الشيخ سمير القاضي
شرح الأربعين النووية
الحديث الواحد والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى أحمده وأستعينه وأستهديه وأشكره وأُصلي وأُسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
الله اسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يرزقنا النية الصافية أمض بارك الله فيك
قال القارئ: الحادي والعشرون
الشرح: كلامنا الآن إن شاء الله على الحديث الحادي والعشرين من الأربعين النووية نعم
قال القارئ: عن أبي عمرو وقيل أبي عمره
الشرح: عمره تأنيث عمرو عن أبي عمرو وقيل أبي عمره بعضهم قال كنيته أبو عمر وبعضهم قال كنيته أبو عمره نعم
قال القارئ: سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال
الشرح: سفيان بن عبد الله الثقافي من بني ثقيف من الطائف رضي الله عنه كان عاملاً لسيدنا عمر على الطائف كان واليًا على الطائف من قبل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنهما نعم
قال القارئ: قال قلت يا رسول الله قل لي في الاسلام قولا
الشرح: قل لي في الاسلام خصني يا رسول الله قل لي خصني بقولٍ لا أسأل عنه بعدك أحدًا عن الاسلام عن كمال الاسلام قل لي في الإسلام أخبرني يا رسول الله أنا مهتمٌ بأن أعرف بأيشن يكون كمال الإسلام خصني نعم قل لي في الإسلام
قال القارئ: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك
الشرح: أعطني قل لي عبارةً كافيةً شافية واضحة لا أحتاج أن أسأل عنها بعدك أحدًا من الناس أكتفي بها نعم
قال القارئ: قال قل ءامنت بالله
الشرح: قل ءامنت بالله معناه مع تصديق القلب أي وبما يلزم من ذلك ويتبعه من الاعتقادات ءامنت بالله أي وبالرسول أي وبكل ما أخبر عنه الرسول عليه الصلاة والسلام ءامنت بالله وبكتابه وبرسله وبملائكته وباليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره وبالقدر خيرهِ وشرهِ هذا المقصود نعم
قال القارئ: ثم استقم
الشرح: ثم استقم لأن أغلب الناس هذا لا يدل على أن الإيمان أقل رتبة من الإستقامة لأ هذا ليس لترقي من الأدنى إلى الأعلى لأ إذًا لماذا هذه ثم هذه ثم لأنه في العادة في غير الأنبياء الطاعةُ تكون متأخرةً عن الإيمان أولًا الإنسان يؤمن ثم بعد ذلك يطيعُ في غير الأنبياء الأمر هكذا فهذه ثم لترتيب الوجود لبيان الترتيب في الوجود قل ءامنت بالله ثم استقم وهذه الكلمة من جوامع الكلم التي أُتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أمره أن يجدد إيمانه بلسانه بقوله ءامنت بالله متذكرًا بقلبه مع الاعتقاد بقلبه وأمره بالإستقامة ما معنى الإستقامة معناها الثبات على الطاعة الإستقامة معناه الثبات مع الطاعة والإستقامة لا تتأتى مع أي شيء من الأعوجاج لا يقال عن الشيء مستقيم إذا كان فيه إعوجاج إذًا قل ءامنت بالله ثم استقم أي اثبت على ءاداء الواجبات كلها واجتناب المحرمات كلها بحيث لا ينخرم ذلك ولا يكون في استقامتك أي شيءٍ من الإعوجاج هذا معنى الإستقامة التي في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)} إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ءامنوا بالله ووحدوه ثم استقاموا على الطاعة إستقاموا على الإيمان وعلى الطاعة لم يقعوا في معصيةِ الله لم يقصروا في أداء الواجبات ولا قصروا في إجتناب المحرمات هؤلاء لا خوفًا عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله ولا هم يحزنون على ما خلّفوا وتركوا ورائهم في الدنيا إذا هم فارقوها.
وهذا الذي ذكرناه هو المروي عن ابن عباس وعن عمر بن الخطاب وغيرهما رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.
وكما قلنا ثم هنا ليست لترقي إنما هي لترتيب في الوجود لأن الإستقامة تكون عادةً في أغلب الناس بعد الإيمان يؤمن ثم بعد مدة يستقيم فثم لبيان الترتيب في الوجود أن الإستقامة عند أغلب الناس تكون بعد الإيمان إذًا ليست ثم هنا دالة على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة ما معنى هذا معنى هذا أن الكافر متوجهٌ إليه الأمر بالإيمان ومتوجهٌ إليه الأمر بالصلاة ومتوجهٌ إليه الأمر بالصيام ومتوجهٌ إليه الأمر بترك السرقة ومتوجهٌ إليه الأمر بترك الزنى ومتوجهٌ إليه الأمر بترك القتل بغير حق متوجه إليه الأوامر والنواهي هو مخاطبٌ بها لكن لا يصح أن يصلي ولا أن يصوم ولا أن يحج ولا أن يزكي إلا بعد أن يُسلم لأنه شرط في صحة هذه الأعمال الإسلام إذًا أمره بالصلاة معناه أسلم وصل أسلم وزك أسلم وحج وهكذا فالكافر تتوجه إليه الأوامر وتتوجه إليه النواهي طيب إذا كان لا تصح منه الصلاة إلا بعد أن يسلم ما فائدة أي ما ثمرة توجه الأمر إليه فائدة ذلك يعني ثمرة ذلك أنه يعذب في الآخرة على ترك الصلاة كما يعذب على ترك الصيام كما يعذب على ترك الإيمان كما يعذب على فعل المعاصي كما يعذب على أكل الميته كما يعذب على شرب الخمر كما يعذب على القتل بغير حق إلى آخره فهذه فائدتها لأن الله تبارك وتعالى قال: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} إلى ءاخر الآيات لم نك من المصلين فإذن يعاقب الكافر على تركه الصلاة كما يعاقب على كفره ثم إذن هنا لا تدل على أنه يخاطب الكافر بالأوامر والنواهي بعد أن يسلم لأ ليس معنى قل ءامنت بالله ثم إستقم أنه قبل أن تؤمن بالله لست مأمورًا أيها الكافر بالإستقامة لا إنما ثم هنا بس فقط لبيان الترتيب في الوجود فلا تدل على أن الكافر ليس مأمورًا بالمأمورات وليس منهيًا عن المحرمات.
الخلاصة: أن من آمن بالله تبارك وتعالى ووفقه الرب سبحانه إلى توحيده وعرف جلال الخالق وشمول علمه عزّ وجلّ وتمام قدرته فينبغي عليه أن يدور مع ما أُمر به وأُرشد إليه كيف ما دار إقرارًا ورضًا وتسليمًا وطاعة ينبغي عليه أن يلزم كمال المحبة لله أن يبقى على كمال المحبة لله وهذا يستلزم أن يطيع الله تبارك وتعالى ولا يحيد عن ذلك كما قيل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في الفعال عجيبُ
لو كان حبك صادقًا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
ولذلك لم يتحل بالإستقامة ولم يطقها إلا الأكابر لأن فيها خروجًا عن المعهودات فيها خروجٌ عن الرسوم المعتادة بين كثير من الناس فيها خروج عن ما ألفه الإنسان في كثير من أموره لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: “إستقيموا ولن تحصوا” يعني أغلب الناس لن يطيقوا أن يستقيموا الإستقامة التامة التي ليس فيها أدنى خلل إستقيموا ولن تحصوا وجاء في الحديث الآخر: “يا أيها الناس إنكم لن تُطيقوا ولن تفعلوا كل ما أمرتكم به ولكن سددوا وأبشروا” معناه إعملوا جهدكم في آداء الواجبات وإجتناب المحرمات فإذا حصل من واحد منكم خللٌ في بعض الأيام خللٌ في بعض الأحيان فترك واجبًا أو عمل معصية فليسرع بالتوبة قبل الموت وليستبشر إذا فعل ذلك بنعيم الله تبارك وتعالى وبعفو الله عزّ وجلّ وبمغفرته أسأل الله أن يوفقنا إلى الإستقامة على طاعته وأن لا نكون من الذين يعوجون ويروغون كما يروغ الثعلب
قال القارئ: رواه مسلم
الشرح: روى هذا الحديث مسلم والترمذي وابن ماجة وغيرهم والله تبارك وتعالى أعلم.