fbpx

تفسير سورة نوح – الجزء 1

شارك هذا الدرس مع أحبائك

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين سنتكلم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة نوح و هي سورة مكية أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) أرسل الله سيدنا نوحا عليه الصلاة و السلام إلى قومه و كان عليه الصلاة و السلام ينذرهم يخوفهم من عذاب الله أمره الله عز و جل أن ينذر قومه أن يخوفهم العذاب أمرهم أن يؤمنوا بالله و أن يتبعوه من قبل أن يأتيهم عذاب أليم من قبل أن يأتيهم عذاب الطوفان و سيدنا نوح عليه الصلاة و السلام هو أول رسول أرسل إلى الكفار و ليس أول رسول على الإطلاق فإن أول رسول على الإطلاق هو آدم عليه الصلاة و السلام. (قال يا قومي إني لكم نذير مبين) خاطبهم نوح عليه الصلاة و السلام و قال لهم يا قومي إني لكم نذير أخوفكم عذاب الله إن لم تؤمنوا به مبين أبين لكم رسالة ربي بلغة تعرفونها. (أن اعبدوا الله و اتقوه و أطيعون) اعبدوا الله آمنوا بالله و لا تشركوا بالله و اتقوا الله أدّوا الواجبات و اجتنبوا المحرمات و أطيعوني فإني رسول الله إليكم. (يغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجل مسمى) أي اعبدوا الله و اتقوا الله و أطيعوني يغفر الله لكم إن آمنتم يغفر الله لكم ما قد سلف أي يغفر لكم ما قد سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان كما قال الله عز و جل ( قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (و يؤخركم إلى أجل مسمى) أي إلى وقت موتكم و هو أجل معلوم معين عند الله لا يزيد و لا ينقص و المعنى فتموت عند انتهاء آجالكم غير ميتة المعذبين فإن الله عز و جل علم بعلمه الأزلي من سيؤمن و من سيكفر و علم الله عز و جل وقت موت كل إنسان. (إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون) إذا جاء وقت موتكم لا بد من أن تموتوا إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر فكل أنسان يموت في الوقت الذي شاء الله له أن يموت فيه و قد أضاف الله الأجل إليه فقال (إن أجل الله) لأن الله هو الذي قدر الآجال و تجدون في القرآن أيضا إضافة الأجل إلى الناس كما في قوله تعالى (فإذا جاء أجلهم) فإضافة الأجل إلى الناس (فإذا جاء أجلهم) لأن هذا الأجل مقدر لهم ففي قول الله عز و جل إن أجل الله معناه الأجل الذي قدره الله للعباد و في قول الله عز و جل (أجلهم) معناه الأجل الذي ضربه الله أي قدره الله لهم و معنى (لو كنتم تعلمون) أي لو كنتم تعلمون ما يحل بكم من العقاب و العذاب و الندامة عند الموت لآمنتم. (قال ربي إني دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) سبحان الله كان يدعوهم نوح عليه الصلاة و السلام في الليل و النهار دعا قومه في الليل و النهار دعاهم إلى عبادة الله دعاهم إلى عبادة الله دعاهم إلى الإيمان بالله دعاهم إلى ترك عبادة الأصنام و لكنهم لم يقبلوا فقال فلم يزدهم دعائي إلا فرارا كان يدعوهم و هم ينفرون و يتباعدون و لا يقبلون الحق. (و إني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم و أصروا و استكبروا استكبارا) أي إني كلما دعوتهم إلى الاقرار بوحدانيتك و الإيمان بك لتغفر لهم أي كلما دعاهم نوح عليه الصلاة و السلام للدخول في دين الإسلام كلما دعاهم إلى أن يسلموا إلى أن يؤمنوا إلى أن ينطقوا بالشهادتين ما كانوا يقبلون دعاهم للإيمان ليغفر الله لهم دعاهم للدخول في الإسلام ليغفر الله لهم كفرهم, كيف يغفر كفر الكافر؟ بالدخول في دين الإسلام, فكان يدعوهم إلى الإسلام لكنهم ما كانوا يقبلون بل انظروا ماذا كان يفعلوا هذا القوم كما أخبر الله عز و جل (جعلوا أصابعهم في آذانهم) كانوا يدخلون أصابعهم في آذانهم كي لا يسمعوا صوت نوح و كانوا يغطون وجوههم بثيابهم هذا معنى (واستغشوا ثيابهم) كي لا يروه و أصروا أي أصروا على الكفر و استكبروا استكبارا تكبروا عن قبول الحق تكبرا عظيما. (ثم إني دعوتهم جهارا) دعاهم نوح عليه الصلاة و السلام جهارا معلنا لهم بين الناس ظاهرا من غير خفاء. (ثم إني أعلنت لهم و أسررت لهم إسرارا) أي كرر لهم الدعاء معلنا عليه الصلاة و السلام و أسر الكلام إسرارا فيما بينه و بينهم في خفاء و كل هذا من نوح عليه الصلاة و السلام مبالغة في الدعاء لهم فكما ترون قد نوع نوح عليه الصلاة و السلام بالدعوة فتارة يدعوهم سرا و تارة يجاهر بالدعوة و تارة يجمع بين الإسرار و الجهر. (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا) قال سيدنا نوح عليه الصلاة و السلام لقومه يأمرهم بالدخول في الإسلام, استغفروا ربكم أي اطلبوا من ربكم المغفرة بترك الكفر و الدخول في دين الإسلام و ليس المراد بالاستغفار هنا مجرد القول باللسان استغفر الله , لا, فإن قوم نوح عليه السلام كانوا على الشرك و الكافر لا يصح منه النطق بقول استغفر الله و هو على كفره, الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين, فمعنى استغفروا ربكم هنا اطلبوا من الله المغفرة بترك الكفر و الدخول في الإسلام (إنه كان غفارا) أي غفارا لذنوب من أناب و تاب إليه من ذنوبه, رغبهم نوح عليه الصلاة و السلام بالإسلام ووعدهم بأنهم إن آمنوا و اتبعوه بأن الله عز و جل سيرسل المطر عليهم و سيرزقهم البساتين و الأنهار و أنه سبحانه و تعالى سيكثر أموالهم و أولادهم فقال عز و جل (يرسل السماء عليكم مدرارا) أي إن آمنتم يرسل الله عز و جل عليكم السماء أي ماء السماء مدرارا أي كثيرا (و يمددكم بأموال و بنين) أي يكثر أموالكم و أولادكم (و يجعل لكم جنات و يجعل لكم أنهارا) أي يرزقكم البساتين و يجعل لكم الأنهار, الأنهار التي تسقون منها مزارعكم و بساتينكم كما ترون هذا مقام الدعوة بالترغيب ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب حين أصروا على الكفر و تكبروا عن قبول الحق فقال (ما لكم لا ترجون لله وقارا) ما لكم لا ترجون لله وقارا هكذا خاطبهم نوح عليه الصلاة و السلام بعد كل ما دعاهم إليه و رغبهم به و دعاهم ليلا و نهارا سرا و علانية, ما زالوا مصرين على الكفر ما زالوا مصرين على عبادة الأوثان ما زالوا مصرين على تكذيب نوح عليه الصلاة و السلام فقال لهم ما لكم ما لكم لا ترجون لله وقارا, ما لكم لا تخافون لله عظمة, ما لكم لا تخافون لله قدرة على أحدكم بالعقاب, كيف لا تؤمنون بالله, كيف لا توحدون الله و هو الذي خلقكم كما قال الله عز و جل (و قد خلقكم أطوارا) أي طورا بعد طور, الطور معناه الحال أي خلقكم طورا نطفة و طورا علقة و طورا مضغة و طورا عظاما ثم كسا العظام لحما ثم أنشأه الله خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم لما نبههم نوح عليه الصلاة و السلام على الفكر و التفكر و التدبر في أنفسهم و كيف انتقلوا من حال إلى حال و أرشدهم إلى الفكر في العالم إلى التفكر في العالم علوه و سفله و ما أوضع الله عز و جل فيه من الآيات و العلامات و الدلالات الكثيرة على وجود الله و على قدرة الله و على وحدانية الله عز و جل فقال الله عز و جل (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا) ألم تنظروا ألم تتفكروا ألم تعتبروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا جعل بعضها فوق بعض (و جعل القمر فيهن نورا و جعل الشمس سراجا) جعل الله عز و جل القمر منيرا مضيئا لأهل السموات كما يضيء لأهل الأرض و جعل الله الشمس سراجا أي مضيئة لأهل الأرض (والله أنبتكم من الأرض نباتا) أي إن الله عز و جل القادر على كل شيء هو الذي أنبتكم أي أنشأكم و خلقكم من الأرض نباتا أي أنبتكم إنباتا أي أنشأ آدم عليه السلام من تراب الأرض و صارت ذريته منه فصح نسبتهم كلهم إلى أنهم أنبتوا من الأرض كما قال الله عز و جل في سورة طه (منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى) منها أي من الأرض خلقناكم أي خلقنا آدم عليه السلام و فيها نعيدكم أي إذا متتم فدفنتم و منها نخرجكم عند البعث تارة أخرى أي مرة أخرى فقال الله عز و جل (ثم يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا) ثم يعيدكم فيها كما قلنا أي عند موتكم بالدفن يعيدكم في الأرض كما كنتم ترابا و يخرجكم إخراجا أي يخرجكم من الأرض يوم القيامة بالنشور للبعث و يعيدكم كما كنتم في الدنيا (و الله جعل لكم الأرض بساطا) أي إن الله عز و جل هو الذي جعل لكم الأرض مبسوطة تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه فسهل الله لكم العيش فيها (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) أي لتسلكوا منها طرقا واسعة مع كل هذا أصر هؤلاء على العصيان و عاملوا نوحا بأقبح الأقوال و الأفعال و أوحى الله عز و جل إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن و أمره الله أن يصنع سفينة فإن هؤلاء الكافرين لن يؤمن منهم أحد بعد الآن و لن ينجو من الطوفان إلا من آمن أي من سيكون مع نوح عليه الصلاة و السلام في السفينة, كيف بنى السفينة و ما الذي حصل بالكافرين هذا ما سنتكلم به إن شاء الله عز و جل في درسنا القادم و الله أعلم و أحكم.