{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}
هُمُ: أي المنافقون وعلى رأسهم عبدُ الله بنُ أُبيِ بنِ سلول الذين يقولون للمنافقين من أمثالهم ويقولون أيضًا لأصحابهم الأنصار وهم المخلصون في الإيمان من أهل المدينة الذين نصروا رسول الله، وصحبتهم للمنافقين بحسب ظاهر الحال
لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ يعني من أصحابه ﷺ المهاجرين لأجل أن ينفضوا عن النبي ﷺ، سفَّه الله تعالى أحلامهم في أنهم ظنوا أن رزق المهاجرين بأيديهم، فردَّ الله عليهم وأبطل ما زعموه من أن عدمَ إنفاقهم على المهاجرين وتحريضَ غيرهم على ذلك يؤدي إلى انفضاض الفقراء من حوله ﷺ
فردَّ الله عليهم وأبطل ما زعموه ببيان أن خزائن الأرزاق بيده تعالى يرزقهم ويرزق المؤمنين ويعطي من يشاء فقال عزَّ وجلَّ:
{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ}
أي بيده مفاتيح الرزق
فلا يعطي أحدٌ أحدًا شيئًا إلا بإذن الله
ولا يمنعأحدٌ أحدًا شيئًا إلا بإذن الله
فهو الرازق لهؤلاء المهاجرين لا أولئك
{وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} لجهلهم بالله لا يعلمون أن الله إذا أراد أَمرًا يسَّره وأنه هو رازق المهاجرين في حال إنفاق هؤلاء عليهم
{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ}
القائل هو ابن أُبيّ قال لئن رجعنا من غزوة بني المُصْطَلِق إلى المدينة ليخرجن الأعزُ منها الأذل
الأَعَزُّ: الأشد والأقوى، يعني نفسه هو وأصحابَه،
وعنى بالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين،
فردَّ الله عليه بقوله:{وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
{وَلِلَّهِ العِزَّةُ} عزة الله قهره وغلبته
{وَلِرَسُولِهِ} عزة الرسول إظهار دينه على الأديان كلها
{وَلِلْمُؤْمِنِينَ}
وعزة المؤمنين نصر الله إياهم على أعدائهم
{وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} ذلك لفرط جهلهم وغرورهم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ} أي لا تشغلكم
{أَمْوَالُكُمْ} بالسعي في نمائها والتلذذ بجمعها
{وَلا أَوْلَادُكُمْ} بسروركم بهم وبالنظر في مصالحهم
{عَنْ ذِكْرِ اللهِ}هو عام في الصلاة وغيرها، والمعنى لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن ذكره كالصلاة وسائر العبادات
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} أي من يشتغل بالمال والولد عن طاعة ربه
فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ لأنهم ءاثروا العاجل على الآجل والفاني على الباقي {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}
{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
قال ابن عباس: يعني زكاة الأموال.
وقال الضحاك: النفقة في الحقوق الواجبة بالمال كالزكاة والحج ونحو ذلك؛
وقال الماوردي: إنه صدقة التطوع فعلى هذا يكون الأمر ندبًا،
وعلى ما قبله يكون أمر وجوب
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ} أي دلائل الموت ومقدماته وعلاماته فيسأل الرجعة
{فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي}
أي هلاَّ أخَّرت موتي {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} يعني بذلك الاستزادة في أجله ليتصدق ويزكّي.
وهو قوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ} يعني فأزكي مال.
{وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} يعني وأعمل بطاعتك وأؤدي فرائضك.
{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا: أي في أجل أحد فيمد له فيه.
{إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} أي ءاخر عمرها، وهذا تحريض على المبادرة بأعمال الطاعات حذرًا أن يجيء الأجل وقد فرط ولم يستعد للقاء الله.
{وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من خير وشر، والخبير: المطَّلع على حقيقة الأشياء فلا تخفى على الله خافية وهو عالم بالكليات والجزئيات.