بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة نوح أصر المشركون على تكذيب نوح عليه السلام و عاملوه بأقبح الأقوال و الأفعال و كان عامتهم يتبعون رؤساءهم و هؤلاء الرؤساء المتبوعون لم يزدهم مالهم و ولدهم إلا ضلالا بدلا أن يؤمنوا بالله ويتبع نوحا عليه السلام زادهم مالهم و ولدهم ضلالا
(قال نوح رب إني إنهم عصوني و اتبعوا من لم يزده ماله و ولده إلا خسارا) قال نوح ربي, يا ربي إنهم عصوني عصوني فيما أمرتهم به من الإيمان فلم يجيبوا دعوتي لهم لم يقبلوا الإيمان بك لم يقبلوا أني رسولك و اتبع عامتهم و وسفلتهم و رؤساءهم و أغنياءهم و هؤلاء الرؤساء لم يزدهم مالهم و ولدهم إلا ضلالا في الدنيا و هلاكا في الآخرة
(و مكروا مكرا كبارا) مكرهم أي إحتيالهم في الدين و كيدهم لنوح عليه السلام و كانوا يحرشون السفلة على إيذاء نوح عليه السلام و كانوا يصدون الناس عن الإيمان بنوح و يصدون الناس على الميل إلى نوح و الاستماع منه, و مكروا مكرا كبارا أي مكروا مكرا كبيرا عظيما
(و قالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرن ودا و لا سواعا و لا يغوث و يعوق و نسرا) أي قال الرؤساء قال القادة لأتباعهم قالوا المتبوعون لعامة الناس لا تذرن آلهتكم أي قالوا لهم لا تتركن عبادة أصنامكم و لا تذرن ودا و لا سواعا و لا يغوث و يعوق و نسرا هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم و نوح عليهما السلام فلما مات هؤلاء الصالحون كان لهم أتباع يقتدون بهم و يأخذون بعضهم مأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس, جاءهم إبليس و قال لهم لو صورتم صورهم كان أنشط لكم و أشوق إلى العبادة ففعلوه ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم فكان ابتداء عبادة الأوثان من ذلك الوقت فكان نوح عليه السلام أول رسول أرسله الله إلى الكفار و ليس أول رسول على الاطلاق فإن أول رسول على الاطلاق هو آدم عليه السلام
(و قد أضلوا كثيرا و لا تزد الظالمين إلا ضلالا) أي أضل الرؤساء المتبعون كثيرا, أضلوا كثيرا من أتباعهم أضلوا كثيرا من الناس أضلوا كثيرا من عامتهم هذا إخبار من نوح عليه السلام إخبار بما جرى على أيديهم من الضلال و لما أخبر نوح عليه السلام أن هؤلاء الرؤساء من قومه أضلوا كثيرا من الناس دعا عليهم دعا عليهم بعد أن أعلمه الله عز و جل أنه لن يؤمن منهم أحد بعد الآن فدعاء نوح على المشركين و لا تزد الظالمين أي المشركين إلا ضلالا أي هلاكا دعا عليهم لا رضى بكفرهم و إنما تشديدا عليهم ليأسه من إيمانهم لأن الله عز و جل أخبره بأنه لن يؤمن منهم أحد بعد الآن كما قال الله عز و جل في سورة هود (و أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) فلا تبتئس بما كانوا يفعلون أي فلا تحزن فقد حان وقت الانتقام من أعدائك. ثم قال الله عز و جل في سورة هود (واصنع الفلك بأعيننا و وحينا و لا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) واصنع الفلك بأعيننا أي اصنع السفينة محفوظا أي بحفظنا ووحينا أي إنا نوحي إليك كيف تصنع السفينة و قال الله عز و جل له ( و لا تخاطبني في الذين ظلموا) أي لا تدعني في شأن قومك و استدفاع العذاب عنهم إنهم مغرقون محكوم عليهم الإغراق و لن يؤمن منهم إلا من قد آمن ثم قال الله عز و جل في سورة هود ( و يصنع الفلك و كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) بدأ نوح عليه السلام بصنع السفينة و يصنع الفلك و كلما مر عليه جماعة من قومه ينظرون إليه و هو يصنع السفينة و يسخرون منه و يقولون له و العياذ بالله يقولون استهزاءا به يا نوح صرت نجارا بعد أن كنت نبيا فأجابهم نوح عليه الصلاة و السلام إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون أي نحن سنرى عاقبة سخريتكم سنرى عاقبة استهزاءكم بنا إذا نزل بكم العذاب و روي أن نوحا عليه السلام اتخذ السفينة من خشب الساج و جعل لها ثلاثة بطون حمل في البطن الأسفل الوحوش و السباع و حمل في البطن الأوسط الدواب و الأنعام و أما هو فركب و من معه في البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد ثم قال الله عز و جل إخبارا عما قاله نوح أيضا لقومه (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم) أي فسوف تعلمون الذي يأتيه عذاب يخزيه و هو يريدهم معناه أنتم سيأتيكم عذاب يخزيكم و يريد عليه السلام بهذا العذاب الغرق الذي سيصيب الكافرين في الدنيا, و معنى قوله (و يحل عليه عذاب مقيم) أراد به عذاب الآخرة فإنه مقيم دائم إلى ما لا نهاية و كان نوح عليه السلام يصنع السفينة إلى أن جاء أمر الله كما قال الله عز و جل في سورة هود ( حتى إذا جاء أمرنا و فار التنور قلنا احمل فينا من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول و من آمن و ما آمن معه إلا قليل) حتى إذا جاء أمرنا, جاء أمر عذاب الله جاء الوقت وقت الطوفان و فار التنور, ما معنى و فار التنور؟ من العلماء من قال فار التنور هو كناية عن اشتداد الأمر و صعوبته و من العلماء من قال في تفسير و فار التنور أي جاش الماء من تنور الخبز و كان هذا تنورا من حجر كان للسيدة حواء ثم صار إلى نوح عليه السلام و من العلماء من قال فار التنور أي الأرض فقالوا التنور هو وجه الأرض فكانت هذه علامة على بدء الطوفان و أمر الله نوحا عليه السلام أن يحمل معه في السفينة من كل صنف زوجين ذكرا و أنثى فقد قال الله عز و جل (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول) أي إلا من علم الله عز و جل أنه لا يؤمن كزوجة نوح مثلا فإن الله عز و جل علم بعلمه الأزلي من يكون مؤمنا و من يكون كافرا فمن سبق عليه القول كما قال الله عز و جل (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها و لكن حق القول مني) أي ثبت (لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين) و الله عز و جل قال (ما يبدل القول لدي) فمشيئة الله نافذة فمن قدر الله له أن يكون من أهل النار لا بد من أن يكون من أهل النار فمن سبق عليه القول أنه من أهل النار هذا لن يؤمن أبدا فأمره الله عز و جل أن يحمل أهله في السفينة إلا من سبق عليه القول أي إلا من لم يشأ الله له الإيمان منه و أمر الله أن يحمل معه المؤمنين من غير أهله فهذا معنى قول الله عز و جل (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول [و من آمن] أي و احمل معك من آمن من غير أهلك و لم يؤمن بنوح عليه السلام إلا عدد قليل فقد قال الله عز و جل (و ما آمن معه إلا قليل ) ثم قال الله عز و جل في سورة هود (و قال اركبوا فيها بسم الله مجراها و مرساها إن ربي لغفور رحيم) أي قال لهم نوح عليه السلام اركبوا في السفينة اركبوا في السفينة مسمين الله أو قائلين بسم الله وقت إجرائها و وقت إرسائها و يحتمل أن يكون المعنى أن نوحا عليه الصلاة السلام أمرهم بالركوب في السفينة ثم أخبرهم بأن مجرى السفينة و مرساها بذكر الله عز و جل أي بسم الله إجراؤها و إرساؤها و كان إذا أراد نوح أن تجري قال بسم الله فجرت و إذا أراد أن ترسو قال بسم الله فرست (إن ربي لغفور رحيم) غفور لمن آمن رحيم بهم ثم قال الله عز و جل في سورة هود (و هي تجري بهم في موج كالجبال و نادى نوح ابنه و كان في معزل يا بني اركب معنا و لا تكن مع الكافرين) نادى نوح ابنه كنعان يا بني اركب معنا و لكن نوحا عليه السلام لم يكن يعلم أن هذا الولد منافق, نعم, كنعان كان منافقا و لكن نوحا عليه الصلاة و السلام لم يكن يعلم ذلك لذلك قال له اركب معنا ظنه من المؤمنين ظنه من أهله من المؤمنين الذين وعد الله بأنهم ينجون و لكن تبين له بعد ذلك أن هذا الولد منافق فما الذي حصل و كيف غرق هذا الولد هذا ما سنتكلم فيه إن شاء الله عز و جل في الدرس القادم و الله أعلم و أحكم.