fbpx

الأربعون النووية – الدرس 19

شارك هذا الدرس مع أحبائك

شرح الأربعين النووية الحديث الخامس عشر قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. كلامنا يكون إن شاء الله عن الحديث الخامس عشر من الأربعين النووية قال المؤلف الحديث الخامس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من كانت يؤمن بالله واليوم بالآخر الشرح: من كان يؤمن أي إيمانًا كاملا بالله أي وبرسوله صلى الله عليه وسلم واليوم الآخر خصه النبي عليه الصلاة والسلام بالذكر ما قال مثلا والملائكة والكتب والأنبياء قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر خصه عليه الصلاة والسلام بالذكر لأن من آمن باليوم الآخر رجى الثواب فاقدم على فعل الخيرات وخاف العقاب فارتدع عن المعاصي وتركها بخلاف من لم يؤمن به. قال رسول الله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت الشرح: ليقل خيرًا ينتفع به يعني أو ليصمت بعض العلماء قال جماع أبواب الخير ما يجمعها ما يجمع أبواب الخير يتفرع من أربعة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم:”من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرًا أو ليصمت” هذا الحديث المتكلم إذا أراد أن يتكلم فلينظر إن كان ما يتكلم به خيرًا محققًا يثاب عليه فليقدم وليتكلم وإلا فليمسك عن الكلام إن لم تظهر له فيه فائدة عاجلة أو آجلة سواء ظهر أن هذا الكلام مكروه حرام أو ظهر أنه مكروه أو ظهر أنه مباح حتى ولو كان الكلام مباح إن لم يكن خير في هذا الكلام فينبغي أن يصمت الإنسان عنه وان يتركه مخافة أن ينجر بهذا الكلام إلى محرم أو مكروه وما أكثر ما يقع ذلك وقد قال ربّنا تبارك وتعالى:{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} وجاء في الحديث كما سبق وذكرنا من “صمت نجا”وذلك لما في الكلام من كثير من الآفات ولذلك جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إنك لم تزل سالمًا ما سكت فإذا تكلمت كُتب لك أو عليك”. وقوله عليه الصلاة والسلام: “فليقل خيرًا أو ليصمت” يدل على أن قول الخير خير من الصمت وأن الصمت خير من التكلم بما لا خير فيه ومن قول الخير الإبلاغ عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليم المسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس وأن يقول للناس حُسنًا ومن أفضل الكلمات التي تقال كلمة حق عند من يُخاف ويُرجى عند الإنسان الذي يُخشى من عقوبته وتُرجى نعمته الذي يقول الحق في ثبات وسداد عند مثل هذا الإنسان فكلامه من خير الكلام حتى جاء في حديث أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” أي هذا في بعض المواضع في بعض الأحوال يكون أفضل الجهاد كلمة حق تقال عن سلطان جائر تخشى عقوبته ومن هذا الباب قال أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى: “الساكت عن الحق شيطان أخرس” فلا شك أن الكلام في مثل هذا الموضع خير من الصمت بالكلام تظهر الفوائد بالكلام ينتشر الحق بالكلام يُحذر من الباطل بالكلام يُعلم العلم بالكلام يُرشد الناس إلى الخير فالكلام في موضعه من أنفس الخصال وأنفع الشمائل كيف لا وربّنا تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا} أي إذا كان المتكلم محقًا صادقًا واعتقد أن في الكلام نفعًا علم أنه تتحقق بالكلام مصلحة له أو لغيره أي ما يعد مصلحة في الشرع ليس أن يتحقق بالكلام مجرد مآرب له أو لغيره لا إنما ما يعد مصلحة في حكم الشرع وإذا كان كلامه خاليًا عن علة الرياء يقوله لوجه الله ليس طلبًا لمحمدة الناس خاليا عن العجب والرياء وطلب السمعة والاستعلاء على الآخرين وإذا كان الكلام خاليًا عن التلبيس أحيانًا يتكلم الإنسان بكلام يحتمل وجوهًا عدة معاني يتعمد أن يتكلم بذلك حتى يوهم الحاضرين كل واحد ما تميل إليه نفسه فهذا ليس من النصيحة ولا هو من طريق المتقين فإذا لم يكن المتكلم على هذا المنهج فالسكوت خير له ثم خير له. إذا كان المتكلم يريد بكلامه غير وجه الله إذا كان المتكلم يريد السمعة يريد الرياء إذا كان المتكلم يريد المخادعة فالسكوت خير له ثم خير له. ولذلك كان طول السكوت شأن العارفين ومنهاج الصالحين لأنهم لا يتكلمون إلا بما يرجون منفعته فما كانوا لا يرجون منفعته خزنه ولم يخرجوه على ألسنتهم وهذا الأمر يحتاج إلى تدريب وذلك لأن النفس تميل إلى الكلام شهوة الكلام من أقوى الشهوات التي هي عند الإنسان لذلك ينبغي على المسلم أن يدرب نفسه أن يكثر الصمت إلا من خير روى أبو نُعيم في الحلية عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه قال:”لا حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان على العباد” يعني عند أغلب الناس هذا شاق عليهم أشق عليهم من المشقة التي يجدونها في الحج ومن المشقة التي يجدونها في الرباط ومن المشقة التي يجدونها في الجهاد ترى الإنسان يبذل المشقة في الحج لكن لا يبذل الجهد لإمساك لسانه تراه يبذل الجهد ويتحمل المشقة في الجهاد لكن لا يبذل الجهد في إمساك لسانه تراه يبذل الجهد في الرباط لكن لا يبذل الجهد في إمساك لسانه. روى أبو نُعيم عن بشر الحافي أنه قال يرشد الإنسان كيف يفعل في هذا الأمر قال:” إذا أعجبك أن تتكلم فاسكت وإذا أعجبك أن تسكت فتكلم “يعني إذا وجدت أن نفسك تميل إلى الكلام أن شهوة نفسك هي التي تحركك إلى الكلام ليس قصدك الخير ليس قصد الخير هو الذي يحركك إنما تحركك شهوة نفسك لتتكلم فاسكت وإذا وجدت أن شهوة نفسك تحركك لتسكت فتكلم خالف نفسك واكسرها وافعل ما فيه مرضاة الله تبارك وتعالى لأنه في بعض الأحيان قد يكون السكوت ناشئًا ليس عن حب العمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم بل ناشئًا عن استحقار النفس لمن تتكلم معه وقد يكون السكوت أحيانًا ناشئًا عن حب إدعاء صلاح حتى يظن الناس أن هذا الإنسان كثير السكوت فيمدحونه بذلك فإذا وجد الإنسان من نفسه ميلا إلى السكوت بناء على شهوة النفس لا بناء على ما يطلبه الشرع فليتكلم وليكسرها وإذا وجد من نفسه ميلا إلى الكلام بناء على شهوة النفس لا بناء على ما يطلبه الشرع فليكسر نفسه وليصمت. وربما تكلم العبد بكلمة تخرجه من الإسلام ويصير بها كافرًا واقعًا في الخسران الأبدي والعياذ بالله تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها (يعني يظن أنه لا ضرر فيها لا يظهر له الضرر الذي فيها) يهوي بها في النار أبعد مما بين المشريق” والمغرب فينبغي على الإنسان أن يكون متنبهًا أن لا يورده لسانه المهالك ويفهم من هذا الحديث أن الإنسان يقع في الكفر بمثل هذه الكلمات ولو لم يعرف أنه كفر لا يشترط أن يعرف الإنسان أن ما يقوله كفر مخرج من الإسلام حتى يقع في الكفر ويخرج من الإسلام بذلك الله يعيذنا من مثله. قال رسول الله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره الشرح: فليكرم جاره يعني بالإحسان إليه بكف الأذى عنه بتحمل ما يصدر منه إذا استعانك أعنته إذا طلب منك قرضًا أقرضته إذا افتقر جودت عليه إذا مرض عودته وزرته إذا مات اتبعت جنازته إذا أصابه خير فرحت له وهنأته إذا أصابته مصيبة حزنت له وعزيته إذا بنيت بقربه لم ترفع بناءك عليه بحيث تحجب عنه الريح والضوء إلا بإذنه وإذا اشتريت فاكهة مثلا أهديت إليه فإن لم تفعل أدخلتها سرًا حتى لا ينكسر قلبه ولا تترك ولدك يخرج بما عندك مما ليس عنده حتى يغيظ به ولده ومثل الفاكهة غيرها مما يشبهها وإذا طبخت لم تؤذه بغبارك وإذا عملت في بيتك لم تؤذه بما تشتغل في بيتك إلى غير ذلك من الأمور التي ينبغي أن يتصرف بها الجار مع جاره من وجه الإكرام والإحسان والجار هو من كان بقربك إلى أربعين دارًا من كل جهة عن يمينك أربعين وعن شمالك أربعين ومن أمامك أربعين ومن خلفك أربعين فإذا لم تستطع أن تكرم جيرانك كلهم فعليك بمن هو أقرب إليك بابا السيدة عائشة رضي الله عنها قالت للرسول عليه الصلاة والسلام إن لي جاريين وأنا أريد أن أُهدي واحدًا منهما ما عندي ما أُهدي الاثنين أي لأي منهما أهدي قال عليه الصلاة والسلام إلى أقربهما بابا”. والجيران ثلاثة كافر ومسلم غير رحم ومسلم رحم فالكافر يُعرف له جواره على ما يليق به والمسلم الذي هو رحم لك ليس قريبًا لك يعرف له جواره وحق إسلامه والجار الذي هو قريب لك يعرف له جواره وحق قرابته وحق إسلامه. ومن أمثلة إكرام الجار ما حصل مع سهل البوستري كان له جار مجوسي انفتح خلاء هذا المجوسي إلى دار سهل فبقي سهل مدة من الزمن ينحي في الليل أي ينظف في الليل ما يجتمع من القذر عنده إلى أن مرض فدعا المجوسي وأخبره بالحال من عندك خلاءك منفتح إلى عندي وانا أخشى أن لا يتحمل الورثة ما أتحمله أنا منك فأصلح خلاءك فتعجب المجوسي قال له أنا لست على دينك وتعاملني هذه المعاملة مد يدك فمد يده فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ودخل في دين الله تعالى. فمن أدى حق الجار فقد رحمه الله ووفقه إلى خير كثير وألهمه الإمتثال لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الحديث ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه فالإحسان إلى الجار أولى من الإحسان إلى كثير غيره كما أن إيذائه أشد من ايذاء كثير غيره وفي حديث الشيخين مرفوعًا والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قال ذلك النبي عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات معناه لا يكون إيمانه كاملا والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بواقه يعني الذي لا يأمن جاره من أن يظلمه الذي يظلم جاره ولا يتورع عن ظلمه وإيذائه بغير حق هذا لا يكون إيمانه كاملا عند الله تعالى وفي الحديث الآخر:”ما آمن بي أي لم يكمل إيمانه من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به”. من هذا كله نعرف ما هو مقدار حق الجار وإلى أي حد أوصى نبينا عليه الصلاة والسلام بالجار وكان أسلافنا يعرفون هذا الحق ويعاملون جيرانهم كأن الواحد منهم من رحم الشخص وأهل بيته وهذا أمر في أيامنا صار في كثير من المواضع كالمنقرض بل إن كثيرًا من الناس لا يعرف الواحد منهم ماهو اسم جاره ومن هو جاره لم يزره قط ولم يحسن إليه قط ولا سلم عليه قط ولا نظر في حاجته قط ولا تفقده قط ولا أعانه قط ولا ساعده قط ولا واساه في مصيبته قط وهذا من التقصير العظيم الذي لا ينبغي أن يكون عليه المسلم. وإذا كان الإنسان قد وقع في مثل هذا التقصير فما أجدره أن يبادر إلى الاستدراك أن يستدرك هذا فيزور جيرانه ويتعرف عليهم وينظر إلى حاجاتهم وإن كان فيهم من لم يتعلم علم الدين يسعى في تعليمه وإذا كان فيهم من هو فقير محتاج من أهل الضرورات يسعى في سد فقره وحاجته وهكذا ينبغي أن يكون المسلم مع المسلم نسأل الله أن يوفقنا لذلك. قال رسول الله: ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه الشرح: أنظر النبي عليه الصلاة والسلام في كل جملة من هذا الحديث بدأه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر دلالة على أهمية كل أمر من هذه الأمور الثلاثة فليكرم ضيفه بأن يبش في وجهه بأن يطيب الحديث معه بأن يُعجل خدمته بما حضر عنده بأن يُعجل إطعامه بما وجد في بيته ولا يؤخر ذلك وأن يضيفه ثلاثة أيام يكرمه فيها على قدر وسعه ثم إذا مضت الأيام الثلاثة ودعه بلطف واعتذر عن التقصير في حقه. وقد روى البيهقي أن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان يسمى أبا الضيفان وكان كلما أراد أن يأكل مشى وخرج إن لم يوجد عنده من يأكل معه مشى وخرج وبحث حتى يستضف إنسانًا يأكل معه وذلك لما لهذه الخصلة من الفضل وقال ابن غبيرة في هذا الحديث من الفقه أن يعتقد الإنسان أن إكرام الضيف عبادة لا ينقصها أن يضيف غنيًا لو كان ضيفه غنيًا هذا لا ينقص هذه العبادة عن رتبتها التي هي عليها ولا يعيرها أن يقدم إلى ضيفه اليسير مما عنده إذا لم يكن عنده إلا القليل فقدمه إلى ضيفه هذا لا يعير إضافته له فإكرامه أن يسارع إلى البش في وجهه ويطيب الحديث له وعماد أمر الضيافة إطعام الطعام فينبغي أن يبادر أن يُسرع بما فتح الله عليه من غير كلفة إلى آخره وعلى كل حال فالزيادة في إكرام الضيف ليست من الإسراف كان شيخنا رحمه الله يأكل المرق والخبز وإذا جاءه ضيف يشتري له اللحم والخبز يكرمه بذلك حتى إنه روي عن بعض السلف أنه قال:” لو أن الدنيا جمعت حتى تكون في مقدار لقمة ثم أخذها امرىء مسلم فوضعها في فم أخيه المسلم لما كان مسرفًا” وقال آخر: “لو أن الدنيا كلها في لقمة ثم جاءني أخو لي لأحببت أن أضعها في فيه”. وحصل أن زرت مع أحد إخواني الشيخ أحمد الحصري وهو فقيه شافعي كان يعيش في معرة النعمان لما زرته وكان مسنًا كبير السن حتى إنه كان يصلي النفل وهو قاعد مع هذا فإنه رحمه الله تعالى استضفنا ولم يتركنا نخرج من عنده بل أصر أن نبيت عنده في بيته قدم لنا الطعام وخدمنا بنفسه عند الطعام ثم بعد ذلك رتب لنا مكان النوم ثم بعد ذلك لما أفقنا لصلاة الصبح وجدناه قام بنفسه فاوقد النار حتى سخن الماء لعل أحدًا منا يقوم جنبًا فيحتاج للماء للإغتسال فعل هذا كله بنفسه مع كبر سنه رحمه الله تعالى وإنما فعل ذلك قيامًا بحق إكرام الضيف الذي حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحمه الله وصلى الله على سيدي رسول الله ووفقنا الله تعالى للعمل بمضمون هذا الحديث. قال المؤلف: رواه الشيخان الشرح: هذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه أيضًا والله تبارك وتعالى أعلم.