؤمنين حتى يفرحوا له وهذا المؤمن كان مصدقًا كان على يقين في الدنيا أنه سيرى ويلاقي حسابه يوم القيامة قال الله عزّ وجل إخبارًا عما يقوله هذا المؤمن يوم القيامة :{إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيهْ} هنا ظننت بمعنى أيقنت هنا الظن بمعنى اليقين أي كنت موقنًا مصدقًا أني سألاقي حسابي يوم القيامة {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} يعني الذي أُعطي كتابه بيمينه في عيشية راضية أي في حالة من العيش راضية أي ذات رضًا أي رضي بها صاحبها {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} هي عالية مكانًا فهي فوق السموات السبع وهي عالية في الدرجة والشرف وهي عالية في الأبنية أيضًا {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} يعني ثمارها قريبة ثمارها قريبة من مريدها ينالها القائم والقاعد والمتكئ.
كما قال الله عزّ وجلّ في سورة الإنسان: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً}
ويقال للمؤمنين في الجنة {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} كلوا واشربوا هنيئًا أي كلوا واشربوا أكلا وشربًا هنيئًا لا مكروه فيهما ولا أذى لا تكدير فيهما ولا تنغيص فيهما لا تتأذون بما تأكلون ولا تتأذون بما تشربون في الجنة كلوا أكلا طيبًا لذيذًا شهيًا مع البعد عن كل أذى الله يجمعنا جميعًا في الجنة.
ومعنى {بما أسلفتم} أي بما قدمتم لآخرتكم من الأعمال الصالحة في الأيام الخالية أي في أيام الدنيا التي خلت ومضت واسترحتم من تعبها.
ثم قال الله عزّ وجلّ: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} ماذا يحصل للكافر يوم القيامة عندما يأخذ كتابه بشماله هذا ما سنتكلم فيه إن شاء الله تعالى في الدرس القادم والله أعلم وأحكم.