قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله:
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأشكره وأصلي وأسلم على النبي الأمي محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
الله أسأل أن يوفقني ويوفقكم لما يحبه ويرضاه كلامنا إن شاء الله تعالى على الحديث الثالث والثلاثين من الأربعين النووية
قال إسماعيل حلاق: الثالث والثلاثون
الشرح: معناه هذا الحديث هو الثالث والثلاثون وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام ومرجع عظيم عند التنازع والخصام.
قال اسماعيل حلاق: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يُعطى الناس بدعواهم
الشرح: لو يُعطى بنوا ءادم ذكورًا أو إناثًا بمجرد دعواهم بمجرد ما يدّعون لو يعطون على حسب ما يدّعون من غير رجوع إلى المدعى عليه والنظر يصدقهم أو لا يصدقهم لو يعطون من غير تصديق المدعى عليه أو من غير بينة شاهد من قبل المدعي.
قال رسول الله: لو يُعطى الناس بدعواهم لأدعى رجال
الشرح: رجال لأدعى رجال يعني لأدعى رجال كثيرون ليس واحد أو اثنين
قال رسول الله: لأدعى رجال أموال قوم ودمائهم
الشرح: بدأ بذكر الأموال ثم انتقل إلى الدماء ترقيًا من المحرم إلى الأشد حرمة أو لأن الخصومات في الأموال أكثر فلذلك بدأ بها إما بدأ النبي عليه الصلاة والسلام بذكر الأموال لأنه ترقى من الإثم فيها إلى ما هو أشد الذي هو الإثم في الدم أو لأن الخصومات في الأموال أكثر فبدأ بذكرها وهذا لو كان الأمر كذلك لو كان يُعطى الإنسان بمجرد ما يدعيه الشىء الذي يدعيه يعطاه بمجرد دعواه من غير بينة من غير يمين هكذا لأدعى أُناس أموال آخرين ودمائهم ولأفضى هذا إلى الهرج والمرج وإلى الحرج الذي ينزه دين الله عنه.
قال رسول الله: لكنْ البينة
الشرح: لكن ليس لكنّ من غير تشديد رواية الحديث لكن البينة
قال رسول الله: لكن البيّنة على المدعي.
الشرح: البيّنة معناه ما يبين ثبوت الدعوة والمراد هنا الشاهد أحيانًا في الدعاوى يكتف بشاهد أحيانًا لا بد من شاهدين أحيانًا لا بد من ثلاثة أحيانًا لا بد من أربعة على حسب الحال لكن البينة على المدعي أي يُطالب المدعي بمن يشهد له المدعي هو الذي يخالف كلامه الظاهر.
أما المدعى عليه هو من يوافق كلامه الظاهر مثلا أنا في يدي لو فرضنا في يدي دابة في يدي حصان عندي ثم جاء إنسان فقال هذا الحصان لي ادّعى عند القاضي أنه له وطالب به هو المدعي لأن كلامه يخالف الظاهر لأن الظاهر أن الحصان لي لأنه تحت يدي كلامه هو الذي يخالف الظاهر فهو المدعي أنا المدعى عليه.
إنسان يسكن بيتًا يتصرف في هذا البيت ثم جاء شخص فقال هذا لي هذا البيت بيتي الذي يسكن البيت ويتصرف فيه الظاهر يؤيده أن البيت له الذي ادّعى أنه له كلامه على خلاف الظاهر يقول القاضي للمدعي هذا الذي كلامه على خلاف الظاهر إيت بمن يشهد لك نريد من يشهد لك هذا الذي يشهد له من يشهد له يسمى البيّنة سواء كان واحدًا أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة ولأجل مخالفة كلام المدعي للظاهر طُلب منه الشهود لضعف حجته حتى يجبر الشاهد ضعف حجته أما الذي كلامه يوافق الظاهر أُكتفي منه باليمين إذا لم يكن عنده شهود يُكتفى منه باليمين ليجبر اليمين النقص في عدم وجود الشهود له لأن يده في الأصل على هذا الشىء المدعى فكلامه أوفق للظاهر وأقرب للظاهر فحجته أقوى ولهذا أُكتفي منه باليمين.
قال رسول الله: لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر
الشرح: المدعى عليه إذا أنكر جاء إنسان يقول هذه الدار التي يسكنها فلان هذه لي هذا المدعي القاضي يطالبه بالبينة إن لم يأت بالشهود لكن يقول هذا لي القاضي يقول للمدعى عليه هذه الدار هل تقر بها له هل تقول إنها له إذا أقرى فقال هي له يُعطى الدار إذا قال لأ هذه الدار لي يقول له القاضي إحلف اليمين أنها لك أن هذه الدار لك فإذا حلف اليمين ثبتت له إذا لم يرض أن يحلف قال أنا لا أريد أن أحلف لا أحلف على هذا عند ذلك يرد القاضي اليمين إلى المدعي يقول للمدعي هو ما رضي أن يحلف تحلف أنت إذا حلف المدعي عند ذلك تثبت الدار للمدعي لماذا ثبتت له هنا مع أنه ليس له شهود لأن المدعى عليه ما رضي أن يحلف في هذه الحال لا يُطلب الشاهد من المدعي هناك بعض الأحوال يُطلب من المدعي أن يحلف مثلا مثل هذه الحال التي ذكرناها مثلا إذا كانت القضية والنزاع في مال واحد جاء فقال هذه الأرض لي قال الذي بيده الأرض لأ هذه الأرض ليست لك هذه لي يقول القاضي لمن يدعي الأرض هل عندك شاهد يشهد إذا جاءه بشاهد عدل وحلف مع الشاهد فإنه يأخذ الأرض بالشاهد واليمين الذي معه لأن المال الأموال يُكتفى فيها بالشاهد واليمين لكن يُطالب المدعي هنا باليمين ففي بعض الأحوال يُطالب المدعي باليمين وهذا الذي ذكرناه هذه القاعدة أن البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر هذه القاعدة تسري في مختلف الأمور يعني هذه تسري في المال تسري في الحد تسري في الطلاق تسري في النكاح تسري في العتق أخذًا بعموم ظاهر الحديث.
قال إسماعيل حلاق: حديث حسن رواه البيهقي وغيره
الشرح: هذا حديث حسن رواه الإمام الفقيه الأصولي الحافظ الأشعري الشافعي صاحب التصانيف الممتعة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة من الهجرة.
قال إسماعيل حلاق: رواه البيهقي وغيره هكذا
الشرح: نعم رواه البيهقي ورواه غيره هكذا وحسنه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في الأحاديث التي ساقها في الكليات وقال رواه البيهقي بإسناد حسن وكذلك قواه غيره من الحفّاظ.
قال إسماعيل حلاق: وبعضه في الصحيحين
الشرح: مثلا الذي بعضه في الصحيحين مثلا الذي في الصحيحين منه قال ابن أبي مُلكية قال ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدّعى عليه هذا جزء كذلك في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:”لو يُعطى الناس بدّعواهم لأدّعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدّعى عليه”. فهذا أيضًا جزء من الحديث.
قال بعض العارفين بعض أرباب القلوب أصحاب القلوب المنورة في الحديث في هذا الحديث إشارة إلى أن كل حال أو مقام يدّعيه إنسان لا بد أن يكون له أصل في الشرع حتى يُقبل لا بد أن يكون له دليل من الشرع حتى يُقبل وأن من أراد الترقي من الحضيض من حضيض النقصان إلى ذروة الإيقان لا بد له من اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام أما إذا أراد ذلك من غير طريق اتباع النبي عليه الصلاة والسلام فهو مخذول شيطان.
وقد كان شيخنا رحمه الله تعالى إذا سئل عن حال شخص نُسب إلى حصول الخوارق والكرامات إذا قيل له فلان يحصل على يده أمور تخالف العادة خوارق لا تحصل عادة إذا قيل له فلان من شيوخ الطريقة هل هو من أهل العرفان هل هو من الأولياء نظر هل عُرف له سبق طلب للعلم هل طلب علم الدين هل تعلم الفرض العيني من علم الدين هل عرف عنه أنه بعد التعلم سلك واستقام مدة من الزمن وثبت على الاستقامة إن عرف ذلك حسّن فيه الظن وأما إن لم يعرف له ذلك لم يشهد له بالولاية مهما قيل مشى على الماء أو طار في الهواء.
وهكذا ينبغي أن لا يقبل الإنسان من الأمور إلا ما يوافق شرع الله ما يكون عليه شاهد من شرع الله تعالى كيف أن الأمر في الأموال إذا ادّعى إنسان عند القاضي لا تقبل دعواه إلا أن يكون هناك من يشهد له كذلك في غيره من الأمور التي تتعلق بالمقامات والأحوال والأخلاق وما يحسن وما لا يحسن لا يقبل ذلك إلا بدليل من شرع الله تبارك وتعالى ولذلك كان الجنيد رضي الله عنه يقول:”إنه ليرد على قلبي الوارد يأتيني الخاطر الذي يلح على قلبي بغير إرادة مني يأتيني خاطر يلح على قلبي أن هذا الأمر حسن أو أن أمر كذا غير حسن فلا أقبله إلا بشهادي عدل كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم” وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان.
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.