fbpx

الأربعون النووية – الدرس 2

شارك هذا الدرس مع أحبائك

الأربعون النووية قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن أسأله سبحانه وتعالى التوفيق وأستغفره من الذنوب الخفيات والجليات وأرجوه الإخلاص في الأعمال والنّيات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله ذو المعجزات الباهرات صلى الله عليه وعلى ءاله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. أما بعد، فكلامنا إن شاء الله تعالى سيكون في حل ألفاظ كتاب هو من أشهر الكتب التي أُلفت في الأحاديث الأربعين في الأربعينات وهو كتاب الأربعين النووية وجامع هذا الكتاب هو الشيخ مُحي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى سُمي النووي أو لُقب النووي نسبة لقرية نوى من بلاد حوران من أعمال دمشق فيقال له أيضًا الدمشقي لاسيما وقد مكث في دمشق أكثر من عشرين سنة بل ما يقرب من ثلاثين سنة كان مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة نشأ في ستر وفي خير وكان وهو في عشر سنين بنوى في قريته يكرهه الصبيان على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي ويقرأ القرءان في تلك الحال وقد ختم القرءان أي ختم حفظه وقد ناهز البلوغ قارب البلوغ. كان رحمه الله أسمر ربعة مهيبة عليه سكينة كث اللحية أسودها فيها بعض شعرات بيض وكان ملبسه مثل أي فقيه من الفقهاء الحوارنة مما كانت ترسله أمه له ليلبسه لما كان في سن التاسع عشرة قدِم به أبوه إلى دمشق لطلب العلم فسكن المدرسة الرواحية وبقي فيها ساكنًا فيها إلى أن مات ولم ينتقل منها وبيته فيها بيته المراد به الغرفة التي كان يسكن فيها غرفة لطيفة صغيرة وقد زرتها رأيتها متواضعة صغيرة بقي أول قدومه إلى دمشق نحو سنتين لا يتمدد للنوم بل ينام وهو جالس من غير أن يتمدد يشتغل بالعلم والحفظ والقراءة فإذا أدركه النوم نام على الهيئة التي هو عليها وكان يتقوت بجراية المدرسة يعني في المدرسة كان هناك شىء يُعطى للطلاب حتى يكون قوته كان يتقوت بذلك وقد يتصدق من جراية المدرسة ثم بعد ذلك ترك أخذها ما عاد يتقوت منها. حفظ كتاب التنبيه في الفقه الشافعي في نحو أربعة أشهر ونصف ثم حفظ ربع العبادات في كتاب المهذب وحفظ مقدمة في النحو وحفظ كتابًا في الأصول وبدأت دراسته في دمشق على شيخه الكمال الإسحاق المغربي ولازمه فأُعجب به شيخه وجعله معيد الحلقة يعني كان إذا فرغ شيخه من الدرس الطلاب الحاضرون من كان عنده استفهام من أراد سؤالا عما جرى يرجع إليه جعله شيخه مرجعًا لهم يرجعون إليه في أسألتهم وما يحتاجون إلى إيضاحه مما سمعوه. ثم حج إحدى وخمسين مع والده وكانت هذه الحجة هي حجة الإسلام بعد أن رجع من هذه الحجة ظهرت عليه آثار النجابة حتى عبر بعض العلماء بقوله صب الله عليه العلم صبًا وكان بعد رجوعه من الحج لاسيما بعد وفاة شيخه الكمال إسحاق رحمة الله عليه كان يبذل جهده في الدراسة حتى كان يتلقى كل يوم إثني عشر درسًا يحضر الدرس مع الشيخ ثم يطالع ويكتب ويقيد ويراجع هذا فضلا عما يقوم به من الوظائف من من صلاة وذكر وغير ذلك يضبط اللغة وضرب به المثل في إكبابه على طلب العلم ليلا ونهارًا وكان لا ينام إلا مغلوبًا يصرف وقته في طلب العلم في المطالعة في التردد إلى الشيوخ حتى إنه كان في الطريق في ذهابه وإيابه من عند الشيوخ يشتغل بتكرار محفوظاته أو يشتغل بمطالعة كتابًا في يده وبقي في التحصيل على هذا الوجه نحو ست سنين ومع هذا كله كان يكثر من قراءة القرءان ويكثر من الصلاة والذكر معرضًا عن الدنيا مقبلا على الآخرة سمع كتبًا كثيرة وأجزاء كثيرة من كتب الحديث النبوي. ثم بعد ذلك اشتغل بالتصنيف فصنف نحو خمسين كتابًا منها كتاب المجموع في الفقه الشافعي في شرح المهذب ولم يكمله لكن في هذا الكتاب عُرفت مرتبته بهذا الكتاب ظهر فضله حتى قال بعض المشايخ يا ليته أكمل كتاب المجموع وعدمت كل باقي كتبه. تولى رحمه الله مشيخة دار الحديث الأشرفية وكان لا يتولها إلا العلماء الكبار مع وجود شيوخه في حياة شيوخه تولها مع صغر سنه إلى أن مات ونشر منها علمًا كثيرًا واسعًا رحمه الله. حكي عنه أنه هم قبل وفاته بقليل أن يغسل كتاب الروضة كتاب روضة الطالبين الذي صنفه في الماضي كان العلماء يصنفون فالمداد الذي يكتبون به على الأوراق كان يسهل أزالته بالغسل بالماء فكان أراد أن يغسل كتاب روضة الطالبين فقالوا له لو غسلته انتشرت نسخه في الشرق والغرب لا يحصل مرادك وذلك لأنه أحس أنه لم يُعد النظر فيه على ما ينبغي وكان كتاب الروضة قد أخذه هو من نسخ سقيمة هذا الكتاب مختصر لشرح الرفاعي هذا الشرح يقال له العزيز شرح فيه الرفاعي رحمه الله كتاب الوجيز للغزالي في هذا الشرح هذا الشرح كانت له نسخ كثيرة النسخ التي توفرت للنووي كانت سقيمة ليست نسخًا حسنة ليست نسخًا جيدة لذلك كان في اختصاره أخطاء تظهر بسبب سوء النسخ التي اختصر منها ثم لم يتسع له الوقت حتى يعيد القراءة فيه لذلك وجد فيه مواضع انتقدها فقهاء الشافعية مثلا في بعض المواضع يقول تصح الصلاة خلف المعتزلة أو خلف المعتزلي ولا يبين عن أي معتزلي يتكلم لأن المعتزلة نوعان من يُنسب إلى الإعتزال نوعان نوع يقولون الله تبارك وتعالى ما شاء حصول الشر وأن الله تبارك وتعالى ما أراد حصول المعصية من العباد إنما العباد يعصون الله تعالى غصبًا عن مشيئته الله أراد لهم الطاعة لكن هم عصوه غصبًا عن مشيئته عزّ وجلّ وهذا فيه نسبة العجز إلى الله كذلك هؤلاء يقولون الله كان قادرًا أن يخلق ما يقدر عليه العبد حتى أعطى العبد القدرة على خلق ذلك على زعمهم العبد يشارك الله في التخليق يخلق العبد أفعاله قالوا لما أعطى الله العبد القدرة على خلق أفعاله صار الله تعالى عاجزاً عن ذلك. أمثال هؤلاء لا يختلف المحققون من أهل العلم في أنهم كفار لا تجوز الصلاة خلفهم ويوجد من المعتزلة أو ممن ينسب إلى الاعتزال نوع آخر لا يقولون بهذه المقالات التي يقولوها هؤلاء ما وصلوا إلى درجة الكفر لكنهم يقولون بمقالات سيئة تخرجهم عن كونهم من أهل السنة من غير أن تصل إلى درجة الكفر فلم يبين النووي لما قال تصح الصلاة خلف المعتزلي ما بين أن قصده المعتزلي الذي لم يبلغ درجة الكفر بعض الناس ما عندهم قوة في علم العقيدة إذا قرأوا هذه العبارة قد يتهمون منها أن المعتزلة كلهم لا يكفرون كذلك يوجد في الروضة مواضع أخرى انتقدها العلماء لسنا الان بصدد بيانها لكن هذه سنة أهل العلم أن الإنسان مهما كان له شهرة ومهما كان محله في العلم إذا أخطأ فإنهم يبنون خطاءه وذلك حذرًا من أن يأخذ غيره بهذا الخطأ ويقع فيه ليس إرادة التهشيم ليس إرادة تحطيم الإنسان وتكسيره لأ إنما إرادة بيان الحق وقد أدرك النووي هذه الأخطاء هذا الخلل الموجود في الروضة لذلك أراد أن يغسل نسختها قبل وفاته رحمه الله تعالى لكن لم يتسر له ذلك. كان رحمة الله عليه سنيًا أشعري العقيدة ولذلك يعاديه خوارج عصرنا الذين يقال لهم الوهابية المشبهة المسمون بالوهابية حتى إنهم قالوا عن النووي إنه ضال مبتدع لأجل عقيدته نسأل الله تعالى أن يحفظ المسلمين من شرورهم وأن يهديهم. كان رحمه الله ورعًا خشن العيش بقي في دمشق كل المدة التي عاش فيها هناك لا يأكل من فاكتها فلما سئل عن ذلك قال دمشق كثيرة الأوقاف وأيضًا فيها بساتين كثيرة هي لأُناس محجور عليهم والمعاملة في هذه البساتين كثير منها على وجه المساقاة والمساقاة إنما تصح في النخل وفي شجر العنب ولا تصح في كل الشجر في مذهب الشافعي ففي صحتها في باقي الشجر خلاف وأنا لا أريد أن أدخل في هذا ثم كثير منهم يتعاملون بها ليس على وجه الغبطة يعني لا يراعون أن يكون الرابح هو الذي هو تحت الحجر لا يراعون أن يكون الرابح هو الوقف جهة الوقف لا يراعون أن يكون الرابح هو المحجور عليه اليتيم المحجور عليه أو غيره من المحجور عليهم لذلك أنا لا آكل من فاكهة دمشق. لكن يُحكى أنه أكل مرة نصف حبة لأن رجلا علق عتق عبد له على أكل النووي من فاكهة دمشق قال لعبده إذا أكل النووي من فاكهة دمشق فأنت حر فبلغ ذلك النووي فأكل نصف ثمرة منها حتى يصير هذا العبد حرًا ومن يدري لعله بعد أن أكله تقيأه وأخرجه من معدته. ومما يُحكى عنه رحمه الله أن سارقًا خطف عمامته وهرب فتبعه الشيخ السارق يركض والشيخ يركض خلفه ويقول له ملكتك إياها قل قبلت ملكت إياها قل قبلت وأيضًا كان إذا ذكر الصالحين ذكرهم بتوقير واحترام شديدين وكان لا يقبل الهدايا من أحد إلا من شخص يعرف ورعه وتقواه وأن ماله ليس فيه شبهة ولا يكون له عُلقة به لا يكون مما يُدرس عليه ليس له علقة معه من حيث الدراسة وما شابه ذلك كان لا يلبس إلا الثياب المرقعة ثيابه مرقعة لا يهتم وكانت بين المدة والمدة ترسل له أمه قميصًا ونحوه ليلبسه مكث كل حياته في دمشق لم يدخل حمام السوق مرة ترك ملاذ الدنيا والمأكولات وما يشبه ذلك واقتصر على ما يأتيه من أبيه من قريته من كعك يابس وتين حوراني رحمه الله تعالى مرة أعطاه إنسان خيارة ليأكلها قال له لأ هذه ترضب جسمي وتجلب لي النوم فلم يرض أن يأكلها هذا وبعض الناس يبحثون عن النوم بحثًا وكان أهله يبعثون له الطعام من الجمعة إلى الجمعة من قريته فيأكل من هذا الطعام الذي يأتي من قريته أما الجراية التي كانت تُعطى له من المدرسة يعني المدرسة في الماضي لها أوقاف ومن هذه الأوقاف يُعطى شىء لمن يُدرس فيها كما يُعطى شىء للطلاب ما كان يُعطاه من وقف هذه المدرسة كان يحتفظ به مع الناظر يقول للناظر أحفظه لي عندك حتى إذا اجتمع منه شىء له قيمة باعه واشترى به كتبًا ووقفها في مكتبة المدرسة رحمه الله تعالى. لامه بعض العلماء يومًا في عدم دخول الحمام وتضييق عيشه في أكله ولباسه وأحواله وقال له أخشى عليك أن تمرض مرضًا يُعطلك عن أشياء أفضل مما تقصده فلما سمع هذا قال له النووي فلان صام وعبد الله تعالى حتى اخضرت عظامه قال هذا الفقيه فعرفت أنه ليس له غرض في دارنا في الدنيا ما له غرض فيها ولا في الالتفات بما نحن فيه. وكان رحمه الله تعالى قوّالا للحق يأمر بالمعروف ينهى عن المنكر يجابه الملوك والجبابرة بالانكار لا يأخذه في الله لومة لائم كان إذا عجز عن الوصول إلى السلطان يكتب إليه رسالة ويتحيل في إيصالها إليه مما كتبه ورقة إلى الظاهر بيبرس والظاهر بيبرس كان من أقوى ملوك المماليك وأشدهم شوكة وأكثرهم سلطة واسع السلطان سلطانه كان يشمل مصر والشام وأجزاء من تركيا والحجاز وغير ذلك كتب ورقة إلى الظاهر بيبرس يطلب منه أن يعدل في الرعية وأن يزيل عنهم المكوث الضرائب يعني وكتب معه في ذلك أكثر من واحد من الشيوخ فلما وصلت الورقتان إلى الظاهر بيبرس واطلع عليهما رد جوابهما ردًا عنيفًا مؤلمًا فتنكدت خواطر الجماعة الذين كتبوا وغيرهم أيضًا ممن عرف بالحال أما النووي فكتب له جوابًا لجوابه كتب فيه جميع ما كتبناه مما كتب فيه جميع ما كتبناه أولا وثانيًا هو النصيحة التي نعتقدها وندين الله بها ونسأله الدوام عليها حتى نلقاه والسلطان يعلم أنها نصيحة له وللرعية وليس فيه ما يلام عليه ولم نكتب هذا للسلطان إلا لعلمنا بأنه يحب الشرع ومتابعة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرفق بالرعية والشفقة عليهم وإكرامه لآثار النبي صلى الله عليه وسلم وكل ناصح للسلطان موافق على هذا الذي كتبناه ثم قال كتب أما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان فإني أعتقد أن هذا واجب عليّ وعلى غيري وما ترتب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله {إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإنّ الآخرة هي دار القرار} وأفوض أمري إلى الله {إن الله بصير بالعباد} وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول الحق حيثما ما كنّا وأن لا نخاف في الله لومة لائم إلى أن قال ولا حجة لنا عند الله إذا تركنا النصيحة الواجبة علينا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكان أيضًا الشيخ النووي رحمه الله في مرة أخرى كلم السلطان كلامًا فيه شدة فيه غلظة وقال له كان بعض الناس أفتوه بفتوى باطلة فقال له لقد افتوك بالباطل ليس لك معونة من الناس يعني حتى تنفد أموال بيت المال وتعيد أنت ونساءك ومماليكك وأمراءك ما أخذتم زائدًا عن حقكم وترد فواضل بيت المال إليه وأغلظ عليه في القول فلما خرج قال اقطعوا وظائف هذا الفقيه ما يدفع لهذا الفقيه اقطعوه عنه وراتبه فقيل له إنه لا وظيفة له ولا راتب لا يأخذ منّا شيئًا قال فمن أين يأكل قالوا مما يبعث إليه أبوه فغضب السلطان وأراد قتله فيقال إنه رأى سبُعًا عظيمًا خلفه فترك ذلك وارتدع ثم بعد ذلك أحبه وعظمه حتى كان يقول أنا أفزع منه. ومما ذكره شيخنا رحمه الله لنا أن رجلا من المنتسبين للعلم كان يكثر الطعن في النووي أنه لما مات اندلع لسانه من فمه خرج لسانه من فمه بشكل بشع وجاء حيوان كاللقط فأكل لسانه وذهب به والقصة في طبقات الشافعية وغيره من الكتب. وقد انتشرت كتب النووي في المشرق والمغرب ووضع بكثير منها القبول في الأرض ومنها كتاب الأربعين النووية الذي سنتناوله بالإيضاح إن شاء الله تعالى رحم الله النووي وجزاه خيرًا ورزقنا الاستفادة من كتابه هذا.