fbpx

تفسير سورة المعارج – الجزء 1

شارك هذا الدرس مع أحبائك

سورة المعارج بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه الطيبين الطاهرين سنتكلم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المعارج و هي سورة مكية أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم سأل سائل بعذاب واقع) سأل سائل من الكفار عن عذاب الله بمن هو واقع و متى يكون فقال الله عز وجل مجيبا لذلك السؤال: (للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج) للكافرين أي هو للكافين ليس له دافع أي أن العذاب واقع بهم لا محالة لا يدفعه عنهم دافع, و هناك تفسير آخر لهذه الآية فإن من المفسرين من قال في تفسيرها أي في تفسير (سأل سائل بعذاب واقع) قالوا معناه سأل سائل أي دعا داع على نفسه بعذاب واقع كائن للكافرين و هذا الداعي هو النضر ابن الحارث حيث قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا عذاب أليم كما قال الله عز و جل في سورة الأنفال (و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) فهذا النضر ابن الحارث من شدة كفره و عناده قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم, انظروا إلى شدة عناده و كفره و العياذ بالله فبهذا فسر كثير من العلماء قول الله عز و جل في سورة المعارج (سأل سائل بعذاب واقع) قالوا معناه دعا على نفسه بالعذاب و هذا العذاب كما قال الله عز و جل (ليس له دافع) أي أن العذاب واقع بهم لا محالة سواء طلبوه أو لم يطلبوه فمن العذاب ما ينزل بهم في الدنيا و يوم تقوم الساعة يكون عذابهم أشد كما قال الله عز و جل (بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر) و هذا العذاب من الله كما قال الله عز و جل [من الله ذي المعارج] والمعارج مصاعد الملائكة وهي السموات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء فالله عز و جل هو خالق كل شيء خالق السموات خالق المعارج التي تعرج فيها الملائكة (تعرج الملائكة و الروح إليه) تعرج الملائكة و الروح, الروح هو جبريل عليه السلام و إنما أخر جبريل بالذكر و إن كان هو من جملة الملائكة لشرفه و فضله و منزلته تعرج الملائكة و الروح إليه أي إلى المكان المشرف إلى المكان المشرف إلى محل الملائكة إلى مسكن الملائكة لأن السماء مهبط الرحمات و البركات و مسكن الملائكة و ليس معنى الآية تعرج الملائكة و الروح إليه ليس معناها كما قال المشبهة و المجسمة إلى أن الله يسكن العرش و العياذ بالله فإن الله عز و جل كان قبل خلق العرش موجودا بلا مكان و بعد أن خلق العرش ما زال موجودا بلا مكان سبحانه و تعالى لا يحويه مكان و لا يجري عليه زمان. و لا يستلزم ورود إلى أن يكون المعنى مكانا ينتهي وجود الله إليه فإن الله تعالى أخبر عن إبراهيم عليه السلام أنه قال (إني ذاهب إلى ربي) أي إلى حيث أمرني ربي و كان ذهابه من العراق إلى الشام و لم يكن رب العزة قطعا في الشام فالله عز و جل لا يحويه مكان و لا يجري عليه زمان و إنما دل لفظ (إلى ربي) على شرف المكان المقصود و كذلك في قوله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه) أي إلى المكان المشرف (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) هذه الآية من العلماء من قال في معناها يقع العذاب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة أي في يوم القيامة و من العلماء من قال في معنى هذه الآية إن عروج الملائكة من أسفل الأرض إلى العرش في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة و كان مشركو مكة يؤذون رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله عز وجل (فاصبر صبرا جميلا) الخطاب للنبي محمد عليه الصلاة والسلام فاصبر أي يا محمد صبرا جميلا أي صبرا لا جزع فيه والمعنى اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك ولا يثنيك ما تلقى منه من المكروه عن تبليغ ما أمرك به ربك أن تبلغهم من الرسالة [ إنهم يرونه بعيدًا] أي إن هؤلاء المشركين يرون العذاب أو يوم القيامة بعيدا أي غير كائن ولا واقع هم يرونه مستحيلا يرونه بعيدا يرونه بعيدا من الإمكان يرونه غير ممكن فقال الله عز وجل [ ونراه قريبا ] أي نعلمه قريبا فكل آتٍ قريب فالمعنى نعلمه قريبا وقوعه أي واقعا لا محالة [ يوم تكون السماء كالمهل ]في يوم القيامة تكون السماء كالمهل يتغير لون السماء ,المهل هو عكر الزيت ومن العلماء من فسّر المهل بأنه ماأذيب من الرصاص والنحاس والفضة [وتكون الجبال كالعهن ] الجبال تكون يوم القيامة تكون كالعهن أي كالصوف المصبوغ ألوانا لأن الجباال كما نعلم هي مختلفة الألوان فإذا فتت وطيرت في الجو أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح فشبهها الله عز وجل في ضعفها ولينها بالصوف [ ولا يسأل حميم حميمًا ] الحميم هو القريب أي لا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه لهول ذلك اليوم لهول ذلك اليوم وشدته وقد قال الله عز وجل [ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه ] نسأل الله السلامة ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين يكونون في ظل العرش يوم القيامة ,الله عز وجل قال [ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ] نسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء و أن يحسن ختامنا وأن يحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فالأتقياء يوم القيامة لا يفر بعضهم من بعض جعلنا الله منهم ثم إن الكافر يوم القيامة يرى أباه يرى أخاه يرى قرابته يرى عشيرته ولا يسأل ولا يكلم أحدا منهم لاشتغاله بنفسه فقال الله عز وجل [ يبصرونهم ] أي يرونهم [ يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ] لننظر معا في هذا الذي ذكره الله عز وجل في هذه السورة الكافر يرى ولده يرى زوجته يرى أخاه يود المجرم يتمنى الكافر لو يفتدي من عذاب يوم القيامة بمن بأعز من كان عليه في الدنيا من أقاربه لكنه لا يقدر على ذلك فذكرهم الله عز وجل فقال [ يود المجرم لو يفتدي من عذاب يمئذ ببنيه ] بولده [ وصاحبته وأخيه ]صاحبته أي زوجته [ وفصيلته التي تؤويه ] أي عشيرته التي تضمه ويأوي إليها [ ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ] أي يتمنى لو يدفع كل الناس مكانه لينجو هو من العذاب [ومن في الأرض جميعا ] أي من الناس [ ثم ينجيه ] يتمنى أن يخلصه ذلك من العذاب لكنه لا يكون له ذلك أي يود الكافر لو فدي بهم لفتدى فبدأ الله عز وجل بذكر البنين ثم الصاحبة أي الزوجة ثم الأخ إعلاما منه سبحانه وتعالى عباده أن الكافر من عظيم ما ينزل به يومئذ من البلاء لو وجد إلى ذلك سبيلا بأحب الناس إليه كان في الدنيا و أقربهم إليه نسبًا لفعل وأما المؤمن التقي فيظله الله في ظل العرش يوم القيامة نسأل الله عز وجل منهم ثم قال الله عز وجل [ كلا إنها لظى ] كلا ردع للمجرم ونفي لما يوده من الافتداء ثم ابتدأ الله عز وجل الخبر عما أعده للكافر يوم القيامة فقال [ إنها لظى ] إنها أي النار لظى من أسماء جهنم سميت لظى لأنها تتلظى أي تتلهب على الكفار [ نزّاعة للشوى ] نزّاعة للشوى ,الشوى جمع شواة وهي جلدة الرأس أي تنزع جلدة الرأس من شدتها [ تدعو من أدبر وتولى ] يخلق الله عز وجل في النار النطق يخلق الله فيها الإدراك فتتكلم وتخاطب وتنادي الكفار تنادي من أدبر وتولى من أعرض من عن الإيمان دعاؤها أن تقول إلي يا مشرك إلي يا كافر تدعو الكافرين ثم تلتقطهم كما يلتقط الطائر الحب ولا احد منهم يقدر على الفرار منها [ وجمع فاوعى ] وصف الله عز وجل هذا الكافر بأنه جمع المال في الدنيا فجعله في وعائه ومنع حق الله منه ثم قال الله عز وجل [ إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين ] من هو الهلوع وبماذا وصفَ اللهُ عز وجل المؤمنين المصلين هذا ما سنتكلم فيه إن شاء الله عز وجل في الدرس القادم والله أعلم وأحكم .