fbpx

الأربعون النووية – الدرس 22

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله شرح كتاب الأربعين النووية الحديث الثامن عشر الحمد لله ربّ العالمين له النّعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبة الطيبين الطاهرين. كلامنا اليوم إن شاء الله تعالى يكون في الحديث الثامن عشر الأربعين النووية قال المؤلف: الحديث الثامن عشر عن أبي ذر جندب بن جنادة الشرح: أبو ذر أسلم قديمًا اسمه جندب أسلم قديمًا قبل الهجرة ثم علم النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يقدر على المكث في مكة فأمره أن يرجع إلى قومه بعد أن هاجر النبي عليه الصلاة والسلام رجع إلى المدينة وهاجر إلى المدينة وكان من أكثر الصحابة زهدًا وأصدقهم لهجة حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: “ما أظلت الخضراء (أي السماء) ولا أقلت الغبراء (أي الأرض) أصدق لهجة من أبي ذر”. رضي الله عنه مات في الربذة الربذة قريب من المدينة خارج المدينة سنة ثلاثين وصلى عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال المؤلف: عن أبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما الشرح: أيضًا روي هذا الحديث عن معاذ بن جبل الأنصاري أحد من جمع القرءان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له النبي عليه الصلاة والسلام:”إني أحبك” وسبق أن ذكرنا بعضًا من ترجمته شيئًا من ترجمته. قال المؤلف: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشرح: قال لكل واحد منهما أما أبو ذر فلما أراد أن يترك مكة ويرجع إلى قومه قديمًا لما أسلم قبل الهجرة لما أراد أن يترك مكة ويرجع إلى قومه أوصاه النبي عليه الصلاة والسلام بوصايا بما ذكر هنا أما معاذ لما بعثه النبي عليه الصلاة والسلام إلى اليمن معلمًا وقاضيًا أوصاه بهذا وحديث أبي ذر أقوى من حديث معاذ. نعم وفيه أيش فيه. قال رسول الله: اتق الله حيثما كنت الشرح: اتق الله حيثما كنت في مكة وغيرها في المسجد وغيره في الخلوة وفي الملأ رأك الخلق أو لم يراك الخلق اتق الله معناه أد الواجبات واجتنب المحرمات أد الواجبات كلها واجتنب المحرمات كلها ولا تخالف اتق الله يعني اتق مخالفة أوامر الله تبارك وتعالى بقلبك لا تخالف وببدنك لا تخالف وهذا أي تقوى الله هو الطريق الذي لا يصل الواصلون إلى مرضاة الله تبارك تعالى بدونه وإذا سلكه الإنسان نال عند الله المرتبة العالية كما دل على ذلك قول الله عزّ وجلّ :{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63)} ءامنوا وكانوا يتّقون هذا هو الطريق الذي لا يصل الواصل إلى رضى الله عزّ وجلّ بدونه وفي الحديث القدسي: {ما تقرب إليّ عبدي بشىء أحب إليّ مما افترضت عليه} وهو يدل على ما قلناه. قال رسول الله: وأتبع السيئة الحسنة الشرح: يعني إذا فعلت سيئة فباشر عقبها الحسنة بعد السيئة باشر الحسنة الظاهر من الحديث أن المراد الحسنة أي العمل الصالح إذا عملت سيئة أتبعها بالحسنة وقال بعضهم المقصود التوبة بالحسنة هنا وقال بعضهم إما العمل الصالح وقال بعضهم غيرك ذلك. قال رسول الله: تمحها الشرح: تمحها فإذا فُسر الحديث بأنك إذا عملت سيئة اعمل عملا صالحًا بعدها فهذا العمل الصالح بثوابه يمحو هذه السيئة كان المقصود بالسيئة هنا الذنب الصغير لأن الذنب الصغيرة إذا عملها الإنسان ثم بعد ذلك عمل عملا صالحًا فإن العمل الصالح الذي يعمله يمحو هذا الذنب يمحى هذا الذنب الصغير. نعم لا بد أن يتوب الإنسان بكل حال إذا عمل معصية صغيرة ثم بعد ذلك عمل عملا صالحًا ليس معناه أنه لا يجب عليه أن يتوب لا بد أن يتوب لأنه لا يدري قُبل عمله أو لم يقُبل عمله والتوبة قد أمر الله بها فلا بد أن يتوب من هذه المعصية الصغيرة لكن إذا قُبل عمله الصالح الذي عمله بعد المعصية فإن معصيته تمحى كما قال ربّنا عزّ وجلّ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. هذا بالنسبة للذنب الصغير أما الذنب الكبير فلا يُمحى إلا بالتوبة لا يزول إلا بالتوبة وقد يغفره الله تبارك وتعالى بعمل حسن يعمله الإنسان الأصل في الصغيرة أنها إذا عمل الإنسان بعدها عملا صالحًا تغفر أما الذنب الكبير فلا بد فيه من التوبة وقد يمحوه الله تعالى بعمل صالح يعمله الإنسان كما جاء في هذه البغي التي كانت تزني مقابل المال في بعض الأمم السابقة ثم إنها يومًا رأت كلبًا يدلع لسانه من العطش فنزعت خفها فاستقت له ماء من البئر الكلب عطش عطشًا شديدًا ولا يستطيع أن يصل إلى الماء فاستقت بخفها ماء فسقته فعلت هذا بنية خالصة لوجه الله تبارك وتعالى فغفر الله عزّ وجلّ لها غفر لها ذنب الزنا الذي هو ذنب عظيم بهذه السُقية بهذا العمل الخفيف الذي عملته طلبًا لرضى الله تبارك وتعالى وأيضًا تغفر الكبيرة من الكبائر بإقامة الحد الشرعي على فاعلها إذا أقام الخليفة الحد على من فعل كبيرة من الكبائر تغفر الكبيرة بهذا الحد كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:”الحدود كفارات” وقد صح من حديث عبادة بن الصامت أنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:”بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئًا فوعقب به فهو كفارة له (ومن أصاب من ذلك شيئًا فوعقب به أٌقيم عليه العقاب بذلك في الدنيا فهو كفارة له) ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفره له” فدل هذا الحديث كأحاديث أُخرى على أن العقوبات الشرعية التي يعاقب بها من أتى ذنبًا من الذنوب في الدنيا كفارات لهذه الذنوب وقد جاء في رواية مسلم:”من أتى منكم حدًا (أي معصية فيها حد) فأقيم عليه فهو كفارة”. وكذا من الكفارات للذنوب المصائب والأسقام والآلآم تنزل بالإنسان فيصبر ولا يتسخط على الله ولا يعترض على الله ويصبر لوجه الله تبارك وتعالى ويحتسب فإنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”لا يصيب المسلم نصب ولا وصب (يعني مرض أو ألم) ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه”. وفي حديث آخر:”ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على وجه الأرض ما عليه خطيئة” معناه يبقى البلاء أحيانًا يأتي العبد فيصبر فيأتيه البلاء فيصبر ثم يأتيه البلاء فيصبر يستمر على ذلك حتى تغفر كل ذنوبه فيصير يمشي على وجه الأرض وليس عليه ذنب. وإذا اجتنب الإنسان كبائر الذنوب وفعل بعض الصغائر بحيث لا تزيد صغائره على حسناته فإن الله تبارك وتعالى يغفرها له إذا مات على ذلك تكون صغائره مغمورة في جنب حسناته فمن مات مجتنبًا للكبائر غير مصر على الصغائر لا يعذبه الله في الآخرة على الصغائر التي عملها يغفرها الله له. ومعنى الإصرار على الصغائر أن يفعل الصغيرة بعد الصغيرة حتى يزيد عدد صغائره على عدد حسناته فإذا زاد عدد صغائره على عدد حسناته كان ذلك كبيرة صار واقعًا في كبيرة يقال لها الإصرار على الذنب وذلك لأن استمراره على فعل هذه الصغائر واحدة بعد واحدة إصراره على ذلك حتى زادت على عدد حسناته يدل على قلة مبالاة من جانبه بالدين يدل على قلة مبالاة من ناحيتة بالدين وقلة المبالاة هذه وفعل هذه الأفعال وقلة المبالاة هذه إلى هذا الحد ذنب عظيم من كبائر الذنوب. فإذا مات الإنسان وعليه ذنوب صغيرة ليس عليه كبائر لكن عليه ذنوب صغيرة تزيد على حسناته فهو قد مات واقعًا في الكبيرة وهو تحت مشيئة الله تبارك وتعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه في النار ورحمة الله واسعة ولا يهلك على الله إلا هالك يعني مع رحمة الله الواسعة لا يهلك إلا المفرط الذي هو شديد التفريط نسأل الله تبارك وتعالى أن يعافينا من ذلك. وأما العكس وهو اتباع الحسنة السيئة يعني إذا فعل حسنة ثم أتبعها سيئة هل يؤثر هذا على حسنته؟ الجواب: إن كانت هذه السيئة ردة أثرت فإن المسلم إذا كفر بعد الإسلام حبطت كل حسناته ذهبت كل حسناته فإذا رجع إلى الإسلام بعد ذلك لا ترجع هذه الحسنات يمحى عنه الكفر أما الحسنات فلا ترجع إليه. وأيضًا هناك معصية تذهب الثواب فإذا فعلها تذهب ثواب العمل وهذه المعصية هي المنّ بالصدقة إذا تصدق إنسان على إنسان آخر بمال ونحوه ثم بعد ذلك صار يمنّ عليه بهذه الصدقة يعني يذكره بها حتى يؤذيه ويكسر قلبه أليس أنا كنت أعطيتك كذا وكذا يقول هذا حتى يكسر قلبه فإن هذا المنّ بالصدقة يذهب ثواب تلك الصدقة التي كان قد تصدقها عليه. قال رسول الله: وخالق الناس بخلق حسن الشرح: وعامل الناس بخلق حسن والخلق الحسن عبارة عن أمور ثلاثة: 1 – كف الأذى عن الغير 2 – وتحمل أذى الغير 3 – والإحسان إلى الغير أحسن إليك أو أساء هذه الثلاثة عبارة عن حسن الخلق أن تكف أذاك عن غيرك لا تؤذي غيرك إذا آذاك غيرك فتحمل ولا يخرجك هذا عن الصبر ولا يدفعك إلى مقابلته بمعصية إلى أن تعصي الله تبارك وتعالى ولا إلى أن تقابله بقبيح. والأمر الثالث أن تحسن إلى الناس من أساء إليك ومن أحسن حتى لو أساء إليك الشخص لا تقطع إحسانك عنه أن تحسن إليه أحسن إليك أو أساء وهذه الخصلة حسن الخلق خصلة حميدة درجة عالية رفيعة. حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إن الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم” رجل يكثر من الصلاة من القيام من الصلاة في الليل لكنه ليس حسن الخلق رجل آخر يكثر من الصيام في النهار لكنه ليس حسن الخلق يكثر الرجل من الصيام والقيام لكنه ليس حسن الخلق وآخر ليس عنده من الصيام والقيام بقدر ما عند هذا الأول لكنه حسن الخلق بسبب حسن خلقه في ميزان الآخرة يُثّقل ميزانه يكون بدرجة هذا الصائم القائم وذلك لما لحسن الخلق من الفضل عند الله تبارك وتعالى. وعلى هذا الأمر مضى النبيون وعليه درج الصالحون والمرشدون العارفين كما قال ربّنا تبارك وتعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} خذ العفو معناه إقبل ميسور من أخلاق الناس ولا تستقصي عليهم فيستقصون عليك لا تفتش عن عيوبهم فيفتشون عن عيوبك عند ذلك لا تضيقوهم فإنهم يضايقونك عاملوهم معاملة سهلة كن سهلا في معاملتك مع الناس وأمر بالعرف أي مر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين أي لا تقابل من أساءإليك بالاساءة وقال سبحانه:{َلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} وهذا كله من محاسن الأخلاق التي أمر بها ربّنا عزّ وجلّ المؤمنين وكان النبي عليه الصلاة والسلام بلغ في ذلك أعلى درجة كان المشركون بعض المشركين إذا خرج النبي عليه الصلاة والسلام وضعوا على بابه الفروث والألحام والدماء فإذا رجع وجدها على باب بيته فيزيحها بسية قوسه بطرف قوسه يزيح هذه الأوساح ويقول: “ما معشر قريش ما أسوأ جواركم”. وكالأنبياء مضوا الصالحون على ذلك أذكر مثالا عن حسن الخلق ودفع السيئة بالحسنة روى ابن أبي الدنيا أن عليا زين العابدين كانت بينه وبين ابن عم له يقال له الحسن كانت خصومة فجاء الحسن إلى علي زين العابدين وهو مع أصحابه في المسجد فما ترك شيئًا إلا قال له يعني عابه عيبًا شديدًا ذكّره بصفات قبيحة كثيرة وعلي ساكت فانصرف حسن إلى بيته علي ما رد عليه شيئًا ثم في الليل دُق الباب على الحسن ففتح فإذا علي زين العابدين ببابه فقال له: يا أخي إن كنت صادقًا فيما قلت لي أسأل الله أن يغفر لي وإن كنت كاذبًا أسأل الله أن يغفر لك السلام عليكم”. وذهب كان هذا ما حصل منه فلما فعل ذلك لحقه الحسن والتزمه ضمه وبكى بكاء شديدًا ندمًا على ما حصل منه تجاهه ثم قال لا جرم لا عدت في أمر تكرهه فقال له عند ذلك علي زين العابدين: وأنت في حل كما قلت لي”معناه وأنا قد سمحتك على ما صدر منك تجُاهي. قال المؤلف: رواه الترمذي وقال حديث حسن وفي بعض النسخ حسن صحيح الشرح: هذا الحديث رواه الترمذي وغيره رواه الإمام أحمد وأيضًا وغيرهما وهو حديث حسن على ما قاله رحمه الله تعالى.