برنامج: في بيت رسول الله
الحلقة: 006
عنوان الحلقة: دعاء رسول الله ﷺ
كيف كان دعاء النبي محمدٍ عليه الصلاة والسلام فنحن في شهر الخير نرجو الله تبارك وتعالى وندعوه ونقتدي برسول الله ﷺ في دعواتنا من دعا له رسول الله ومن دعا عليه متى دعا رسول الله وأين دعا وكيف دعا وماذا دعا وقال، النبي عليه الصلاة والسلام علَّمنا كيف نعيش وعلمنا كيف نتعبد وعلمنا كيف ندعو الله تبارك وتعالى، فكان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام أنه قيل مرة يا رسول الله إن دَوسًا قد عصت بغت ظلمت فادعُ عليهم فرفع النبي عليه الصلاة والسلام يديه وقال “اللهم اهدِ دوسًا وأتِ بهم مؤمنين” فآمنت قبيلة دوس، وكان النبي عليه الصلاة والسلام سُئِل مرةً أن يدعو على قومٍ كافرين فقال إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعَّانًا ولكن هناك من ظلم وهناك من كفر فدعا عليه رسول الله ﷺ فمما يُروى أن ولدًا لأبي لهب تزوج بنت النبي عليه الصلاة والسلام وذلك قبل أن ينزل الحكم بتحريم ذلك أي بتحريم أن تكون المؤمنة تحت كافر، ثم جاء هذا الرجل ذات يوم وسبّ رسول الله ﷺ في وجههِ وبصق في وجه رسول الله ﷺ، وقال أنا كافرٌ برب النجم، وذلك عندما نزل قوله تعالى [والنجم] فقال النبي عليه الصلاة والسلام اللهم سلِّط عليه كلبًا من كلابك. هذا الرجل ولد أبي لهب سافر مع أبيه مع جماعة من الناس وفي أثناء السفر كانت تتردد دعوة النبي عليه الصلاة والسلام في قلبه، دائمًا يتذكرها، دعا علي محمد، مع أنه لم يكن مسلمًا، لم يكن مؤمنًا إلا أنه يعرف صدق سيدنا محمد، فكان خائفًا وكان يكلم أصحابه يكلم من حوله فيقول له رفقته نحن معك لا تخف، إلا أنه كان خائفًا، ثم لما وصل إلى أرض حوران صار يسمع زئير أسد فطلب منهم إذا باتُوا أن يبيت وسطهم وأن يجعلو أمتعتهم حوله حتى يحموه، لربما جاء أسدٌ أو كلبٌ فيكونُ هو ءاخر من يصل إليه الكلب أو الأسد. وفي جوف الليل جاء أسدٌ يتشممهم واحدًا واحدًا وكأنه يبحث عن مطلوبٍ له، ثم نظر في الأمتعة فقفز فوق الأمتعة ودخل إلى ولدِ أبي لهب وجعل أنيابه في صدغيه، وجعل ابنُ أبي لهبٍ يقول ألم أقل لكم إن دعوة محمدٍ لا ترد، وكان هذا آخر كلامه قبل أن يقبض.
فهذه دعوة النبي عليه الصلاة والسلام وقد دعا رسول الله لكثير من الصحابة، فيروى مثلًا أن رجلًا يقال له عمرو بن أخطب الأنصاري طلب النبي عليه الصلاة والسلام ماءً فجاء عمرو بن أخطب بقدحٍ فيه ماء، وناوله رسول الله ﷺ فوجد فيه شعرةً فنزعها عمرو بن أخطب فورًا قبل أن يشرب رسول الله ﷺ، فلما رأى رسول الله ذلك قال اللهم جمّله أي دعا له بالجمال، قال راوي الحديث رأيت عمرًا وهو ابن تسعين سنة وليس في لحيته شعرةٌ بيضاء زيادةً في جماله، كما يروى أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا لأنس بن مالك خادمه، كان قد خدمه تسع سنين في السفر وفي الحضر وقد رأى من بركة رسول الله ﷺ الكثير الكثير الكثير، دعا له رسول الله ﷺ بطول العمر وبكثرة المال وبكثرة الولد، فيقال عاش بعد المائة بعضهم يقول عاش مائةً وعشرين سنة، وأما كثرة المال فكان كل النخل يثمر في العام مرة إلا نخل أنس بن مالك كان يثمر في العام مرتين، وأما الولد فيقال إن أنس بن مالك قد رزق مائة وعشرين ذكرًا،كل هذا ببركة دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، أما كيف ندعو وماذا ندعو وكيف نسلك أسباب استجابة الدعاء فنتعلم ذلك من رسول الله ﷺ، وهو مقصد الناس مقصد المضطرين، مقصد المحتاجين، هو مقصدٌ لكل من أراد البركة ومن أراد الخير ومن أراد الفلاح. رسول الله ﷺ تأتيه الناس من أقطار الأرض تسأله دعوةً لأن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام ليست كدعوة أحد، فعلمنا الرسول عليه الصلاة والسلام أولًا إذا أردنا الدعاء أن نكون على طهارة وأن نستقبل القبلةَ، وأن نرفع أيدينا لقبلة الدعاء وهي السماء لا لسُكنى الله فيها، كما وعلمنا أيضًا أن نفتتح الدعاء بالثناء على الله وبالصلاة وبالسلام على نبيه محمدٍ عليه الصلاة والسلام، فنقول مثلًا باسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، ونباشر بالدعاء كما وعلمنا أن من أسباب استجابة الدعاء طيب المأكل وطيب المشرب وطيب الملبس، بأن تكون من مال حلال فقد علمنا النبي عليه الصلاة والسلام عن حال رجلٍ مأكله حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام يقول يا ربي يا رب قال عليه الصلاة والسلام أنّى يستجاب له، أي من أين تأتيه استجابة الدعاء وقد سلك أسباب الحرام.
إخوتي ومن أسباب استجابة الدعاء الإخلاص أن يخلص الإنسان في دعوته، وأن يستشعر عظمة من يدعوه ويسأله وأن يحب الله تعالى أحب موجود إلى قلبه، فالله تعالى أكرم كريم، والله تعالى قادرٌ على كل شيء، لا يعجزه شيء، ليس على الله بعزيز ما نسأله وما ندعوه به، هذا كله من أسباب استجابة الدعاء، على أن النبي عليه الصلاة والسلام قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فلنكثر من الدعوات في سجداتنا لا سيما في الليالي المباركة، كذلك من أسباب استجابة الدعاء دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب. فقد ورد في الحديث أن ملَكًا يؤمِّن على دعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب يقول ءامين ولك بالمثل.
كذلك تستجاب دعوة الوالد لولده، أو دعوة الولد الصالح لأبيه، وكذلك علمنا النبي عليه الصلاة والسلام دعاء ذي النون وهو واردٌ في القرءان، وأما ذو النون فهو صاحب النون والنون هو الحوت، وهو نبي الله يونس عليه السلام، الذي دعا الله تبارك وتعالى في جوف الحوت في قعر البحر في الظلمات الثلاث في ظلمة الليل وظلمة الحوت وظلمة البحر، كان يقول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، كما وعلم النبي عليه الصلاة والسلام أشياء كثيرة يدعو الإنسان بها تكون سببًا لاستجابة الدعاء. وكان من دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام أن قال اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وقال ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وقال اللهم أصلح لي ديني الذي فيه عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي من كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر.
إخوتي أحبابي في الله، يضطرب بعض الداعين ويسأل سؤالًا علِّمني دعاءً مختصرًا أدعو به ربي عز وجل، لاسيما في هذه الليالي المباركة، فنقول اُنظر إلى هذه الدعوة العظيمة الشاملة، اللهم إني أسألك من خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيك محمد، وأعوذ بك من شرِ ما استعاذَ منه عبدُك ونبيك محمد، فما أجملها من دعوة.
وأخيرًا نقول الدعاء هو سببٌ من الأسباب، وفيه خيرٌ عظيم يعني فيه ثواب من الله، فهو عبادة وهو قربة وهو طاعة، فالدعاء لا يغيّر قضاءَ الله تعالى وقدرَه، فإن قضاءَ الله تعالى لا يتغيرُ لأحد لأن التغير من علامات الحدوث، من علامات المخلوق أما الله تعالى فلا يتغير فقد دعا النبي عليه الصلاة والسلام دعوات، قال سألت ربي ثلاثًا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، وقال الله “يا محمد إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَد”، فقضاء الله لا يتغير لأحد لا لدعوة داع، ولا لصلاة مصلٍ، ولا لصيام صائمٍ ولا لصلة واصل ولا لبِر بار. قضاء الله تعالى وقدره لا يتغير لأحد من الخلق، إذًا لماذا ندعو؟ ندعو الله تعالى لأن الدعاء سبب، نسأل الله بدعائنا تحصيل المسببات والنتائج، كما أن الأكل سبب نحصّل به الشبع، وليس لأن الله تعالى يغير مشيئته وقدره إذا أكلنا أو شربنا الدواء سبب والشفاء مسبب لكن الله تعالى هو خالق الدواء وهو خالق الشفاء، لو كان قضاء الله تعالى يتغير لكان الله تعالى جاهلًا لا يعلم أن عبده سيدعوه، لكن نقول الله تعالى عالمٌ بكل شيء لا يخفى عليه شيء، فالله تعالى يعلم ما كان وما يكون الآن وما سيكون في المستقبل، وما لا يكون بالمرة أن لو كان كيف كان يكون، فلا يتغير علمه ولا تتغير مشيئته ولا تتبدل صفته. يقول الله عز من قائل في سورة ق: “ما يبدل القول لدي”، فالله تعالى ما يتبدل قولُه ولا تتغير مشيئته، اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السماوات والأرض يا ذا لجلال والإكرام نسألك باسمك العظيم الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، أن تغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ربنا أحسن ختامنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا ولا تخرجنا من هذه الدنيا إلا مؤمنين كاملين بحق سيد الأنبياء والمرسلين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.