بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين
سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المدثر. أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي أنه قال لما نزلت (عليها تسعة عشر) قال رجل من قريش يدعى أبا الأشد يا معشر قريش هو يقول هذا من باب الاستهزاء بما أنزل الله عز و جل يعني حين سمع قول الله عز و جل (عليها تسعة عشر) أي يلي أمر جهنم تسعة عشر ملكا من الملائكة خاطب كفار قريش و قال لهم هذا الرجل يا معشر قريش لا يهولنكم التسعة عشر أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة و بمنكبي الأيسر التسعة فأنزل الله عز و جل (و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) أي و ما جعلناهم رجالا من جنسكم يطاقون بل هم ملائكة كما وصفهم الله عز و جل (عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون) فقال الله عز و جل (و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) أي ما جعلنا خزنتها إلا ملائكة أقوياء أشداء و هنا أريد أن أبين أمرا مهما جدا, ما تجدونه في القرآن من لفظ أصحاب النار المراد به أهلها- أي الذين يعذبون فيها إلا في هذه الآية في هذه السورة قول الله عز و جل في هذه السورة (و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) المراد هنا بأصحاب النار خزنة النار أي الملائكة الموكلون بتعذيب الكفار في النار أما ما ورد في القرآن من لفظ أصحاب النار في غير هذه السورة فالمراد به أهلها أي الذين يعذبون فيها ثم قال الله عز و جل (و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) أي و ما جعلنا عددهم و هو التسعة عشر إلا فتنة للذين كفروا أي سببا لفتنة الكفار و فتنتهم هي كونهم أظهروا مقاومتهم في مغالبة الملائكة و كان ذلك على سبيل الاستهزاء فقد قال أبو جهل أيضا يا معشر قريش ما يستطيع كل عشرة منكم أن يغلبوا واحدا من خزنة النار فكان هذا دأب المستهزئين كان هذا طريق المعاندين و المكذبين لرسول الله صلى الله عليه و سلم لكن غيرهم كان مؤمنا مصدقا بما يقوله عليه الصلاة و سلم فقال الله عز و جل (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب) ليستيقن أي ليوقن الذين أوتوا الكتاب و هم اليهود و النصارى أن هذا القرآن هو من عند الله إذ هم يجدون هذه العدة يجدون هذا العدد التسعة عشرفي الكتب المنزلة و يعلمون أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يقرأها و لا قرأها عليه أحد و لكن كتابه أي القرآن يصدق كتب الأنبياء إذ كل ذلك حق يتعاضد من عند الله يوافق بعضه بعضا (و يزداد الذين آمنوا إيمانا) يعني من آمن بمحمد صلى الله عليه و سلم من أهل الكتاب يزدادون تصديقا بمحمد عليه الصلاة و السلام و ذلك كما قلنا أن العدد كان موجودا في كتابهم و أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم على وفق ما عندهم من غير سابقة دراسة و تعلم علم إنما حصل له ذلك بالوحي فازدادوا بذلك إيمانا و تصديقا بمحمد عليه الصلاة و السلام. (و لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب و المؤمنون) و لا يرتاب أي و لا يشك و هذا توكيد لقوله عز و جل ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب) و الذين أوتوا الكتاب كما قلنا هم الذين أعطوا الكتاب و هم اليهود و النصارى. و المؤمنون أي المؤمنون بالله من أمة محمد صلى الله عليه و سلم ليستيقنوا و لا يرتابوا في أن عدة خزنة جهنم تسعة عشر و أن محمدا صلى الله عليه و سلم صادق في كل ما يبلغه عن الله عز و جل و أما الكفار فكما قلنا كانوا معاندين و كانوا مستهزئين و كانوا يقولون لمذا ينزل الله هذا العدد لمذا تسعة عشر يقولون ذلك من باب الاستهزاء فقال الله عز و جل (وليقول الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا) وليقول الذين في قلوبهم مرض أي شك أو نفاق و الكافرون بالله من مشركي قريش و غيرهم ماذا أراد الله بهذا مثلا يعني بعدد خزنة جهنم ما الحكمة في ذكر هذا العدد يقول المشركون ما الذي أراده الله بهذا الحديث ما الذي أراده الله بهذا الخبر لماذا يخبرنا بأن عدد هؤلاء تسعة عشر ما الحكمة من ذلك يقولون ذلك من باب الاستهزاء. ثم قال الله عز و جل (كذلك يضل الله من يشاء و يهدي من يشاء) كذلك أي كما أضل الله أبا جهل و أصحابه المنكرين لعدد خزنة جهنم يضل الله من يشاء أي يخلق الله الضلالة في قلوب من شاء أن يضلهم و يهدي من يشاء أي يخلق الله الاهتداء في قلوب من شاء أن يهديهم. ثم إن أبا جهل من شدة عناده و استهزائه قال و العياذ بالله بعد أن سمع هذا العدد التسعة عشر أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر فنزل قول الله عز و جل (و ما يعلم جنود ربك إلا هو) و ما يعلم أي و ما يدري جنود ربك أي عددهم و هم الملائكة إلا هو يعني الله عز و جل فلا يعلم عددهم إلا الله, نعم الملائكة يقالوا هم جنود الله و لا يقالوا أعوان الله كما قال أبو جهل و العياذ بالله فإن الله عز و جل لا يحتاج إلا استعانة بغيره فالله عز وجل لا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين و لكن له سبحانه و تعالى في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها, ثم قال الله تعالى عز و جل (و ما هي إلا ذكرى للبشر) أي و ما سقر و صفتها إلا تذكرة و موعظة للناس ذكر الله بها البشرليخافوا و يطيعوا, ثم قال الله عز و جل (كلا و القمر) كلا أي لا يتعظون و لا يؤمنون و أقسم الله عز و جل بالقمر, أقسم الله به لعظم منافعه و أقسم الله عز و جل بالليل فقال (و الليل إذ أدبر) أي ولى و ذهب, و أقسم بالصبح فقال (والصبح إذا أصفر) أي إذا أضاء و تبين. جواب هذا القسم (إنها لإحدى الكبر) أي إن سقر لإحدى الأمور العظام التي لا نظير لها. (نذيرا للبشر) و المعنى أنها لكبيرة في حال الانذار إنها لإحدى الدواهي إنذارا ما أنذر الخلائق بشيء هو أدهى منها. (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) هذا تهديد و إعلام من الله عز و جل أن من تقدم إلى الطاعة و الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم جوزي بثواب لا ينقطع و من تأخر عن الطاعة و كذب محمدا صلى الله عليه و سلم عوقب عقابا لا ينقطع و قد ورد في هذه السورة أن المسلمين يسألون الكفار سؤال توبيخ (ما سلككم في سقر) بماذا يجيبهم الكفار؟ هذا ما سنتكلم فيه إن شاء الله عز و جل في درسنا القادم و الله أعلم و أحكم.