بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين
سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة نوح و في ذكر قصة نوح عليه الصلاة و السلام في سورة هود
وصلنا إلى قول الله عز و جل (وهي تجري بهم في موج كالجبال) أي سفينة نوح عليه السلام تجري بهم في موج كالجبال و قول الله عز و جل (في موج كالجبال) شبه الله عز و جل كل موجة من هذا الطوفان بالجبل في تراكمها و ارتفاعها و هنا نادى نوح ابنه نادى ولده كنعان و قال الله عز و جل (و كان في معزل) يعني كان في معزل عن أبيه و عن السفينة لم يصعد معهم إلى هذه السفينة بماذا ناداه نوح (يا بني اركب معنا) أي اركب معنا في السفينة و هو ناداه ليركب معهم في السفينة نادى نوح كنعان ليركب معهم في السفينة و كنعان هو ابنه لأن نوحا كان يظنه مؤمنا لم يكن يعلم نوح عليه السلام أن كنعان من المنافقين فظهر له بعد ذلك فلما بدأ الطوفان و رأى نوح ولده كنعان خارج السفينة قال له اركب معنا اركب في السفينة و لا تكن مع الكافرين لا تبقى في هذا المكان الذي فيه الكافرون هؤلاء سيغرقون بماذا أجاب كنعان نوحا عليه السلام (قال سأوي إلى جبل يعصمني من الماء) تأوي إلى جبل أي جبل ستأوي إليه الماء سيعم الأرض الماء سيعلو فوق الجبال ستأوي إلى جبل فماذا قال له نوح عليه الصلاة و السلام (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) نوح يخاطب ولده و هو لا يعلم أنه كافر لأن كنعان كما قلنا منافق فما زال نوح يخاطبه على الظاهر الذي عنده إنه من المؤمنين قال له نوح لا عاصم اليوم من الطوفان إلا من رحم الله أي إلا مكان من رحم الله من المؤمنين ثم قال الله عز و جل (و حال بينهما الموج فكان من المغرقين) حال بين نوح و كنعان الموج الذي في الطوفان فلم يره بعد ذلك و غرق كنعان و مات على الكفر و العياذ بالله نسأل الله عز و جل السلامة ثم قال الله عز و جل في سورة هود (و قيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي و غيض الماء و قضي الأمر و استوت على الجودي) و قيل يا أرض ابلعي ماءك أي انشفي و تشربي و يا سماء أقلعي أي أمسكي و غيض الماء و معنى غيض الماء أي نقص الماء أي نقص ماء الطوفان و قضي الأمر أنجز ما وعد الله أنجز ما وعد الله نوحا من إهلاك قومه و استوت على الجودي أي استقرت سفينة نوح على جبل الجودي و قيل بعدا لقوم الظالمين أي سحقا لقوم نوح الذين أغرقوا سحقا لهؤلاء الكافرين و قد قال الله عز و جل في سورة القمر (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا و قالوا مجنون و ازدجر فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمرو فجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر و حملناه على ذات ألواح و دسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر و لقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي و نذر و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) كذبت قبلهم أي قبل أهل مكة قوم نوح فكذبوا عبدنا أي كذبوا نوحا عليه السلام و قالوا مجنون كانوا يقولون عنه إنه مجنون و ازدجر أي زجر عن أداء الرسالة زجر عن تبليغ الدعوة بالضرب بالشتم و غير ذلك من أقوالهم و أفعالهم الفاسدة فدعا نوح ربه كما قال الله عز و جل (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) دعا الله عز و جل دعا الله عز و جل بأن قومه لم يقبلوا منه و كذبوه و آذوه فانتصر أي فانتقم منهم فانظروا إلى قول الله عز و جل (ففتحنا أبواب السماء) الله عز و جل قال (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) و هذا الماء الذي نزل وقت الطوفان فهو ماء منهمر منصب في كثرة و تتابع و قال الله عز و جل (و فجرنا الأرض عيونا ) أي جعلنا الأرض كأنها عيون تتفجر بالماء فالتقى الماء أي ماء السماء و ماء الأرض كما قال الله عز و جل (على أمر قد قدر) أي على حال قدرها الله عز و جل كيف شاء و أما السفينة فقال الله عز و جل فيها و حملناه أي و حملنا نوحا و من معه من المؤمنين على ذات ألواح و دسر فهي كانت من ألواح خشب و أما الدسر فهي المسامير و كما مر معنا في سورة هود إن هذه السفينة جرت في موج كالجبال و لكنها كانت محفوظة بقدرة الله عز و جل فقال الله عز و جل (تجري بأعيننا) أي بحفظنا و قول الله عز و جل (جزاء لمن كان كفر) أي فعلنا ذلك جزاء لمن كان كفر إن نوحا عليه الصلاة و السلام نعمة من الله و هؤلاء المشركون قد كفروا هذه النعمة فكان نوح عليه السلام نعمة مكفورة لذلك قال الله عز و جل (جزاء لمن كان كفر) و بقيت السفينة أو الحادثة التي حصلت آية يعتبر بها لذلك قال الله عز و جل (ولقد تركناها آية فهل من مدكر) هل من متعظ هل من معتبر يعتبر بما يسمع (فكيف كان عذابي و نذر) كيف كان انتقامي من هؤلاء المشركين فنعود الآن إلى سورة نوح إلى قول الله عز و جل
(مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) مما خطيئاتهم أي بسبب ذنوبهم و شركهم من أجل شركهم من أجل تكذيبهم أغرقوا كما ذكرنا أغرق هؤلاء المشركون الطوفان فأدخلوا نارا أي نار جهنم من العلماء من قال في قول الله عز و جل (فأدخلوا نارا ) المراد بذلك أنهم سيدخلون نار جهنم يوم القيامة فعبر الله عن المستقبل بالماضي لماذا لتحققه لأنهم متحقق لأنه لا بد من أن يحصل عبر عن المستقبل بالماضي فقال عز و جل ( فأدخلوا نارا) أي سيدخلون نار جهنم و من العلماء من قال هذه الآية دليل على عذاب القبر كيف ذلك قالوا إن قول الله عز و جل (أدخلوا نارا) عبر به عبر بالدخول عن عرضهم على النار غدوا و عشيا كما قال الله عز و جل (النار يعرضون عليها غدوا و عشيا و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) فقال بعض المفسرين إن هذه الفاء في فأدخلوا للإعلام بماذا؟ للإعلام بأنهم عذبوا عقب الإغراق فورا بعد الإغراق و أين سيكون هذا العذاب قالوا إذا هو عذاب القبر فيكون دليلا على إثبات عذاب القبر. (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) أي لم يجدوا أحدا يدفع عنهم عذاب الله.
(و قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) أي قال نوح يا ربي لا تترك لا تترك على الأرض من الكافرين أحدا
(إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا) معناه إن تذر الكافرين أحياء على الأرض و لم تهلكهم بعذاب من عندك يضلوا عبادك أي بدعوهم إلى الضلال و لا يلدوا أي و لا يلدوا هؤلاء المشركون إلا فاجرا كفارا أي و لا يلدوا إلا من سيكون فاجرا كفارا إذا بلغ مبلغ التكليف, نوح عليه السلام دعا بهذا بعد أن أوحى الله عز و جل إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن و الله أوحى إليه أن هؤلاء لو بقوا في الأرض لن يلدوا إلا فاجرا كفارا فهو علم هذا بوحي من الله.
و آخر آية في سورة نوح (رب اغفرلي و لوالدي و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و للمؤمنات و لا تزد الظالمين إلا تبارا) قال نوح عليه السلام ربي اغفر لي و لوالدي و كانا مؤمنين و دعا أيضا لمن دخل بيته قال و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات, من العلماء من فسر البيت هنا بالمسجد, و من العلماء من فسره بالمنزل أي بمنزل نوح, و من العلماء من فسر البيت هنا بالسفينة و قوله و لا تزد الظالمين أي الكافرين و لا تزد الظالمين إلا تبارا أي إلا هلاكا فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم و قد قال الله عز و جل في سورة الصافات (و لقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه و أهله من الكرب العظيم و جعلنا ذريته هم الباقين و تركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين ) فلننظر ماذا ورد في سورة الصافات أيضا قول الله عز و جل (و لقد نادانا نوح ) أي حين دعا نوح كما مر معنا و قال الله عز و جل (فلنعم المجيبون ) أي و لقد نادانا نوح والله لنعم المجيبون نحن فأجاب أجاب الله دعاءه و انتقم الله من الظالمين و أهلكهم و قال الله عز و جل (و نجيناه و أهله) أي المؤمنين نجاهم الله عز و جل من الكرب العظيم أي من غم الغرق و الناس كلهم اليوم من ذرية نوح عليه السلام بدليل قول الله عز و جل (و جعلنا ذريته هم الباقين) كما مر معنا في سورة الصافات و جعلنا ذريته أي ذرية نوح هم الباقين فكان لنوح عليه السلام ثلاثة أولاد سام و حام و يافث فهذه سورة نوح عليه السلام نسأل الله عز و جل أن يوفقنا جميعا إلى ما يحب و يرضى. و السورة التي بعدها هي سورة الجن التي سنبدأ في تفسيرها في درسنا القادم إن شاء الله عز و جل.
ما معنى قول الله عز و جل (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا) ما سبب نزولها و من أي شيء خلق الله عز و جل الجن ماذا ورد فيهم في هذه السورة في سورة الجن هذا ما سنتكلم فيه إن شاء الله عز و جل في درسنا القادم و الله أعلم و أحكم.