fbpx

الأربعون النووية – الدرس 28

شارك هذا الدرس مع أحبائك

الشيخ سمير القاضي شرح كتاب الأربعين النووية الحديث الرابع والعشرين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأشكره وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين. كلامنا إن شاء الله يكون على الحديث الرابع والعشرين من الاربعين النووية الشرح: الحديث الرابع والعشرون الشرح: هذا حديثٌ عظيمٌ شريف قال الإمام أحمد: “ليس لأهل الشام أي ليس للأحاديث التي رواها أهل الشام حديثٌ أشرف من هذا الحديث” وراوي هذا الحديث هو سيدنا أبو ذر راويه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هو سيدنا أبو ذرٍ الغِفاري رضي الله عنه والذي رواه عنه هو أبو أدريس الخولاني وكان أبو أدريس رحمه الله إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه لشرف هذا الحديث لا يحدث وهو قاعد أية قِعدة إنما يجثو على ركبتيه ويحدث به وكل رواة هذا الحديث النوويُ روى هذا الحديث عن أبي ذر عن النبي عليه الصلاة والسلام كل رواته دمشقيون من أهل دمشق إلى أبي أدريس وحتى أبو ذر رضي الله عنه فقد دخل دمشق فرواته دمشقيون إلى أبي ذر نعم أمض. اسماعيل حلاق: عن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله عزّ وجلّ. الشرح: فيما يروي عن الله يعني هذا حديثٌ قدسي هذا حديثٌ قدسي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى نعم اسماعيل حلاق: أنه قال يا عبادي الشرح: هذا يا عبادي خطابٌ للثقلين الإنس والجن نعم اسماعيل حلاق: قال إني حرمت الظلم على نفسي الشرح: إني حرمت الظلم على نفسي معناه إني تنزهت عن الظلم أنا منزهٌ عن أن أوصف بالظلم إني حرمت الظلم على نفسي لا يجوز أن أوصف بالظلم أنا منزهٌ عنه. لأن الظلم أحد أمرين إما تجاوز الحد الذي حده من يستحق الأمر والنهي أو التصرف في ملك الغير بغير إذنه وكلا الأمران ربّنا عزّ وجلّ منزه عنهما لا يجوز نسبتهما إلى الله لأن الله ليس له آمرٌ ولا ناه ولأنه يملك كل شيء فلا يوجد ملكٌ لغيره ليس داخلًا تحت ملكه عزّ وجلّ فالله منزهٌ عن الظلم نعم اسماعيل حلاق: قال وجعلته بينكم محرمًا الشرح: يعني جعلت ظلم بعضكم بعضًا حرامًا غير جائز اسماعيل حلاق: فلا تّظالموا الشرح: أي لا يظلم بعضكم بعضا فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة ودعوةُ المظلومِ ليس دونها حجاب حتى لو كان كافرًا فينبغي على الإنسان أن يجتنب الظلم بأنواعه لا يظلم نفسه ولا يظلم غيره لا يظلم نفسه بإتيان معاصي الله تبارك وتعالى ولا يظلم غيره بأكل حقوق غيره وبالاعتداء على الغير بالتصرف مع الغير على الوجه الذي حرمه الله عزّ وجلّ وكما يحرم على الإنسان أن يظلم نفسه أو غيره أيضًا لا يجوز له أن يعين غيره على الظلم لا باليد ولا باللسان ولا بغير ذلك ومن أمثلة ذلك ما يفعله خطباء السوء الذين يخطبون في الناس ويدعون إلى ما يخالف شرع الله تبارك وتعالى وكذلك ما يفعله المدّاحون بالباطل الذين يمدحون الظلمة ويمدحون من أساء وخالف شرع الله عزّ وجلّ وخرج عنه فإن هذا من الإعانة على الظلم نسأل الله أن يحفظنا من مثل ذلك نعم اسماعيل حلاق: قال يا عبادي الشرح: يا عبادي هذا النداء لتشويقهم يا عبادي تشويق لهم حتى يصغوا ما الذي يأتي بعده ولزيادة تنبيههم على أن ما سيذكر بعده عظيم الشأن على أهميته ما بعده فخم نعم أعيد اسماعيل حلاق: قال يا عبادي كلكم ضالٌ الشرح: كل واحد منكم شأنه أن يكون ضالًا إلا من هداه الله قل اسماعيل حلاق: قال يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته الشيخ: كل واحد منكم شأنه أن يكون ضالًا فيختم له على الشقاوة إلا من هداه الله عزّ وجلّ إلا من شاء الله تبارك وتعالى له الهداية وخلقها فيه كما قال ربّنا عزّ وجلّ {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَى} أي لكنه لم يشأ بل شاء أن يكون قسمٌ على الضلالة وقسمٌ على الهدى سبحانه يفعل في ملكه ما يشاء لا يسأل عم يفعل وهم يسألون. اسماعيل حلاق: قال فاستهدوني الشرح: أطلبوا مني الهداية استهدوني اسماعيل حلاق: فاستهدوني أهدكم الشرح: أدلكم على طريق الهداية ألهمكم سلوكها وهذه الطريق ليست إلا شيئًا واحدًا لا تخرج عن شيء واحد وهو طريق نبي الله عليه الصلاة والسلام طريق سيد الاشباح والأرواح حبيب الفتاح سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام اتباع هذه الطريق هو السلامة اتباع هذه الطريق هو النجاة وهذا الاتباع لا يتيسر إلا لمن يعرف هذه الطريق من لا يعرفها كيف يسلكها لا بد أن يعرفها الإنسان ومعرفة هذه الطريق لا تكون إلا بالتعلم كيف يعرفها إذا لم يتعلمها إذًا لابد أن يتعلم الإنسان ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام قدرًا من علم الدين جعله الله تعالى فرضًا على كل مكلفٍ تعلمه يقال له الفرض العيني أو يقال له علم الحال أو يُسمى بغير ذلك من الأسماء هذا المقدار من العلم لا بد أن يتعلمه الإنسان حتى يعرف ما هي طريق النبي عليه الصلاة والسلام حتى يتهيأ له سلوكها بعد ذلك إذا أعانه الله تبارك وتعالى على ذلك أما من لم يتعلم علم الدين كيف يُسلك هذه الطريق ومن أين يعرفها أنّى له أن يسلكها وأنّى له أن يعلمها لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:”من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين” الإنسان الذي أراد الله به خيرًا ييسر له أن يتعلم علم الدين من أهل العلم الأفاضل يتعلم علم الدين فيتفقه في الدين هذه علامةٌ أن الله تبارك وتعالى أراد به خيرًا يُفهم من ذلك أن من لم يرد الله به الخير لا يفقهه في الدين ولا ييسر له هذا السبيل وأمر الله عزّ وجلّ بالدعاء أليس قال فاستهدوني أهدكم مع أن كل شيء يحصل بمشئة الله مع أن من شاء الله تعالى له الهداية يوفقه لفعل الأعمال التي فيها الهداية يوفقه ليتعلم وليعمل ليسلك هذا الطريق لأن في الدعاء إظهار الحاجة والتذلل والعبودية لله تبارك وتعالى. اسماعيل حلاق: قال يا عبادي كلكم جائعٌ الشرح: كل واحد منكم من شأنه أن يكون جائعًا من أول أمره إلى وفاته إلا من اسماعيل حلاق: إلا من أطعمته الشرح: إلا من أطعمه الله سواءٌ أطعمه الله عزّ وجلّ بواسطة الاكتساب بالصنائع ونحو ذلك كما يحصل لأغلب الناس أو بغير واسطة الإكتساب كما يحصل لبعض الخاصة بعض شيوخ شيخنا رحمه الله كان يجد كل يومٍ نفقته تحت وسادته كل يوم يرفع الوسادة يجد نفقته تحت وسادته لكن هذا شيءٌ ييسره الله تعالى لبعض الخاصة لا ييسره الله تعالى لكل الخاصة ولا لكل الناس في كل حال كل إنسان شأنه أنه جائعٌ إلا إذا أطعمه الله تبارك وتعالى إما بواسطة الإكتساب وإما بدون ذلك. اسماعيل حلاق: قال فاستطعموني الشرح: أطلبوا مني الطعام اسماعيل حلاق: فاستطعموني أطعمكم الشرح: أيسره لكم اطلبوا مني الطعام أيسره لكم ولا تُذلوا أنفسكم بالوقوف في طلبهِ على أبواب من لا يملكه على الحقيقة لأن العباد وما يملكون ملكٌ لله العبد على الحقيقة لا يملك هذا الطعام الظلمة والجبابرة الذين يظلمون الناس ويمنعون عنهم حقوقهم ويمسكون عنهم ما يستحقون هؤلاء الظلمة والجبابرة وأمثالهم من يعينهم هؤلاء ليس هم المالكين الحقيقيين لما بأيديهم إنما المالك الحقيقي لكل شيءٍ هو الله وهو الذي يملك قلوب العباد وهو الذي يملك ما بأيدي العباد فيصرف القلوب على ما يشاء ويقلب ما بأيدي العباد على ما يشاء هذا ربّنا عزّ وجلّ هو الذي ينبغي أن يقف الإنسان تعالى ببابه هو الذي ينبغي أن يطلب منه الإنسان وأن يلجأ إليه لأن الله تعالى هو الذي بيده كل شيء فلا ينبغي أن يُذل الإنسان نفسه أمام الجبابرة والعُتاه لأجل طلب الرزق لا ينبغي للإنسان أن يقع في معصية الله لأجل طلب الرزق قد يعصي الإنسان ثم يعصي ثم يعصي ثم لا ينال ما يريد من الرزق وكم من الناس امتنع عن معصية الله فرزقه الله تبارك وتعالى من حيث لا يحتسب كان بعض السلاطين أراد بعض العلماء على كلمةٍ تخالف شرع الله أبى ما كان يرضى أراده عليها أبى وكان هذا العالم له عيالٌ كثيرون يعني كان يُطعم هو أُناسًا كثيرين الذين كان يقوم بإطعامهم أهله كانو كثرة فقال له اقطع عنك ما أُجريه عليك كان يُجري هذا الحاكم عليه جرايةً قال إن لم توافقني اقطع عنك ما أُجريه عليك فقال له هذا العالم قولة الإنسان الواثق المتوكل على ربّه قال له {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} قطع عنه ما يجريه عليه. الليلة نفسها في الليل دق عليه داقٌ الباب فتح الباب قال فإذا إنسان في زي زيات كأنه تاجر زيت أو غير ذلك من التجارة معه كيس قال هذا لك نصرك الله وثبتك كما نصرت الدين ثم ولى الله تعالى يسر له رزقه من حيث لا يحتسب ولم يُذل نفسه أمام ذلك الجبار ولا حرف دين الله ولا قال ما لا يرضي الله تبارك وتعالى وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان واثقًا بربّه معتمدًا عليه لا يبيع دينه بدنيا هي كالجيفة الزائلة. اسماعيل حلاق: قال يا عبادي كلكم عارٍ الشرح: كلكم عارٍ كلكم شأنه أن يكون عاريًا نعم من حين ولادته إلا من اسماعيل حلاق: إلا من كسوته الشرح: إلا من يسر الله تعالى له الكسوة بما خلق عزّ وجلّ وأبدع من طريق الإكتساب أو من غير طريق الإكتساب نعم أسماعيل حلاق: فاستكسوني الشرح: أطلبو الكسوة مني استكسوني أطلبو الكسوة مني أسماعيل حلاق: أكسكم الشرح: اكسكم كما قلنا بواسطة الاكتساب أو بدونه وفي هذه الجمل الثلاث تنبيه للواحد منا على مقدار فقره وعجزه وحاجته إلى الله تبارك وتعالى وأننا لا نقدر إلا على ما أقدرنا الله تعالى عليه وترغيب للعبد في أن يدعو ربّه وأن يتذلل له فإن الله سبحانه وتعالى يحب أن يدعوه عبده وهو سبحانه وتعالى يُعطي بلا حساب نسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء والذي يتفكر أن كل نعمة هي فيه إنما هي من الله في الحقيقة لو وصلته على يد فلان أو فلان الذي يتفكر في ذلك ينبغي له أن لا يتوانا عن شكر الله عزّ وجلّ على نعمه وأن لا يستعمل هذه النعم في معصيته تبارك وتعالى بل أن يشكر الله عزّ وجلّ بالحال وبالمقال على ما أنعم عليه من نعمٍ كثيرة ألهمنا الله تعالى ذلك أمض. اسماعيل حلاق: قال يا عبادي إنكم تُخطئون بالليل والنّهار الشرح: نعم بضم التاء تُخطئون هكذا الرواية إنكم تخطئون اسماعيل حلاق: يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار الشرح: يعني في ساعات الليل كلها يصدر منكم العصيان وفي ساعات النهار كلها يصدر منكم العصيان والليل مع أنه وقت سكون ويقل فيه مخالطة الإنسان لغيره من البشر بحسب ظاهر ذلك ينبغي أن تقل فيه المعصية وأن لا يقبل الإنسان فيه على عصيان الله تبارك وتعالى ولكن ولو كان الليل أبعد عن العصيان لكن لكون كثيرًا من الناس قلوبهم متعلقةٌ بالدنيا لكون كثير من الناس قلوبهم منقادةٌ إلى إتباع الشهوات ولو كانت محرمة فإنهم يعصون الله تعالى في ساعات الليل كما يعصونه في ساعات النهار لذلك بدأ في الحديث بذكر الليل جاء في الحديث ذكر الليل أولاً ليبعد هذا الوهم أن الليل تكون المعصية فيه قليلة أو لا يعصى فيه الله بل طالما وما أكثر أن عُصي ربّنا عزّ وجلّ في ساعات الليل كما عُصي في ساعات النهار يا عبادي الله تعالى يقول يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار تعصونني بالليل والنهار نعم اسماعيل حلاق: وأنا أغفر الذنوب جميعا الشرح: قال ربّنا وهو يغفر الذنوب جميعًا بالتوبة ومن غير التوبة لقسم من الناس بعض الناس يغفر الله تعالى لهم من غير التوبة وبدأ بذكر المغفرة قبل ذكر طلب التوبة منهم وطلب الإستغفار بيانًا لسعة رحمة الله عزّ وجلّ وأن الله كم يعفو عن ذنوبٍ حصلت من الإنسان مع أن الإنسان ما تاب منها. اسماعيل حلاق: قال فاستغفروني الشرح: أطلبوا مني المغفرة استغفروني أطلبوا مني المغفرة نعم اسماعيل حلاق: فاستغفروني أغفر لكم الشرح: أغفر لكم أمحو عنكم ذنوبكم وإن كبرت توبُوا إلى الله توبوا إلي معنى الحديث وأنا أمحو عنكم ذنوبكم مهما كانت كبيرةً وفي حديث الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم” نعم أمض اسماعيل حلاق: قال يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني الشرح: لا لن تستطيعوا ضري مهما فعلتم لن تستطيعوا ضري نعم اسماعيل حلاق: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني الشرح: لأنني غنيٌ عنكم لا أحتاج إليكم إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فعليها فسعوا في خلاصها ليسعى كل منكم في خلاص نفسه أما الله فلا ينضر بواحد منا ولا ينتفع بواحد منا سبحانه الضررُ راجعٌ علينا والنفع راجعٌ إلينا اسماعيل حلاق: قال يا عبادي لو أن أولكم وآخركم الشرح: يعني لو أن كل فردٍ منكم كل واحد من الإنس والجن من أول ما وجد الإنس ومن أول ما وجد الجن إلى وقتكم وإلى ما يأتي بعد ذلك لو أن كل هؤلاء اسماعيل حلاق: وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحدٍ منكم الشرح: لو كانوا كلهم أتقياء مثل أتقى واحدٍ من الإنس والجن على قلب أتقى واحدٍ منهم اسماعيل حلاق: ما زاد ذلك في ملكي شيئا الشرح: كونكم على تلك الحال لا يزيد في ملكي شيئا أنا غنيٌ عنكم هذا معناه أنا غني عنكم أنا لا أحتاجكم اسماعيل حلاق: قال يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحدٍ منكم الشرح: لو كان كل واحد منكم فاجرًا حاله كحال أفجر إنسانٍ بينكم اسماعيل حلاق: ما نقص ذلك من ملكِ شيئا الشرح: لأنني لا أحتاجكم هذا معناه أنتم وما تملكون العوالم كلها ملكٌ لي وأنا غنيٌ عنكم إنما ربّنا عزّ وجلّ يتفضل علينا ويحب أن نسأله فينبغي على المؤمن أن لا يقصر في طاعة ربّه وأن يُقبل على سؤال ربّه وطلب الحاجات منه وأن لا يُذل نفسه بمعصية الله تبارك وتعالى لأجل خاطر أي إنسانٍ من الناس إمض. اسماعيل حلاق: قال يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد. الشرح: يعني لو أن كل واحدٍ منكم قام مع غيره لو أن جميعكم قاموا في مقامٍ واحد في وقتٍ واحد. اسماعيل حلاق: فسألوني الشرح: الصعيد وجه الأرض لكن يراد هنا المراد في صعيد واحد أي في مقامٍ واحد كلهم معًا. اسماعيل حلاق: فسألوني الشرح: فسألوني طلبوا مني وهم في تلك الحال بألسنة مختلفة دواعيهم مختلفة مطالبهم مختلفة. اسماعيل حلاق: فأعطيت كل إنسانٍ مسألته الشرح: ما يطلبه كل واحد أعطيته حاجته وطلبه اسماعيل حلاق: ما نقص ذلك مما عندي الشرح: كل هذا العطاء ما كان ينقص من خزائن الرحمة التي في أمري والتي في حكمي وتدبري يعني هذا لا يمنعني من أن أوجد ما أريد بعد ذلك على حسب علمي ومشيئتي الأزليين. اسماعيل حلاق: إلا كما ينقص المخْيط إذا أدخل البحر الشرح: يعني لا ينقصها شيئا هذا معناه لأن المخيط أي الإبرة إذا أدخلت البحر الإبرة ثم أُخرجت لا تنقص من البحر في رأي العين شيئا أي فلا يُنقص كل هذا الطلب وكل هذا العطاء لا ينقص من خزائن رحمتي شيئا هذا تمثيل تمثيلٌ بالشيء المحسوس لتقريبه إلى الفهم نعم لتقريب المعنى إلى الفهم وفي الحديث تنبيه الخلق على أن لا يختصر في المسأله لا يختصر في الطلب على أن يوسعوا ويعظموا السؤال الطلب من الله تبارك وتعالى وأن لا يختصر الطالب فإنما عند الله تبارك وتعالى لا ينقص وخزائن الله تبارك وتعالى لا تنفد وما عند الله لا يغيضه الإنفاق فينبغي على الإنسان أن يعظم في الطلب أن يطلب ما يشاء متذللا لله أن يطلب ما يريد وهو في حال التذلل والتعظيم الواجبين لله تبارك وتعالى نعم اسماعيل حلاق: قال يا عبادي إنما هي أعمالكم الشرح: أنا أحكم عليكم يا عبادي بحسب أعمالكم هذا معناه على حسب ما تعملون أعمالكم أحصيها بعلمي وأحفظها عليكم ويكتبها ملائكتي اسماعيل حلاق: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها الشرح: ثم أجازيكم عليها اسماعيل حلاق: فمن عمل خيرًا الشرح: من عمل ما يثاب عليه اسماعيل حلاق: فليحمد الله الشرح: ليحمد الله على أن وفقه لطاعته فإن هذا بتوفق الله ورحمته كما يقول أهل الجنة الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله هذا الخير الذي نحن وصلنا إليه إنما هو لأن الله هدانا لأن الله شاء لنا أن نكون على هذا الهدى هذه رحمة من الله وهكذا كل خيرٍ يفعله الإنسان إنما هو بتوفيق الله عزّ وجلّ وبرحمته سبحانه وتعالى ويثيبه الله عزّ وجلّ عليه بفضله نعم. اسماعيل حلاق: ومن وجد غير ذلك الشرح: من وجد غير ذلك غير الخير الحرام المكروه المباح الذي لا ثواب فيه وإن لم يكن فيه عقاب. اسماعيل حلاق: فلا يلومن إلا نفسه الشرح: لا يلومن إلا نفسه على ما وقع فيه من معصيه أو على ما ضيع فيه وقته وعمره وأنفاسه من مكروهٍ أو مباح لا يلومن إلا نفسه كما قال ربّنا عزّ وجلّ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} معناه هذا بسبب معاصيكم الله تبارك وتعالى أصابكم بهذه البلايا كما قال العباس رضي الله عنه (اللهم إنه لا ينزل بلاءٌ إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبه) معناه البلاء العام إنما ينزل بالذنوب كما هو حالنا في هذه الأيام بهذه البلايا التي تنزل علينا بلاءً بعد بلاء تترة إنما نزولها بسبب ذنوب العباد ورفعها طريقه التوبة إلى الله تبارك وتعالى الأمور لها أسبابٌ ظاهرة ولها أسبابٌ خفية والسببُ الخفي لرفعها هذه البلايا هو التوبة إلى الله كما أن السبب الخفي لنزول هذه البلايا هو عموم المعصية معصية الله تبارك وتعالى لأجل ذلك جاء في الحديث ما قعد قومٌ مقعدًا لم يذكر الله ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان حسرةً عليهم يوم القيامة وفي بعض الروايات وإن دخلوا الجنة لأنهم يتحسرون يوم القيامة كيف ضيعنا هذا الوقت في غير طاعة الله تبارك وتعالى حتى لو لم يكن في فعلهم معصية حتى لو لم يكن في فعلهم إثم وقال الأوزاعيُ الإمام الأوزاعيُ رضي الله تعالى عنه: “ما من ساعةٍ أو ليس ساعةٌ من ساعات الدنيا إلا وهي معروضةٌ على العبد يوم القيامة فالساعة التي لا يذكر الله تبارك وتعالى فيها تتقطع نفسه عليها حسرات فكيف إذا مرت به ساعةٌ مع ساعة ويومٌ مع يوم وليلةٌ مع ليلة” ولذلك قال الشاعر: زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران وفي الحديث تنبيهٌ على قدر الأعمال وعلى أن الأعمال والإقبال على الأعمال الصالحة من الأمور المهمة التي لا ينبغي أن يهملها الإنسان وكم من الناس يرجو الجنة بلا عمل طاعة ويلتمس الراحة الأُخروية مع الإقامة على الحوبة من دون توبة. العنب لا يجتنى من الشوك أكل الحنظل يورثُ المرارة ولا يورث الحلاوة ومن زرع المعصية حصد الخسران ومن زرع الشر حصد الندامة ومن اتخذ السفينة مركبًا على اليابسة لم يوصله ذلك إلى المقصود ما بال دينك ترضى أن تدنسه وثوب دنياك مغسولٌ من الدنس ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس وأما من أستقام على طاعة الله فلا يخيبه الله عزّ وجل ّكما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ} ومن لزم الباب أوشك أن يفتح له ومن أنصرف عن الباب فُتح في غيابه وفاته الولوج عند فتحه اسماعيل حلاق: رواه مسلم الشرح: هذا الحديث رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.