fbpx

28 :تفسير جزء قد سمع – الحلقة

شارك هذا الدرس مع أحبائك

التحريم بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} هو عسل كان يشربه عند بعض نسائه فكان ينتاب بيتها لذلك فغار بعضهن من دخوله بيت التي عندها العسل وتواصَيْن على أن يذكُرن له على أن رائحة ذلك العسل ليس بطيب، فقال: “لا أشربه“. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ هذا نداء تشريف وتنبيهٌ بالصفة على عصمته لِمَ تُحَرِّمُ سؤال تلطف ولذلك قَدَّمَ قبلَه يا أيها النبي فاتمناعه عن العسل ليس زلةً منه عليه الصلاة والسلام ومعنى تحرم تمنع وليس التحريمَ المشروعَ بوحي من الله وإنما هو امتناع لتطييب خاطر بعض أزواجه {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} أي تفعل ذلك طلبًا لرضاهن {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} بيّن الله تحليل أيمانكم وذلك بالكفارة والأيمان جمع يمين إن الله قد شرع لكم تحليل أيمانكم أي الخروج والخلاص من اليمين بالكفارة إذا أحببتم استباحة المحلوف عليه وقد بيّن الله سبحانه وتعالى الكفارة ذلك بقوله في سورة المائدة. {وَاللهُ مَوْلَاكُمْ} أي وليكم وناصركم {وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} {وَهُوَ العَلِيمُ} بما تفعلونه وتقولونه {الحَكِيمُ} أي فيما شرع وفرض عليكم من الأحكام وغير ذلك. {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} واذكر إذ أسر النبي ﷺ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ وهي حفصة رضي الله عنها هو تحريم العسل فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ أي أخبرت به عائشة رضي الله عنهما لمصافاة كانت بينهما وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ أي أطلع الله نبيَّه على إفشاء حفصة ذلك الحديث لعائشة {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} أي عرَّف النبيُ حفصةَ بعضَ ما أوحي إليه من أنها أخبرت عائشة بما نهاها عن أن تخبرها وأعرض عن بعض تكرمًا {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} أي لما أفشت حفصة الحديث لعائشة وأكتمتها إياه ونبأها الرسول ﷺ به {قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} أي من أخبرك يا رسول الله أني أفشيت سرَّك {قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ}َ قَالَ النبي عليه الصلاة والسلام نَبَّأَنِيَ أي أخبرني به العَلِيمُ أي الله العالِم بسرائر عباده وضمائرِ قلوبهم الخَبِيرُأي الذي لا يخفى عليه شىء. {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ يعني حفصةَ وعائشة حثهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله ﷺ إن تتوبا كان خيرًا لكما فَقَدْ صَغَتْ أي مالت عن الحق قُلُوبُكُمَا أي مالت إلى محبة ما كرهه رسول الله ﷺ من اجتناب العسل {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالملائكة بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} وَإِنْ تَظَاهَرَا أي تتعاونا عَلَيْهِ أي على النبي ﷺ فيما يكرهُه ويسوؤُه فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ أي وليه في العون والنصرة فلا يضره من تظاهر عليه وَجِبْرِيلُ وهو الملك الموكّل بالوحي وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ ويشمل كل صالح وَالملائكة بَعْدَ ذَلِكَ أي بعد نصر الله والمذكورين ظَهِيرٌ أي ظهر هذا لفظه لفظ الواحد ومعناه الجمع أي أعوان وهو بمعنى ظهراء والضمير في «تظاهرا» عائد إلى حفصة وعائشة رضي الله عنهما، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «مكثتُ سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن ءاية فما أستطيع أن أسأله هيبةً له، حتى خرج حاجًّا فخرجت معه، فلما رجعت وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفتُ له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت له: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي ﷺ من أزواجه، فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت: والله إن كنتُ لأريد أن أسألك عن هذا منذ مدة فما أستطيع هيبة لك، قال: فلا تفعل، ما ظننتَ أن عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبَّرتك به»، {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} روى البخاري في صحيحه عن أنس قال: قال عمر بن الخطاب: بلغني معاتبةُ النبي ﷺ بعض نسائه، فدخلت عليهن قلت: إن انتهيتُنَّ أو ليبدّلَن اللهُ رسولَه خيرًا منكن، حتى أتيتُ إحدى نسائه قالت: يا عمر، أما في رسول الله ﷺ ما يعظ نساءه حتى تعظَهن أنت؟ فأنزل الله {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} الآية». {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} أي النبي صلى الله عليه وسلم {أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} وكان الله عالما بأنه عليه الصلاة والسلام لا يطلقهن كلَهن ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن طلقهن أبدله الله خيرًا منهن تخويفًا لهن أي إذا طلقهن النبي لعصيانهن له وإيذائهن إياه كان غيرهن الموصوفاتُ بهذه الصفات التي ذكرها الله فيما بعد مع الطاعة لرسول الله ﷺ خيرًا منهن، فـ{خَيْرًا} صفة للأزواج وكذا ما بعده من قوله: {مُسْلِمَاتٍ} وصفهن بالإسلام وهو الانقياد لغة، وشرعًا انقياد مخصوص وهو الانقياد لما جاء به النبي ﷺ بالنطق بالشهادتين، ثم وصفهن بأنهن {مُؤْمِنَاتٍ} أي مصدقات والإيمان لغة التصديق وشرعًا تصديق مخصوص وهو التصديق بما جاء به النبي ﷺ {قَانِتَاتٍ} أي مطيعات {تَائِبَاتٍ} أي تاركات للذنوب، وصفهن بالتوبة وهي الإقلاع عن الذنب {عَابِدَاتٍ}أي متعبدات متذللات لله {سَائِحَاتٍ} صائمات وقيل مهاجرات {ثَيِّبَاتٍ} جمع ثيب وهي التي تزوجت وفارقت زوجها بأي وجه كان بعد أن مسَّها، والمعنى أن منهن ثيبات {وَأَبْكَارًا} أي ومنهن عذارى جمع بكر وهن اللواتي لم يُجَامَعْنَ.