سورة المرسلات
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المرسلات {أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم} {انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} يقال للكفار يوم القيامة سيروا إلى ما كنتم تكذبون به في الدنيا من العذاب يعني النار وغيرها {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} يقال للكفار يوم القيامة انطلقوا إلى ظلٍ أي إلى دخان وهو دخان جهنم إذا ارتفع وقول الله عز وجل ذي ثلاث شعب أي تشعب إلى ثلاث شعب من شدته وقوته وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع تشعب وشعب ما تفرق من جسم الواحد فيقال لهم كونوا فيه يقال لهم يوم القيامة كونوا في هذا الدخان ثم وصف الله عز وجل هذا الظل الذي يكون فيه الكفار يوم القيامة فقال {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} معناه ليس هو كالظل الذي يقي ويظله من حر الشمس بل هو يدنيهم من لهب النار يدنيهم إلى ما هو أشد من حر الشمس ومعنى ولا يغني من اللهب أي لا يدفع هذا الدخان شيئًا من لهب جهنم أجارنا الله تعالى جميعًا منها ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعًا في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله ولننظر في سورة الواقعة بماذا وصف الله عز وجل الظل الذي يكون فيه الكفار يوم القيامة وقد قال الله عز وجل في سورة الواقعة {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ (43) لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44)} وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال أي الكفار فإنهم يأخذون كتبهم بشمائلهم في سموم أي في حر نار ينفذ في المسام وحميم أي ماء حار متناهي الحرارة وظل من يحموم أي يكونون في ظل من دخان أسود ثم قال الله عز وجل في وصف هذا الظل لا بارد ولا كريم معناه أنه ظلٌ ولكن لا كسائر الظلال سماه الله ظلا ثم نفى عنه برد الظل وروحه ونفعه فلا ينفع من يأوي إليه من أذى الحر فهو ظلٌ حارٌ ضار ثم وصف الله عز وجل نار جهنم فقال {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} أي إن نار جهنم ترمي بشرر والشرر هو ما تطاير من النار في كل جهه ومعنى قول الله عز وجل كالقصر أي كالبناء العظيم وقيل كأصول النخلة المقطوعة المقلوعة {كَأَنَّهُ جِمَالَة صُفْرٌ} أي كأن الشرر الذي ترمي به جهنم كالقصر كالبناء العظيم جمالة جمع جمال وهي الإبل صفرٌ أي سود شبهت هذه الشرر بالإبل السود والعرب تسمي السود من الإبل صفرا فيقال للإبلِ التي هي سودٌ تضرب إلى الصفرةِ إبلٌ صفر ومن العلماء من قال الجمالات الصفر هي حبالُ السفينة هي حبال السفينة العظام إذا اجتمعت مستديرةً بعضها إلى بعض جاء منها أجرامٌ عظيمة فشبه الله عز وجل الشرر التي ترمي بها جهنم بالقصر لعظمه وارتفاعه وبالجمال للعظم والطول واللون ثم قال الله عز وجل {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ويلٌ للمكذبين بهذا الوعيد الذي توعد الله تعالى به من كفر من عباده ثم قال الله عز وجل {هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ} هذا يوم لا ينطقون أي في يوم القيامة لا يتكلم الكفار في بعض مواطن القيامة ومواقفها وذلك لأن الكفار في بعض مواطن أي مواقف القيامة يتكلمون وفي بعضها يختصمون وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} أي لا يؤذن لهم فيعتذرون مما اقترفوا في الدنيا من الذنوب فليس لهم عذرٌ في الحقيقة لأنه قد تقدم الإعذار والإنذار في الدنيا فلم يبق لهم عذرٌ في الآخرة {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38)} هذا يوم الفصل أي يقال لهم هذا اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق فيتبين المحق من المبطل والسعيد من الشقي يقال لهم جمعناكم والأولين أي جمع الله الذين كذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم والكفار الذين كذب النبيين من قبله {فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} هذا تعجيزٌ لهم وتوبيخٌ وتقريع يقال لهم تعجيزًا لهم يوم القيامة إن كان لكم في هذا اليوم وهو يوم الفصل كيدٌ أي حيلة في الخلاص من الهلاك كما كان لكم ما تكيدون به دين الله والمؤمنين في الدنيا فكيدون أي فاحتالوا اليوم وهم يعلمون أن الحيل يومئذ منقطعة وهذا كما قلنا تعجيزٌ لهم وتوبيخٌ وتقريع فلهذا عقبه الله عز وجل بقوله {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} فلننظر ماذا ورد في سورة الصافات يقول الله عز وجل {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)} وقالوا يا ويلنا يقول الكفار يوم القيامة يا ويلنا هذا يوم الدين هذا هو اليوم الذي ندان فيه هذا هو اليوم الذي نجازى فيه هذا يوم الفصل هذا يوم القضاء هذا يوم الفرق بين فرق الهدى والضلال هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون وقال الله عز وجل خطابًا للملائكة احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي الذين كفروا وأشباههم أو قرناءهم من الشياطين وما كانوا يعبدون من دون الله أي الأصنام احشروهم اجمعوهم فاهدوهم إلى صراط الجحيم أي دلوهم على طريق النار خذوهم إلى نار جهنم وقال الله عز وجل وقفوهم احبسوهم إنهم مسؤولون إنهم مسؤولون عن أقوالهم إنهم مسؤولون عن أفعالهم إنهم مسؤولون عن اعتقاداتهم فيجمع الكفار جميعًا يوم القيامة ولا قوة لهم ولا ناصر لهم فيقال لهم مالكم لا تناصرون مالكم لا ينصر بعضكم بعضًا اليوم وهذا توبيخٌ لهم بالعجز عن التناصر بعد ما كانوا متناصرين في الدنيا بأنهم اليوم مستسلمون منقادون أذلاء أما المؤمنون المتقون فقد قال الله عز وجل فيهم في سورة المرسلات {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ} إن المتقين إن الذين ءامنوا بالله ورسوله وأدوا الفرائض واجتنبوا المحرمات في ظلال وهو جمع ظل أي في ظلال الأشجار والقصور في الجنة فهم في الجنة في ظلال وعيون فالجنة فيها أنهارٌ تجري خلال أشجار جناتهم في الجنة أنهارٌ من ماء أنهارٌ من عسل أنهارٌ من لبن وغير ذلك {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي يأكلون منها كل ما اشتهوا فاكهةً وجدوها حاضرة فليست فاكهة الجنة مقيدةً بوقتٍ دون وقتٍ كما في أنواع فاكهة الدنيا فاكهة الجنة بسائر أنواعها موجودةٌ دائمًا وأبدا أما فاكهة الدنيا توجد في بعض الأوقات دون بعض {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} يقال لهم يقال لأهل الجنة كلوا أيها المؤمنون من هذه الفواكه واشربوا من هذه العيون كل ما اشتهيتم هنيئًا أي لا تكدير عليكم ولا تنغيص في ما تأكلونه وتشربون منه ومعنى {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي هذا جزاءٌ بما كنتم في الدنيا تعملون من طاعة الله {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ} أي نثيب المحسنين إنا كذلك نثيب المحسنين أي أهل الإحسان في طاعاتهم إيانا وعبادتهم لنا في الدنيا فلا نضيع أجر من أحسن عملا ثم قال الله عز وجل {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ويلٌ يوم القيامة للذين يكذبون بما أخبر الله عز وجل به من نعيم أهل الجنة في الآخرة {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ} هذا خطابٌ للكفار في الدنيا كلوا وتمتعوا قليلًا أي زمانًا قليلا إذ قصارى أكلكم وتمتعكم الموت هذا خطاب تهديد للكفار إنكم مجرمون أي إنكم كافرون مستحقون للعقاب {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ويلٌ يوم القيامة للذين يكذبون بما أعد الله عز وجل للكافرين من العذاب الشديد {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} إذا قيل لهؤلاء المشركين إذا قيل لهؤلاء الكافرين اركعو أي صلوا لا يركعون لا يصلون أي لا يؤمنون ليكونوا من أهل الصلاة ومن العلماء من قال إنما يقال لهم ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون كما قال الله عز وجل {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} ثم قال الله عز وجل {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)} فبأي حديث بعد القرءان يؤمنون أي إن لم يصدقوا بالقرءان الذي هو المعجز والدلالة على صدقه عليه الصلاة والسلام فبأي شيء يصدقون تم تفسير سورة المرسلات وبذلك قد تم تفسير جزء تبارك ولله الحمد والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.