سورة الممتحِنة بكسر الحاء أو الممتحَنة بفتح الحاء
وسيأتي لاحقا سبب تسميتها بهذا الاسم
أخرج البخاري في صحيحه أن عليًّا رضي الله عنه قال:”بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبيرَ والمقداد
فقال:” انطلقوا حتى تأتوا رَوضةَ خَاخٍ – موضع – فإن بها ظَعينةً – امرأة – معها كتابٌ فخُذوه منها”
فذهبنا تَعادَى بنا خَيْلُنا أي تتعادى من العدو حتى أتينا الروضة فإذا نحنُ بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتُخْرِجِنَّ الكتابَ أو لَنُلْقِيَنَّ الثيابَ فأخرجته من عِقاصِها أي من ضفائر شعرها
فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم
فإذا فيه من حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يُخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:” ما هذا يا حاطب قال: لا تَعْجَل عليَّ يا رسولَ الله إني كنت امرَءًا من قريش
ولم أكُن من أَنْفُسِهم أي ملصقا في قريش ليس له قرابةٌ بينهم وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يَحْمونَ بها أهلِيهم وأموالَهم بمكة فأحببتُ إذ فاتني من النَسَبِ فيهم أن أَصْطَنِعَ إليهم يدًا يَحْمُوْنَ قَرابتي،
وما فعلت ذلك كُفرًا ولا ارتدادًا عن ديني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد صَدَقَكُم ونزلت في حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَة”.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
أي لا تتخذوا عدوي وعدوكم من الكفار والمشركين أنصارًا
{تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ}
أي توصلون إليهم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وسرّه بسبب المودة التي بينكم وبينهم أو المعنى تلقون إليهم المودة.
{وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ} أي إن هؤلاء المشركين والكفار الذين يعادون الله ورسوله كفروا ولم يؤمنوا بما جاءكم من الحق يعني القرءانَ والإسلامَ
{يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ}
يخرجون الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم وإياكم أي ويخرجونكم أيضًا من دياركم وأرضكم من مكة يخرجونكم لأن ءامنتم بالله ربكم أي يفعلون ذلك لإيمانكم بالله تعالى
{إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي}
إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء
{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ}
أي تفضون إليهم بمودتكم سرا أو تسرون إليهم أسرار رسول الله بسبب المودة وأنا أعلم بما أخفيتم أي أضمرتم وما أعلنتم أي أظهرتم.
{وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}
من يفعلْ منكم الإسرارَ وإلقاءَ المودة إليهم فقد أخطأ طريق الحق والصواب
ثم أخبر الله المؤمنين بعداوة الكفار فقال عزَّ وجلَّ:
{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَالسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}
إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم أو يلقَوكم ويصادفوكم يكونوا لكم خالصي العداوة لا موالين
ويبسطوا إليكم أيديَهم بالقتل والضرب وألسنتَهم بالشتم والسب وودوا لو تكفرون أي تمنى الكفار لو ترتدون عن دينكم
فلا ينفعكم التقرّبُ إليهم بنقل أخبار رسول الله فلا توادُّوهم
{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ}
لما كان حاطب قد اعتذر بأن له بمكة قرابةً فكتب إلى أهلها بما كتب ليراعوه في قرابته
بيّن الله تعالى أن الأهل والأولاد لا ينفعون شيئًا يوم القيامة إن عُصِي الله من أجل ذلك
{يَوْمَ القِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ}
أي يفرق ربكم بينكم فيُدخل المؤمنين الجنةَ ويُدخل الكافرين النارَ
{وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
أي عالم لا يخفى عليه شىء، فاتقوا الله في السرّ والعلانية.