بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين؛ سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المعارج:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
– { إنَّ الإنسانَ خُلقَ هَلوعًا }( الهلع في اللغة هو أشد الحرص وأسوء الجزع وأفحشه )، وتفسير هذه الآية ما بعدها وهو قول الله عزّ وجلّ{ إذا مسَّهُ الشرُّ جَزوعاً }{ وإذا مسَّهُ الخيرُ مَنوعًا }والإنسان في قول الله عزّ وجلّ{ إنَّ الإنسانَ خُلقَ هَلوعًا }هذا اسم جنس لذلك استثنى الله منه بقوله إلّا المصلين معناه ليس كل الناس على هذه الصفة فمعنى الهلوع.
– كما قال الله عزّ وجلّ{ إذا مسَّهُ الشرُّ جَزوعاً } أي إذا أصابه الشر أظهر شدة الجزع فلم يصبر.
– { وإذا مسَّهُ الخيرُ مَنوعًا } إذا كثر ماله ونال الغنى فهو منوع لما في يده بخيل به ,بخيل به ولا يؤدي حق الله من هذا المال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” شر ما في رجل شُحٌّ هالعٌ وجبنٌ خالع ” ومعنى (شر ما في رجل) أي من مساوئ أخلاقه، (شُحٌّ هالعٌ )أي جازع يعني شُحٌّ يحمل على الحرص على المال والجزع على ذهابه، (وجبنٌ خالع )أي شديد كأنّه يخلع فؤاده من شدة خوفه وليس كل الناس كما قولنا على هذه الصفة فاستثنى الله عزّ وجلّ المؤمنين المصلين
– فقال{ إلّا المصلين } وهم أهل الإيمان بالله وهذا استثناء لهم وصفهم الله عزّ وجلّ بما وصفهم به من الصبر على المكاره والصفات الجميلة والمعنى إلّا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض الله عليهم من الصلاة وغيرها ووصفهم الله عزّ وجلّ
– فقال{ الذين هم على صلاتهم دائمون } أي يواظبون على الصلوات المفروضة التي فرضها الله عزّ وجلّ على عباده في أوقاتها ولا يضيعونها.
– { والذين في أموالهم حق معلوم} أي حق ثابت كالزكاة المفروضة.
– { للسائل والمحروم } السائل هو المحتاج الذي يسأل الناس لأجل فاقته لأجل فقره والمحروم هو المتعفف الفقير المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا ولا يعلم الناس بحاجته فيحرم.
– {والذين يصدقون بيوم الدين } أي يؤمنون بيوم الدين أي يؤمنون بيوم الجزاء.
– { والذين هم من عذاب ربّهم مشفقون } أي خائفون من عذاب الله أي والذين هم في الدنيا من عذاب ربّهم خائفون، خائفون أن يعذبهم الله عزّ وجلّ في الآخرة فهم من خشية ذلك لا يضيعون له فرضًا ولا يتعدون له حدًا.
– { إنّ عذاب ربّهم غير مَأمون }أي إنّه لا ينبغي لأحد أن يَأمن عذاب الله بل لابُد أن يكون المؤمن بين الخوف والرجاء يخاف عذاب ربّه ويرجو ثوابه ولننظر ماذا قال الله عزّ وجلّ في سورة السجدة:” تتجافى جنوبُهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفًا وطمعًا وممّا رزقناهم ينفقون {١٦} فلا تعلم نفس ما أُخفيَ لهم من قرة أعينٍ جزآء بما كانوا يعملون ” * الله يجعلنا جميعاً منهم * لننظر بماذا وصفهم الله عزّ وجلّ (تتجافى جنوبُهم عن المضاجع) ترتفع جنوبُهم عن المضاجع عن أماكن النوم معناه يقومون للصلاة يقومون في الليل للعبادة يدعون ربّهم خوفًا وطمعًا هم بين الخوف والرجاء يخافون عقابه ويرجون رحمته وثوابه، ووصفهم الله عزّ وجلّ بأنهم ينفقون فقال عزّ وجلّ ( و ممّا رزقناهم ينفقون ) هؤلاء أعدّ الله عزّ وجلّ لهم في الآخرة نعيمًا لم يطلع عليه أحد من خلق الله فقال عزّ وجلّ ( فلا تعلم نفس ما أُخفيَ لهم من قرة أعينٍ ) لا تعلم نفس لا يعلم أحد من خلق الله ما أخفى الله لهؤلاء العباد الصالحين مما يفرحون به وتقر به أعينهم في الآخرة من الثواب والنعيم في الجنة ( جزآء بما كانوا يعملون ).
– ثم قال الله عزّ وجلّ في سورة المعارج:{ والذين هم لفُروجهم حافظون } أي يحفظون فروجهم عن الحرام يحفظون فروجهم عن الزنى وغير ذلك من المحرمات.
– { إلّا على أزواجهم أو ما مَلكت أيمُنُهم فإنّهم غيرُ مَلومين } إلّا على أزواجهم أي إلّا من نسائهم اللاتي أحل الله لهم، أو ما مَلكت أيمانهم أي الإيماء المملوكات اللاتي أحل الله لهم الاستمتاع بهن، فإنّهم غيرُ مَلومين أي إنّهم غيرُ مَلومين بعدم حفظ الفرج عن الزوجة وعن الأمة التي يجوز الاستمتاع بها.
– { فمن ابتغى ورآء ذلك فأولئك هن العادون } أي من طلب الاستمتاع بغير ما أحل الله له بغير الزوجة والأمة التي يجوز له الاستمتاع بها فأولئك هم العادون أولئك هم المتجاوزون الحد الذين عصوا الله عزّ وجلّ لأنّهم جاوزوا الحد من الحلال إلى الحرام.
– ثم قال الله عزّ وجلّ{ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } وصفهم الله عزّ وجلّ بأنّهم لأمانات الله التي ءاتمنهم عليها من قول وفعل واعتقاد راعون حافظون فيؤدون الواجبات ويجتنبون المحرمات وكذلك هم راعون لأمانات العباد فلا يخونون ووصفهم الله عزّ وجلّ بأنّهم يراعون العهود فإنّهم يراعون عهود الله التي أخذها عليهم – كيف يراعون العهود؟ – يراعونها بطاعة الله عزّ وجلّ في ما أمرهم له ونهاهم عنه وإنّهم أيضاً يراعون عهود العباد فيحفظون ما عاهدوا عليه غيرهم، فمعنى راعون أي حافظون يحفظون العهد فلا يضيعونه ولا يخونون ويؤدون الأمانات ويؤدون الواجبات ويجتنبون المحرمات.
– ثم قال الله عزّ وجلّ{ والذين هم بشهاداتهم قآئمون } معناه لا يكتمون ما استشهدوا عليه إذا طُلبوا للشهادة يشهدون يقومون بأدائها غير مغيرة ولا مبدلة هذا الشهادة هي من جملة الأمانات إلّا أنّ الله خصّها بالذكر لفضلها لأنّ بها تحيا الحقوق وتظهر وفي تركها تضيع فوصفهم الله عزّ وجلّ بأنّهم يقيمون الشهادات عند الحكام بلا ميل إلى قريب وشريف وبلا ترجيح للقوي على ضعيف كما يفعل كثير من الناس يفعلون ذلك إظهاراً للصلابة في الدين ورغبة في إحياء حقوق المسلمين
يحافظون- ثم قال الله عزّ وجلّ{ والذين هم على صلاتهم يحافظون } كرر الله ذكر الصلاة في هذه السورة , يحافظون على الصلاة يؤدون الصلوات الخمس المفروضة في وقتها ويحافظون على أركانها وشروطها فكرر الله ذكر الصلاة لبيان أهميتها فإنّها أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله، فقد قال الله عزّ وجلّ:” الذين هم على صلاتهم دائمون ” فالدوام عليها أداؤها في أوقاتها ثم قال سبحانه وتعالى:” والذين هم على صلاتهم يحافظون ” فالمحافظة عليها حفظ أركانها وواجباتها.
– ثم ذكر الله عزّ وجلّ ما أعد لهؤلاء المؤمنين في الآخرة فقال{ أولئك في جناتٍ مُكرمون } وهذه الصفات التى مدحهم الله عزّ وجلّ بها نجدها في سورة المؤمنون فإنّ هذه السورة تبدأ بقول الله عزّ وجلّ:” قد أفلح المؤمنون {١} الذين هم في صلاتهم خاشعون {٢} والذين هم عن اللغو معرضون {٣} والذين هم للزكاة فاعلون {٤} والذين هم لفروجهم حافظون {٥} إلّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين {٦} فمن ابتغى ورآء ذلك فأولئك هم العادون {٧} والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون {٨} والذين هم على صلواتهم يحافظون {٩} اولئك هم الوارثون {١٠} الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون {١١} ” فهؤلاء يؤتيهم الله النعيم الدائم في الجنة كما قال الله عزّ وجلّ:” إنّ المتقين في جنات وعيون {١٥} آخذين ما آتاهم ربّهم إنّهم كانوا قبل ذلك محسنين {١٦} كانوا قليلا من الليل ما يهجعون {١٧} وبالأسحار هم يستغفرون {١٨} وفي أموالهم حق للسائل والمحروم {١٩} “.
فنسأل الله عزّ وجلّ أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى وأن يجعلنا من هؤلاء والله أعلم وأحكم