سورة المرسلات
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
سنتكلم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المرسلات وهي سورةٌ مكية {أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم} {بسم الله الرحمن الرحيم} {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} أقسم الله عز وجل بالمرسلات وما المراد بالمرسلات من العلماء من قال المرسلات هي الرياح أقسم الله عز وجل بها ومعنى عرفا أي يتبع بعضها بعضًا كعرف الفرس ومن العلماء من قال المرسلات الملائكة فمعنى عرفا أي التي أرسلت بالمعروف من أمر الله تعالى ونهيه {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} أقسم الله عز وجل بالرياح الشديدات الهبوب السريعات الممر , ومن العلماء من فسر الآية أيضًا بالملائكة قالوا المراد بالعاصفات عصفا الملائكة تعصف بروح الكافر فإن الملائكة تقبض وتنزع روح الكافر بشدة {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا} أقسم الله عز وجل بالرياح التي تنشر السحاب وتأتي بالمطر ومن العلماء من قال المراد بالآية الملائكة الملائكة الموكلون بالسحاب ينشرونها {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} أقسم الله عز وجل بالملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل ومن العلماء من قال المراد بذلك الرياح فإنها تفرق بين السحاب فتبدده {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} أي الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} الإعذار هو بقيام الحجة على الخلق والإنذار هو بالعذاب والنقمة أي فالملقيات ذكرًا للإعذار والإنذار فإن الملائكة تلقي على الأنبياء من الوحي ما فيه إقامة الحجة على الخلق وفيه الإنذار بالعذاب وجواب هذا القسم قول الله عز وجل {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} أي إنما توعدون من أمر القيامة لواقع بكم ونازلٌ عليكم لا محالة {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَت} أي ذهب ضوؤها ومحي نوروها {وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ} أي فتحت وشقت {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} أي فتت وأزيلت من أماكنها {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} أي وقتت ومعنى توقيت الرسل تبيين الوقت الذي يحضرون فيه يوم القيامة للشهادة على أممهم {لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} لأي يومٍ أُخرت لأي يومٍ أمهلت وهذا فيه تعظيمٌ لليوم الذي يشهد فيه الأنبياء على أممهم وفيه تعجيبٌ من هول هذا اليوم وقد قال الله عز وجل في سورة النساء {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} أي فيكف يصنع الكفار يوم القيامة إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم يشهد كل نبي على أمته وجئنا بك أي يا محمد على هؤلاء أي أمتك شهيدًا أي يوم القيامة يشهد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فيشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من ءامن بالإيمان ويشهد عليه الصلاة والسلام يوم القيامة على من كفر بالكفر وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بين الله عز وجل ذلك اليوم الذي يشهد فيه كل نبي على أمته فقال {لِيَوْمِ الْفَصْلِ} أي أجلت ليوم الفصل من الخلائق هذا اليوم الذي يفصل فيه بين المحق والمبطل يفصل فيه بين الحق والباطل نسأل الله السلامة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ} اتبع الله التعظيم تعظيمًا أي وما أعلمك يا محمد ما يوم الفصل {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} أي عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه وكذب بيوم الفصل فهذا وعيدٌ قد كرر في هذه السورة ثم قال الله عز وجل {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ} معناه ألم نهلك الأمم الخالية المكذبة {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ} هذا وعيدٌ لأهل مكة أي ثم نفعل بأمثالهم من الآخرين مثل ما فعلنا بالأولين لأنهم كذبوا مثل تكذيبهم {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} كذلك أي مثل ذلك الفعل نفعل بالمجرمين أي بكل من أجرم بكل من كفر وكذب الله ورسله {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ويلٌ يوم القيامة لمن كذب بآيات الله ثم قال الله عز وجل {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ} معناه ألم نخلقكم من ماء ضعيف وهو مني الرجل والمرأة {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} أي فجعلنا الماء المهين في مكان حريز وهو الرحم يحفظ فيه من الآفات المفسدة له فجعله الله في قرار مكين جعله الله في مقر يتمكن فيه {إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} أي إلا وقت معلوم عند الله عز وجل وهو وقت الولادة {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} أي قدرنا على خلقه وتصويره كيف شئنا فنعم القادرون حيث خلقنا الإنسان في أحسن تقويم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ويلٌ يوم القيامة للمكذبين بالبعث ويلٌ للمنكرين للبعث فإن القادر على الابتداء قادرٌ على الإعادة {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} معناه ألم نجعل أيها الناس الأرض لكم كفاتًا أي وعاء والكفت في لغة الضم يقال كفت شيء إذا ضمه وجمعه {أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا} أي أحياءً على ظهر الأرض وأمواتًا في بطنها والمعنى ألم نجعل الأرض ضامة تضم وتجمع الأحياء على ظهورها في المساكن والمنازل والأموات في بطونها في القبور فيدفنون فيها {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا} معناه وجعلنا في الأرض رواسي أي ثوابت شامخات أي مرتفعات والمعنى أن الله عز وجل جعل في الأرض جبالًا ثابتات شامخات مرتفعات ومعنى {وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا} أي ماءً عذبًا يشرب ويسقى منه الزرع وهذه من نعم الله عز وجل على عباده ذكرهم بها ثم قال الله عز وجل {وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ويلٌ للمكذبين بآيات الله ونعم الله ويلٌ للكفار يوم القيامة ماذا يقال لهم يوم القيامة وكيف يكون حال الكفار يوم القيامة هذا ما سنتكلم فيه إن شاء الله عز وجل في درسنا القادم والله أعلم وأحكم.