قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأشكره وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
الله أسأل أن يجعل نياتنا خالصة لوجهه
كلامنا إن شاء الله تعالى يكون في الحديث السابع والثلاثون
قال إسماعيل حلاق: السابع والثلاثون عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربّه.
الشرح: فيما يروي عن ربه يعني أصل هذا حديث قدسي
قال إسماعيل حلاق: فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى
الشرح: تبارك تبارك الله يعني تكاثر خيره زاد فضله تعالى تنزه تقدس عن صفات النقصان
قال إسماعيل حلاق: قال إن الله تبارك وتعالى كتب االحسنات والسيئات
الشرح: أي أن الله تبارك وتعالى قدّر الحسنات والسيئات قدّر ماذا يحصل من كل إنسان من حسنة ومن سيئة وكتب ذلك في اللوح المحفوظ أمر القلم فجرى على اللوح فكتب ما يحصل إلى يوم القيامة ومن جملة ذلك الحسنات والسيئات.
قال رسول الله: ثم بيّن ذلك
الشرح: بيّن إلى كم يعني المبلغ الذي يبلغه ذلك الحسنة إلى أين تبلغ السيئة إلى أي حد تصل.
قال رسول الله: فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة
الشرح: فمن هم بحسنة فلم يعملها الهم المقصود به هنا أن تختر هذه الحسنة على قلبه ويتردد من غير أن يجزم بفعلها لكن يصير عنده ميل إلى فعلها أن تتردد في قلبه من غير جزم لكن مع الميل إلى فعلها كما في رواية مسلم:”إذا تحدث عبدي (أي في نفسه) بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة” إذا همّ بالحسنة ترددت في صدره فمال إلى فعلها ولم يعزم الله تبارك وتعالى بمنّه وكرمه يجعل هذا يكتب له حسنة بذلك لأن ميله إلى جانب الفعل كان أكثر من ميله إلى جانب الترك وقال عليه الصلاة والسلام:” كاملة “حتى لا يتوهم أن الحسنة تكون ناقصة لأنه هم من غير عزم لأنه هم ولم يعزم همّ ولم يفعل أكد النبي عليه الصلاة والسلام بقوله كاملة أنها حسنة لا نقص فيها.
قال صلى الله عليه وسلم:”وإن هم بها فعملها
الشرح: إذا أهتم بالأمر هم خطر على قلبه أن يعمل الحسنة تردد في قلبه لكن بعد ذلك عملها جزم بها فعملها
قال رسول الله: كتبها الله عنده عشر حسنات
الشرح: كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :”من قال السلام عليكم كُتب له عشر حسنات من قال السلام عليكم ورحمة الله كُتب له عشرون من قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون” وقد تضاعف الحسنات إلى أكثر من ذلك قد يعمل الإنسان العمل الحسن فيضاعف أجره إلى أكثر.
قال رسول الله: كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف.
الشرح: قد تضاعف إلى سبعمائة ضعف كما روي في حديث مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام بناقة مخضومة قال يا رسول الله هذه في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام:” إنّ لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة”. فضُعفت معناه ضاعف الله حسنتك هذه إلى سبعمائة ضعف فالحسنات أحيانًا تكون هكذا أحيانًا تضاعف إلى عشر أحيانًا تضاعف إلى سبعمائة أحيانًا تضاعف إلى أكثر من ذلك على حسب نوع الحسنة على حسب نقاء قلب الذي يقوم بها وإخلاصه على حسب الحاجة إليها كل هذا له أثر في مضاعفة الحسنة إلى كم تضاعف إلى عشرة إلى سبعمائة ضعف أو إلى أكثر من ذلك كل شىء من هذا الذي ذكرناه جاء في الحديث ما يدل عليه.
قال رسول الله: إلى أضاعف كثيرة.
الشرح: إلى أضعاف كثيرة زائدة على سبعمائة يعلمها الله عزّ وجلّ ولم يبيّن ربنا عزّ وجلّ إلى كم بقي هذا الأمر مبهمًا غير مبين إلى كم زيادة على سبعمائة حتى يتشوق الإنسان إلى الأعمال الصالحة حتى يكون عنده أمل ومطمع أن تضاعف الحسنة إلى أكثر من سبعمائة بكثير من دون أن يقف عند حد معين هذا يشوق الإنسان أكثر على بذل الجهد والوقت في أداء الطاعات كما قال ربّنا عزّ وجلّ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
وقد روى ابن حبان في صحيحه أنه لما نزل قول الله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} قال النبي عليه الصلاة والسلام ربّ زد أمتي فأنزل الله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} فقال:ربي زد أمتي طلب الزيادة أكثر فأنزل الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}
قال رسول الله: وإن هم بسيئة فلم يعملها
الشرح: إذل تردد خطر على قلبه أن يغعل سيئة فتردد أفعلها أو لا أفعلها أفعلها أو لا أفعلها ثم بعد ذلك ترك فلم يفعلها
قال رسول الله: كتبها الله عنده حسنة كاملة
الشرح: لأجل أنه لم يفعلها ليس أن الحسنة تكتب له لأن السيئة خطرت على قلبه لا لكن لأجل لأجل أنها لما جاءت إلى قلبه مال إلى جانب الترك فلم يفعلها تركها طلبًا لرضى الله تبارك وتعالى كما جاء في بعض الأحاديث تركها من جرائي يقول الله تركها من جرائي معناه لأجلي طلبًا لرضاي فالله تبارك وتعالى يثيبه عليها أما إذا ترك السيئة مكرهًا هو مال إلى الفعل لكن أكرهه أحد على تركها أو لم يستطع تركها لأنه عجز عنها فلا يكون له هذا الثواب إنما له هذا الثواب إذا ترك السيئة طلبًا لرضى الله خوفًا من الله لأن الله حرم ذلك في هذه الحال يكون له ثواب عند الله في كل سيئة يتركها له حسنة كاملة وأكدها النبي عليه الصلاة والسلام بلفظ كاملة حتى لا يُظن أنها تكون منقوصة.
ومن هذا الحديث يُفهم أن الحفظة الذين يكتبون أعمال العبد يعرفون يطلعوهم الله على ما يهم به بقلبه لكن هذا ليس من باب العلم بالغيب لا يعلمون الغيب إنما بعلامة يجعلها الله تبارك وتعالى قال بعض السلف:” إذا هم الإنسان بفعل حسنة يشم الحفظة مثل ريح المسك فإذا هم بفعل السيئة تصدر منه رائحة النتن فيعرفون أنه هم يحسنة ويعرفون أنه هم بسيئة” هذا بالنسبة للهم إذا هم بالسيئة ولم يعزم عليها تردد في قلبه يفعل أو لا يفعل ثم تركها طلبًا لرضى الله يثاب على تركها أما إذا عزم ونوى بقلبه جزم بقلبه أن يفعلها فإنه يكتب عليه عند ذلك معصية وذلك لما جاء في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام:”إنه كان حريصًا على قتل صاحبه”.
أليس جاء في الحديث “إذا التقى المسلمان بسيفهما ( يعني إذا تقاتلا على الدنيا لأجل الدنيا) فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل القاتل عرفنا لأنه قتل أخاه يستحق عذاب النار فما بال المقتول فقال عليه الصلاة والسلام إنه كان حريصًا على قتل صاحبه”.
فدل هذا على أن من عزم على أن يعصي الله تبارك وتعالى كتب عليه ذنب العصيان فما عزم عليه من معاصي القلوب ومعاصي الجوارح ما عزم عليه من الحسد من الحقد من العداوة للمسلم من سوء الظن بالمسلم من غير موجب ما عزم عليه من القتل من الزنا من السرقة من شرب الخمر فإنه يؤآخذ بذلك كله ولو لم يظهر له أثر على الجوارح لو لم يظهر له أثر في الخارج كما قال ربّنا عزّ وجلّ:{ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} وكما قال ربّنا تبارك وتعالى:{وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} وحديث “إنه كان حريصًا على قتل صاحبه الذي ذكرناه كل هذا يدل على أنه يؤآخذ بالمعصية إذا عزم عليها ولو لم يفعلها.
قال إسماعيل حلاق: وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة
الشرح: فلا تضاعف له تكتب سيئة واحدة نعم السيئات تختلف السيئات منها كبائر منها صغائر السيئة أحيانًا تضاعف تكون أكبر أعظم إذا عملت في وقت معين إذا عملت في مكان معين أو إذا قام بها إنسان معين المعاصي ليست على حد سواء لكن الذنب يكتب به سيئة واحدة كما قال تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا}
قال إسماعيل حلاق: رواه البخاري ومسلم في صحيحهما بهذه الحروف
الشرح: نعم البخاري ومسلم روايه كذلك وفي رواية لمسلم بعد قوله فإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة زيادة أو محاها الله ولا يهلك على الله إلا هالك يعني بعد هذا الفضل العظيم من الله والرحمة الواسعة منه بمضاعفة الحسنات والتجاوز على السيئات لا يهلك مع سعة فضل الله تبارك وتعالى وعظيم رحمته إلا إنسان معرض عن الحسنات لا يُقبل عليها لا يلتفت عليها غارق في السيئات متمرغ في النجاسات إلى حد أن غلبت وحداته عشراته الحسنة إذا عملها تكتب عشرة والسيئة تكتب واحدة مع ذلك من كثرة ذنوب هذا الإنسان ومن كثرة النتن الذي هو غارق فيه تزيد سيئاته على حسناته عفانا الله تبارك وتعالى من مثل هذا الحال.
وهنا تنبيه أن ما ذكرناه من أن الذي يتردد في المعصية لا تكتب عليه المعصية إذا تردد فيها لا تكتب عليه إنما إذا تركها لوجه الله يكتب له حسنة هذا في الأمور التي لا يكون مجرد التردد فيها حرامًا
هناك أمور مجرد التردد الشك فيها حرام كالشك في الله والشك في صدق رسول الله والشك في حقية دين الإسلام فإنما من حصل في قلبه التردد ليس الخاطر ليس مجرد خاطر يخطر على قلبه وهو يكرهه ولا يحبه ويرده ولا يورث عنده شكًا لأ
لكن الشك والتردد مجرد الشك والتردد في هذا هل الإسلام حق أو لا أو ما ما شابه ذلك يكون والعياذ بالله تعالى ذنبًا بل هو أكبر الذنوب عند الله يكون كفرًا مخرجًا من الإسلام فهذا بالتردد يكتب عليه الذنب أعذانا الله تعالى
قال إسماعيل حلاق: فأنظر يا أخي
الشرح: أعمل فكرك فأنظر يا أخي أعمل فكرك
قال إسماعيل حلاق: فأنظر يا أخي وفقني الله وإياك
الشرح: أسأل الله أن يقدرني على الطاعة أنا وأنت نعم
قال إسماعيل حلاق: إلى عظم لطف الله تعالى
الشرح: كم هو عظيم لطف كيف يوصل الله النفع بنوع من الدقة إلى الإنسان على وفق مشيئته سبحانه وتعالى اللطف إيصال النفع الدقيق إلى الإنسان على وفق إرادة الله
قال إسماعيل حلاق: وتأمل هذه الألفاظ
الشرح: فكر في هذه الألفاظ النبوية الشريفة
قال اسماعيل حلاق: وقوله عنده
الشرح: أنظر كيف قال النبي عليه الصلاة والسلام كتبها الله عنده
قال اسماعيل حلاق: إشارة إلى الاعتناء بها
الشرح: هذا يدل لفظ عنده على أن شأنها معتبر هذه اللفظة عند يستعملها الإنسان وغير الإنسان هذه ترد في لغة العرب لبيان الاعتناء بالأمر أحيانًا أنت تقول عندي معناه أنا معتن به له اعتبار عندي كما قال ربنا عزّ وجلّ:{ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} ليس معناه أن أهل الجنة يكونون قاعدين في الجنة مع الله الله بجانبهم عنده لأ إنما عنده هذه بيان لكون هذا مشرفًا عند الله تبارك وتعالى فهذه أيضًا عنده كتبها الله عنده يدلك على اعتبارها عند الله أن الحسنة معتبرة عند الله.
قال إسماعيل حلاق: وقوله كاملة بتنوين للتوكيد وشدة الاعتناء وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها
الشرح: هذا ذكرناه
قال إسماعيل حلاق: كتبها الله حسنة كاملة فأكدها بكامله
الشرح: أيضًا لبيان الاعتناء بتركها
قال اسماعيل حلاق: وإن عملها كتبها سيئة واحدة
الشرح: أنظر قال النبي عليه الصلاة والسلام إذا عملها كتبها الله سيئة واحدة أولا ما قال كاملة وقال واحدة لتأكيد تقليلها أنها لا تضاعف تكتب سيئة واحدة
قال إسماعيل حلاق: فأكد تقليلها بواحدة ولم يأكدها بكامله
وهذا كله يدل على أن آثار رحمة الله أكبر من آثار غضبه أن آثار رحمة الله أكثر من أثار غضبه أن أثار رحمة الله أوسع من آثار غضب الله تبارك وتعالى ومن أمثلة ذلك الملائكة الملائكة من أثار رحمة الله وهم أكثر من الإنس والجن كلهم وأوراق الشجر وأكثر من نجوم السماء كل هذا إذا جمع الملائكة أكثر من هذا بكثير لأنهم آثار رحمة الله الجنة أوسع من النار بكثير لأن الجنة أثر رحمة الله وهكذا الثواب على الحسنة يضاعف الجزاء على الحسنة يضاعف أما الجزاء على السيئة لا يضاعف لأن آثار رحمة الله أكثر وأوسع من آثار عقابه وغضبه سبحانه.
قال إسماعيل حلاق: ولله الحمد والمنة
الشرح: نعم لله الحمد الله مستحق للحمد وله المنة المنّة جنس النعمة جنس النعمة ملك لله تبارك وتعالى وهي منه كما قال ربّنا عزّ وجلّ: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}
قال اسماعيل حلاق: سبحانه
الشرح: سبحانه ننزه معناه اسبحه سبحانه
قال اسماعيل حلاق: سبحانه لا نحصي ثناء عليه
الشرح: لا نقدر ان نحصي أفعاله سبحانه ولا نقدر أن نحصي نعمه سبحانه:{وأن تعدوا نعمة الله فلا تحصوها} سبحانه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:” لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك”.
قال إسماعيل حلاق: وبالله التوفيق
الشرح: بتيسير الله لا بغير ذلك توفيق الإنسان تحقق استقامته على الطريق القويم.
فنحن مفتقرون إلى الله تبارك وتعالى في جميع الإعمال محتاجون إلى المدد الرباني والعون الصمدني في كل الأحوال.
قبل أن نختم الكلام على هذا الحديث. أحب أن اقرأ لكم ما قاله ابن غبيرة في الإفصاح مما يتعلق بهذا الحديث قال في كلام له:” إن الله تعالى منّ على هذه الأمة فأخلف على ما قصر من أعمارها بتضعيف أعمالها (يعني الأمم السابقة كانت أعمار الواحد منهم أطول أعمار الأمة المحمدية أقصر لكن الله ضاعف أعمالهم أثابهم على أعمالهم بثواب أكثر مما أثاب الأمم الماضية إلى أن قال) قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:”إلى أضعاف كثيرة”. كثيرة هنا نكرة وهي أشمل من المعرفة فيقتضي على هذا أن يحُسب توجيه الكثرة على أكثر ما يكون ثم يقدر لتناول هذا الوعد الكريم (كيف يقدر الثواب؟)
يقول يقدر بأن يقال إذا تصدق الأدمي بحبة بر بحبة واحدة من قمح فإنه يحسب ذلك له كيف يحسب ذلك له في فضل الله ؟
يحسب ذلك له في فضل الله تعالى أنه لو بذرت تلك الحبة في أزكى أرض أحسن أرض للإنبات وكان لها من التعاهد والحفظ والري ما يقتضيه حالها ثم استحصدت حصدت ونظر في حاصلها كم نبت منها من الحبات ثم قدر ذلك الحاصل وبذر في أزكى أرض وكان التعاهد له على ما تقدم ذكره ثم هكذا في السنة الثالثة ثم الرابعة وما بعدها ويستمر ذلك إلى يوم القيامة كم تأتي هذه الحبة يوم القيامة تأتي هذه الحبة أمثال الجبال الرواسي هكذا يقدر ثواب الله تعالى يقول وإن كانت الصدقة مثقال ذرة شىء قليل من جنس الأثمان من ذهب أو فضة فإنه ينظر إلى أربح شىء يشترى في ذلك الوقت ويقدر أنه لو بيع في أنفق سوق في المكان السوق الذي أكثر ما تباع فيه الأشياء ويُدفع فيها الثمن العالي في أعظم بلد يكون ذلك الشىء فيه أشد الأشياء نفاقًا ثم يضعاف ويردد هكذا إلى يوم القيامة فتأتي الذرة بما يكون مقدارها على قدر عظم الدنيا كلها الذرة الواحدة على هذاا التقدير تكون بقدر الدنيا كلها وعلى هذا جميع أنواع البر في معاملة الله عزّ وجلّ إذا خرجت سهامها عن نية خالصة إذا عملها الإنسان بإخلاص النية وأفرغت في نوع قوس الإخلاص كانت تلك السهام ممتددة متتابعة لا تنتهي إلى يوم القيامة قال ومن ذلك أيضًا أن فضل الله تعالى يتضاعف بالتحويل أيضًا بالتحويل يتضاعف يقول في مثل أن يتصدق الإنسان على فقير بدرهم بنية خالصة الفقير بدل أن يأكل ذلك الدرهم يؤثر به فقيرًا آخر ثم هو أشد فقرًا فيؤثر به الثالث رابعًا والرابع خامسًا وهكذا فيما طال فإن الله تعالى يعطي المتصدق الأول بالدرهم عشرة فإذا تحول إلى الثاني انتقل ذلك الذي كان للأول إلى الثاني فصار للأول عن عشرته مائة فإذا تصدق بها الثاني صارت له مائة وللأول الفا وإذا تصدق بها الثالث صارت للثالث مائة وللثاني ألفًا وللأول عشرة آلاف فيضاعف إلى ما لا يعلم مقداره إلا الله تعالى.
قال ومن ذلك أيضًا أن الله سبحانه وتعالى إذا حاسب عبده يوم القيامة وكانت حسناته متفاوتة بعضها أكبر من بعض فيهن الرفيعة المقدار وفيهن دون ذلك فإنه سبحانه بجوده وفضله يجعل سائر الحسنات بسعر تلك الحسنة العليا يثيبه بسعر تلك الحسنة العليا لأن جوده جل جلاله أعظم من أن يناقش من رضي الله عنه في تفاوت سعر بين حسنتين وقد قال جل جلاله:{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
كما أنه إذا قال العبد في سوق من أسواق المسلمين “لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شىء قدير رافعًا بها صوته كتب الله له بذلك ألف ألف حسنة ومحى عنه بها ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وبنى له بيتًا في الجنة”.
وهذا الذي ذكرناه يعني يقول ابن غبيرة هذا الذي ذكرناه إنما هو على مقدار معرفتنا هذا على حسب ما نعرف نحن ما نتصور نحن لا على مقدار فضل الله تبارك وتعالى فإنه أعظم من أن يحده أحد أو يحصره خلق والله تعالى أعلم” إنتهى بهذا كلام ابن غبيرة.
فينبغي على المسلم إذا تفكر في هذا أن لا يقصر في فعل الحسنات أن يصرف وقته في الطاعات كان قتيبة بن مسلم رحمه الله حاكمًا في بلاد الخرسان فجاءه إنسان فقال له إنسان من رواة الحديث لك عندي هدية قال ما هي فحدثه بحديث السوق هذا الذي ذكرناه “من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شىء قدير” إلى آخره في السوق كان له ذلك الثواب لما سمع قتيبة ذلك كان كل يوم يذهب إلى السوق يقول هذا الحديث ثم يرجع إلى مقر عمله يطمع أن يكون له هذا الثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى
ونسأل الله أن يوفقنا للخيرات وأن يبعدنا عن الشرور والآثام وأن يحسن لنا الختام ببفضله ومنّه وكرمه وأن يعفو عنّا ويغفر لنا والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.