fbpx

تفسير سورة المزمل – الجزء 1

شارك هذا الدرس مع أحبائك

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين سنتكل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المزمل و هي سورة مكية. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها المزمل) و المراد بالمزمل هو محمد صلى الله عليه و سلم فخاطبه الله عز و جل بيا أيها المزمل, المزمل هو المتزمل أي المتلفف بثيابه فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم متزملا أي متلففا بثيابه فأنزل الله عز و جل عليه (يا أيها المزمل) و قد خاطب الله عز و جل حبيبه محمدا صلى الله عليه و سلم في القرآن بيا أيها النبي و يا أيها الرسول و يا أيها المزمل و يا أيها المدثر و لن تجدوا في كتاب الله عز و جل خطابا من الله عز و جل لحبيبه محمد صلى الله عليه و سلم بيا محمد, تجدون اسمه عليه الصلاة و السلام كما في قول الله عز و جل (محمد رسول الله) لكن لن تجدوا في القرآن يا محمد, أما غيره من الأنبياء فقد خوطبوا بأسمائهم في القرآن كيا آدم و يا موسى و يا إبراهيم و يا نوح أما عليه الصلاة و السلام فلم يخاطب في القرآن بيا محمد و ذلك تنويها بفضله عليه الصلاة و السلام. و أمر الله حبيبه محمدا صلى الله عليه و سلم بالقيام إلى الصلاة فقال (قم الليل إلا قليلا) فرض الله عز و جل قيام الليل على الأمة ثم نسخ هذا الحكم بعد ذلك, فمعنى قم الليل أي قم للصلاة و حد الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر و قول الله عز و جل (قم الليل إلا قليلا) أي صل الليل كله إلا يسيرا منه فاستثنى الله منه القليل لراحة الجسد و قد كان قيام الليل فرضا على النبي صلى الله عليه و سلم و على أمته ثم نسخ ذلك الحكم فصار تطوعا, و قد جاء في صحيح مسلم عن زرارة أن سعد ابن هاشم ابن عامر قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنبئيني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت ألست تقرأ يا أيها المزمل قلت بلى قالت فإن الله عز و جل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه حولا أي قاموا سنة و أمسك الله خاتمتها أي خاتمة هذه السورة اثني عشر شهرا أمسك الله عز و جل خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة و أخرج الحاكم في المستدرك عن السيدة عائشة رضي الله عنها و عن أبيها أنها قالت لما نزلت (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) قاموا سنة حتى ورمت أقدامهم أي من غير ضرر فأنزلت (فاقرؤوا ما تيسر منه) فكان قيام الليل فرضا على الأمة ثم نسخ بعد ذلك. و قولها قاموا سنة حتى ورمت أقدامهم انتفخت أقدامهم انتفخت ذاك الانتفاخ الذي يذهب بعض قليل من الراحة و لم يكن إلى حد الإضرار بالنفس ثم قال الله عز و جل (نصفه أو انقص منه قليلا) أي قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث (أو زد عليه و رتل القرآن ترتيلا) أي زد عليه أي زد على النصف إلى الثلثين و هذا تخيير للنبي صلى الله عليه و سلم بين أن يقوم النصف بتمامه و بين الناقص منه و بين قيام الزائد عليه و معنى (و رتل القرآن ترتيلا) أي لا تعجل بقراءة القرآن بل اقرأه في مهل و بيان أي بينه تبيينا مع تدبر تدبر المعاني . و روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يقال لصاحب القرآن اقرأ و ارتقِ و رتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها, الله يجعلنا من هؤلاء ثم قال الله عز و جل (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) أي إنا سننزل عليك قولا ثقيلا أي القرآن و هذا مدح و تعظيم لكتاب الله عز و جل هذا تعظيم للقرآن الذي أنزله الله عز و جل على حبيبه محمد صلى الله عليه و سلم فالمراد بقول الله عز و جل (قولا ثقيلا) أي بما اشتمل عليه من التكاليف الشاقة كالجهاد و مداومة الأعمال الصالحة و إقامة حدود الشرع و اجتناب نواهيه, و من العلماء من قال في تفسير الآية إنه كان يثقل عليه إذا أوحي إليه فأخبرت السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت ترى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين كان ينزل عليه القرآن في اليوم الشديد البرد فبعد أن ينتهي نزول القرآن عليه كما قالت فيفصم عنه و إن جبينه أي إن جبين رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك بعد انتهاء نزول الوحي عليه ليتفصد عرقا أي يظهر عليه العرق الكثير مع أنه كان ينزل عليه في يوم بارد شديد البرد و من العلماء من فسر قول الله عز و جل (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) قالوا معناه يثقل في الميزان يوم القيامة ثم قال الله عز و جل (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا و أقوم قيلا) و معنى قول الله عز و جل (إن ناشئة الليل) أي قيام الليل, فهذه الكلمة ناشئة هي مصدر من نشأ إذا قام و نهض, و يحتمل أن يكون المعنى في قول الله عز و جل (إن ناشئة الليل) العبادة, أي العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث بالليل و من العلماء من قال ناشئة الليل هي ساعات الليل لأنه تنشأ ساعة فساعة. و معنى (هي أشد وطئا) أي أشد على المصلي و أثقل من صلاة النهار لأن الليل جعل للنوم و الراحة فكان قيامه على النفس أشد و أثقل و معنى (وأقوم قيلا) أي أن القراءة بالليل أقوم منها بالنهار أي أشد استقامة و استمرارا على الصواب لهدوء الأصوات و انقطاع الحركات فلا يضطرب على المصلي ما يقرأه ثم قال الله عز و جل (إن لك في النهار سبحا طويلا) أي إن لك فراغا طويلا لنومك و راحتك و حوائجك في النهار و من العلماء من قال في تفسير هذه الآية إن لك تصرفا و تقلبا في شواغلك في النهار. (واذكر اسم ربك و تبتل إليه تبتيلا) واذكر اسم ربك أي دم يا محمد على ذكر ربك ليلا و نهارا, و ذكر الله يتناول كل ما يذكر به الله عز و جل من تسبيح و تهليل و تمجيد و تحميد و صلاة و قراءة قرآن و دراسة العلم. و معنى (و تبتل إليه تبتيلا) أي انقطع بعبادتك إليه, فالتبتل هو الانقطاع إلى عبادة الله عز و جل و منه قيل للسيدة مريم عليها السلام مريم البتول لأنه انقطعت إلى الله تعالى في العبادة. (رب المشرق و المغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) الله عز و جل هو رب المشرق و المغرب هو خالق المشرق و المغرب هو خالق كل شيء سبحانه و تعالى (لا إله إلا هو) أي لا أحد يستحق أن يعبد إلا الله عز و جل (فاتخذه وكيلا) أي فوض جميع أمورك إليه فإنه يكفيكها و توكل عليه (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا) الخطاب هنا للنبي محمد صلى الله عليه و سلم (واصبر) أي يا محمد على ما يقولون أي على ما يقوله المشركون من قومك لك و على أذاهم اصبر على ذلك يا محمد (واهجرهم هجرا جميلا) أي جانبهم واعتزلهم و لا تتعرض لهم و كان هذا قبل الأمر بالقتال ثم أمر بقتالهم عليه الصلاة و السلام بعد ذلك و أنزل الله عز و جل ما فيه وعيد و تهديد لهؤلاء الكفار فقال عز و جل (وذرني و المكذبين أولي النعمة و مهلهم قليلا) و ذرني أي كِلْ أمرهم إليّ يا محمد لا تهتم بهم كلهم إلي فأنا أكفيكهم و وصفهم الله عز و جل بقوله (أولي النعمة) يعني أهل التنعم و الأموال و الترفه في الدنيا (و مهلهم قليلا) مهلهم إمهالا قليلا و هذا وعيد لهم و قالت السيدة عائشة رضي الله عنها فلم يكن إلا اليسير حتى كانت وقعة بدر ثم أخبر الله عز و جل عن بعض ما أعد للكفار في الآخرة فقال (إن لدينا أنكالا و جحيما) إن لدينا أي عندنا للكافرين في الآخرة أعد الله للكافرين في الآخرة أنكالا و جحيما. أنكالا أي قيودا عظاما ثقالا لا تنفك و جحيما أي نارا شديدة الاتقاد. (و طعاما ذا غصة و عذابا أليما) أعد الله عز و جل للكافرين في الآخرة طعاما وصفه الله عز و جل بقوله (ذا غصة) أي هو غير سائغ يأخذ بالحلق لا هو نازل و لا هو خارج و هو الغسلين و الزقوم و الضريع نعوذ بالله من ذلك و قيل هو شوك يدخل الحلق فلا ينزل و لا يخرج نعوذ بالله من ذلك. و معنى قول الله عز و جل (و عذابا أليما) أي عذابا موجعا مؤلما إن هذا الألم يخلص إلى قلب الكافر يدخل إلى قلبه كما قال الله عز و جل في صفة جهنم (التي تطلع على الأفئدة) تحرق أفئدتهم تحرق قلوبهم نسأل الله السلامة. ثم قال الله عز و جل (يوم ترجف الأرض و الجبال و كانت الجبال كثيبا مهيلا) يوم ترجف الأرض و الجبال أي تتحرك و تضطرب بمن عليها و ذلك يوم القيامة. و كانت الجبال أي و تكون الجبال بعد أن كانت صلبة كثيبا مهيلا أي رملا مجتمعا رخوا لينا بحيث إذا أخذت منه شيئا تبعه ما بعده و انهال و لما هدد الله المكذبين بأهوال القيامة ذكرهم بحال فرعون و كيف أخذه الله تعالى و عاقبه إذ إن فرعون كذب موسى و العياذ بالله فقال الله عز و جل (إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا). و هذا ما سنتكلم فيه إن شاء الله عز و جل في درسنا القادم و الله أعلم و أحكم.