fbpx

الأربعون النووية – الدرس 10

شارك هذا الدرس مع أحبائك

شرح الأربعين النووية قال الشيخ سمير القاضي رحمه الله الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات ربي وسلامه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الله أسأل أن يوفقني ويوفقكم لما يحبه ويرضاه وأن يجعل نياتنا خالصة لوجهه كلامنا إن شاء الله سيكون على سادس الأحاديث من الأربعين النووية قال المؤلف: الحديث السادس عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما الشرح: قال رضي الله عنهما لأن النعمان ووالده صحابيان والنعمان أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة كما أن عبد الله بن الزبير أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة قدم الشام وعاش مدة من حياته في معرة النعمان ودفن فيها أحد أولاده ولهذا نسبت إليه لهذا سميت معرة النعمان نسبة إليه توفي في قرية من قرى حمص سنة أربع وستين للهجرة وهذا الحديث لم يسمعه هو فقط من النبي عليه الصلاة والسلام بل سمعه غيره سبعة من الصحابة من نبي الله صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الحلال بيّن الشرح: إن الحلال بيّن يعني أن الحلال الظاهر المنصوص على حله الواضح الذي لا يختلف في حله هذا ظاهر بيّن جلي واضح ليس خفيًا كجواز أكل الطيبات من الزروع والثمار والأنعام كلبس ما يحتاج إليه من القطن والكتان والشعر والصوف كالزواج والبيع والشراء على الوجه الذي أحله الشرع إلى آخره. قال رسول الله: وإن الحرام بيّن الشرح: وكذلك الحرام المحض المنصوص على حرمته أو الذي كأنه نُص على حرمته من وضوحه هذا واضح بيّن معلوم لكل أحد جلي لا خفاء فيه يعني هناك أمور واضح لكل أحد أنها حلال وهناك أمور واضح لكل أحد أنها حرام ليس في حل الأمور الأولى خفاء ولا في حرمة الأمور الثانية خفاء. قال رسول الله: وبينهما مشتبهات الشرح: وبين الاثنين بين الحلال الجلي والحرام الجلي هناك أمور مشتبهات تتجاذبها الأدلة ما نُص في الشرع نصًا واضحًا جليًا على حكمها هي حرام أو هي حلال من جهة هناك في الشرع ما يُقرب أنها حلال من جهة ثانية هناك في الشرع ما يُقرب أنها حرام مثل هذه الأمور يقال عنها مشتبهة مثل أكل القنفذ هل يجوز أو لا يجوز بيع الحديد بالحديد مع عدم التساوي في الوزن هل يجوز أو لا يجوز وغير ذلك من الأحكام مما أُخذ من عموم أو مفهوم أو قياس اختلفت أفهام العلماء في كل منها. كذلك ما اختلف هل النص دال فيه على الوجوب أو دال على الاستحباب أو اختلف هل النص دال فيه على التحريم أو دال على كراهة التنزيه أو تردد هذا الشيء بين أصول تتجاذبه كقول الرجل مثلا لامرأته أنت حرام عليّ هذا متردد بين تحريم الظهار فيه شبه من تحريم الظهار وفيه شبه من الطلاق طلقة واحدة وفيه شبه من الطلاق بالثلاث فيتردد بين هذه الأمور الثلاث فلا يكون حكمه واضحًا مثل هذه الأشياء يقال لها أمور مشتبهات وإذا قلنا لا يكون حكمه واضحًا هذا بالنسبة لمن كان مثلي أما المجتهدون فإنه لا بد أن يجتهد بعض منهم واحد أو أكثر بحيث يوافق حكمه الحكم عند الله تبارك وتعالى لأنه إذا لم يحصل ذلك يكون الحق مهجورًا تكون الأمة كلها أجمعت على باطل وهذا لا يكون هذا لا يحصل هذا مستحيل إذًا لا بد أن بعض المجتهدين يعرفون حكمه على الوجه يصلون إلى حكمه على الوجه على ما هو الحكم عند الله تبارك وتعالى لكن بالنسبة لغير هؤلاء هذه أمور تعد مشتبهة. قال رسول الله: لا يعلمهن الشرح: لا يعرف حكمهن على ما هو عليه قال رسول الله: كثير من الناس الشرح: على ما هو عليه في نفس الأمر على ما هو عليه عند الله لا يعرف حكمهن كثير من الناس أكثر الناس لا يعرفون حكمها إلا كما قلنا بعض المجتهدين فلا بد أن يوافق قول بعضهم حكمها في نفس الأمر وما عند الله. قال رسول الله: فمن اتقى الشُّبهات استبرأ لدينه وعِرضه الشرح: إذا كان الأمر كذلك أن هناك أمورًا مشتبهة من اتقى الشُّبهات من ابتعد عن هذه الشُّبهات من لم يقربها فقد استبرأ لدينه وعِرضه ضمن سلامة دينه وسلامة عِرضه ضمن عدم الوقوع في الحرام صان بذلك دينه وصان عِرضه عن أن يُتهم ويوقع فيه لأن الإنسان إذا اقترب من الأمور المشتبهة الناس يقعون فيه يقولون يواقع المحرمات الواضحة والعِرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه يعني العرض هو ما يرتفع بذكره بين الناس أو ينخفض وبعبارة أخرى الشيء الذي من أجله يُذم أو يُحمد هذا هو العِرض عرض الإنسان. قال رسول الله: ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام الشرح: من تعاطى الشبهات ليس لأنه قلد إمامًا مجتهدًا لأ إنما وقع في الأمر الذي هو ما زال مشتبهًا عنده من غير أن يقلد مجتهدًا من المجتهدين فيه. من وقع في الشبهات قال رسول الله: وقع في الحرام الشرح: أفضى به الحال إلى الوقوع في الأخير في الحرام المنصوص على حرمته المتفق على حرمته لأنه مرة بعد مرة يتجرأ يواقع الشيء المشتبه فيجرئه على مثله يجرئه على مثله يضعف حاله تضعف صيانته لدينه حتى يقع بعد ذلك حتى في الحرام المنصوص على حرمته والمطلوب من الإنسان أنه إذا عرف حكم هذا الأمر في الدين أنه جائز يجوز له فعله إذا عرف أن مجتهدًا من المجتهدين قال بجوازه وقلد هذا المجتهد يجوز له فعله أما إذا لم يعلم حكمه في الدين لا يجوز له الإقدام عليه لا يجوز للشخص أن يدخل في شيء حتى يعلم ما أحل الله منه وما حرم ليس أنه يقول أنا لا أعرف حكم هذا الأمر لا أعرف أنه حرام إذًا أفعله. لأ. لا أعرف ما حكمه إذًا لا أقترب منه أبتعد منه لأنه لا يجوز أن يدخل الإنسان في شيء حتى يعلم ما أحل الله منه وما حرم وفي رواية عند البخاري ومسلم لهذا الحديث: {ومن اجترأ على ما يُشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان} يعني الذي يتجرأ أن يفعل ما يشك هل هو حرام أو لا بعد مدة صار قريبًا من أن يفعل الحرام الظاهر أنه حرام الذي يعلم أنه حرام لأن الإنسان بمواقعة الشبهة بعد الشبهة المرة بعد المرة يُظلم عليه قلبه وإذا أظلم عليه قلبه تجرّأ على المحرمات الواضحة والعياذ بالله تعالى. وأنت ترى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: وبينهما أمور مشتبهات ثم قال ومن وقع في الشبهات لاحظ أنه عليه الصلاة والسلام استعمل جمع المؤنث السالم والجمع السالم في الأصل يدل على القلة معناه إذا واقع الأمور المشتبهة لو مرات قليلة فإن هذا يؤثر في قلبه فيوشك أن يقع في الحرام الظاهر معنى هذا أن يبتعد الإنسان عن الأمور المشتبهة حتى يعلم حكم الله تعالى في هذا الأمر فإذا عرف أنه جائز فعله إن أراد وإذا عرف أنه حرام تركه ولم يقربه. ومن هنا يعلم أنه لا يجوز أن يتتبع الإنسان رخص العلماء رخص المجتهدين من غير أن يكون عارفًا بشروطهم وما قالوه وما شرطوه في هذا يعني أحيانًا بعض الناس يقول أنا آخذ في هذا الأمر بمذهب مالك مذهب مالك أسهل في هذا ولكن لا يكون عارفًا ماذا يقول مالك من الشروط في هذا الأمر ما الذي ينبغي أن يفعله حتى يجوز له أن يأخذ بمذهب مالك في هذا الأمر هذا ليس له أن يدخل في هذا الأمر حتى يعلم ذلك. قال رسول الله: كالراعي يرعى حول الحمى الشرح: مثل الراعي يرعى بغنمه أو بإبله بمواشيه قريبًا من حدود الحمى قريبًا من حدود الأرض التي مُنع الناس من رعاية مواشيهم فيها فإنه إذا رعى قريبًا منها فإنها ما أسرع أن تدخل إليها فتقع عليه العقوبة وهكذا إذا أتى الأمور المشتبهات فإنه سريعًا ما يقع في الحرام المنصوص على حرمته يعرض نفسه لعقوبة الله تبارك وتعالى. قال رسول الله: يوشك أن يرتع فيه الشرح: يُسرع يقرب يوشك يسرع يقرب أن يرعى ماشيته فيه لأنه تساهل في المحافظة وتجرأ على المقاربة تساهل في الابتعاد عن حدود الحمى وتجرأ على المقاربة إليه فيدخل الحمى فتقع عليه العقوبة قال رسول الله: ألا الشرح: ألا هذا للتنبيه حرف تنبيه ألا انتبه هذا إشارة إلى أن ما يدخله هذا الحرف يستحق أن ينتبه المخاطب إليه أن يتفهمه جيدًا. قال رسول الله: ألا وإن لكل ملك حمى الشرح: هذه كانت عادة ملوك العرب في الجاهلية الملك منهم يكون له قطعة أرض حمى لا يرعى أحد فيها مواشيه خاصة به تكون له لا يرعى غيره فيها مواشيه ألا وإن لكل ملك حمى. قال رسول الله: ألا وإن حمى الله تعالى محارمه الشرح: هذه الأرض التي حماها الملك إذا رعى فيها الإنسان إذا تعدى حدودها فدخلها الإنسان تقع عليه عقوبة هذا الملك. والله تبارك وتعالى له حمى الله تعالى هناك أمورًا منعنا من اقترابها وهي المحرمات محارمه المحرمات التي منعنا ربّنا تبارك وتعالى من مقارفتها نعم أليس قال: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} هذه المحرمات التي حرمها الله إيّاكم أن تقعوا فيها يعني ولا تحوموا حولها حتى لا تقعوا فيها لا تقربوا منها حتى لا تقعوا فيها ولذلك كان ديدن أهل الفضل وأهل الولاية الورع الشيء المشكوك فيه يبتعدون عنه ولا يقتربون منه يتورعون عنه حفاظًا على دينهم وكان ديدن أهل الفجور والتساهل خلاف ذلك من كان من أهل الفجور والفسق لا يبالي يقترب ويقع في المحرمات ولا يبالي وفرق كبير عظيم بين هذا وبين هذا. يروى عن أبي إسحاق الشيرازي رحمه الله الفقيه الشافعي المعروف الكبير كان نائمًا في المسجد كان معه دينار في خلال نومه وقع منه الدينار في المسجد قام خرج من المسجد تفقد جيبه ما وجد الدينار رجع إلى المسجد وجده في نفس المحل أراد أن يأخذه ثم قال لعل هذا وقع من غيري ما يدريني لعله ليس ديناري فتركه وذهب وليس هذا إلا من باب الورع إلا من باب الخوف والابتعاد عن مثل هذه الأمور أو أحيانًا الابتعاد عن الحلال حتى يدرب نفسه فلا يقع في الحرام قال رسول الله : ألا وإن في الجسد مضغة الشرح: تنبه ألا للتنبيه في الجسد مضغة قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغ قال رسول الله: إذا صلحت صلح الجسد كله الشرح: إذا صلحت صلح كل أعضاء الجسد الأذن والعين والفم واللسان والرجل والبطن والفرج كلها صلحت هذه المضغة هي القلب إذا صلح القلب صلحت هذه الجوارح إذا فسد القلب فسدت هذه الجوارح لأن القلب هو أميرها فهي لا تتصرف إلا عن أمره فإذا كان فاسدًا تصرفت فيما لا يحل وإذا كان القلب صالحا تصرفت فيما يحل. قال رسول الله: وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب الشرح: سمي القلب بذلك لكثرة الخواطر التي ترد عليه وسرعة تقلبها ما سمي القلب إلا لتقلبه لأجل تقلبه سمي القلب وجعل الله تعالى العقل فيه اختصه بأن جعل العقل فيه وشرّف بهذا الإنسان على البهائم أنه جعل سبحانه وتعالى فيه عقلا محله القلب نعم الدماغ له علاقة بالعقل لكن محل العقل القلب والدماغ له علاقة قد يضعف الدماغ فيضعف العقل لكن محل العقل ومقره هو القلب. كما قال الله تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} سورة الحج قال { قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} فدل هذا على أن محل العقل هو القلب إذا فهمت ذلك وظهر لك معنى الحديث ووقر في نفسك أن القلب هو أمير الجوارح وأنها لا تصدر إلا عن أمره فعليك أن تراعي إصلاح قلبك على الإنسان منّا أن يراعي إصلاح قلبه أن يهتم بإصلاح قلبه بالعلم بالصلاة بالبكاء بالدعاء بالتضرع بالصدقة بترك المحرمات عليه أن يرُاعي إصلاح قلبه بأكل الحلال أن لا يُدخل إلى مطعمه الحرام والعياذ بالله فإن هذا يؤثر كثيرًا في القلب والأصل الأصل الأساس لهذا كله أداء الواجبات واجتناب المحرمات نسأل الله تعالى أن يوفقنا لذلك. وقد حلت في زماننا هذا مصيبة عظيمة وبلية كبيرة أليس قلنا ينبغي أن يهتم بمكسبه مطعمه أن يكون حلالا في زماننا هذا صار أصعب بكثير من الأزمان الماضية أن تجد الحلال الذي لا شبهة فيه لماذا لأنه في زماننا انتشرت المعاملات البنكية انتشرت البنوك في أنحاء الأرض وانتشرت المعاملات الربوية وصارت المعاملة بالبنوك حتى من الدول الدول لها بنوك تتعامل بها كما أن الأفراد لهم بنوك يتعاملون بها وصار كثير من المعاملات التجارية إنما يمر من طريق هذه البنوك لذلك قل الحلال الصِرف في أيامنا عما كان قبل وهذا سبب من أسباب قلة التقوى بالنسبة إلى الأزمان الماضية وذلك لأن بعض الناس يتوسعون في هذا المال ولا يكتفون بقدر الضرورة أو الحاجة إنما يتوسعون كثيرًا في الملذات والصرف في هذا المال وكثير منهم يصرفونه فيما حرم الله نعوذ بالله من ذلك فلا عجب بعد ذلك أن تقل التقوى وتخف البركة وتنتشر المظالم وتعم المصائب والبلايا وكيف يكون إذا هذا الحال بالعموم وفوق هذا مما زاد الطين بِلة أن كثيرًا من الناس يتعاطون الوظائف الدينية طمعًا بالمال الذي هو حرام صِرف والعياذ بالله تعالى. نسأل عزّ وجلّ أن يحفظنا من مثل ذلك. نسأل الله أن يوفقنا للبعد عن المحرمات الظاهرة وأن يوفقنا للبعد عن الأمور المشتبهة وأن يوفقنا لفعل الطاعات ولأداء الواجبات إنه سميع قريب وسبحان ربّك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين والحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.