شرح الأربعين النووية شرح الحديث الرابع عشر
قا الشيخ سمير القاضي حفظه الله
الحمد لله تعالى أحمده وأستعينه واستغفره وأستهديه وأشكره والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين.
كلامنا إن شاء الله يكون على الحديث الرابع عشر من الأربعين النووية
قال المؤلف: الحديث الرابع عشر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرىء مسلم
الشرح: لا يحل دم امرىء مسلم أي لا يحل إراقة دم امرىء مسلم أي لا يحل قتل مسلم أي يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله
قال رسول الله: إلا بإحدى ثلاث
الشرح: لا يجوز أن يقتل المسلم إلا بأمر من ثلاث أمور ثلاث خصال لا يقتل بسبب من الأسباب إلا بواحد من هذه الثلاثة
قال رسول الله: الثيب الزاني
الشرح: الثيب الزاني المراد به الثيب المحصن إذا زنا المحصن هو المكلف الحر الذي جامع في نكاح صحيح المكلف ليس الصبي ولا المجنون الحر ليس العبد الذي جامع في نكاح صحيح كان تزوج زواجًا صحيحًا وجامع زوجته في هذا الزواج إذا زنا بعد ذلك فإن حده أنه يُقتل الثيب الزاني وطريقة قتله الرجم وهذا الرجم إنما ينفذه به الحاكم الحاكم يأمر به ليس آحاد المسلمين يقيم عليه الحد إنما الذي يقيمه الحاكم وهذا أي الرجم عقوبة للزاني المحصن أجمع عليها العلماء ولم يختلفوا فيها وكان في السابق فيها قرءان يتلى ثم نسخت تلاوة هذا الذي كان يُتلى في الزاني الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة هذا كان يُتلى في القرءان ثم نسخ الله تلاوته وبقي حكمه ما عاد يُتلى على أنه من القرءان لكن بقي حكمه وقد رجم الرسول عليه الصلاة والسلام ورجم الخلفاء الراشدون بعده ومن بعدهم السلاطين على توالي العصور بلا إنكار من أحد منهم فنضاف الإجماع العملي مع الإجماع القولي بشأن الرجم هذا مع النصوص الصريحة الواردة فيه لذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إيّاكم أن تهلكوا عن ءاية الرجم إيّاكم أن تضلوا عن هذه الآية التي نسخت التي نُسخ تلاوتها أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله إياكم أن يقول قائل نحن نجد حد الزاني الجلد لا نجد الرجم في القرءان يقول عمر لأن النبي عليه الصلاة والسلام رجم ونحن رجمنا ولم يُنسخ من الآية إلا تلاوتها وأما حكمها فبقي ثابتًا ولولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها يعني لولا أن يظن الناس لولا أن يقول الناس عمر زاد في كتب الله كنت كتبتها على حاشية المصحف.
وهذا الزنا الذي يوجب الحد هو إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في فرج لا ما دون ذلك يعني إذا حصل تقبيل حصل مفاخذة حصل ضم لكن لم يحصل دخول الحشفة في الفرج فليس هذا هو الزنا الذي يوجب الحد لا يوجب ذلك الجلد إذا لم يكن الإنسان محصنًا ولا الرجم إذا كان محصنًا.
وذلك إما أن يُقر به الزاني نفسه يقول أنا زنيت فيقام عليه الحد أو يشهد أربعة عدول أنهم رأوا هذا الفعل منه رأوا الذكر في الفرج كالميل في المكحلة إذا شهدوا بذلك عند ذلك يقام الحد على الزاني.
قال رسول الله: والنفس بالنفس
الشرح: أي قاتل النفس يقتل قِصاصًا إذا لم يعف عنه أهل القتيل ولا يجوز أن يقتله إلا ولي الدم لا يجوز أن يقوم غيره بقتله لأن الله تبارك وتعالى قال:{فقد جعلنا لوليه سلطانًا} لا لغيره معنى ذلك إنسان قتل رجلا وأولاده كبار أولاده هم أولياء الدم لا يجوز لابن عمه أن يقتل القاتل إنما الذي يقول نريد أن يُقتل القاتل أو نعف عنه هم أولياء الدم السلطان في هذا جُعل لهم لا لغيرهم.
قال رسول الله: والتارك لدينه المفارق للجماعة
الشرح: الأمر الثالث الذي يقتل به الإنسان هو الذي ارتد عن الإسلام الخليفة يقيم عليه الحد فيقتله بالردة سواء كانت ردته وخروجه عن الدين بالكلام أو بالاعتقاد أو بالفعل وذلك لأن الخروج عن الإسلام أحيانًا يكون باعتقاد مثلا يعتقد الشخص بقلبه أن الله غير قادر أو غير عالم أو أن القرءان باطل أو أن محمدًا عليه الصلاة والسلام كاذب نعوذ بالله من ذلك أو يعتقد بقلبه أن الله يشبه المخلوقين أنّ الله جسم له طول وعرض وشكل أو يعتقد أن الله تبارك وتعالى ليس متصفًا بصفات ليس حيًا ليس قادرًا ليس سميعًا ليس بصيرًا ليس عالما أو يعتقد أن غير الله يخلق كما أن الله يخلق وأن الإنسان هو يخلق فعله ليس الله تعالى هو الخالق وأن مشيئة الإنسان تتنفذ غصبًا عن مشيئة الله لو شاء الله خلاف ذلك تنفذ مشيئة الإنسان ولا تنفذ مشيئة الله من اعتقد عقيدة من أمثال هذه العقائد إذا كان مسلمًا ثم اعتقدها صار كافرًا خارجًا عن الإسلام ولو لم يتكلم بذلك ولو لم يفعل فعلا بجوارحه.
النوع الثاني أن يفعل بالجوارح شيئًا يكون كفرًا وذلك كأن يسجد لصنم والصنم هو ما يعبد من دون الله الصورة التي يعبدها الكفار إذا سجد لها لو قال أنا في قلبي أعظم الله لا أرى لهذا الصنم منزلة إذا سجد لصنم أو لشمس أو للقمر أو لنار أو للشيطان فإنه يكفر بذلك إذا رمى المصحف بالزبالة وهو يعرف أنه مصحف إذا رأى اسم الله تبارك وتعالى فداس عليه عمدًا والعياذ بالله تعالى إذا كان في يده ورقة فيها بسم الله الرحمن الرحيم رماها في الزبالة أو ما شابه ذلك هذا يكون كفرًا بالجوارح.
النوع الثالث كفر باللسان: وهو كأن يسب الله أو الإسلام أو الكعبة أو يسب نبيًا من الأنبياء أو يستخف به أو يستخف بدين الإسلام أو يستخف بالجنة أو يستخف بالصلاة أو يستخف بالصيام أو يستخف بالحج يستهزأ بهذا كله وما شابه ذلك.
كل نوع من هذه الأنواع يكفي وحده ليُخرج الإنسان من الإسلام ولا يشترط أن ينضم إليه نوع آخر فإذا وقع الإنسان في أي نوع من هذه الأنواع فؤخذ إلى الحاكم أؤخذ إلى القاضي إلى الخليفة فاعترف أنه حصل منه فيقول له ارجع إلى الإسلام فإن رجع إلى الإسلام أعفاه من القتل إن لم يرجع إلى الإسلام قتله سواء كان ذكرًا أو أنثى.
وكذلك إذا شهد عليه اثنان عدلان أنه تكلم بكلمة كذا من الكفر مثلا أو فعل فعل كذا من الكفر فإن الحاكم يطالبه بالرجوع إلى الإسلام إذا رجع فذاك الأمر إن لم يرجع فإن الحاكم يقتله عند ذلك.
وكما قلنا هذا في الرجل والمرأة ولكن في بعض المذاهب يكون هذا الحكم في الرجل فقط لا في المرأة يعني في بعض المذاهب المرأة إذا ارتدت لا تقتل لكن تحبس ويضيق عليها حتى ترجع إلى الإسلام أما في مذاهب أخرى كما مذهب الشافعي رضي الله عنه فأن الرجل والمرأة كليهما إذا حصل من أي منهما كفر بعد أن كان مسلمًا يؤمر بالرجوع إلى الإسلام إن رجع فذاك الأمر وإلا قتل قتله الخليفة حفظًا لنظام الدين حفظًا لنظام الأمة يقتل بالردة.
وقد يفهم إنسان من الحديث المتقدم أنه لا يوجد شىء آخر غير الذي تقدم يقتل به المسلم وليس كذلك بل يوجد بعض الأمور التي تلحق بهذه الأمور الثلاثة دلت عليه الآيات والأحاديث مثلا الذي يترك الصلاة المفروضة يقول له الخليفة صل على ترتيب معين على هيئة معينة ذكرها الفقهاء بعد وقت معين إذا لم يصل يقتله الخليفة بتركه للصلاة هذا مذهب الشافعي وهذا أيضًا فيه خلاف بين الأئمة الشافعي رضي الله عنه يقول يقتل بترك الصلاة الإمام أبو حنيفة يقول لا يقتل يُحبس ويُنخس ينخس حتى يقوم فيصلي.
والخلاف بين هؤلاء الأئمة في بعض الأمور رحمة للأمة الله تعالى يرضى عنهم ويجزيهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
والمعنى في قتل المرتد أن في تركه على الردة مع إصراره عليها خللا لنظام عقد الإسلام فوجب قتله حفظًا للأحكام والان في أيامنا بعض الناس يعيب على شرع الإسلام هذا الحكم الذي لا ينفذه آحاد الأفراد إنما ينفذه الخليفة يكون هذا بأمر الخليفة قتل المرتد على كل حال يعيبون هذا وهم يقتلون الإنسان بما هو دون الردة وبما هو أقل من الكفر بكثير لأنهم يعتبرون أن هذا فيه خلل فيه إخلال بالنظام العام نسأل الله ان يحفظنا وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
قال المؤلف: رواه البخاري ومسلم
الشرح: وغيرهما هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.