fbpx

تفسير سورة المزمل – الجزء 2

شارك هذا الدرس مع أحبائك

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المزمل بعد أن ذكر الله عز و جل بعض ما أعده من الوعيد و العذاب للكفار في الآخرة و هدد الله المكذبين بأهوال القيامة ذكرهم بحال فرعون و كيف أخذه الله تعالى فقال الله عز و جل (إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) إنا أرسلنا إليكم رسولا و هو سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وصفه الله عز و جل بقوله (شاهدا عليكم)أي هو شاهد عليكم بالتبليغ و شاهد عليكم بإيمان من آمن و شاهد عليكم بكفر من كفر و قول الله عز و جل ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) هو سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام الذي أرسله الله عز و جل إلى فرعون لكن فرعون كذب سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام و تكبر و أعرض عن الإيمان كما قال الله عز و جل (فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) فعصى أي كذب فرعون الرسول الذي أرسله الله إليه و لم يؤمن به فأخذناه أي أخذنا فرعون أخذا وبيلا أي أخذا ثقيلا شديدا أي أهلكناه و من معه جميعا و عاقبناه عقوبة غليظة و هذا فيه تخويف لكفار مكة و إنما خص الله موسى و فرعون هنا بالذكر لأن خبرهما كان منتشرا بين أهل مكة لأنهم كانوا جيران اليهود فقد سبق لهم أن سمعوا بهذه القصة ثم قال الله عز و جل ( فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا) فكيف تتقون إن كفرتم كيف تتقون عذاب يوم القيامة إن كفرتم بالله إن بقيتم على كفركم و لم تؤمنوا برسوله و لم تؤمنوا بالله و رسوله و أنكرتم يوم القيامة بأي شيء تتحصنون من عذاب الله يوم القيامة لا يتحصن من كفر بالله ذلك اليوم بشيء فكيف تتقون إن كفرتم عذاب يوم يجعل الولدان شيبا أي يصير الولدان شيوخا و هذا كناية عن شدة هول ذلك يوم فهو على التمثيل للتهويل فإنه يقال في اليوم الشديد يوم يشيب نواصي الأطفال و قال قوم من العلماء هذا يحصل قبل يوم القيامة هذا يحصل في وقت الفزع قبل أن ينفخ إسرافيل في الصور قبل أن ينفخ نفخة الصعق أي قبل أن ينفخ النفخة الأولى قالوا تشيب رؤوس الأطفال من شدة الهول ثم قال الله عز و جل (السماء منفطر به) أي إن السماء على عظمها و إحكامها تنفطر أي تنشق في ذلك اليوم لشدته و هوله (كان وعده مفعولا) أي كان وعد الله بمجيء يوم القيامة و حصول الحساب و الجزاء مفعولا أي واقعا و كائنا لا محالة لأن خبر الله صدق لا يطرأ عليه الكذب ثم قال الله عز و جل (إن هذه تذكرة) أي إن الآيات القرآنية تذكرة تذكير و عبرة و وعظة لمن اعتبر بها و اتعظ (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) أي من أراد اتخذ إلى ربه سبيلا بالإيمان به سبحانه و تعالى و العمل بطاعته و ليست المشيئة هنا على معنى الإباحة بل الآية تتضمن معنى الوعد و الوعيد و قد قال الله عز و جل (و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) فهذه الآية فيها إثبات أنه لا يشاء الإنسان إلا أن يشاء الله فمشيئتنا تحت مشيئة الله ثم قال الله عز و جل (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل و نصفه و ثلثه و طائفة من الذين معك) إن ربك يعلم أنك يا محمد تقوم أي تصلي لما كان أكثر الصلاة القيام عبر الله بالقيام عن الصلاة فمعنى تقوم تصلي و هذه الآية هي ناسخة لفرضية قيام الليل كما تكلمنا في تفسير أول السورة و قول الله عز و جل (أدنى من ثلثي الليل) أي زمانا أقل من الثلثين (و نصفه و ثلثه) أي و تقوم نصف الليل و ثلثه و قول الله عز و جل (و طائفة من الذين معك) أي و يقوم بذلك المقدار جماعة من أصحابك المؤمنين بالله حين فرض عليهم قيام الليل (و الله يقدر الليل و النهار) أي إن العالم بمقادير الليل و النهار و أجزائهما و ساعاتهما هو الله تعالى لا يفوته علم ما يفعلون فيعلم القَدر الذي يقومون من الليل و الذي ينامون منه ثم إنهم قاموا حتى انتفخت أقدامهم و لكن كما قلنا من غير ضرر فنزل قول الله عز و جل (علم أن لن تحصوه فتاب عليكم) أي علم ربكم بعلمه الأزلي أنكم لن تطيقوا قيام الليل لكثرته و شدته فخفف عنكم فضلا منه سبحانه و تعالى فمعنى فتاب عليكم أي خفف عليكم و أسقط عليكم فرض قيام الليل (فاقرؤوا ما تيسرمن القرآن) أي فاقرؤوا في الصلاة ما تيسر عليكم من القرآن المراد بهذه القراءةِ القراءةُ في الصلاة و ذلك لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة فأطلق اسم الجزء على الكل و المعنى فصلوا ما تيسر عليكم (علم أن سيكون منكم مرضى ) أي سيكون منكم أهل مرض قد أضعفه المرض عن قيام الليل و هذه حكمة ثانية لبيان النسخ و أما الحكمة الأولى فهي قوله عز و جل (علم أن لن تحصوه) (و آخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) و هم المسافرون للتجارة و طلب العلم و غير ذلك, يبتغون أي يطلبون من فضل الله أي من رزقه في تجارة في سفرهم لطلب المعاش فأعجزهم و أضعفهم السفر عن قيام الليل (و آخرون يقاتلون في سبيل الله) أي و آخرون أيضا منكم و هم الغزاة و المجاهدون الذين يجاهدون العدو فيقاتلونهم لنصرة دين الله فالمجاهد و المسافر كل منهما مشتغل في النهار بالأعمال الشاقة فلو لم ينم بالليل لتوالت عليه أسباب المشقة فرحمهم الله عز و جل فخفف عنهم ووضع عنهم فرض قيام الليل (فاقرءوا ما تيسر منه) أي فاقرؤوا في الصلاة ما تيسرعليكم من القرآن و قد كرر الله ذلك و أعاده على سبيل التوكيد (و أقيموا الصلاة ) أي أقيم الصلاة المفروضة الواجبة عليكم في أوقاتها مع مراعاة أركانها و شروطها و هي خمس صلوات في اليوم و الليلة (و آتوا الزكاة) أي أعطوا الزكاة المفروضة في أموالكم أهلها و مستحقيها (و أقرضوا الله قرضا حسنا) أي أنفقوا في سبيل الله من أموالكم مع إخلاص النية و ابتغاء الأجر من الله كما قال الله عز و جل في سورة البقرة (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) سمى الله عز و جل ما ينفق في سبيله قرضا لأن القرض ما يقبض ببدل مثله من بعدُ سمي به أي سمي القرض قرضا لأن المقرض يقطعه من ماله و القرض معناه القطع فورود لفظ القرض يدل على تأكيد الجزاء لهؤلاء المنفقين في سبيل الله في الآخرة فإذا معنى قول الله عز و جل (و أقرضوا الله قرضا حسنا) أنفقوا في سبيل الله من أموالكم اقطعوا من أموالكم و أنفقوها في سبيل الله مع إخلاص النية و ابتغاء الأجر من الله عز و جل فإن الله عز و جل لا يضيع أجر من أحسن عملا ثم قال الله عز و جل (و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا و أعظم أجرا) أي و ما تقدموا لأنفسكم من خير أيها المؤمنون ما تقدموا لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير أو عمل بطاعة الله من صلاة و صيام أو حج أو قراءة قرآن أو طلب علم أو تعليم عقيدة أهل السنة و الجماعة أو غير ذلك من أعمال الخير تجدوه عند الله أي تجدوا ثوابه و أجره يوم القيامة في صحائف أعمالكم (تجدوه عند الله هو خيرا) أي خيرا مما خلفتم خيرا مما تركتم وراءكم فإنما يتركه الإنسان يصير ملكا للورثة (و أعظم أجرا) أي تجدوه أجزل ثوابا ثم قال الله عز و جل (و استغفروا الله إن الله غفور رحيم) و استغفروا الله أي سَلوه المغفرة لذنوبكم (إن الله غفور رحيم) إن الله غفور لذنوب المؤمنين رحيم بهم سبحانه و تعالى و لا يرحم الكافرين في الآخرة نسأل الله عز و جل أن يرحمنا في الدنيا و الآخرة. هذه سورة المزمل و التي بعدها هي سورة المدثر التي سنتكلم في تفسيرها إن شاء الله عز و جل في درسنا القادم الله أعلم و أحكم.