ولما أمر الله تعالى المؤمنين بعداوة الكفار عادَوْا أقرباءهم فأنزل الله تعالى:
{عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
عسى من الله تعالى وعدٌ ولا يُخلفُ الله وعدَه أي سيجعلُ الله بينكم و بين الذين عاديتم من كفار مكة مَودة بأن يهديهم الله للإيمان ففعلَ اللهُ ذلك بهم فقد أسلمَ كثيٌر منهم بعد فتح مكة فصاروا للمؤمنين إخوانًا وأولياءَ وخالطوهم
{وَاللهُ قَدِيرٌ} أي ذو قدرة على جعل المودة بينكم وقد وَقع ذلك بأن أسلمَ قوم منهم كما ذكرنا.
{وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} غفور لمن تاب من الكفار وأسلم. كان في المشركين قوم لم يقاتلوا المسلمين ولم يخرِجوهم من ديارهم
وقد قال الله تعالى:{لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}
الكفار الذين لم يقاتلوكم لأجل دينكم ولم يخرجوكم من دياركم هؤلاء لا ينهاكم الله عنهم أن تبروهم أي تحسنوا إليهم ولا ينهاكم عنهم أن تعاملوهم بالعدل فيما بينكم وبينهم فأسماء بنت أبي بكر سألت النبي هل تَصِل أمها حين قدمت عليها مشركة؟
قال: «نعم صِلي أمك» رواه البخاري.
{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} أي المؤمنين الذين يُنصفون الناس ويعطون كل ذي حق حقه.
ثم ذكر الله الذين نهى عن صلتهم وبرّهم فقال عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ}
إنما ينهاكم الله أيها المؤمنون عن بر وصلة وموالاة الكفار الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من مكة والذين عاونوا مشركي أهلِ مكة على إخراجكم
هؤلاء ينهاكم الله عنهم أن تتخذوهم أولياءَ ونُصراء
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
من يجعلْهم ويتخذْهم أنصارًا وأحبابًا وأولياءَ فأولئك الذين ظلموا أنفسهم لأنهم خالفوا ما أمرهم الله به.